المواطن مصري !


المصريون : بتاريخ 23 - 5 - 2007
جمال سلطان
كنت أزوره بين الحين والآخر لمجرد الأنس الفكري أو تجديد خريطة العقل أو المشورة في قضية أو هم عام ، وأحيانا تكون الزيارة بطلب من صديق باحث أو كاتب عربي يرجوني أن يسعد بزيارة الدكتور المسيري ، عندما زرته قبل عدة سنوات للتهنئة بصدور موسوعته الضخمة والفذة "اليهود واليهودية والصهيونية" والتي تكرم بإهدائي نسخة منها مطبوعة ومجلدة بشكل فاخر ، وجدت صحته على غير العادة ، كأنه "شاخ" عشرين عاما فجأة ، ولا يستطيع أن "يفرد" ظهره بصورة سوية أبدا ، ولا يجلس إلا بطريقة خاصة ، وجدته مزيجا من الفرحة بإنجاز مهمته التاريخية بالموسوعة وإحساسه بالقلق والاضطراب من المرض المفاجئ ، كانت متاعب ظهره قديمة ولا يعيرها انتباها ، وكان كأن طاقة إلهية تمنحه القدرة والصبر حتى إتمام "دوره" ورسالته ، بإنجاز الموسوعة ، كانت المفاجآت التي تتالت بعد الفحوصات مخيفة ، فقد بدأ نوع من سرطان الدم يتسلل إليه وأصبح بحاجة ماسة إلى زرع نخاع لإنقاذه من الموت المحقق ، كان المسيري ينفق على موسوعته التي ساهم فيها عدد كبير من شباب الباحثين ، من جيبه وميراثه من أبيه ، التاجر الدمنهوري الكبير ، بينما الدولة تنفق على بعض الشباب المتصعلك المتسكع على مقاهي وسط البلد مئات الآلاف من الجنيهات من أجل أن يأتي بعد خمس سنوات بعشرين صفحة فيها قمامة لغوية يسميها شعرا حديثا ، حصل على أموال الغلابة كتفرغ لإنجاز عمله الضخم ، وهي في الحقيقة شراء ذمم وعربون الدخول في "الحظيرة" ، بينما المسيري الذي يقوم بهذا العمل الضخم لا يجد من أصدقائه في أعلى هرم السلطة ، وهم كثر ، إلا مشاعر الإكبار والثناء ، ودمتم ، كنت أشعر بالحيرة والذنب تجاه هذا العلم الكبير ، ولا أعرف كيف أتصرف ، فليس لي علاقة بذي سلطان لا داخل مصر ولا خارجها ، ولا حتى بأصحاب الأموال والبيزنس ، حتى فاجأني اتصال ذات يوم من صديق كاتب ومفكر سعودي نبيل ، علم بمرض المسيري ، وراح يحدثني بألم شديد عن هذه "الفضيحة" ثم تحول الألم إلى بكاء حار على الهاتف ، ثم تحول البكاء إلى نحيب شديد أبكاني ، كان الرجل يصرخ : المسيري يفعل به كذا ، المسيري لا يجد ثمن العملية ، المسيري يبيعه الجميع ، ثم أخبرني بأنه سيأتي خلال يومين إلى القاهرة ولا بد من أن يحصل على نسخة من التقارير الطبية كاملة ، فتواعدنا ، وفي الموعد جاء ، أخبرني بأنه يعرف أميرا سعوديا له ما يشبه الوقف للإنفاق على الحالات الإنسانية ونحو ذلك ، وأنه يتفاءل خيرا كثيرا من إمكانية تبنيه لقضية علاج المسيري ، لأن المسيري علم في العالم الإسلامي كله وقيمة كبيرة ، ذهبنا سويا إلى المسيري ، طلبت منه على الفور نسخة من الملف الطبي ، امتنع وتحرج ، لكني كنت مصرا على ذلك وأخبرته أني لن أخرج إلا ومعي الملف ، فاستسلم في النهاية وأعطانا الملف الطبي ، وفي اليوم التالي سافر الصديق العزيز عائدا إلى بلاده ، وخلال أقل من شهر كانت البشرى بأن "الأمير عبد العزيز بن فهد" المستشار بالديوان الملكي وافق على تحمل كامل نفقات علاج الدكتور المسيري بوصفه علما من أعلام الفكر العربي والإسلامي ، لم أصدق ولا المسيري صدق عندما أخبرناه ، لكنه في النهاية سافر وأجرى العملية ولم يتحمل الأمير قيمة العملية فقط بل وصلت تكاليف المتابعة لأكثر من مليون ونصف المليون جنيه مصري ، في ذلك الوقت كان المسيري قد تقدم بطلب سابق إلى بعض أصدقائه في الحكومة المصرية ومؤسسة الرئاسة ـ من خلال صديقه الشخصي أسامة الباز ـ للتوسط لعلاجه على نفقة الدولة ، ووعدوه خيرا ، كان ذلك في فترة وزارة عاطف صدقي ، ثم ذهب صدقي وأتت وزارة عاطف عبيد ، ثم ذهب عبيد وأتت وزارة نظيف ، كل هذا العمر والمسيري لم يحصل على قرش صاغ واحد من الحكومات المصرية المتعاقبة لعلاجه ، ربما أنها اعتبرت أن علاجه مسؤولية الحكومة السعودية ، المسيري مضطر إلى السفر خلال أسبوع للحصول على "كورس" علاجي من سرطان الدم ، تكلفته تتجاوز الربع مليون جنيه في أقل تقدير ، مقسمة على أربع وعشرين حقنة .نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي