مؤثرات الأزمة الاوكرانية على القضية الفلسطينية

لم تكن القضية الفلسطينية وازماتها المتعددة بحاجة الى اضافة لأزماتها على الصعيد الذاتي و الاقليمي والدولي ، لقد اتت الازمة الاوكرانية لتضيف أزمة جديدة على واقعها الذي لا يخفى على احد والتي اصيبت بعدة طعنات بمتغيرات متلاحقة ، تلك المتغيرات التي وضعت القضية الفلسطينية في قالب من التجمد والمراوحة في قالب هذا المتجمد التي لا تستطيع للان الخروج منه .
عانت القضية الفلسطينية من مسببات البرامج التي اقرتها القيادة الفلسطينية منذ سبعينيات القرن الماضي وعملية التحول من نظرية الكفاح المسلح وتحرير الارض التاريخية والدولة الديمقراطية الى تراجعات للتكيف مع الخطاب الاقليمي والدولي بما اعتبرته تلك القيادة قرارات الشرعية الدولية التي لم يتحقق منها اي بند من بنودها للان بل اتت الرياح الاقليمية والدولية بما لا يشتهي الواقع الفلسطيني والمطلب الوطني الفلسطيني بما تحتم لتراجعات اخرى اقرت بالوجود القانوني لدولة اسرائيل على غالبية فلسطين وانشاء سلطة بموجب اتفاق اوسلو 1 و اوسلو 2 لا تزيد صلاحياتها عن ادارة مدنية فلسطينية امنية ترتبط ارتباط وثيق بمكتب الارتباط في القدس لأمريكا واسرائيل والدول الغربية ومقيدة بتلك الاتفاقية وان اسرائيل لم تنفذ كثير من بنودها وخاصة بعد الانتفاضة الثانية وكما اتى على لسان الرئيس عباس بأن التنسيق الامني مقدس وان لم يحقق اي نتائج على المستوى السياسي والتفاوضي فعامل وجود السلطة هو العامل الاساسي لاستمراريتها وهي تلبي الحاجة لبقاء نخبها على رأس السلطة واسرائيل ايضا بحاجة لها لاستتباب الوضع الامني في الضفة ووجود قوى تقوم بالانابة عنها كما يقولون في حفظ الامن والمسؤوليات القانونية للادارة المدنية كالبلديات والمؤسسات المدنية والوظيفية .
بلا شك ان السلطة تعاني من الجمود السياسي لعدم اقرار القيادة السياسية الاسرائيلية بأي التزام تفاوضي مع السلطة على قاعدة حل الصراع "الاراضي المتنازع عليها بين الطرفين" هذا ما وصلت اليه الامور للقضية الفلسطينية حيث خسرت ايضا الدعم الاقليمي بمنظور التحرير و الدعم الدولي ايضا واصبحت المبادرة العربية وخارطة الطريق والاعتراف بالدولة المراقب في الجمعية العامة هي قرارات ستنضم الى باقي القرارات الدولية التي لم ينفذ منها اي شيء منذ عام 1947 .
جوانب كثيرة تعاني منها السلطة الفلسطينية الان بعدم وجود مؤثر لها ولا تمتلك اي اوراق قوة لصناعة حدث يجعل اوراق القضية الفلسطينية على مائدة البحث او المساندة سواءا من الدول الاقليمية او الدولية واصبحت ليست ذات اهتمام امام متغيرات دولية واقليمية تخطط مسار التوازن و النفوذ الدولي في المنطقة بل قد تحسب السلطة الفلسطينية هي داخل وعاء الموقف الاسرائيلي من تلك المتغيرات فلا يذكر احد الان على المستوى الاقليمي والدولي قضية اللاجئين وقضية الارض التاريخية بل قد لا يذكر العام قضية التغيير الديموغرافي في الضفة الغربية او حصار غزة فهناك متغير ذات اهتمام جيوسياسي وامني في المنطقة وهو النفوذ والوجود الايراني وقوتها في الشرق الاوسط وتنظيم هذه القوة واستيعابها ضمن تقسيم النفوذ في المنطقة ولم تعد القضية الليبية على رأس الاولويات كما هي القضية الفلسطينية وكذلك اليمنية اليمنية والعراقية الا ضمن توافقات اقليمية ودولية اما القضية الفلسطينية فقد اتت ازمة اوكرانيا بأن وضعت القضية الفلسطينية او بقاياها في بلوك التجميد الذي تستفيد منه اسرائيل في تنفيذ برامجها في داخل الارض المحتلة بل زاد الامر سوءا بأن تلك السلطة التي تعتمد على التمويل الاوروبي لا تستطيع اتخاذ موقف في الازمة الاوكرانية بل ستلحق بالموقف الاسرائيلي ايضا باعتبار ان السلطة خيار اسرائيلي وليس خيار وطني فلسطيني في ظل اختفاء متدرج لنظرية حل الدولتين .
في ظل هذا الوضع السيء للسلطة برامج وسلوك وجمود حتى في خياراتها التي طرحتها بالمقاومة السلمية التي تعجز حتى الان عن تنفيذها حتى لو في شوارع رام الله ودوار المنارة وبعيدا عن الحواجز فلكي يعاد الاهتمام على الاقل في الاعلام والدبلوماسية العربية والدولية كان يجب ان تتخذ السلطة قصة ولادة حراك مليوني في شوارع مدن الضفة الغربية حراك سلمي بعيد عن الحواجز الاسرائيلية لحماية المواطن كما تدعي السلطة ! لنذكر العالم بأن سياسة الكيل بمكيالين من قبل ما يسمى المجتمع الدولي التي تقوده الدول الغربية وامريكا تجاه ازمات العالم ففلعراق واجتياحها لم يكن هناك ما يسمى قرارات شرعية دولية وفي يوغسلافيا وسوريا وليبيا عندما شنت قوى الناتو غاراتها على تلك الدول ولا يوجد ما يسمى القانون الدولي والشرعية الدولية تجاه ارض سلبت بالكامل من الفلسطينيين ومازالت تمارس عليهم العنصرية والنازية بشكل سافر حتى في بقايا الارض التي يعيشون عليها اذا كان من الممكن بمظاهرات مليونية في الضفة وغزة ان تذكر العالم بهذا التزييف للقانون الدولي والشرعية الدولية التي يؤخذ بها اوكرانيا والهدف منها القضاء على الدولة الروسية وبين ما يحدث في فلسطين التي هجر شعبها ومازال يعاني من النزوح واللجوء والقيود و الحصار والبطالة والفقر .

بقلم / سميح خلف