التيــــه


ســبعونَ* دهراً تمر اليوم على عامِ الخروجِ ...
والدخولْ.
والدخولُ - لمن لا يعي التاريخَ القريبَ السحيقَ -
دخولُ الشـياطينْ.
والخروجُ خروجُ النازحينْ.
فكان الدخولُ يسـاوي الخروجْ.

ويوم خرجنا مع الخارجينَ...
تعلّقَ رَكْبُ الداخلين بأسـتارِ السـحابْ
وبالوا في أفواهِ جبالِ العماليقْ ...
فصارت أوتاداً للخيامْ ...
فاكتسينا خيشاً بعرض الصحاري ...
وطولِ السواحلْ ...
وانزرعنا ...
غاباتِ شوكٍ في الحلوقْ ...
- حلوقِ الخائفين -

واحتملنا قيظَ المشاعر ...
قَرَّ الوعود.
واحتملنا...
ألسنةً مصلتةً تقاتلْ ...
تعملُ في قتلنا ...
وتمن علينا في المحافلْ.
واحتملنا ...
أَلْفَ مُرابٍ يحيا بنا ...
واحتملنا ...
واحتملنا ...

سـبعون دهراً ...
والصغار يكبرون ...
والكبار يقبرون.
الرجالُ يُطحنون في رحى الوطن ...
يُعصرون في السجونْ.
والنساءُ ...
يُصهرن في مواقدِ المِحَن.
والبنون ...
يولدون في الموانيءِ ...
في الشوارعِ ...
في الخيامْ.

اليائسون ...
يَغرقون في مقالب القمامة ...
والصامدون يُحرقون ...
في مجامرِ اليمينِ واليسارْ.

سـبعون دهراً ...
والوطن ...
أرضٌ بلا سماءْ ...
ليلٌ بلا نهارْ ...
وطنٌ ...
بلا وطنْ.

سبعون دهراً ...
والغيثُ ...
لا يبرحُ الصدور.

عوني القرمة
من ديوان "إفتحوا الأبواب للجرح"

* كتبت عام ١٩٨٨م في الذكرى الأربعين للنكبة.
"سبعون" كانت في الأصل: "أربعون"،
ولا عجب فالأمر ازداد قتامة
.