الحرب الامريكية الروسية في اوكرانيا

قد يفهم البعض ويسلط الاضواء على ان ما يحدث في اوكرانيا هو عدوان روسي وبذلك تتحرك ادوات الاعلام لتتجرم هذا التوجه الممنهج في وسائلها المختلفة لتجريم وشيطنة الرئيس الروسي بوتن بانه مجرم حرب كما وصفه الرئيس الامريكي بايدن ووزير خارجيته ، في حين ان ما يحدث اعمق واكبر من كونه كما يسموه عدوان على اراضي اوكرانيا واقاليمها المختلفة ، فالدوافع تاريخية وامنية بالنسبة للروس وبالنسبة لامريكان هي قضية وجود او لا وجود على رأس الهرم للنظام الدولي ومتغيراته التي حدثت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الدول المستقلة . مخالفات حدثت وتجاوزات للنظام الدولي في اوروبا الشرقية وتوسع حلف الناتو بالاضافة الى محاولة تغيير الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط وطبيعة انظمتها السياسية بالقوة كما حدث في ليبيا ومصر وسوريا واليمن وتونس والعراق حيث حولت العديد من الدول الى دول فاشلة بل استهداف لزعماء تلك الدول بما لايتوافق ولا يجيزه الفانون الدولي ، اما روسيا التي صمتت اكثر من عقدين ونصف على التجاوزات الذي قامت بها امريكا وحلف الناتو لاسباب ومؤثرات انهيار الاتحاد السوفيتي من ضعف الاقتصاد وعجز التكافؤ في القوة مع الموازين والمعادلات العسكرية مع امريكا والغرب ، في هذا الشريط الزمني كرست روسيا اوقاتها لبناء القدرة العسكرية في مجال الاسلحة التقليدية والغير تقليدية بما يسمح لها من الحصول على استحقاقات دولية كقوة عظمى واستخدام منظومة الطاقة لديها في السيطرة على حالة الاستهلاك للغاز في اوروبا الشرقية واهمها فرنسا والمانيا وهما رأس الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو .
منذ استقلال اوكرانيا والاتفاقيات التي وقعت مع الروس والضمانات الامريكية الاوروبية لم تشهد العلاقات الاوكرانية الاستقرار لاسباب دينية وعرقية واقتصادية فاستقلال الكنيسة الاورثوزكية في اوكرانيا عن الكنيسة الام في موسكو بالاضافة الى الاستهداف العرقي والتحريض القومي للغة الاوكرانية بالاضافة لسياسات التمرد الواضحة للرئيس زلينسكي اليهودي الديانة وذو الميول الصهيونية وطموحاته بالانتماء للاتحاد الاوروبي وحلف الناتو قد ايقظ الدب الروسي الذي اتهم فيها بوتن الرئيس زيلنسكي بمحاولة تصنيع اسلحة بيولوجية ونووية بالاضافة للمخاطر العظمى الذي تهدد الامن القومي والاقليمي لروسيا كل تلك العوامل دفعت الروس لاجتياح الشرق والشمال الاوكراني وصولا لاطراف العاصمة كييف واعلان حالة التأهب للسلح النووي والصاروخي لكبح اي تدخل مباشر جوا او ارضا او بحرا لحلف الناتو ....هكذا كان سيناريو الحرب الذي بدأ بضربات للطيران واحتلال المفاعلات النووية وهجوم بري بكافة الاسلحة من الشرق والشمال .

سير العمليات العسكرية يتناوله التحدث الروسي باقتضاب في حين ان الرئيس الاوكراني لا يمر يوما من غير ظهولره الاعلامي من داخل كييف ويلقي خطابات في البرلمانات الاوروبية والكونجرس الامريكي حيث اصبح زلينسكي بطل قومي مدعوم من شعبه ومقاومة شعبية وجيش يقاوم الاحتلال الروسي ويكبده خسائر فادحة .

