عالم القوة والضعف


حقيقة لا يمكن مداراتها او اخفائها وعبر مراحل التاريخ وبالتطور الاجتماعي والثقافي الزمني بدء من مجتمع القبيلة والعشيرة الى تحالف القبائل والعشائر الى القرية الى المدينة الى ظهور القوميات والوطنيات في العالم لم تكن المعادلات المطروحة في كل الاشكاليات والعلاقات البينية او علاقات الجوار مبنية على السلم والقناعة، فكل مكون له احتياجاته والضغوط الداخلية التي تجعله يفكر اكثر من مرة في الاعتداء على حقوق الغير، وهنا يشكل الضعف وتشكل القوة اهم العلاقات في العالم الى ظهور الامبراطوريات وعمليات التوسع والاغتصاب وتغير في خريطة العالم السكانية والطوبوغرافية ، هكذا كان العالم يبدو ومازال كذلك ...

قد استحقر من يتحدثون عن القانون الدولي ، والحقيقة ان القانون الدولي الحاضر هو من صاغته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى والثانية وعلى حساب الشعوب الضعيفة والشعوب المهزومة بانظمتها وبما يسمى عصبة الامم ومن ثم الامم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان التي ليس لها لا حول ولا قوة امام اطماع المصالح التي لا تحسب في حساباتها مصالح الشعوب الضعيفة .

الدول الناشئة او الدول التي تصعد في معطيات القوة لابد ان يقابلها عوامل الضعف في الدول المنافسة الاخرى ، ومن هنا نستطيع ان نشير في العصور المتوسطة لانهار الامبراطورية الرومانية والفارسية امام تقدم الدولة الاسلامية والدعوة الاسلامية .

عوامل القوة لها معطيات اهمها لابد ان يكون اقتصاد يدعم القوة وثقافة محلية قد نستطيع ان نقول ثقافة وطنية في التعبير العصري او ثقافة قومية او عرقية قد توحد الامة في ظل اتزان في موازين العدل البينية في المجتمع نفسه ، ومن هنا قد اشير ان الدولة العراقية القومية التي انطلقت بنزعة وطنية بداية تلك التجربة التي قادها الرئيس الراحل صدام حسين التي لم تكن بالقدر الكافي في احداث ارهاب او رعب للقوى المنافسة الاخرى، وبالتالي تحطمت الدولة العراقية وحشدت الحشود لها اوانهارت تلك الدولة ، قد تكون ايضا عوامل التفتت الداخلي المذهبية والعرقية هي من اهم عوامل الدول داخليا وعلى سبيل المثال كان نظام ايران الشاه والذي كان يعتبر شرطي المنطقة في الشرق الاوسط انهار امام تعبئة دينية ومذهبية امام بعض القوى الداخلية والخارجية المتحالفة في صراع القوى في العالم ومن ثم صعدت الدولة الايرانية بعد هزيمة ساحقة من العراق لتقع كل من ايران والعراق في كفة النفوذ الدولي التي استطاعت الثورة الايرانية ان تنفذ من خلاله ايضا لتصبح قوة اقليمية لا يمكن تجاوزها في معادلات القوة والارهاب المتمكن والذي يمكن ان يحقق خسائر فادحة للنفوذ الاوروبي والامريكي في المنطقة وبالتالي تلك الدول العظمى التي انتهجت نهج السلم والحوار والمفاوضات لترويض النظام الايراني الذي مازال يصر على فرض رؤيته ونفوذه وقوته في المنطقة .

انهزم هتلر بعد اثارة الثقافة الوطنية وتحالفات اقليمية لتنتصر قوميات اخرى وتحالفات اخرى ، وقد نستطيع الاشارة هنا ايضا الى تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات وكمون روسيا لتستعيد قوتها لتشكل تهديدا خطيرا لمصالح النظام العالمي لقيادة امريكا عندما استولت على جزر القرم مثل ثم دخول اوكرانيا جنوبها وشرقها في تحدي كامل ببعد اقتصادي لضرب ما يسمى النظام العالمي الجديد بقوته الاقتصادية والعسكرية الذي اصبح حائرا ومشلولا امام القوة الروسية المهددة لمصير العالم واصبحت روسيا تصارع وتنافس لوجود نظام عالمي جديد بقوته الاقتصادية الجديدة ، كما نستطيع الاشارة الى الصين وبعد استقلالها بخمس سنوات لتصبح قوة وتدخل مجلس الامن كعضو دائم واصبحت الان تنافس ايضا وتهدد النظام العالمي بقيادة امريكا بقوتها الاقتصادية والعسكرية والتي الان في مواجهة مع امريكا حو تايوان ، هذه عبر من التاريخ وفي تطور عناصر القوة وتخافت عناصر الضعف لتشكيل عالم مبني على القوة من جديد .


