" رحلة إلى عالم الغيب "

المجد والخلود لنا
الخزي والعار لهم

منير مزيد

أتامل
متلهفاً لعالم الغيب
أهوي في عالم مجهول
فتشعر روحي بنشوة غامرة
وهي تدخل ابواب السماء
يكسوها الوشاح السماوي
مطرزاً بالنجوم...

تتبعني جوقة من الملائكة
ترنم أناشيد السماء
وتقودني إلى العرش العظيم...

أتسمر
اركع
فاشعر بطمأنينة تلمسني
اسمع صوتاً قادماً من الهالة
يناديني ...
إني أصطفيتك من بين أحبائي
أباركك
وأهبك الرحمة
أمجدك
وأرفع من شأنك
فاهبط بسلام منا...

وتبدأ رحلتي...
سائراً
فوق جسر من الضباب
ملون بألوان طيف قزح
اسمع صراخا وعويلا
انظر
فأرى رجالا ونساءاً
يسبحون في بحر من الحمم
يأكلون الصهاري الذائبة
ويشربون القطران
أقف صامتاً بين الوجوم والذهول...
آه ... لو أن لي جناحين

خائفاً من السقوط
أصلي
يتكوم الضباب حولي
يلفني
يجذبني الى الأعماق
أجاهد
بلا جدوى
أستسلم
فأغرق في دوامة الغيم...


متهاوياً في الأعماق
أجد نفسي في كهف هائل
محاطاً بسياج من نار ودخان
وعلى الجدران
رجالاً ونساءاً
عراة
مصلوبين...

أركض في متاهة المحرقة
مرعوباً
وعويلهم يصم أذني...
فتظهر امرأة كطاووس
أتبعها
ألحقها
تركض مسرعة
وما أن اوشكت الامساك بذيلها
يتبعثر الريش من حولي
يتلألأ...

أمسك الريش
فأراني
فوق قمة جبل من العاج الملون
ويداي مملوئتان بالريش
أبحث عن المرأة
فأراها كتل ضباب
تتلاشى
تختفي...

انظر الى الأسفل
واذا بالسماء بساط قرمزي
ممدوداً فوق البحر
الشمس والنجوم كرات من نار
تحترق
والقمر موقد من الرماد
يتطاير...

أرى جزيرة صغيرة
أتنهد
قائلاً:
هذه أمي الحبيبة
إني أشتم عبير نسائمها
أغلق عيني
أتنفس بعمق شديد
فتأتي صرخة من روحي
آه هذه جنة عدن
فردوسك الموعود...
فيطيرقلبي
مغرداً...

فجأة
أرى أناساً على تلك الجزيرة
يحثون الرمال على رؤوسهم
والغربان تحوم فوقهم.. ...

أرى المسيح
على الدرب الرهيب ينزف
والنبي
يهاجر من مكة الى المدينة
طلباً للأمان...
وبوذا يسافر غريباً
متعباً وجائعاً
وسقراط يجبر على تجرع السم
وجيفارا يلاحق
مطلوباً
ولوركا يقطع اشلاءاً...
والفنانون يقايضون لوحاتهم بالخبز
والشعراء يتلون قصائدهم للصم
أبكي
وأقول:
لابد أن هذا كابوس...

تعود الصرخة
قائلة
إبتهج
أبسط يديك
ودع الريش يتناثر
فأنثر الريش
ويظهر أمامي طير عملاق
أقفز على ظهره
أمتطيه
فيهبط
ويتحول الطائر الى امرأة
ويعود كل شيء الى شكله المرئي
السماء
البحر
الشمس
النجوم...

اما الجزيرة فثملة
حبلى بالمسرات
والندى يقطرمن نهدها ألوانا
والماء يضاجع التراب...

السماء ترضعها حليب الأسرار
تكسوها بالوشاح بسره اللازوردي
والشمس تداعب شعرها الذهبي
والقمر يلهمها الأحلام والأساطير
والبحر قاعة للرقص
يغازل النجوم
يغويهم بالتأملِ والرقص
والحوريات يعزفن على قيثارة الماء
انغاما سحرية
وطيور العندليب تشدو
تراتيل السماء والأرض

اقطف زهرة
وأركع أمامها خاطباً ودّها
أقفز
اصرخ فرحاً
أرقص...

بانينا كوخا
معبدا
وقارباً
نحيا في انسجام
نقطف الأزهار
ونسقي الحقول
من بئر شتاء الأحلام
نغني
نرقص
لا خوف
لا دموع
لا كوابيس...

وفي ألليل
وبهدوء
نترك السماء تضاجع الأرض
لتلد الشعر والأنبياء..

يصيح الشيطان
يعصره الحسد والغيرة
يحرض الظربان
الأفاعي
الذئاب
والكلاب المسعورة
لتقرع طبول الكراهية والحرب...

فأرى النور على هيئة رجل
يحزم امتعته
يستعد للرحيل
وقبل أن يرحل
يدخل الظلام ...
ويقتله...

تفتح أبواب الجحيم
يُخرج الشيطانُ
وكل افاعيه
يمتطون تيتاناً
مسلحين
بالوحوش والحيوانات البرية
تقودهم " هيدرا "
والشيطان...

ينثرون سُمُومَهُمْ
ونيرانهم التي يغذيها الحقد
يتركون الدمار وراءهم
يحرقون البحر
يذبحون الحياة
يلوثون الأرواح
يخطفون الشمس
يغتصبون القمر...

أستيقظ
أشتم رائحة الدخان
والرماد
أصرخ
إلهي
لقد فقدتُ فردوسي..
ووجه الشيطان--
الأفاعي
والذئاب
ماتزال تطاردني...

أحمدُ اللهَ
على مخاطر الجحيم
التي سيرثونها جميعهم
لتكون مسكنهم الأبدي
آمين