آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: النفاخة الصغيرة للكاتب الإيطالي: دينو بوزاتي -

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد فري
    تاريخ التسجيل
    30/10/2006
    المشاركات
    162
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي النفاخة الصغيرة للكاتب الإيطالي: دينو بوزاتي -

    النفاخة الصغيرة
    للكاتب الإيطالي: دينو بوزاتي
    ترجمة: محمـــد فــــري



    في صبيحة أحد، بعد الانتهاء من سماع القداس، جلس الملاكان " أونيتو " و " سغرتاريو "على كرسيين جلديين سوداوين من نوع " ميلر "، يتابعان من أعالي السماء، ما يتآمر عليه هؤلاء البشر الأوغاد على الأرض..
    نطق الملاك " أونيتو " بعد صمت طويل:
    " قل لي يا " سيغريتاريو "، هل شعرت أحيانا بالسعادة عندما كنت بالحياة؟"
    -" يالها من فكرة !، رد صديقه مبتسما، لكن لايمكن لأحد أن يكون سعيدا على الأرض !"
    قال ذلك ثم جلب من جيبه علبة " مارلبورو ".
    -" أتريد سيجارة؟ "
    - بكل سرور، شكرا، رد الملاك " أونيتو "، مع أنني عادة لا أدخن صباحا، لكن اليوم هو يوم عيد... ومع ذلك ، كما ترى، أعتقد أن السعادة...."
    قاطعه " سيغريتاريو ":
    -" بالنسبة لك شخصيا .. هل حدث لك ذلك؟ "
    -" لم يحدث لي أبدا..ومع ذلك أنا مقتنع أن..."
    -" لكن، أنظر إليهم، أنظر إليهم إذن !، صاح الملاك " سيغرتاريو " وهو يشير إلى ما يحدث بالأسفل، إنهم ملايير وملايير، اليوم يوم أحد، والصبيحة التي هي من أهم لحظات النهار لم تنته بعد، والنهار رائع به شمس ساطعة، ليس حارا كثيرا، بل تهب أيضا نسمة رطبة ممتعة، والأشجار مزهرة، والحقول كذلك، إنه الربيع، فضلا عن ذلك هم يعيشون ازدهارا اقتصاديا، وعليهم أن يشعروا بالرضى، أليس كذلك؟ ومع ذلك، دلني على شخص واحد، واحد فقط يشعر بالرضى وسط هذه الملايير من الناس، لا أطلب أكثر من ذلك، وإذا دللتني عليه، فسأستضيفك على عشاء فاخر.."
    -" طيب "
    أجاب " أونيتو " وشرع يبحث بدقة هنا وهناك في الأسفل وسط هذا الازدحام اللامحدود.
    انتبه إلى أنه من العبث أن يتوقع إيجاد ذلك من الوهلة الأولى، سيحتاج الأمر على الأقل إلى عدة أيام من العمل. ولكن، من يدري؟
    كان " سيغريتاريو " يراقبه بابتسامة ساخرة ( سخرية لطيفة طبعا، وإلا فأي ملاك سيكون...)
    -" تبا، أعتقد أني وجدته.."
    تحدث " أونيتو " فجأة وهو يقوم من على مقعده.
    -" أين؟ "
    -" في هذا المكان، وأشار إلى قرية مغمورة بين الهضاب، هناك، وسط كل هؤلاء الناس الخارجين من الكنيسة...هل ترى هذه الطفلة الصغيرة؟ "
    -" تلك المقوسة الساقين؟ "
    -" نعم.. تماما.. لكن انتظر قليلا حتى..."
    كانت " نوريتا " الصغيرة ذات الأربع سنوات، تملك فعلا ساقين مقوسين قليلا، وكانت نحيفة وضعيفة كما لو كانت مريضة، نمسكها أمها من يدها، وتظهر ملامح الفقر على العائلة بسهولة، ورغم ذلك كانت الصغيرة ترتدي فستان أحد أبيض مزخرفا بالدنتيلا، ويعلم الله كم كلف ذلك من تضحيات.
    وكانت توجد بأسفل سلم الكنيسة مجموعة من الباعة: باعة ورود، وبائع ميداليات وصور دينية، ثم هناك أيضا بائع نفاخات، حزمة رائعة من النفاخات المتعددة الألوان تتموج بأناقة على أبسط هبة ريح فوق رأس الرجل.
    توقفت الطفلة أمام الرجل صاحب النفاخات وهي ممسكة بيد أمها، وفي هذه اللحظة، وبابتسامة مغرية تثير الإشفاق، رفعت عينيها إليها، وفي نظرتها نوع من الشوق والرغبة والحب تعجز عن مقاومته أعتى قوى الجحيم نفسها، فليس هناك سوى نظرات الأطفال التي تملك مثل هذه القوة الهائلة، ربما لأنهم صغار، ضعاف أبرياء ( كذلك نظرات بعض الجراء المساء معاملتها ).
    ولهذا الأمر بالضبط، كشف الملاك " أونيتو " العارف بالأمور عن الطفلة الصغيرة، معتمدا التفسير الآتي: إن رغبة امتلاك نفاخة عند هذه الطفلة جد قوية إلى درجة سترغم أمها على تلبية طلبها إن شاء الله، وستكون حتما سعيدة، ربما لساعات قليلة فقط لكنها ستكون سعيدة على كل حال، وإذا حدث ذلك حسب تقديري، فسأربح رهاني مع " سيغريتاريو ".
    كان باستطاعة الملاك " أونيتو " أن يتابع المشهد الذي يحدث بالأسفل في ساحة القرية، لكنه لم يكن باستطاعته أن يسمع ما قالت الصغيرة لأمها ولا ما أجابتها به هذه الأخيرة، وذلك بسبب تناقض لم يعرف سره أحد: فالملائكة يستطيعون مشاهدة ما يحدث بالأرض انطلاقا من الجنة، وكأن بداخل أعينهم آلات تلسكوب قوية، لكن ضجيج الأرض وأصواتها لا يصل إلى أسماعهم ( ماعدا في حالات استثنائية كما سنرى بعد حين ): ربما هو إجراء من أجل المحافظة على أعصاب الملائكة من ضجيج المحركات الوحشي.
