بحث في فائدة مجلة المناضل

بات نزول الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطن أبو الفضل بعجي حتميا إلى ولاية قسنطنة لحل الأزمة الواقعة بعد السقوط المدوي لقائمة الحزب على مستوى بلدية قسنطينة في الإنتخابات المحلية المزمع إجراؤها في السابع و العشرين من الشهر الجاري و إبعاد بعض المناضلين القدامى من الترشح كذلك لجوء بعض المناضلين و حتى متتخبين سابقين إلى قائمة التكتل الحر و آخرون لجأوا إلى الأحزاب السياسية الأخرى ليس من أجل الترشح فقط بل هروبا من سوء التسيير على مستوى الحزب محليا و تغليب جهة على جهة أخرى حتى و لو كان ذلك على حساب الكفاءات و النزاهة بعدما تم إسقاطهم من قوائم الإنتخابات التشريعية التي جرت منذ أشهر قليلة، خسر فيها الأفلان مقاعد على مستوى الولاية و تعذر عليهم مواجهة هذه الممارسات التي تسيئ إلى الجبهة كتاريخ و بطولات و تسيئ إلى المناضلين الذين قالوا: " لا مكان لنا إلا داخل جبهة التحرير الوطني" ، للعلم و من باب الإشارة فقط أن قائمة المترشحين لإنتخابات المجلس الشعبي الولائي ( 27 نوفمبر 2021 ) هي عبارة عن "كوكتيل" حيث ضمت مترشحين من مختلف الأعمار و المستويات و هو يدل على تلاقح الأجيال و تواصلها، و يلاحظ أن أكبر مناضل سنًّا و أقدمهم نضالا هو المترشح مولود مزاودة الذي يترشح لعهدة رابعة، و هو محسوب على اتحاد الشبيبة الجزائرية و عضو في لجنة التضامن مع الشعب الصحراوي، كما أنه إعلامي سابق كما هو مكتوب أسفل صورته في قائمة للمترشحين .
و تراهن محافظة قسنطينة غرب لحزب جبهة التحرير الوطني بقيادة النائب البرلماني سعد بغيجة رئيس اللجنة الإنتقالية على كسب المعركة الإنتخابية و الحصول على الأغلبية الساحقة خاصة داخل المجلس الشعبي الولائي و بلدية الخروب التي تعد ثاني أكبر بلدية بعد بلدية قسنطينة و هذا من أجل تعويض خسائر الإنتخابات التشريعية و خسارته لرئاسة بلدية قسنطينة، إلا أن ما يؤسف له هو أن ولاية قسنطينة التي أنجبت علماء و أدباء و مفكرين كالعلامة عبد الحميد ابن باديس ، مالك بن نبي ، زهور ونيسي، مالك حداد، و غيرهم و يرقد تحت ترابها ملوك ( الملك النوميدي ماسينيسا ) الذي يقع ضريحه بمدينة الخروب، هذه الولاية التي تعتبر عاصمة الشرق الجزائري سقط اسمها من برنامج الأمين العام للأفلان ابو الفضل بعجي لزيارتها في الحملة الإنتخابية و تنشيط تجمعا شعبيا يحضره مناضلو القاعدة النضالية و إطاراتها، و قد شعر المترشحون باليتم السياسي لأن قادهم الأعلى تخلى عن دعمه لهم و رفع معنوياتهم كما فعل قادة الأحزاب الأخرى الذين نشطوا تجمعا شعبيا بقسنطينة مؤخرا على غرار رئيس حركة مجتمع السلم.