امريكا جعلت القضية الاوكرانية قضيتها الاولى بالتمويل والتسليح وتدريب الجيش الاوكراني في بولندا وعلى الاراضي الامريكية ، في حين اوروبا بدأ تحمسها يتضاءل ربما لاحساس الاوروبيين بمحاولة امريكا لاستدراجهم وهي سياسة امريكية اعتمدت عليها في الحرب العالمية الثانية حيث لم تشارح في حينها في الحرب الا في شهوها الاخيرة في اليابان .... اما فرنسا فهي مشغولة في انتخابات الرئاسة وحسابات دقيقة في حاجتها للغاز كما هي ايطاليا التي ذهبت للجزائر لتعويض بعض من الغاز ،، المانيا الذي صرح مستشارها بوجوب تزويد الجيش الاوكراني بالاسلحة الثقيلة ولكن ايضا تقع تحت ازمة الغاز الروسي .

مارست امريكا التحريض للنظام السياسي الاوكراني وعلى راسها الرئيس زيلينسكي وربما ايضا الايباك الصهيوني ، وامريكا تعتمد على سياسة الخبث والباب الدوار للحفاظ على مصالحها في العالم وبالتالي هذا التحريض الذي دفع زلينسكي لنقض التزاماته مع الروس وطموحاته التي عارضها الاوربيين في البداية والى الان في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو .

اذا يتحرك زلينسكي بدعم امريكي لاستدراج الروس في حرب تقودها امريكا وحلفائها ضد روسيا وليس كما تخيل الرئيس بوتين وقيادته العسكرية ، فروسيا لم تفعل حرب خاطفة الوقت والزمن فيها مهم ولكن نجد التباطؤ والانسحابات للجيش الروسي وكما يبدو للفهم المتاخر بان اوكرانيا كانت فخ منصوب لبوتن لحرب طويلة المدى ولذلك لم تدرك القيادة العسكرية الروسية اهمية غرب اوكرانيا في نجاح اي هجوم او تغيير للواقع السياسي في اوكرانيا ، وبوجهة نظر عسكرية استراتيجية اعتقد كان من المهم التركيز في بداية الهجوم على تدمير القدرات العسكرية والسيطرة على الحدود في غرب اوكرانيا واهمها الحدود مع بولندا التي اصبحت ساحة للتدريب العسكري وتزوير واعداد الجيش الاوكراني .
الاستراتيجية الروسية بتعدد الجبهات استنزفت قدرات الجيش الروسي وخاصة في شرق اوكرانيا في حين اولت اهتمامها في السيطرة على الاقاليم الشرقية وبحر ازوف الذي يتحكم في البحر الاسود ، ولكن نقطة الضعف للجيش الروسي مازالت هي عدم اهتمامه او تقدير المخاطر التي يمثلها غرب اوكرانيا لحرب استنزاف طويلة المدى قد تطول اكثر من عقد يتم فيها انهاك روسيا واحداث انهيار اقتصادي ومعنوياتي ، حيث قد يتحدث الروس في هذه الحالة على ان روسيا لن تصبح قوة عظمى وبالتالي هذا التوجه الذي اتى به رئيس النمسا لروسيا في مقابلة بوتين حيث قال له يجب ان تدرك انكم انهزمتم وكررها وزير خارجيته ، ولكن بوتين رد عليه سنستمر وسنفعل .

في هذا التصور اعتقد مازال غرب اوكرانيا يمثل اعاقة للمخططات الروسية حتى في السيطرة على المناطق الشرقية مالم يستطيع السيطرة على الشريط الحدودي وبعض المناطق الاستراتيجية في الغرب .

بالقطع ان امريكا تقود مواجهة غير مباشرة مع روسيا على اراضي اوكرانيا وربما استدعت خبراء من الناتو ومدربين عسكريين امريكان واوروبيين يعملون الان في داخل اوكرانيا وفي غربها وربما ايضا في العاصمة كييف ، اذا هي تلك المواجهة على كل الاصعدة الاقتصادية والعسكرية والامنية والاستخباراتية بين امريكا وروسيا وعلى الارض الاوكرانية .

بقلم / سميح خلف