التميمة ... الفأر




(1)
تأبطتُ ثأراً ...
فشَرُفَتْ بيّ العشيرةْ.
جلّىٰ الحقُ عينيَّ ...
قُلتُ "أُقاتلْ".

تأبطتِ فأراً ...
فلاكت سمعتكِ القبائلْ.


(2)
الحقُ أن الفأرَ لم يكن في الأصلِ فأراً.
كان - يقال -
عصا فرعون ...
جرفتها السنون الأربعون ...
إلىٰ جوفِ خيمتنا الزاهرة.

كانت - أولَ أمرها - عصا مباركة ...
رغم النتوءِ علىٰ الذيلْ.
وشيئاً فشيئاً أفرز الذيلُ النتنْ ...
فتحولت العصا إلىٰ سربِ بقٍ ...
فعقربةٍ ...
ففأرْ.

ويقولون:
"يصير الفأرُ عنقاءَ ...
فغولاً ...
فدجالا".

لذا:
تأبطتُ ثأراً ...
وقلتُ أقاتلْ.


(3)
قُتِلَ الشيخْ ...
يَرِثُ الشيخُ امرأةَ الشيخْ ...
يحيا الشيخْ.

أكانَ أبي - يا أمُ - مجردَ شيخٍ لعشيرةْ؟
- كان رجلاً ...
ولكني امرأة.

أيجوزُ شرعاً ...
أن يَخلُفَ المقتولَ ...
في لباسهِ ...
ومرعاهُ ...
قاتلُهْ؟!

- لم يقتلهْ.
وهذا الدمُ الغضُّ على ذيله؟
- صهْ.
إذهب للنومْ.

النومُ - يا أمُ -
لا يزورُ الأجفانَ المثقلةْ ...
بالأسئلةْ:

ما أحوجَ امرأةَ الشيخِ لأن تكونَ ...
زوجة لفأرْ؟!


(4)
والعاصفةْ ...
تلطمُ جدرانَ الخيمةْ ...
والفأرُ خلفَ البابِ ...
يرجو أن أنامَ ...
ليُعمِلَ فيَّ سيفَهْ ...
أغمضتُ عينيَّ ساعةً.

أراد أن يستيقنَ من نومي ...
فرمى البابَ بحجرْ ...
تهيجتُ.
ألقىٰ اللومَ على الناقةِ ...
واعتذرْ.

أغمضتُ عينيَّ ساعةً أخرىٰ ...
رماني بحصاةْ.
فززتُ إليه ...
ألقىٰ على الناقةِ اللومَ ...
واعتذرْ.

أغمضتُ عينيَّ ساعةً ثالثةْ ...
رماني بحصيةْ.
فزعتُ إلىٰ شري ...
أقسمتُ لأنزعنّ من جذرها عنقُهْ ...
إِنْ تحركتِ الناقةْ ...
فباتَ يرعى الناقةَ ...
خائفاً ...
أن تُبديَ نأمةْ.


(5)
أنا عيونٌ مغمضةْ ...
وفؤادٌ ذَبَحَ النومْ.

أُجمِّعُ الأجنحةَ المهاجرةْ ...
والظهورَ الضائعةْ ...
وأعد العُدةَ للثأرْ.


(6)
أودعتْ في صدري ...
منديلَ دمٍ ...
تميمةْ.
قالت: لا موتَ بعد اليوم.


فَتَحَتْ بابَ الصحاري ...
ركلَتني ودَعَتْ:
صَحبَتْكَ طيورٌ خضرْ.


(7)

تأبطتُ التميمةَ شراً ...
وقمتُ أُقاتلْ ...
فحالتْ بيني وبين (العزيز) الفأرِ ...
القبائلْ.

____________________
* تزوج أبو كبير عامر بن الحليس الهذلي أم تأبط شراً، وكان غلاماً صغيراً، فلما رآه يكثر الدخول على أمه تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك، قد والله رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك! قالت: فاحتل عليه حتى تقتله. فقال له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟ فقال: ذلك من أمري. قال: فامض بنا. فخرجا غازيين ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد، حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسى قصد به أبو كبيرٍ قوماً كانوا له أعداءً فلما رأيا نارهم من بعد، قال له أبو كبير: ويحك قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست منها لنا شيئاً! قال: ويحك وأي وقت جوعٍ هذا. قال: أنا قد جعت فاطلب لي فمضى تأبط شراً فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشي نارهما وثبا عليه، فرمى أحدهما، وكر على الآخر فرماه، فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما فأخذ الخبز منها، فجاء به إلي أبي كبير، فقال: كل لا أشبع الله بطنك! ولم يأكل هو، فقال: ويحك أخبرني قصتك. قال وما سؤالك عن هذا، كل، ودع المسألة. فدخلت أبا كبير منه خيفة، وأهمته نفسه، ثم سأله بالصحبة إلا حدثه كيف عمل فأخبره، فازداد خوفاً منه. ثم مضيا في غزاتهما فأصابا إبلاً، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليالٍ: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه، وأنام، وتنام النصف الآخر وأحرس. فقال: ذلك إليك، اختر أيهما شئت. فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شراً، فإذا نام تأبط شراً، نام أبو كبير أيضاً، لا يحرس شيئاً حتى استوفى الثلاث. فلما كان في الليلة الرابعة ظن أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أول الليل إلى نصفه وحرسه تأبط شراً، فلما نام الغلام، قال أبو كبير: الآن يستثقل نوماً وتمكنني فيه الفرصة. فلما ظن أنه قد استثقل أخذ حصاةً، فحذف بها، فقام الغلام كأنه كعبٌ، فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدري. قال: والله صوتٌ سمعته في عرض الإبل. فقام فعس وطاف فلم ير شيئاً، فعاد فنام، فلما ظن أنه استثقل أخذ حصيةً صغيرة فحذف بها، فقام كقيامه الأول، فقال: ما هذا الذي أسمع؟ قال: والله ما أدري، قد سمعت كما سمعت وما أدري ما هو ولعل بعض الإبل تحرك. فقام وطاف وعس فلم ير شيئاً، فعاد فنام، فأخذ حصيةً أصغر من تلك فرمى بها فوثب كما وثب أولاً، فطاف وعس فلم ير شيئاً ورجع إليه، فقال: يا هذا، إني قد أنكرت أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئاً من هذا لأقتلنك! قال أبو كبير: فبت والله أحرسه خوفاً أن يتحرك شيءٌ من الإبل، فيقتلني. قال: فلما رجعا إلى حيهما، قال أبو كبير: إن أم هذا الغلام لامرأة، لا أقربها أبداً.






..................................................
عوني القرمة
من ديوان "إفتحوا الأبواب للجرح"