د. نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
05ـ01ـ2007

[IMG]file:///C:/Users/ZIYATE~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.jpg[/IMG]هو العالم الجليل حاج عزت ولي من العُلماء الصّالحين وخليفة للطريقة النّقشبنديّة، لقد اشتهر باسم حاج عزّت تيلجي. واستعملت عائلتهم الألقاب التالية (بقال باشي، قلنجي، وكذلك الجلالي نسبة إلى جلال الدين خوارزم شاه وبلقب البيرقدار نسبة إلى رفع راية أجدادهم في الحروب عند الدّولة الخوارزمية). ولد في محلّة صاري كهية، الواقعة في منطقة قورية بمدينة كركوك عام 1885م وتوفي عام 1956م. اسم والدهِ حاج ولي ابن رجب، وجده رجب، قيل أنهم جاؤا من أواسط أسيا ثم سكنوا قونيا التركية ثم مدينة أدنا التركية ثم سكنوا في مدينة كركوك العراقية واستقروا فيها ما يقارب 150 سنة، ولا يزال أحفاهم يعيشون في مديتة كركوك، واسم زوجتهِ جميلة بنت عبدالرحمن والتي عروفة بوقارها وذكائها وحبها للخير، وأولادهم الملازم الأول أنور والمحامي المشهور محمد (أبو أيدن) وبعد سنين اصبح قاضب كركوك الاول، وبناتهم فضيلة ومديحة. لقد عاصر الحكم العثماني والملكي وكان الصّديق الوفي للشيخ محمد حسام الدين فكانا على لقاء دائم في اكثر أوقات الصّلاة ماعدا المناسبات الدّينية وغير ذلك من المناسبات.
وحاج عزّت من المعاصرين للشّيخ عبدالرّحمن خالص الكركوكي القادري أيضًا. وقيل أنّه قد أخذ طريقته من أحد خلفاء مولانا خالد البغدادي قدّس الله سرّه،. لقد درس حاج عزّت ولي النّقشبندي القرأن الكريم والعلوم الإسلامية من فقه وتفسير وحديث وتصوف والتّاريخ الإسلامي وعلوم أخرى على يد علماء أجلاء في عصره منهم العالم الجليل ملا سعيد ملا احمد (أمام ومسجد حاج عبدي بيك صاري كهية) في منطقة قورية ـ جريت ميداني ـ محلة بكلر، وبعد وفاة ملا سعيد سمي المسجد بإسمه، وبعده تم تعين العالم ملا محمد بك التكريتي كإمام وخطيب إلى عام 1945م، وبعد ذلك تطوع الحاج عزت ولي النقشبندي وخدم لوجه الله تعالى كإمام وخطيب في نفس المسجد من عام 1945م إلى عام 1955م دون أن يأخذ أي راتب من المسجد. وكونه رحمه الله متمكنًا ماديًا جعل ديوانيته في قصره مكان التجمع والاقامة[1] ومركزًا للذكر والإرشاد وكذلك مكانًا لإسكان وإطعام الغرباء والمساكين والعلماء. وكان من الوجهاء وأهل العلم والثقافة في كركوك. بالإضافة إلى ذلك كان يمتاز بسخاءه وحبه للضيافة. وكان أُسوة حسنة للإخاء والإتحاد بين كافة أطياف وأقوام مسلمة فلم يكن يفرقوا بينهم إلاّ بتقوى القلوب والأخلاق الفاضلة.
وهكذا بدأ يُزاول ذكره وعمله الإرشادي في جامع ملا سعيد ما عدا تعليم الطلاب علوم القرأن الكريم. وقد نشأ رحمه الله في بيت علمٍ وجهادٍ وثراءٍ فلا ينقصهم إلاّ الحريّة وعدم الذّل أمام الاستعمار. فكان رجلاً فاضلاً ومن أعيان مدينة كركوك ومن المجاهدين البارزين الذين وقفوا ضد الإنجليز منذ بدأ سقوط الدّولة العُثمانيّة إلى أن وافاه الأجل عام 1956م، فلاحقه ولاحق أولاده الاستعمار الإنجليزي وأتهموهم بعُملاء الحكم العثماني.
لقد عاش أحداث الحرب العالمية الأولى، فمضت عليهِ السنين مليئة بالأحداث الجسام، وقدّم أبناء العراق كثيرًا من التضحيات في معارك غير متكافئة ضد قوى عالمية عام 1914م، ثمّ حلّت ثورة العشرين المباركة عام 1920م، فذاق هو وأبناء وطنه طعم التشرد واللجوء. كان حاج عزت مديرًا في مديرية البريد والبرق والهاتف في قضاء راوندوز، وقد سلك وظيفة الوالد حاج ولي. وبعد أن تولّى نفس منصب الوالد خطى نفس خطى والده في استمرار النّضال والكافح ضدّ جواسيس الاستعمار الغربي وخاصة الاستعمار الروسي والإنجليزي الموجودين هناك." وفي تاريخ 29 محرم 1332هـ (27 كانون الاول 1913) اجتمع مع والي موصل وقائمقام راوندوز وكان أخر اجتماع لهم فقرروا على إغلاق البريد في راوندوز، بسبب سوء أوضاع الدولة العراقية وكثرة الجواسيس الانكليزية والروسية يريدون منهم تفشي البرقيات العسكرية لهم، وفي عام 1333هـ (1914) بدأت الحرب العالمية الأولى، وحينذاك استقال حاج عزت من وظيفتهِ في قضاء راوندوز "[2]. وعندما استقال حاج عزت من وظيفتهِ كمدير للبريد والبرق والهاتف في قضاء راوندوز من أجل أن لا يخدم الاستعمار والطغاة والمنافقين، فأضطر بالرجوع والعيش في بلده كركوك عيشًا صوفيًّا فأخذ إجازة خليفة النّقشبدية من مشايخ عصرهِ كما ذكرنا واستطاع أن يدرس على يد العالم الجليل ملا سعيد ملا أحمد (إمام مسجد حاج عبدي بيك، ثم سمي المسجد بإسمه) عام 1831م، وبعد وفاة ملا سعيد، جاء من بعده طلابه ملا محمد بيك تكريتي، وبعد وفاته عام 1945 حل محله تلميذه حاج عزت ولي واصبح إماما إلى عام 1955م لوجه الله تعالى.
بالإضافة إلى ذلك كان رحمه الله من كبار تّجار مدينة كركوك، وفي زمنه امتلك أكثر من نصف منطقة قورية بمدينة كركوك الى عام 1956 م وبعد وفاته استولت الدّولة على أكثرها بسبب حجة فتح الطّرق أو إنشاء مدارس ودوائر رسمية ونحو ذلك. وبعد كثرة عدد الميراث واهمالهم بما كان يمتلكه فهدمت اكثرها. وكان طول حياته يدعوا الله وينتظر اليوم الذي تبدأ فيه جولة الحق وينتصر فيه جنود الإيمان وتعلو كلمة الله في ربوع أرض المسلمين.
لقد مرَّ حاج عزّت بحادث سياسي عندما كان يُناضل ويكافح من أجل الإسلام وحماية الخلافة الإسلامية العثمانيّة وهي أنه كان مديرًا للبريد والبرق والهاتف في راوندوز كما ذكرنا وهذه الوظيفة كما نعرف أنّها من الوظائف الحسّاسة في حالة الحروب لإيصال البرقيّات السّرية إلى الجهات المعنية، ومنها إلى مقر سلطان المسلمين في اسطنبول، فلو لم تكن المديرية بيد المخلصين لأصبح منبع الخيانة وكشف الأسرار العسكريّة، فقاوم حاج عزّت بكلّ ما في وسعه جواسيس الاستعمار الإنجليزي والرّوسي بكافة الأساليب وخاصّةً في منع إعطاء أو كشف الرّسائل والبرقيّات لهؤلاء الجواسيس، وكانت الرسائل تَصل أو تُرسل من وإلى الحكومة العثمانيّة، بالرّغم من الضّغوط الشّديدة عليهم وخاصّة من قبل قائمقام القضاء في راوندوز، وحتى أنّه هاجم مقرّ القائماقامية مع موظفيهِ وتشاجروا معهم، وبعد ذلك استقال من وظيفته بعد احتلال الاستعمار الإنجليزي العراق عام 1918 واستمر نضاله إلى أن وافاه الأجل في الخمسينات. كان رحمه الله يتقن اللّغة التركمانية والعربية والكردية. أمّا عن مؤلّفاته فلم نعرف شيئًا عن ذلك، ولكننا نعرف الشيء الوحيد وهو أنّ زوجته في مجزرة كركوك عام 1959م حرقت كافة كتبه في مكتبته الخاصة خوفًا من الطّغاة الحاكمين على العراق لأنهم في كل آن كانوا يقتحمون بيتوتهم ويفتشون عن المستمسكات فيها. أما عن السؤال ماذا كانت تحتوي هذه المكتبة من الكتب؟ وهل كان فيه مؤلفات مخطوطة أو مطبوعة للحاج عزت؟ بقيت هذه الأسئلة بدون جواب وإلى الأن.
[1] بالتركماني ديواخانه وكانت ديوانيته رحمه الله من إحدى الديوانيات المشهورة في كركوك وعددهم بيد الأصابع. وكانت تمتاز بمساحة واسعة من الأرض فيها حديقة كبيرة وغرف عديدة متفرقة وصالون كبير يسمونه ب(دور عتبة) بلا تشبيه يشبه بالمسجد من دون قبّة، وفي داخل الصالون أي دور عتبة أيضًا يتواجد غرف عديدة. وفي الدّيوانية طبعًا لا ينقص الخدم والطّباخين لأجل خدّمة الضّيوف. ولايزال هذه الدّيوانية باقية إلى يومنا هذا في محلة صاري كهية بكركوك.

مترجم من سجلات الأرشيف العثماني في إسطنبول، سجلات راوندوز.[2]