كان رد فعل مسؤول على مستوى حزب جبهة لتحرير الوطني أن استثناء الأمين العام للأفلان قسنطينة و الولايات التي سقطت فيها قوائم المترشحين للبلديات الكبرى على غرار ولاية وهران هي بمثابة "عقوبة" على الأخطاء التي ارتكبت ليس إلا، قبل أن يتراجع عن تعقيبه و يقول أن الظروف التي تمر بها البلاد لا تسمح بأن ينزل قادة الأحزاب إلى كل الولايات لضعف الإمكانيات و من باب التقشف و هذا يعني عدم صرف الأموال في التنقل جوًّا و المبيت في الفنادق، كما كان يجري ايام البحبوحة، كانت التجمعات الشعبية و كأنه عُرْس يحتفل به، الصراع يبدو بلغ اشده و المنافسة بدت شرسة حول من يفوز بأغلبية المقاعد داخل المجلس الشعبي الولائيٌ ويكون له الحق في رئاسته، و كذلك رئاسة بلدية الخروب، هذه الإنتخابات المحلية التي شهدت إسقاط بلديات كبيرة من حيث الوعاء السكاني لتمثيل الأفلان في الإنتخابات المحلية كبلدية قسنطينة و وهران، جعلت الحزب يدخل في "غيبوبة" على حد قول الدكتور محمد العربي الزبيري في كتابه " جبهة التحرير الوطني المُعْتَدَى عليها"، لأن أفلان اليوم لم يعد أفلان الأمس، حينما كان يقود الثورة، فبالرغم من أنه توجد قيادة سياسية منتخبة ( اللجنة المركزية و المكتب السياسي) إلا أن الحزب يواجه "معارضة" شرسة ليس من الخارج فقط بل من الداخل و يطالب أصحابها بعقد مؤتمر استثنائي لتصحيح الأخطاء ، مؤتمر جامع يحضره "الغاضبون" من أجل جمع الشمل، شريطة أن يضع المؤتمرون النقاط على الحروف من خلال تشخيص الداء الذي أصاب الحزب و معرفة أسباب انتفاضة المناضلين و ثورتهم على الوضع المزري داخل هياكل الحزب.
فجبهة التحرير الوطني اليوم تعيش أزمة خانقة بسبب صراع الأشخاص، هذا الصراع كما يقول ملاحظون غطته الضبابية في سلوكات البعض و هذا منذ الإطاحة بالأمين العام السابق عبد الحميد مهري، و تفشي بذور الإنقسام و التفرقة في صفوف الحزب دفع ثمنها المناضلون النزهاء، الذين آمنوا بفكرة النضال و دور " المناضل" داخل الحزب، ذلك المناضل الذي يرى أن مسؤولية ما تقع على عاتقه لتصحيح الإنحرافات التي صنعت "هُوّة " كبيرة بين القياده و القاعدة النضالية، فالمناضل ليس مجرد مواطن يحمل بطاقة انخراط، و إذا جرد الحزب من كل وسائل التكوين و التمرس على السياسة، فإنه كما قال الدكتور محمد العربي الزبيري سيتحول إلى جمعية للدّراويش، لأن النضال من وجهة نظره ينطلق من التشبع الإيديولوجي و يكتسب بواسطة التكوين من أجل تحقيق مشروع المجتمع، قد يدفعنا هذه الكلام إلى التساؤل عن سبب تغييب مجلة "المناضل" التي كانت تصدرها محافظة قسنطينة لحزب جبهة التحرير الوطني أيام الدكتور محمد سعيدي عضو اللجنة المركزية للحمين المحافظة و هو كاتب افتتاحية ، حيث تم تجميدها و توقيفها عن الصدور منذ سنوات؟ ، لاسيما و هي كانت تصدر بأقلام مناضليها و هم إطارات في الدولة و منهم حقوقيون و إعلاميون على غرار الأستاذ نورالدين بليبل، عبد العزيز بوذراع، المؤرخ عبد العزيز فيلالي ، الحقوقي مسعود شيهوب و الإعلامي رابح توات الذي كان يعمل بجريدة النصر ثم جريدة صوت الأحرار، و هو عضو لجنة المحافظة و أسماء أخرى.
ما ميز الإنتخابات المحلية هو العودة القوية لجبهة القوى الإشتراكية FFS إلى الساحة و دخولها معترك الإنتخابات التي لم يبق عليها سوى أيام معدودة ، الأفافاس الذي فتح أبوابه لمناضلين قدموا من أحزاب أخرى و في مقدمتهم حزب جبهة التحرير الوطني، و احتضنتهم لأنهم جزائريون قبل كل شيئ، طالما الأفافاس الذي أسّسه المجاهد الزعيم حسين آيت أحمد لا يؤمن بالحكم الفردي و القرارات الإرتجالية و هو معروف بإيديولوجيته في الدعوة إلى التسيير الجماعي و الإعتماد على الطاقات الحية ، باعتباره أول حزب سياسي يؤسس بعد الإستقلال ( 29 أوت 1963 ) قبل إعلان جبهة التحرير الوطني كحزب سياسي بعدما كانت حركة جهادية ، و قد وصف إطارات الحزب العتيد ( الأفلان) أن هذا اللجوء لا يخرج عن حدود التجوال السياسي، فلمن تكون الكفة كون المناقسة الآن تدور بين الرباعي ( الأفلان، الأرندي، حمس و الأفافاس) و هل سيحافظ الأفلان على مركزه في هذه الإنتخابات التي تشكل مرحلة مفصلية في حياة الحزب؟
علجية عيش