إسرائيل تبني سيناريو هدم المسجد الأقصى
في الوقت الذي ينشغل فيه العرب بالسجالات القديمة الجديدة حول علاقة الدين بالدولة ووضع المرأة وشكل الحكم وإقصاء الإخوان وكل معلم وعنوان ذات صلة بالدين عن الدولة , من أجل الحفاظ على قومية ويسار عربي أحدهما أفشل من الآخر , تسعى اسرائيل الى ربط الدين بالدولة مضموناً وليس شكلاً , وذلك لزيادة التطرف داخل مجتمعها الذي تعوزه التوافقات الإجتماعية من اجل الصمود في الحروب القادمة , والتي يجزم البعض أنها مصيرية للجانب العربي واليهودي , ومن هنا تكمن خطورة الحروب القادمة.
لقد أيقن اليهود بعكس العرب أن الدين هو العلاج الناجع ضد القابلية الداخلية للتفكك , ورغم إدراكهم للنتائج الوخيمة التي قد يعكسها أي نزاع ديني , إلا أنهم يراهنون على أن هذه الانعكاسات لن تكون أصعب من التفكك الاجتماعي الذي حتماً سيقود الى تدمير الحياة السياسية وبالتالي تلاشي الدولة.
وعليه فان اسرائيل معنية في جر المنطقة الى اتون الصراعات الدينية , وهي قد بدأت تعد العدة لذلك منذ مدة من خلال اجتراءها على أقدس الثوابت الفلسطينية المتمثلة بالقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك وباقي المقدسات الاسلامية.
والغريب في الامر أن الأنظمة العربية تجاهلت الإخطبوط الديني اليهودي الذي أثار جدلاً واسعاً حول علاقته بالصهيونية , وانه هل الصهيونية هي التي تقنعت بهذا الإخطبوط أم ان الدين هو الذي تقنع بالصهيونية من أجل إخفاء حقيقة الصراع الديني فترة من الزمن من اجل إقناع العالم العربي بعلمانية الصراع وضرورة محاربة وإفشال التيارات الإسلامية حاملة لواء ما يسمى بالاسلام السياسي إن صح التعبير , بذريعة أن هذه التيارات تنمي العنف والطائفية , وكل ذلك لأن هؤلاء أدركوا أن الاسلام السياسي وهذه التيارات الإسلامية هي الوحيدة القادرة على مواجهة الإخطبوط الديني في الطرف الآخر. لذلك إستحدث هؤلاء العلمانية كمنهج سياسي وإجتماعي كقناع يحفظ دينهم من غزة الاسلام وقوة منهجه , ولكي ينشغل أهل الإسلام ببعضهم البعض , حتى يأتي الوقت الذي يحقق فيها هؤلاء مآربهم الدينية ويكشفوا عن وجههم الحقيقي والخبيث.
إسرائيل اليوم وصلت الى مرحلة لا ترى فيها غضاضة أن تكشف للعرب والمسلمين عن وجهها الحقيقي , ففي الوقت الذي يقوم فيه العرب بمحاربة الجماعات الاسلامية تقوم اسرائيل بتقريب جماعاتها وأحزابها الدينية من مراكز التأثير والحكم , وفي الوقت الذي تقوم فيه الدول العربية بإغلاق مؤسسات الصدقات والزكاة والإغاثة تقوم إسرائيل بتنمية هذا الجانب الديني داخل المجتمع الإسرائيلي , وفي الوقت الذي يقوم فيه العالم والاسلامي بإغلاق المدارس الدينية تقوم إسرائيل برعاية هذه المدارس وتخصيص الميزانيات اللازمة لها.
إن اسرائيل تحضّر مجتمعها من اجل استقبال ما يسمى بالمنقذ اليهودي " بن ديفيد" إعتقاداً منهم أن اسرائيل ستحكم العالم الذي سيعتنق اليهودية طوعا أو كرهاً , ومن أجل ذلك تسعى إسرائيل لهدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم استقبالاً لهذا المنقذ.
لقد تحدث الإعلام الاسرائيلي الرسمي المكتوب والمرئي والمسموع طويلاً , قديماً وحديثاً , عن سيناريوهات قد يقوم من خلالها بعض المتطرفين اليهود بهدم المسجد الأقصى المبارك. فاما أن يكون ذلك عن طريق تسلل أحدهم الى داخل باحات المسجد الأقصى ووضع متفجرات بداخله ومن ثم تدمير المسجد , وقد اتخذت المؤسسة الإسرائيلية احتمال حدوث مثل هذا السيناريو ذريعة للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك وتجول الشرطة فيه بذريعة حماية المصلين والمسجد من المتطرفين وإذ بنا نكتشف أن الترويج لمثل هذا السيناريو كان بمثابة خطة للمؤسسة الإسرائيلية من اجل وضع يدها على المسجد ومداخله ومن اجل فرض سيطرتها على المسجد وتحجيم دور دائرة الأوقاف هناك.
وتكشف لنا أيضاً أن إسرائيل استغلت هذا الموقف من أجل وضع كاميرات لمراقبة ليس المتطرفين اليهود الذين يسمح لهم بدخول المسجد كل يوم , وإنما من أجل مراقبة المسلمين والأوقاف ومن أجل منعهم من إجراء أي أعمال ترميم داخل المسجد الأقصى. ورأينا أيضاً كيف أن اسرائيل استغلت هذا الموقف من اجل السيطرة على أجزاء داخل المسجد الأقصى وحوله من اجل فرض سياسة الأمر الواقع, وكيف أنهم استمروا في اعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه.
لقد ركزت إسرائيل في إعلامها مراراً على ان تخوفها يكمن في أن يقوم طيار إسرائيلي بقصف المسجد الأقصى أو إسقاط طائرته عمداً داخل المسجد الأقصى المبارك من أجل تدميره , وها نحن وبعد مرور أكثر عن عام على الترويج لمثل هذا السيناريو , وبعد أن تناساه الناس , يقوم الجيش الإسرائيلي وسلاح الطيران بتبني مشروع تجنيد ما يسمى "بالحريديم" اليهود المتدينين المتطرفين من أجل الالتحاق بسلاح الطيران وذلك لأول مرة في تاريخ إسرائيل , وإن ذلك إن دل إنما يدل على ان المؤسسة الإسرائيلية تفتح الآن الباب على مصراعيه أمام هؤلاء المجانين لكي يقوم احدهم بتنفيذ مثل هذا السيناريو والذي على ما يبدو بات السيناريو المفضل لدى المؤسسة الإسرائيلية.
* باحث في مركز الدراسات المعاصرة- ام الفحم
المفضلات