    أرادت الأم متابعة طريقها وهي تمسك بيد طفلتها الصغيرة، وفي لحظة خشي الملاك " أونيتو " أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، تبعا للقانون المرير المنتشر بين البشر، قانون الإخفاق والخيبة.
    ذلك أن الطلب المثير الذي كان يشع من عيني " نوريتا " لا تقوى عليه أعتى الجنود المصفحة للعالم، لكن الفقر بإمكانه أن يقاومه، لأن الفقر لا يملك قلبا، ولا يرق لأحزان طفلة.
    لحسن الحظ ، شاهد الملاك الطفلة " نوريتا " وهي تقف على رؤوس أصابع قدميها، محدقة دائما في عيني أمها، فتتسع حدة نظراتها المتوسلة ما أمكن، وشاهد الأم تحدث الرجل صاحب النفاخات وتمنحه بعض القطع النقدية، ورأى الطفلة تؤشر بأصبعها، فيفك الرجل من الحزمة إحدى أجمل النفاخات، في أحسن انتفاخ وأحسن مظهر، وفي لون أصفر فاقع.
    هاهي " نوريتا " تسير الآن بجانب أمها، وهي ماتزال تحملق غير مصدقة في النفاخة التي كانت تمسكها بخيط، فتتبعها في اندفاعات لطيفة وهي تخفق في الهواء.
    لكز الملاك " أونيتو" صديقه الملاك " سيغريتاريو " بمرفقه، وهو يبتسم ابتسامة ماكرة مسموعة، فيبتسم هذا الأخير في رضى، لأن أي ملاك لا يملك إلا أن يكون سعيدا عند خسارته لرهان ما إذا كان ذلك يعني تخفيف ولو ذرة ألم من معاناة البشر .
    من تكونين يا " نوريتا " وأنت تجتازين القرية بنفاختك صبيحة هذا الأحد؟ إنك العروسة الشابة المشرقة وهي تخرج من الكنيسة، إنك الأميرة المنتصرة، إنك المغنية الإلهية المحمولة على أكتاف الجماهير الهادرة، أنت المرأة الأكثر غنى وجمالا في العالم، أنت الحب المشترك والسعيد، أنت الزهور، والألحان، والقمر، والغابات والشجر، أنت كل ذلك جميعا، لأن نفاخة من المطاط جعلتك سعيدة،فلم يعد ساقاك المسكينان مريضين، بل أصبحا ساقين قويتين لرياضية تخرج منتصرة من الأولمبياد.
    استمر الملاكان يتابعانها وهما يشرئبان بعنقيهما. وصلت الأم والطفلة إلى منزلهما المعلق على هضبة بضاحية فقيرة. دخلت الأم إلى المنزل لممارسة أشغالها، بينما ظلت " نوريتا " ونفاختها جالسة فوق حائط من الحجارة يمتد على طول الزقاق، تلقي تارة نظرة على النفاخة، وتارة على المارة: كانت تصر على أن يراها الجميع ويغبطوها على سعادتها. ورغم عدم تسرب أشعة الشمس إلى الزقاق بسبب البنايات العالية والقاتمة التي كانت تحيط به، ورغم انعدام أية مسحة جمال من وجه الطفلة، فقد أشرق هذا الوجه إلى درجة أنه أنار المنازل المجاورة بقوة.
    ثم مر ثلاثة من الفتيان الأشقياء القساة، وجلبت الطفلة انتباههم وهي تبتسم إليهم، فسارع أحدهم – وكأنه يمارس أمرا عاديا – وأمسك عقب السيجارة المشتعلة التي كانت بفمه، وبطرفها مس النفاخة التي انفجرت في الحال، وسقط حبلها بيد " نوريتا " بعد أن كان متعاليا في السماء، وفي نهايته قطعة مطاط ذابلة ماتزال مشدودة إليه. لم تفهم الطفلة في البداية ماذا حدث، ونظرت مشدوهة إلى الأشقياء الذين كانوا يقهقهون بقوة وهم يجرون مبتعدين، ثم أدركت أن النفاخة قد اختفت، وأنها قد فقدت سبب سعادتها الوحيد إلى الأبد.
    صدر عن وجهها الصغير تشنجان غريبان أو ثلاثة قبل أن يتحول ذلك إلى تكشيرة انتحاب يائس.
    كان ألما غير محدود، شيئا فظيعا لا علاج له. قلنا سابقا – تبعا للقاعدة – إنه لا تصل إلى حدائق الجنة الخلابة أدنى همسة بشرية: لا هدير محرك، ولا صفارة إنذار، ولا طلقات نار، ولا صراخ، ولا انفجارات نووية، ومع ذلك فقد وصل نحيب الطفلة، ودوى صداه بقوة في كل الأرجاء. طبعا تعتبر الجنة مكان سلام وسعادة سرمديين، لكن إلى حدود معينة فقط. وإلا، فكيف يمكن للملائكة إذن الانتباه إلى آلام البشر؟
    كانت صدمة بالنسبة للمحظوظين المنشغلين بلذتهم العفيفة، عكر ظل مملكة النور هذه فانقبضت القلوب، من بإمكانه تعويض ألم هذه الطفلة؟
    رمق الملاك " سيغريتاريو " صديقه " أونيتو " دون أن ينبس بكلمة.
    " يالقذارة هذا العالم ! " غمغم " أونيتو "، وبتلقائية رمى بقوة سيجارته التي أشعلها في نفس اللحظة، وتركت هذه الأخيرة خطا غريبا وراءه وهي تتدحرج نحو الأرض. فتحدث أحدهم بالأسفل عن أطباق طائرة
    دينــــو بوزاتـــــي - المجموعة القصصية: " Le " k
    ترجمة محمــد فـــري


