موجز تاريخ تركمان العراق
د. نظام الدين إبراهيم أوغلو
الباحث الأكاديمي

التسمية:

تُطلق تسمية التركمان على قبائل الغز من الأوغوز الأتراك والكلمة مشتقة من (تورك إيمان) أي الترك المؤمنين أو الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام. يذكر مؤرخي المغول أنه عندما تدفقت جموع قبائل الغز إلى ما وراء النهر سماهم التاجيك بالتركمان أي شبيهي الترك.

تواجدهم في العراق

بشكل عام يعود تاريخ وجود التركمان في العراق إلى القرن الـ 7 الميلادي في عصر الأمويين في خلافة عبيد الله بن زياد الذي جنّد فرسان الترك المسلمين لفتح البصرة في العراق. وبعد فتحها، استقر هناك بعض جنود الأتراك وتزاوجوا مع العامة، وكذلك هاجروا إلى بغداد لأهميته التجارية في ذلك الزمن. وقد يصل وجود التركمان أو الأتراك إلى عصر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وحتى تصل تاريخهم إلى الحضارة السومرية، هناك مصادر كثيرة يدل على ذلك.
وبعد صعود العباسيين إلى الخلافة في قرن الـ 8 الميلادي، جُنِّد كثير من فرسان أوغوز التركية في صفوف جيش المسلمين بالعراق، مما أدى إلى استقرار الأتراك أكثر في مناطق شتى بعد الفتوحات الذي ساهموا بشكل كبير فيه. ثم نرى هجرة كبيرة للأتراك إلى العراق عام 1055، عندما كُلِّف السلجوقيون من قبل الخليفة العباسي (القائم بأمر الله) لفتح بغداد. استطاع توغرل بيك –فارس السلجوق وقائدهم–تحرير بغداد باستخدام جنود الأتراك الذين سكنوا مناطق عراقية شتى على طول طريقهم نحو بغداد، وخصوصًا تلعفر، ومندلي، وأربيل، وكركوك.
وأخيرًا يمكن لأغلب المؤرخين أن يأكدوا بأن أغلبية التركمان في العراق يعود أصلهم إلى الدولة العثمانية. بروز العثمانيين في القرن الـ 14 الميلادي كدولة إسلامية كان له تأثير عظيم على العراق. ويرجع اسم العثمانيين إلى سلطان العثمان الأول (عثمان الغازي أو عثمان بيك، الاسم كامل عثمان بن أرطغول. 1258-1326م) مؤسس الدولة العثمانية.
وعندما حدثت معارك إسلامية عديدة بين العثمانيين والصفويين في العراق. حيث كان العراق تارة بيد سلاطين العثمانية وتارة أخرى بيد شياه الصفويين. وفي عام 1534، اتخذ العثمانيون الأتراك تحت قيادة سليمان العظيم مدينة ولاية موصل كانت أراضي الخلافة الإسلامية ، مما أدى إلى هجرة الأتراك العثمانيين إلى شمال العراق والاستقرار فيه. تلاه فتح مدينة كركوك التي كانت تُسمى آنذاك بـ «كوكيورت» ومجيء الأتراك أيضًا لاستيطانه، وهذه الهجرات تفسر وجود التركمان في كركوك وموصل. وفي عام 1638، فتح سلطان مراد الرابع مدينة بغداد واتجه إلى كربلاء لمقاتلة الصفويين الذين كانوا تحت إمرة الشاه عباس الصفوي. استطاع العثمانيون السيطرة على تلك المدن بعد عام 1639، وهو العام الذي عُقدت فيه معاهدة زهاب بينهم وبين الصفويين فانتهت الحرب بالنصر العثماني.
لقد بقيت الموصل تحت حكم القبائل التركمانية حتى سيطر عليها سليمان بن السلطان سليم العثماني، وولى عليها حاكماً يدعى محمد باشا بكلربكي الذي مات وتولى بعده عدة ولاة حتى سنة 1730 (1143 هـ) حيث تولاها أحد أبناءها وهو حسين باشا الجليلي بن إسماعيل باشا الجليلي. وفي عهد العثمانيين كانت الموصل إحدى الولايات التابعة للخلافة العثمانية وقد تمكنت في حكمها المحلي والإقليمي الأسرة الجليلية 1136 - 1249هـ / 1724 - 1834م التي تنتمي إلى مؤسسها عبد الجليل. وبرز من هذه العائلة اسم الوزير الحاج حسين باشا الجليلي 1108-1171هـ / 1697 - 1758م. بشكل مؤثر من خلال الخدمات العسكرية التي قدمها للدولة العثمانية ضد الفرس وقائدها نادر شاه. وقاد هذا الوزير انتصار الموصل على نادر شاه ومنع بذلك امتداد إيران الأفشارية في السيطرة على المشرق العربي. وقد اكتسب هذا الوالي الجليلي لقب "بطل الحصار". فثبت من خلال عمله الاستراتيجي موقع أسرته المحلية سياسيا وإداريا في حكم ولاية الموصل لفترة تقترب من قرن كامل في التاريخ الحديث للمشرق العربي. وأخيراً اضطر نادر شاه إلى عقد الصلح مع الوالي حسين باشا الجليلي، وغادر الجيش الصفوي يوم 4 رمضان، ولم يستطع دخول الموصل.
ويمكن القول بثقة أن الدولة العثمانية كانت من أعظم الدول الإسلامية وأكثرها صمودًا بوجه المحن وبوجه التغيرات والتطورات التي فُرضت على الخلافات الإسلامية. حيث بقيت صامدة لأكثر من 700 عام، حتى عام 1923، بدأت فيه الدولة العثمانية بالسقوط والتدهور من داخله. تغيّر النظام التركي في هذا العام من السلطنة إلى الجمهورية وتحددت فيه خارطته الخاصة. ترك هذا التغيير العراقيين التركمانيين الذين استقروا لقرون في العراق وحيدين في أراضي شمال ووسط العراق. فانتشر التركمان في مناطق عديدة من العراق، وامتزجوا بشكل أكثر مع عرب وأكراد في تلك المدن المستقرة.

الوضع السياسي للتركمان:

كان تاريخ التركمان في العهد السلجوقي والعثماني حافل بالانتصارات، فشكّلوا 6 دول في أراضي وادي الرافدين، وكانوا من أشراف هذا البلد وأغنياءه، فساهموا في حضارة وادي الرافدين بعلومهم وثقافاتهم وبعلمائهم وحكمائهم وشعرائهم وكبار شخصياتهم، ويمكن أن نجد كل هذا في كتب التاريخ. ولكن بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918 وسقوط الدولة العثمانية، جاء الاحتلال الإنكليزي والانتداب البريطاني. فتغير حال التركمان، وأصبحوا الهدف الأول للاستعمار البريطاني لكونهم أتراك حامين الدولة العثمانية. فحاربوا التركمان بكل مالديهم من قوة، بالمجازر والاغتيالات المتكررة، وجعلهم مواطن درجة ثانية وثالثة، وحتى أنّ المنافقين من الحكام والموالين للإنكليز أو لغيرهم كانوا يدعون بأن الأتراك أو التركمان غير موجودة في العراق بالرغم من كونهم ثالث أكبر الكتل العراقية، وهكذا ظلموا هذا الشعب الجبار بدون سبب وسلبوا كافة حقوقهم واتهموهم بالطورانية وبالعمالة إلى تركيا. وافتروا على الشعب التركماني سنين عديدة، علمًا أنهم لم يعرفوا معنى كلمة الطورانية إلاّ بعد البحث عن معنى ذلك الكلمة. والحكومات الظالمة لم يثبتوا يومًا ما على صحة هذا الكذب. ويمكن القول أنّ الشعب العراقية خير شاهد على إخلاص التركمان لأرضهم ووطنهم ولقرارات ودستور العراق وحتى في الدفاع عن المبادئ السامية التي تخص بكرامة الشعب العراقي والأمة الإسلامية.
هكذا بدأ حال التركمان بالتدهور يومًا بعد يوم، بسبب القتل والتهجير والإبادة الجماعية وبغصب أموالهم وحجز أراضيهم وبساتينهم وبيوتهم وأملاكهم. وكذلك لم تنقص المجازر عليهم ففي عام 1924 تحققت مجزرة الأشوريين والأرمن، وفي عام 1925م ترك الشعب التركماني تحت السيطرة الإنكليزية والانتداب البريطاني باتفاقية لوزان المشؤمة ثم الحقت إلى أيدي الطغاة والظالمين والمنافقين في العراق. وبعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م اشتد الظلم عليهم، وأوقعوا مجزرة كاور باغي عام 1946م في كركوك وقتلوا الأبرياء والمثقفين والشخصيات البارزين. وفي عام 1959 تكررت المجزرة على كركوك وموصل واستشهد الكثير من التركمان وهجر بالآلاف إلى بغداد وأطراف بغداد. وبعد عام 1969م بدأت مجازر جماعية وبصورة مستمرة إلى سقوط صدام ومن أبرز المجازر مجزرة ألتون كوبري عام 1991. وحتى بعد سقوط نظام صدام لم تنتهي المجازر فبدأت عام 2003 واستمرت الى عام 2018 عن طريق اغتيالات الشخصيات المثقفة والسياسيىة من قبل الموالين للأمريكان، وبالأخص على تركمان كركوك وأربيل وموصل وتلعفر وطوز خورماتو وخانقين وضواحيها.

وضع التركمان في العراق حاليًا

يتواجد التركمان اليوم في شمال وشرقي العراق في محافظة أربيل، وكركوك، وديالى، وكوت، وصلاح الدين، وموصل، وبغداد، وبأعداد متناثرة في باقي محافظات العراقية. ومن أشهر قبائل التركمانية في العراق هي قبيلة البيات التي ما زالت تقطن في شمال وشرق بغداد، وكانت من أولى القبائل التركية التي زحفت نحو بغداد أثناء المد المغولي نحو مركز الحضارة الإسلامية.
وكذلك يستقرون في عديد من الأقضية، منها طوز خورماتو، وتلعفر، وامرلي، وداقوق، وخانقين، وبدرة، وسنجار، وفي قرية جلولاء، والسعدية، وكفري، وسليمان بيك، وينكجة، وحمرين، والتون كوبري، وتازة خورماتو، وبشير. تُعرف هذه المناطق اليوم بتركمان إيلي (أرض التركمان). ويشكل التركمان حاليًا 13% من أعداد سكان العراق حسب إحصائية 2013 الصادرة من وزارة التخطيط (4.511.000 مليون من 34.7 مليون مواطن عراقي). وحسب الاحصاء نفوس العراق عام 2022 اصبح 42.000.000، ومن نسبة 13% فيكون نفوس التركمان 5.660.000 مليون. وسبب عدم استخراج نواب التركمان بقدر العدد التي تشكلها، كون الأحزاب التركمانية متفرقين، وقسم من التركمان خوفًا أو طمعًا أما أصبحوا عرب أو أكراد. ولكن بعد الانتخابات الأخيرة، تم إتحاد صفوف التركمان وتشكيل كتلة سياسية تركمانية في البرلمان. وكذلك نجد القبائل التركمانية في العراق منتشرة في مختلف المناطق المذكورة آنفًا، منهم: قبيلة البيات (وهم يعدون من قبائل الأوغوز الأصلية)، الصالحي، المفتي، قرةغولي، الصالحي، الخالدي، الجادرجي، الشيخلي، ياغجي، باجه جي، جيبه جي، خاصكي، دفداردار، قلمجي، قازانجي، قايماقجي، باش أعيان، النقيب، العسكري، أجزه نه جي، صابوجي، عرضحالجي، سلاحدار، بيراقدار، الحيدري، ديوه جي، مرادلي، اوزبكلي، جلالي، أوجي، صاري كهية وإلخ
مصادر التاريخ التركماني:
1ـ موجز تاريخ التركمان في العراق ـ لشاكر صابر الضّابط. 2ـ العراق ـ الدكتور حنّا بطاطو.
3ـ أوغزلر، تركمنلر ـ الأستاذ فاروق سومر (بالتركي). 4ـ كركوك في التاريخ ـ العلامة مصطفى جواد.
5ـ العراق بين الإحتلالين، الجزء الثالث ـ لعباس العزاوي. 6ـ التاريخ السياسي لتركمان العراق ـ عزيز قادر الصّمانجي. 7ـ وجدي أنور مردان. تركمان العراق، من هم وما هي مطالبهم 2004م. 8ـ جاسم محمد جعفر. تاريخ التركمان في العراق وأصولهم. كتابات. 2014م.
والله الموفق