صــاحــب البيـــت... آخــــــر مـن يعــلـم
" مَن كان يظنُّ أن لن ينصره الله فى الدنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السماء ثم ليقطع
فلينظر هل يُذهِبَنَّ كيدُهُ ما يَغيظ " (الحج 15)

لا شك أن من أكثر العبارات تداولاً فى الساحة الثقافية هذه الأيام، هي عبارة النظام العالمي الجديد. وهى عبارة جميلة تبث الأمل فى قلوب الملايين، ممن لا يرجون طائلاً من وراء النظم السائدة التى باتت لا تسمن ولا تغنى من جوع.
ولحب الناس لمثل هذه العبارات فقد دخلت إلى مضمار السياسة من باب المزايدات الكلامية، والوعود المعسولة والتلاعب بمشاعر الملايين من البشر. ويعدهم الساسة ويمنونهم، وما يمنونهم إلا غروراً. ولقد ظهر ذلك بيناً فى موقعة لبنان الأخيرة، والتي منيت فيها الصهيونية العالمية بهزيمة نكراء. وخرجت سيدة أميركا الآنسة كونداليزا رايس ببشارة إلى العالم بأن نظاماً عالمياً جديداً يوشك أن يولد وينشق له القمر ويسقط له إيوان كسرى، ويكون مولده فى أرض الحضارات ومركز النبوات، فى منطقة الشرق الأوسط. ولا يبقى سوى القضاء على حزب الله وانتصار الملائكة من اليهود، كعلامة لمولد ذلك المخلِّص الذى يغير التاريخ، وفقاً للبشارة التلمودية. وما هي إلا ساعات، وعلى العالم أن يعتكف أمام شاشات التلفاز لمشاهدة هذه المعجزة الكونية. ولقد صدق الجهلاء ذلك بل وبعض العقلاء تذبذبت رؤاهم وتراقصت شواهد أحلامهم.
إلا أن حزب الله قد أتقن اللعبة، ولم يستدرجه من ذلك شيء، وبدا واثقاً من النصر، بل انتصر. وسقطت مراهنات العملاء وخسروا أرصدتهم لدى الجماهير الإسلامية. ولم يكن ذلك هو أهم ما تفتقت عنه الحوادث. بل الجميل فى كل ذلك، أن ترتد الرماح إلى نحور أولئك الدجالين. فقد اكتشف صاحب البيت أخيراً أن فى جدار بيته كنزاً من الذهب. وأن كل الذين زاروه فى الأيام الأخيرة لم يفعلوا ذلك حباً لجمال عينيه ولا طلعته البهية، وإنما طمعاً فى أن يختلس شيئاً من الذهب. وكأن صاحب البيت آخر من يعلم!
لقد تهتكت ستائر البهتان، وظهرت الحقيقة التى طالما حرص الكذابون على كتمانها. لقد برزت قوة شهد لها التاريخ بأنها لا تُهزم، وعرف العالم كله، الحاضر منه والغائب، المستخفى منه والسارب، أن معادلة القوة قد بدأت فى استعادة توازنها الطبيعي، بعد أن اختلت لمدة قرن كامل من الزمان. فالإسلام العائد بقوة يقرع أوربا من الداخل ومن الخارج، وعمالقة الفكر والقلم قد عادوا أقزاماً أمام فلسفة الحق التى لا تدانيها فلسفة. وعلم المسلمون أن قيادة الأرض تناديهم، وأنه قد آن الأوان للمسلم أن يعود إلى مقدمة الصفوف، فقد زال عن شمس الإسلام المشرقة عصر الكسوف. النظام العالمي الجديد قد بدأ يأخذ شكله النهائي، وصدقت كونداليزا وهى كـــذوب.
والأمر وإن كان لا يتعلق بحزب الله ولا بمرجعيته التى قد يختلف حولها البعض أو يتفقون، إلا أنه يعكس حقيقة التكوينات السياسية المتواطئة، وكون أنها لم تتمكن من صياغة موقف يحفظ لها ماء الوجه، بل إن حسابات كل الحواسب الأميركية والصهيونية قد أثبتت أنها عاجزة أمام صمود العقيدة وإمكانات التحدي الإسلامية لحزبٍ صغيرٍ معزولٍ على المستوى الدولي، ويواجه خيانة على المستوى الإقليمي. فماذا يكون الأمر لو كان اتحاداً من مجموعة دولٍ إسلامية ؟ وماذا يكون الأمر لو هبت نسائم التاريخ الإسلامي الحافل على المنطقة وما ذلك على الله بعزيز.
إن السقوط التدريجي لأميركا، وما تشهده أوربا من تفجرٍ لينابيع إسلامية يشرب منها الأوربي الظمآن للحقيقة الربانية، والنضال اليائس من قبل الحكومات الأوربية لوقف المد الإسلامي الزاحف على أوربا، كل ذلك دليل أولىٌّ على أن الإسلام قد بدأ يتربع على عرش العالم، وأنه لن تمر حقبة من الزمان إلا والمسلمون يحكمون العالم. والذين يعتقدون فى ذلك تفاؤلاً مفرطاً فلينتظروا، إنـَّـا منتظرون.