الحالة العربية حالة متردية جدا ً فهي تقع دائما فريسة للمتغيرات في العالم والمتغيرات الاقليمية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية والصراع على المنطقة وفرض رؤية سايكس بيكو على المنطقة وكان من اكبر الضحايا لهذا التفتت هو ظهور الدولة الصهيونية على ارض فلسطين ، اذكر هنا ايضا النفوذ اليهودي في روسيا التي قامت بالثورة البالشيفية بقيادة بعض اليهود مما كرس الحلم اليهودي في فلسطين بعد ما كانت الخيارات امام ستالين بان تكون جزر القرم هي الدولة اليهودية بالاضافة الى مناطق اخرى كالجبل الاخضر في ليبيا واوغندا وغيره من الدول ، ولكن هنا ارتباط المصالح في الدول المنتصرة هو من فرض خيار الارض والجغرافيا للحفاظ على مصالح الدول التي تقود العالم مثل امريكا واوروبا وان كانت امريكا قد استطاعت اخراج اوروبا من المنطقة العربية بالتعاون مع ما يسمى ثورات عربية لاخراج بريطانيا وايطاليا وفرنسا من المنطقة .

هنا استطيع الوصول الى حقيقة ان لا مكان للشعوب الضعيفة ، وان لا مكان للانظمة المهزوزة والمهترئة ولعديمة التفكير الاستراتيجي لتحقيق مصالح شعوبها واستغلال ثرواتها وتنمية قدراتها لتصبح قوة قد تحقق نوع من الارهاب امام تغول المصالح للدول الطامحة في الدفع الى الامام الى الرقي بمصالح شعوبها الداخلية وخاصة طبقة راس المال .

ان صناعة الحدث ( الارسال ) هامة جدا امام الرغبات في تحول بعض الدول الى دول متبقية وشروط قاسمة وقاسية على مصالح الشعوب الضعيفة ، وبالتالي تقع تلك الشعوب فريسة للصندوق الدولي وغير الدولي وقوة الارهاب بالقوة الفاتكة كما يحدث في سوريا التي لم تستدين مليما واحدا من الصندوق الدولي ولديها اكتفاء ذاتي او في ليبيا التي تمتلك كمية هائلة من الطاقة بدون اعداد لثقافة وطنية خاصة وبحتة تحافظ على تلك الممتلكات وترهب من يتعدى عليها ، وكما يحدث في اليمن التي تمتلك موقع استراتيجي وهي اصول العرب ، هكذا هي المعادلات في العالم ، اما الشعب الفلسطيني الذي لم يلبث سوى ثلاث سنوات او اقل من طموح في ثورة تحرر الارض والانسان الى ان اصبحت متلقية واسيرة المال الذي استخدم للحفاظ على مصالح قادتها فقط بدون الاعداد الجيد او المتوسط لقضية رفعتها هي قضية التحرير ، وبالتالي كانت عوامل الفساد براسها المالي هي من كرست مفاهيم الوحدانية للزعيم ولملمت كل اركان الفساد السلوكي والاخلاقي والثقافي لكي تكون قوة لحماية القائد الاوحد ، وبالتالي خسرت فلسطين وانتزعت من الشعب الفلسطيني القوة لصالح طبقة وفئة مازالت تحافظ على مصالحها في انقلاب يساوي 180 درجة على مبادئ ما يسمى الثورة لينعكس الحال الى تحالفات للبقاء فقط ولبقاء المصالح ضد خيارات الشعب الذي اصبح يعاني من الفقر والجهل والبطالة ونهب اراضيه من اجل بقاء تلك القيادة التي لم تفكر يوما انها سترحل مثلما رحل الاخرين بل سترحل بعوامل الضعف التي اضفتها على الشعب الفلسطيني الذي كما قال بايدن ليس هناك في الافق ما يسمى دولة فلسطينية ويقع الشعب الفلسطيني في خيارات صعبة او قد تكون معدومة في ظل هذا الواقع من اين سنبدا واين سننتهي ؟!

بقلم / سميح خلف