تونس قد تعيد لخبطة المعادلات في ليبيا


ثمة ما يجب ان يفهم اولا وثانيا وثالثا اننا دائما مع خيارات الشعوب في تحديد نظامها السياسي ولسنا معنيين بالصراع الداخلي في تلك الدول وان يخضع موقفنا للتجاذبات الحزبية لصالح هذا الطرف او ذاك. وموقفنا مع من يقف مع قضيتنا الفلسطينية التاريخية حقوق وارض ودولة. ونتمنى الامن والامان والاستقرار والرفاهية للشعب التونسي الشقيق.

منذ عام 2011 لم تستقر تونس ولم يستقر نظامها السياسي وان كانت قد نجحت منذ ذاك الوقت في احداث نوع من التوازع بين متطلبات الدولة العميقة ونتائج الديمقراطية الانتخابية التي احدثتها ما يسمى ثورات الربيع العربي ولكن ما نريد ان نقوله هنا ان الثورات بتعريفاتها المستقرة هي الثورات الناتجة من دافع وطني وليس بدافع من مؤثر خارجي لعب فيها المفكر الصهيوني برنالد ليفي دور المنظر والمصدر للاوامر وكذلك الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي والخارجية الامريكية بقيادة هيلاري كلينتون والرئيس الامريكي اوباما .

خلخة احدثها ما يسمى الربيع العربي تجاه الدولة الوطنية في الوطن العربي والتي اتت بعد الحرب العالمية الثانية ونتائجها والمنتصرين فيها ، حيث كان من اهم مصادر استغلال التناقض في المصالح في المنطقة ضباط وطنيين ، حيث سعت امريكا لطرد الاستعمار القديم بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا من المنطقة ، ولذلك وجدت تلك الانظمة الوطنية بشعاراتها التي لم تستقر على ايديولوجية محددة فهي بين اليمين واليسار والمعسكر الامريكي والمعسكر الشرقي بقيادة ما يسمى الاتحاد السوفييتي ، ولكن كان الفضل لثورة يوليو انها حاولت ان تكون فضاء مستقل من دول عدم الانحياز والاتحاد الافريقي.

المهم هنا ان الانتخابات الاخيرة في تونس افرزت تناقض بين النظام الرئاسي والبرلماني الذي فاز باغلبيته الاخوان المسلمين ، النظام الرئاسي الذي يتنبى سلوك الدولة العميقة ومدعوم من العلمانيين والاخوان المسلمين بطبيعتهم الذي يريدون ان يحققوا نصرا في نظام الحكم وبحالة نرجسية كبيرة فقدتهم كثير من شعبيتهم وخاصة الفتاوي التي اصابت عظم التشريعات مثل حالات الميراث والتطبيق مع اسرائيل وهو تناقص مع سلوك وانتماء الشعب التونسي الذي يتمتع بوطنية عالية وينتمي بجذوره العاطفية والتاريخية للقضية الفلسطينية .

النظام البرلماني عطل كل الرؤى للدولة العميقة ومن هنا حدث التناقض والصراع بين منظومة الرئاسة ومنظمة البرلمان الذي يقوده الغنوشي ، بالقطع ان السيناريو المتبع في تونس الان تم استخدامه سابقا للقضاء على نتاج ونواتج الربيع العربي ولكن المهم هنا ان الدولة الوطنية في تونس وقرارات الرئيس قيس سعيد بتجميد كل عمل الكتلة الانتخابية للاخوان ومؤسساتها وتحرك النيابة العامة للتحقيق في تمويل خارجي ومظاهر من الفساد وتحديات الاخوان للرئيس قيس سعيد سيضع تونس في عدم الاستقرار وربما لتدخلات اقليمية ولكن ما يهمني الان ان نتحدث عن الدور التركي راعي الاخوان المسلمين في المنطقة والمؤيد والداعم لما يسمى الربيع العربي والمتورط في سوريا وليبيا ومن خشية تدخل تركي بناءا على تصريحات مستشار الرئيس التركي ياسين اقطاي واتهام قرارات الرئيس التونسي بانها انقلاب على الديمقراطية الوليدة في تونس ومطالبة المواطنين التوانسة للخروج للشوارع للدفاع عن الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة ،وطالب باسقاط الرئيس التونسي وحصار تونس ومطالبة الدول العربية والغربية المحترمة على حسب تعبيره برفض الانقلاب وفضحهم وداعميهم قائلا ان الوقت كالسيف ومواجهة الانقلاب لا تحتاج لخطب عنترية بل تحركات على " الارض " تشعر من قاموا بها انهم لصوص مطاردون ، اي هنا دعوة لمواجهة عنيفة قد تحدث في المجتمع التونسي وتهدد السلم الاهلي ، اما الخارجية التركية صرحت بان تركيا تشعر بقلق عميق جراء تجمير عمل البرلمان والمطلوب اعادة ارساء الشرعية الديمقراطية في اطار الحكم الدستوري في اسرع وقت ،وحرضت على خروج الشارع التونسي في وجه قيس سعيد حيث قالت " لا يساورنا شك في ان الشعب التونسي الذي تجاوز بنجاح العديد من المراحل سيتغلب على هذا التحدي ايضا .

المشكلة هنا قد تمتد بجذورها ليبيا وتشاد وموريتانيا وفي الغالب ان هناك حشد للمجموعات القتالية الموالية لنظام الاخوان المسلمين في طرابلس ويقدر عددها مع الميليشيات التشادية الثلاث المتمردة على نظام الحكم في تشاد وتقدر ايضا بعدد 25 الف مقاتل وهي تقيم في جنوب ليبيا ، وكما اوردت الانباء على ان هناك حالة طوارئ واستنفار لتلك المجموعات القتالية الموالية لتركيا بالاضافة الى المقاتلين التي ارسلتهم تركيا لليبيا العام الماضي ويشكلون خطرا على حدود تونس .

تلك القوات التي تعسكر في غرب ليبيا وقريبة من الحدود التونسية التي اعلنت حالة الطوارئ والقادرة على التدخل في اي لحظة ، ولكن الموقف في غرب ليبيا ورئيس المجلس الرئاسي الليبي المنفي قد ادان قرارات قيس بن سعيد وايدها رئيس القوات الوطنية الليبية حفتر ، ومن هنا قد يحدث التناقض وينفك العقد الذي تم التوافق عليه بين شرق ليبيا وغربها وبين المنظومة الوطنية في بنغازي ومنظومة الاخوان المسلمين في طرابلس الغرب .

الموقف الان يتركز على موقف تركيا وموقف المنفي والمجموعات القتالية في طرابلس وكيفية تدخلها في تونس اذا طلب منها التدخل من قبل اخوان مسلمين تونس والذي سيحرك الملف الليبي من جديد ويدعو حفتر والجيش الليبي للتحرك ايضا ربما الى طرابلس وربما الى تونس علما بان قوات حفتر من اكثر من شهر وتقدر باكثر من 30 الف جنبي ترابط على حدود الجزائر حماية لاراضي ليبيا من الارهاب .. تلك المهمة المعلنة ولكن ربما المهمة الاخرى ان احداث تونس قد رتب لها من عدة شهور ونقلت تلك القوات الى الحدود الجزائرية التونسية لتكون على اهبة الاستعداد للتدخل في الشان التونسي .

اذا احداث تونس بين مؤيد ومعارض بين دولة عميقة وحزب اتى بالانتخابات بعملية دميقراطية من نتاج ربيع عربي مشكوك بمن موله وخطط له ، لن تقف الاحداث في تونس بل قد تتصاعد الى حرب اهلية تتدخل فيها قوى اقليمية ذات شان بين المؤثر والتاثير على وضعها على حدود تونس وماهية انتظمتها السياسية .

بقم / سميح خلف