(قراءة في كتاب الإقتصاد الثقافي و الإبداعي في الجزائر للأستاذ بومدين بلكبير)

الصراع الآن هو صراع بين الحداثيين و المحافظين، صراع بين الأصالة و المعاصرة وقد أحدث هذا الصراع الإنفصال بين جيل و جيل، فماهو موجود هو استهلاك منتوج صنعه غيرنا أعطاه البعض قراءات مختلفة دون مراعاة المناخ الثقافي الذي كان سائدا في زمن ما ، فقد فيه المجتمع ةكل تلاحم اجتماعي، السباب عديدة و متعددة منها ما تعلق بحرية التفكير و إبداء الراي، الإعتراف بحقوق ثقافية مناسبة للأقليات و متوافقة مع حقوق الإنسان ( حرية الدين و التمذهب) عدم وجود رقابة تعسفية و غيرها من المؤشرات التي تنهض بالفعل الثقافي ، لاسيما في الجزائر التي تعانيةمن خطر التقليد و القرصنة، وجب الآن التفكير في إنشاء مدنا ثقافية كما أنشات مدنا جامعية

هو كتاب من الحجم المتوسط يقع في 122 ضفحة ، صدر عن منشورات بهاء الدين طبعة 2022 قسمه صاحبه إلى عدة محاور سلط فيه الضوء على إشكالية لطالما شغلت بال المثقفين و المفكرين العرب و المفكرين الغربيين و أدرجوها ضمن صراع الثقافات و الحضارات، في ظل التغيرات التي تشهدها الساحة الثقافية في الوطن العربي عامة و في الجزائر خاصة، أول ما يشد القارئ هو عنوان الكتاب قبل أن يتصفح مضمونه، إذ يلفته الإنتباه إلى مفهوم الإقتصاد لما تحمله هذه الكلمة من معاني و مفاهيم كفكرة "الرأسمال" و هو المفهوم المادي للقيمة المالية لإنجاز أي مشروع من خلاله نجني الثروة ، لكن في هذا الكتاب يراد به الرأسمال الفكري الذي بدونه لا يمكن بناء الإنسان، و هو مشروع خاض فيه الكثير من الفلاسفة و المفكرين من بينهم مالك بن نبي الذي اشار في كثير ابحاثه إلى الإنسان كفاعل يؤثر و لا يتأثر.
و الأستاذ بومذدين بلكبير استاذ جامعي و باحث و روائي من الجزائر متحصل على سهادة دكتوراه في إدارة الأعمال و افستراتيجية، عضو الجمعية العمومية لمؤسسة المورد الثقافي ببيروت ، له عدة غصادرات تدول معظمها حول الثقافة و المعرفة، في هذا الكتاب زواج المرلف بين الجانب الإقتصادي و الهاجس الشقافي، فق عرّف الأستاذ بومدين بلكبير الإقتصاد الثقافي على أنه إنشاء أعمال فنية و توزيعها و استهلاكها، حيث اقتصرت هذه الأعمال منذ فترة طويلة على الفنون الجميلة و النثر و الفنون الزخرفية و الموسيقى و العروض الحية في التقاليد الإنجلوساكسونية، ثم اتسع نطاقها منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، لدراسة خصوصيات الصناعات الثقافية كالسينما و الموسيقى و التأليف، بالإضافة إلى اقتصاد المسسات الثقافية ( المتاحف، المكتبات، و المعالم التاريخية) و قد استعمل الكاتب السلوب النقدي، عندما نبه إلى كيف نهب المال العام باسم الثقافة الذي أدى إلى القطيعة و العزوف عن متابعة الأعمال الثقافية و دعم النشط الثقافي، كما يرجع الباحث السبب إلى غياب البراغماتية في معالجة هذا العزوف و هذه القطيعة.
قد يفهم من كلام صاحب الكتاب أنه يدعوا إلى خصخصة قطاع الثقافة، اي تسليم إدارته و تسييره إلى مستثمرين في الثقافة ، و هذا يعني أن النشاط الثقافي سوف قتصر على الغناء و الرقص فقط، الذي غالبا ما يحقق أرياحا، و هذه يعني خدمة جمهور معين، و نلاحظ أن الستاذ بلكبير لم يوضح بشكل مبسط مسألة الشراكة، و فتح الباب لإنشاء مؤسسات صغيرة و متوسطة لأصحاب المهنة (الكار) كما يقال، لإبتكار منتجات ثقافية يمكن تسويقها، وهذا مرهون بالدور المنوط بوزارة الثقافة في دعم هذه المؤسسات و مرافقتها، يكون ذلك من خلال إنشاء هيئة وطنية لرعاية الأعمال الثقافية ، السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكن إحداث الشراكة بين قطاعين كل قطاع له خصوصيته و نمط حياته الثقافية ، مثلما رأينا في اتفاقيات 'التوأمة' التي تبرمها بلديات الجزائر مع بلديات فرنسية، و هي تجربة لم تناقش نتائجها إلى اليوم، لأن الزيارات المتبادلة بين الطرفين كانت سياحية شارك فيها ابن فلان و علان و لم يكن هناك فعل ثقافي يذكر.
و نحن نتابع ما جاء في الكتاب وجدنا الجواب على هذا السؤال عندما قال الكاتب أن عمليات الشراكة ليست بالعملية السهلة ( ص 20) لما قد يسببه ذلك من إرباك و توتر و زيادة قلق أولئك ألأطراف و شعورهم بالخوف من فقدان ماهو مألوف و معتاد، المسالة حسبه تتعلق بالذهنيات، هي إشكالية استعصت حتى على الفلاسفة تغييرها، لإختلاف المجتمعات و نمط حياتها ونمط تفكيرها، فتغيير الذهنيات مشروع يتحقق بذهاب جيل ومجيئ جيل جديد، و للوصول إلى هذا الهدف على أهل الثقافة ( و لا نقول المستثمرون في الفعل الثقافي، لأن هذه العبارة عملية ربحية و ليست خدماتية تبني الإنسان و تجعل منه كائنا مفكرا مبدعا ) أن يضعوا خارطة طريق و استراتيجية جديدة للثقافة -كما يقول هو- و مناقشة أولويات القطاع ذلك بالإنخراط في حقول المعرفة ، و قد خص الكاتب لهذا العنصر (المعرفة) حيزا هاما من الصفحة 41 الى الصفحة 52 ، و هدا لما للمعرفة من أهمية في بناء الإنسان و رغم ما تحمله هذه الكلمة من معاني و دلالات ، فهي تمنح فرصا لخلق الإبتكارات.
و قد قدم الكاتب تجربة بنغلاداش ( ص 43) و الشراكة من أجل الرخاء الإلكتروني للفقراء في أندونيسيا، عندما تحدث عن تقرير الأمم المتحدة حول اقتصاد المعلومات، و حبذا لو أضاف الكاتب نماذج من تجربة الجزائر في هذا المجال، من باب المقارنة و تحديد حجم معاناة شعبها من تأخر في المجال المعلوماتي، نحن متأخرون عن ذلك الركب فعلى سبيل المثال عادة ما يقع خلل تقني أثناء انعقاد الملتقيات، ويعجز منظمو الملتقى عن معالجة الخلل و لنتصور كم من الوقت نهدره ونحن ننتتظر التقنيون ليصلوحوا الخلل، السبب لأن الجزائر لا تزال غير متحكمة في التكنولوجيا الحديثة، ثم ألا نلاحظ معاناة المواطن الجزائري و هو محروم من شبكة الهاتف و الإنترنت في المدن الجديدة، كما أن مشاريع تزويد السكان بالألياف البصرية تسير بخطى حلزونية، كانت هذه عينة فقط عن بعد المجتمع الجزائري عن الركب الحضاري.
و كما قال الأستاذ بلكبير في الصفحة 44 هناك فجوة كبيرة بين من يمتلكون المعرفة و من يفتقدونها أو يتأخرون في استخدامها وأرجع الكاتب سبب هذه الفجوة إلى وجود مجموعة من المؤشرات منها استخدام الإنترنت مع إجراء مقارنة مع المجتمع الإفريقي و المجتمع الأمريكي هذا الأخير الذي أحرز تفوق علميا و معرفيا في مختلف المجالات، أما عن حديثه عن التجارة الإلكترونية، فهذا يستدعي الوقوف على جملة من الحقائق حول التجارة، فإن كنا نسمع عن وجود تجاوزات في التجارة بين شخصية طبيعية أو معنوية ( بشر بشر) فكيف الوضع بالتجارة الإلكترونية في ظل ظهور الجرائم الإلكترونية التي شوهت كل الفضاءات المعرفية؟ ثم ماذا نفهم من المشروع الإفتراضي؟ ، و يمكن القول ان الجزائر لا تزال بعيد كل البعد عن الحكومة الإلكترونية، رغم أن هذا المشروع تم التفكير فيه في 2013 ، و بالتالي فالتجارة الإلكترونية و التمويل الإلكتروني و الإدارة الإلكترونية في الجزائر لا تزال بعيدة المنال، كل التقارير التي تم ذكرها في الكتاب هي تقارير دول أخرى غير الجزائر.
في كل هذا و ذاك يمكن القول أن هذه التقارير قد تكون نموذجا حيا يحتذى به في الجزائر و يكون قاعدة انطلاق أساسية و متينة، الحقيقة التي لا يختلف فيها إثنان أنه تتحقق نظرية هذا الكاتب حول المعرفة الإلكترونية إذا كان لنا مجتمع قارئ و كانت هناك مقروئية، مجتمع يعمل على تغذية عقله و ملئه بالأفكار الحية الفعالة و المعارف التي تبني و لا تهدم كما يسعى لملء بطه بالأكل، فكل ما جاء ذكره ينحصر في مجال ضيق لا يخرج عن حدود إنشاء الهياكل و تجهيزها أو طبع كتب في الإطار الذي يحدده النظام أو السلطة، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كثير من الكتب تصادرها السلطة و تمنع من تسويقها في سوق الكتاب، فالمسالة إذن تتعلق ببناء الإنسان فكرا ومنهجا، ثم أن القارئ يتساءل عن الدافع لإدماج الثقافة و الفنون في الفعل الإقتصادي، لأن العملية تكون "بزنسة" ، والسؤال الذي يفرض نفسه كيف يكون الإستثمار في الثقافة؟ فتنظيم معرضا للكتاب أو ملتقى يعالج إشكالية ما أو تنظيم ندوات دون استخلاص النتائج يعني اننا لم نفعل شيئا، و اضعنا جهدا كبيرا و اضعنا وقتا كثيرا ، فكثيرا من الملتقيات التي يخرج أصحابها بتوصيات تظل حبرا على ورق دون العمل بها و تجسيدها في الميدان أو تحويلها إلى مشروع يخدم المجتمع، المشكلة ربما تتعلق بتحديدنا نوع الجمهور الذي نريد الوصول إليه، هذا الدجمهور الذي يبحث عن شيئ يسليه ( مسرحية فكاهية، أو فنان يُهَيِّجُهُمْ بأغانيه (....).
ثم أن الكاتب تطرق إلى الوضع الذي عاشه العالم كله جراء انتشار الجائحة ، حتى و لو أن هذه الجائحة اثرت سلبا على كل القطاعات و أجهضت مشاريعها بما فيهم قطاع الثقافة، إلا أن هذا الأخير (اي قطاع الثقافة) مريض و قد أدخل قسم الإنعاش قبل ظهور الوباء، و نظن أن الوباء كان حجة لبعض المسؤولين على قطاع الثقافة لتبرير سبب انهيار هذا القطاع و انحداره على كل المستويات خاصة في الجزائر، فإذا تحدثنا مثلا عن الكتاب في الجزائر، نجد أن بعض دور النشر أصبحت تهتم بالكتاب التجاري و أخرى تركز على ماذا يثير الشباب الذي يبحث عن وسيلة ينفس بها عن نفسه كالروايات البوليسية و الروايات العاطفيه، و كتب الطبخ و الأزياء بالنسبة للفتيات و لذا تلجأ بعض دور النشر إلى إعادة طبع مثل هذه الكتب و تسويقها من جديد لأنها مربحة و مدرة للدخل.
خلاصة القول أن قطاع الثقافة قد حظي باهتمام الأنتروبولوجيين الذين درسوا المجتمعات البدائية و مع التطورأ الثقافة من اهتمام علماء الإجتماع لإرتباط الثقافة بالمجتمع، إذ تلعب الثقافة دورا مهما في حياة الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع، أما بعد ظهور التعددية الثقافية وجد الإنسان نفسه يتخبط في خيوط عنكبوتية، و حدث له ما حدث للغراب الدي حاول تقليد مشية الحمامة ففقد مشيته و مشية الحمانة ، هكذا هو الإنسان في نظام تعددي يختلط عليه الأمر بين ماهو ثابت و ما هو متغير ، بين ماهو أصيل و ما هو حداثي، و قد حمّل الكاتب الوزارات المسؤولية في تراجع الفعل الثقافي، إلا أنه أهمل نقطة مهمة جدا هي ان الذين تداولوا على وزارة الثقافة كانوا ينفذون إيديولوجيا معينة وأجندات و برامج سياسية تحت غطاء ثقافي يمكن تسميتها بـ: "التفرنج و التغريب"مهمتهم ضرب الثقافة العربية و الإسلامية و مقوماتها، فالثقافة في الجزائر تسيّست و كل مبادرة ثقافية إلا و خلفها أطماع سياسية، وظفت لها كل الوسائل و على رأسها الإعلام، الصراع الآن هو صراع بين الحداثيين و المحافظين فوقع الإنفصال بين جيل و جيل، فماهو موجود هو استهلاك منتوج صنعه غيرنا أعطاه البعض قراءات مختلفة دون مراعاة المناخ الثقافي الذي كان سائدا في زمن ما .
علجية عيش بتصرف