شرعية محمود عباس والقمة الثلاثية في شرم الشيخ

مرورا وعابرا وليس تفصيلا وما اشبه اليوم بالبارحة ، نفس الحاجة ونفس المطلب ونفس الظرف الاقليمي مع اختلاف معايير المواجهة مع الاحتلال التي صنعها الشعب الفلسطيني سواء في انتفاضته الثانية عام 2000 وانتفاضة الشيخ جراح والقدس ومعركة سيف القدس التي ادارتها غزة مع الاحتلال .

للتذكير بدأت الانتفاضة الثانية في عام 2000 وخلفت اكثر من 5000 من الجرحى بين الطرف الفلسطيني والاسرائيلي ، وخلفت خسائر اقتصادية هائلة ولم تتوقف الانتفاضة الثانية رغم عدة وساطات وهدنة في عام 2003 ولم يلتزم بها الطرفين .

في نوفمبر 2004 توفي ياسر عرفات مسموما ً والذي اشعل الانتفاضة بعد ان اصيب بالياس من اي تقدم في عملية السلام مع الاسرائيليين وخاصة بعد مفاوضات وايررفر ، في 9 يناير 2005 اسفرت الانتخابات الفلسطينية عن صعود محمود عباس رئيسا للسلطة بضغط دولي واقليمي واسرائيلي ايضا على الجانب الفلسطيني وعلى حركة فتح بالتحديد .

منذ تولي محمود عباس للسلطة نبذ عباس الانتفاضة والعمل المسلح ووصل به الحد الى ان يقول ان وجدتم مسلحا اقتلوه ، في وجهة النظر الاسرائيلية عمل عباس على اعادة النظام والاستقرار في اراضي السلطة ووقف الهجمات ضد الاسرائيليين ، عقد المجلس الامني المصغر بقيادة شارون لاعادة دراسة العلاقة مع السلطة بعد رحيل عرفات وفوز محمود عباس ، وبالتالي قرر الاسرائيليين تغيير موقفهم من السلطة ، حيث اوضح شارون في ذاك الوقت بان محمود عباس شريك مخلص في عملية السلام وبالتالي كانت قرارات المجلس الامني المصغر الاسرائيلي في ذاك الوقت تخفيض النشاط العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتوفير مجالات اقتصادية مثل العمال واستمرار عملية الاستيراد والتوريد .

في 8 فبراير دعا الرئيس حسني مبارك كل من الملك عبد الله الثاني ملك الاردن ورئيس الوزراء الاسرائيلي شارون ورئيس الوزراء للسلطة الفلسطينية محمود عباس في ذاك الوقت الى مؤتمر في شرم الشيخ ، ومما شجع لهذه الدعوة وهي عدة خطوات التي اتخذها محمود عباس لتهدئة الوضع وانهاء عمل الانتفاضة في الاراضي الفلسطينية واعلان حماس هدنة مع الاحتلال اعطى مدلولا لاعادة وبناء الثقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، حيث صرح الرئيس المصري في ذاك الوقت انها انطلاقة جديدة لبناء واحياء الامل واعادة الحق الفلسطيني ، وفعلا قامت اسرائيل بتسليم خمس مدن فلسطينية للسلطة هي قلقيليا وطولكرم واريحا وبيت لحم ورام الله ووقف مطاردة المبعدين والافراج عن 900 اسير ، ولقد اعلن في ذاك الوقت الرئيس الامريكي عن نية امريكا انشاء دولتين ديمقراطيتين هي اسرائيل وفلسطين وتقديم مساعدات قيمتها 350 مليون دولار لتحقيق هذا الهدف .

ولكن في 17 مارس 2005 اختتم الحوار الفلسطيني الفصائلي باتفاق على تهدئة شاملة وشدد هذا الحوار على التمسك بالثوابت الفلسطينية وحق المقاومة المشروع على ان تلتزم جميع الفصائل بما فيها السلطة بالتهدئة مقابل وقف العدوان واطلاق الاسرى .

ولكن ماذا عن لقاء بوش مع ابو مازن في ذاك الوقت ، التزم ابو مازن بخارطة الطريق لتحقيق السلام ، الالتزام بدولة فلسطينية في الضفة وغزة وقديم عدة مساعدات من الطرف الامريكي للسلطة الفلسطينية وتوقف نقاط الاستيطان الغير مشروعة ، في نهاية اغسطس انسحبت اسرائيل من قطاع غزة بتفكيك 21 مستوطنة ومعسكرات الجيش ، ولكن وصف الاسرائيليين الانسحاب باعادة الانتشار اي تبقى غزة بالمفهوم الدولي تحت السيادة الاسرائيلية والحصار والمتابعة الامنية والعسكرية .