  2. #2
    قاص الصورة الرمزية مصطفى لغتيري
    تاريخ التسجيل
    05/10/2006
    العمر
    59
    المشاركات
    430
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    مرحى بالعزيز محمد فري.
    حللت أهلا و أقمت سهلا.
    اختيار موفق ، وترجمة لامعة.
    أمتعتني يا صديقي هذا المساء.
    تحياتي القلبية.


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمد فري
    تاريخ التسجيل
    30/10/2006
    المشاركات
    162
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    المتعة متبادلة أيها العزيزمصطفى
    ولك مني كل التحايا الخالصة
    مع صادق المودة

    محمــــد فــــري


  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية الشربيني المهندس
    تاريخ التسجيل
    05/10/2006
    المشاركات
    287
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي الملاك الأدبي

    شكرا للملاك الأدبي محمد فري
    أدب الانسانيات والدراما والاختيار الموفق
    كنا نريد من الطبق الطائر ان يتناول سيرة الأديب الايطالي وانتاجه مختصرا


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية محمد فري
    تاريخ التسجيل
    30/10/2006
    المشاركات
    162
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    والشكر المضاعف للأخ العزيز الشربيني المهندس
    ويسعدني أن ألبي طلبا بهذا التعريف الموجز باكاتب دينو بوزاتي
    وأتمنى أن تكون لي عودة مستفيضة للحديث عنه بإسهاب:

    دينو بوزاتي كاتب صحفي وقاص ولد ب بيلونو بإيطاليا سنة 1906واشتغل بجريدة يومية كمحرراهتم بكتابة المقالات والرواية والشعر واشتهر بالخصوص بكتاباته القصصية

    قصة النفاخة الصغيرة من أشهر كتاباته وهي بمجموعته المعنونة ب Le K التي نالت نجاحا كبيرا والتي تعتبر الآن من أشهر إبداعاته المقروءة..

    توفي دينو بوزاتي بميلانو سنة 1972
    مع كامل التحية

    محمـــد فــــري


  6. #6
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    23/10/2006
    المشاركات
    50
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي ابداع

    فعلاً ابداعك واضح أستاذي


    لقد أحسنت الترجمة


    لك مني كل التحية

    أديب قبلان


  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية محمد فري
    تاريخ التسجيل
    30/10/2006
    المشاركات
    162
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأخ جلال توفيق المحلاوي
    الأخ أديب قبلان
    شكرا لكما على مشاعركما الطيبة
    وأعتبر تدخلكما تشجيعا على الاستمرار
    مع كامل التحية

    محمـــد فــــري


  8. #8
    عـضــو الصورة الرمزية نواف البيضاني
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    64
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    سلمت يداك و دمت لنا...
    ترجمة رشيقة رائعة..
    و فعلا كما ذكر الأخ جلال نزوع جيد لترجمة الأدب الإيطالي الذي نفتقر إليه في مكتبتنا العربية فقد مللنا من الأدب الإنجليزي.
    و حبذا لو أتحفتنا بالنص الإيطالي لتتم الفائدة.
    تقبل تحياتي


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •