(أورافريقيا eurafrica مشروع جاء لتحقيق الوحدة المغاربية)
هل جرب أحدنا حياة السجون؟، إن حياة السجون تتميز بالترحال الإجباري من سجن لآخر و هذا ما عاشه أحمد طالب الإبراهيمي أيام الثورة ( 1957) و غيره من قادة الثورة الذين ذاقوا مرارة الحياة داخل الزنزانة بسجن فرين و سجن لاسانتي، لم يهمل المعتقلون داخل السجون الفرنسية واجبهم بل كانوا يقدمون دروسا في اللغة العربية و يتابعون كل ما يكتب عن الجزائر و الإسلام في الصحف الفرنسية، ولعل مذكرات الإبراهيمي تعتبر نقطة في بحر، إن ورنت ببعض المذكرات، فلكل سجين ذكريات ، و هذا يدعو المعتقلين السياسيين إلى أن يسارعوا لكتابة مذكراتهم و يتركونها للأجيال لتكون مرجعا لهم في المستقبل

هي رسائل كان الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي يرسلها إلى أصدقائه، جمعها كتاب و قام بتعريبه الصادق مازيغ صدر في 2012 عن دار الأمة و لأهمية هذه الرسال فقد أعيد طبع الكتاب للمرة الثالثة ، من يقرأ هذه الرسائل يقف على المشاهد المأساوية التي كان يعيشها المعتقلون السياسيون و بالأخص الذين سجنتهم فرنسا ايام الإحتلال وحتى في السنوات الأخيرة من الثورة و قامت بتعذيبهم ، هي مشاهد لا يستطيع المرء تحملها و أحمد طالب الإبراهيم هو واحد من الذين تعرضوا للسجن، حيث كانت سنة 1957 بالنسة له مليئة بالأحداث و المفاجآت، أول رسالة كتبها الإبراهيمي في مارس 1957 أرسلها إلى شقيقه محمد طالب الإبراهيمي طمأنه فيها عن أحواله و طلب منه أن يواسي أمهما في غيابه و عبرعن قلقه لمرض والده الموجود بمستشفى كراتشي، فهو نجل الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمسن الجزائريين بعد وفاة العلامة عبد الحميد ابن باديس، داخل السجون يصل المرء إلى مستوى معين من اليأس و خيبة الأمل إلا من رحم ربي ، حيث نجد من هو متمسك بالأمل و يتطلع إلى الحرية، هو ما لمسناه في رسالته التي كتبها إلى مناضل جزائري رمز لإسمه بحرف "ع" عبر له فيها عن اللحظة التي كان يشعر بها من الإستسلام و العجز و التخلي عن المعركة.
يصف أحمد طالب الإبراهيمي حياة السجون و هم داخل الزنزانة، إذ يقول عندما تكون الزنزانة مفتوحة تكون لهم الفرصة ليلتقي الخلان لتنظيم حياتهم داخل السجن، الملاحظ في هذه الرسائل أن الإبراهيمي كان يتواصل مع شخصيات عديدة كانت تربطه بهم صداقة و كان يبادلهم الحب و الإحترام، لكن بدرجات متفاوتة، فتارة نراه يخاطب مراسله بـ: عزيزي، ويخاطب البعض بـ: صديقي، كان السجناء يستغلون فتح الزنزانة لخروجهم للساحة ليباشروا دعوتهم إلى الإسلام ، الإسلام في نظر الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ليس مجرد دين ينظم علاقات الفرد بخالقه، لكنه قانون لتسيير الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية، فقد كان أحمد طالب الإبراهيمي يطلب من رفاقه في السجن بأن يحدثوا وحدات بحثٍ و تأمل كفيلة بوضع مذهب يتماشى مع العالم الحديث ، إذ يقول: " إن الجزائر أحوج من ايّ بلد آخر إلى رجال متفتحين دون التخلي عن ثقافتهم الموروثة، و يتقبلون إلى ذلك الثقافة الغربية في غير ما إبادتهم لذاتيتهم، ذلك أن الجزائر اليوم لا تضم سوى صنفين: المتغربين و المتزمتين و قد كان الصنف الأول صنيعة السياسة الإدماجية.
و كما اسلفنا يلاحظ أن الإبراهيمي يستعمل عبارات تخاطب الوجدان مثل عبارة عزيزي، و نجد هذه العبارة في رسائله الى روني فاتييه ، و عبارة صديقي في رسالته إلى روبير بارا، و هو محق فهناك الأصدقاء و الأصدقاء المقربون، من بين القضايا التي كان الإبراهيمي يثيرها بين رفاقه في السجن هي "الإتجاه القطري للجزائر صوب الغرب" أو كما سمّوه بـ: "أورافريقيا"و هو مقترح تقدم به روبير بارا و هو صحفي و مناضل من أجل تصفية الإستعمار، كانت وجهة نظر أحمد طالب الإبراهيمي لهذا المقترح ( الموهبة اقطرية للمغرب الكبير) يشكل همزة اتصال بين الغرب والشرق أو على الأصح بين الغرب و العالم الإفريقي الآسيوي فيكون عالم سلام واستقرار في العالم، هذه الفكرة كان حكام المغرب العربي ( الحبيب بورقيبة، محمد الخامس و مسؤولي جبهة التحرير الوطني) قد صرحوا بها من أجل تحقيق الوحدة المغاربية، لكن هذا الحلم ظل رهين تساؤلات إن كان المسؤولون المغاربة متجهون حقا بتفكيرهم صوب المغرب الكبير، لكن الحلم الإبراهيمي لم يتحقق، بدليل العدائية بين الجزائر و المغرب بسبب قضية الصحراء الغربية، ونلمس ذلك في رسالته إلى مسعود آيت شعلان و هو طبيب و دبلوماسي جزائري مثّل الحكومة المؤقتة في لبنان تم اعتقاله من طرف بن بلة و بعد التصحيح الثوري عينه بومدين سفيرا للجزائر في مختلف الدول، كان أحمد طالب الإبراعيمي من داخل سجن لاسانتي يلح على أهمية تعريب التعليم، الشيئ المميز في السجون الفرنسية أنها تسمح بدخول الصحف و الكتب و تبادل الرسائل بين المساجين.
كيف كانت الصداقة مع فرنسا أيام الثورة و إلى أي مدى تطورت العلاقة بين المساجين الجزائريين و الفرنسيين ؟ فأحمد طالب الإبراهيمي كانت له اتصالات مع فرنسيين، و من خلال هذه الرسائل نجد أنه كان يتبادل رسائل مع أحد الفرنسيين كان يناديه بـ: عزيزي ك.. و فرنسي آخر هو الأب م. د شنو ، كما تكشف رسائله عن وجود صداقة قوية بينه و بين دونيز بارا زوجة روبي بارا و هي صحافية و من المناضلات المعاديات للإستعمار استخدمت مسكنها كملجأ لمتاضلي جبهة التحرير الوطني، كان الإبراهيمي يناديها أيضا بـ: "عزيزتي" ويبدو أن أحمد طالب الإبراهيمي رجل متفتح الفكر لا يعاني من اي عقدة في التعامل مع الآخر، حتى لو كان من الجنس اللطيف، فاستعمال بعض عبارات التخاطب في المجتمع الغربي و حتى عند بعض المشارقة مثل حبيبي,, عزيزي هي عادية ترددها كل الألسن عكس ما نراه عند المجتمع المغاربي و بخاصة الجزائر، فالرجل في المجتمع المغاربي يخجل من أن ينادي زوجته بحبيبتي أو عزيزتي في حضور العائلة، و في وقت مضى كان الرجل إذا خرج مع زوجته يأمرها بأن تمشي خلفه و ليس بجانبه.
أما الرجل الغربي فلا مشكلة له أن تخرج زوجته مع صديقه أو ترقص معه في الحفلات، لأنه يعيش في مجتمع متفتح و متحضر و لا يعاني من عقدة النقص، كانت هذه ملاحظة بسيطة لتحديد المفاهيم و المصطلحات، وهو في السجن كان الإبراهيمي يحمل ذكرياته مع دونيز بارا و قد ذكرها في الصفحة 81 من كتابه ، حيث استعاد تلك الذكريات عندما ارسلت له صورة تذكارية ايام كانا معا على شاطئ البحر، و هذا ما يؤكد أن الإبراهيمي رجل مرهف الحس و رومانسي ، لدرجة أنه كان يكشف لها أسراره و يصف لها حياة السجون و حالة السجناء و هم يقضون وقتهم داخل الزنزانة، الرسائل عديدة عبر يها الإبراهيمي عن مواقفه ، خاصة رسالته إلأى ألبير كاوا، هذه الرسالة تحتاج إلى إعادة قراءة و تحليل حيث كانت تحمل مشاعر العتاب تارة و أحيانا مشاعر الإستعطاف بل نقول أنها بلغت مستوى التمجيد لهذا الرجل الذي قال يوما: لو خيرت بين العدالة و أمي لأخترت أمي، و كانت من اطول الرسائل ( من الصفحة 83 إلى الصفحة 101 ) ، كذلك المراسلات التي تمت بينه و بين ماكسيم رودنسون و هو لغوي و عالم اجتماع و أنتروبولوجي فرنسي، مهتم بشؤون العالم الإسلامي و له في ذلك عدة مؤلفات ونلاحظ أن مراسلاته مع هذا العالم تكررت بالذات.
علجية عيش