اردت من هذه المقدمة ان اشير بالتزامات ابو مازن منذ وفاة عرفات واستشهاده والعمل الحثيث على انهاء الانتفاضة ونبذ العنف كما يقول .

وعندما قلت ما اشبه اليوم بالبارحة اشير هنا ايضا الى مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد يوم الخميس الماضي بوجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني وابو مازن ، ولكن في هذه الحالة ابو مازن ليس رئيسا للوزرا ء ومصارعا لرئيس السلطة عرفات ، بل هو رئيس السلطة ومنظمة التحرير القائد الاعلى لقوى الامن الفلسطيني ، بل هو الذي بيده السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية بعد حل المجلس التشريعي للسلطة .

دفعت اسرائيل بابومازن كذلك امريكا والغرب لرئاسة وزراء السلطة لانهاء نفوذ ياسر عرفات ونهجه بين العمل العسكري والسياسي واتوا بابومازن كشرط لتوفير الدعم للسلطة ويحمل خيار انهاء الحركة الوطنية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية في سبيل بقاء السلطة ، ولا اظن ان كل تلك الاجراءات التي قام بها الرئيس الفلسطيني قد تعطي مجالا لفهم ان يوقف الاحتلال الاستيطان او التهويد او يفك الحصار عن غزة ، بل اصبحت السلطة طرف وركن وضلع من اضلاع الاحتلال بما تحمله من مهام وظيفية ان كذبوا ام صدقوا فالنتيجة واحدة انهم ذراع من اذرع الاحتلال.

بالتاكيد ان هذا ما يسمى النظام السياسي ان صح التعبير اصبح نظاما فاشلا لم يحقق ادنى شيء من اهدافه المعلنة على الاقل وهو حماية المواطن الفلسطيني والعمل على انهاء الاحتلال بل ادارة مفهوم الاحتلال والعمل معه كما صرح محمود عباس في احدى خطاباته ، المهم هنا ايضا ان محمود عباس لم يكتسب شرعيته من الواقع الفلسطيني والشعب الفلسطيني بل دائما يلجأ لاخذ شرعيته من بعض دول الاقليم وامريكا وما يسمى الرباعية الدولية التي تدر المال للسلطة والتي يعيش بموجبها اكثر من 2 مليون ونص موظف يعمل في السلطة ، حيث ارتبط واقع موظفي السلطة بنهج محمود عباس كشرط لاستمرار العمل والراتب .

كان مؤتمر شرم الشيخ الاول يهدف لاعادة الاقتصاد الفلسطيني وقوى الامن وهي نفس الفكرة التي دعت لعقد مؤتمر شرم الشيخ الثاني الخميس الماضي ، هي اعادة الثقة بين السلطة واسرائيل التي اهتزت في عهد نتنيانو وترامب واعادة الثقة من جديد مع رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت مما دفع وزير حربه لاجتماع مع ابو مازن وتقديم تسهيلات اقتصادية المهام الامنية مقابل قرض 800 مليون شيكل تسدد من الاموال المحجوزة من المقاصة اموال الاسرى والشهداء وهي اموال السلطة اصلا والشعب الفلسطيني ، اتفاق مهين ومذل امام مطلب واحد للسلطة ورئيسها هو اخذ شرعية جديدة من الواقع الاقليمي المدعوم من امريكا والرباعية ، ولذلك كان شرط ابو مازن لتشكيل حكومة وحدة وطنية على حماس والفصائل هو الاعتراف بالرباعية الدولية والالتزام باتفاقيات السلطة مع الطرف الاسرائيلي.

بالتاكيد ان معركة سيف القدس وتلاحم كل الشعب الفلسطيني معها في الداخل والشتات ووجود حاضنة عربية ودولية شعبية قد اهتزت لها عدة انظمة بها فيها اسرائيل وامريكا ، ولذلك كانت توصيات بايدن بالعمل على وضع شرعية لمحمود عباس لقيادة الشعب الفلسطيني وهذا ما صرح به ايضا غانيتس وزير الحرب الاسرائيلي ، وسحب اي انجاز حققته المواجهة مع اسرائيل سواء من غزة او في الشيخ جراح او القدس وبقاء الوضع كما هو عليه تحت قصة ورواية وحيدة هي اعادة اعمار غزة ومزيد من الحصار على غزة وسياسة العصا والجزرة والضغط الاقليمي وتعزيز سلطة محمود عباس وشرعيته فكان هذا المؤتمر هو تحت نفس المناخات والظروف والاهداف التي عقد فيها مؤتمر 2005 في شرم الشيخ والذي لم يحقق اي هدف ومنجز امام صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته .

بقلم / سميح خلف