السلوك العدواني عند الطفل

مازن يوســــــــف

تنطوي حياة الطفل النفسية, على جملة انماط سلوكية, تتراوح بين السواء واللاسواء. ويعد السلوك العدواني, احد المعالم النفسية اللاسوية, التي تصطبغ بها شخصية الطفل, بشكل جزئي حيث لايشكل دلالة سريرية(غير سوية) , او كلي واضح , مايوسم الشخصية بالعدوانية.
ومصدر العدوان عند الطفل, هو كمية طاقة الغضب المخزونة , كدلالة للتاشير, الى حالة عدم التوافق النفسي والاجتماعي, التي يعيشها سواء مع نفسه ( التوافق مع الذات ) او مع اسرته او ممن يتعامل معهم, والتي تفضي الى ضروب متعددة من العدوان, منها مايقع باتجاه الداخل, فتكون الذات موضوعها, مثل ( الخنوع – السلبية تجاه الحياة – ايذاء النفس ), او الخارج, موجها نحو البيئة بمجملها, مثل ( التهديد – التهجم – الضرب – الالفاظ البذيئة – تحطيم الاشياء...).
ان العدوان في احد اوجهه حالة غريزية ,بمثابة ميل فطري للسيطرة على الحياة. لذا فان بمقدور حالة الانفعال التي تستولي على حياة الطفل النفسية, ان تقوده للظهور باشكال متعددة.
ان جملة عوامل متعددة, تجتهد لتحرر حالة العدوان, من مكمنها, بصرف النظر, عما تمارسه الوراثة من تاثير في هذا الاتجاه [ فهناك اختلاف جيلي بين طفل واخر في مضامين التصور والخيال والقدرة على التعامل وابراز او كبت النزعة العدوانية ](ص21)*
ان مايقع اثناء عملية التنشئة الاجتماعية, في سني الطفل الاولى, المتمثلة بانماط التربية, التي تتراوح بين التساهل المفرط والمبالغة بالقسوة, تدفع الطفل لان يظهر ميلا عدوانيا, اثناء تعامله, مثل الدلال الزائد والمبالغة في اظهار الود من قبل الوالدين او احدهم. كذلك فان النمط القاسي من التربية, متمثلا بالاب الذي يمارس القسوة على ابنائه, او عندما يتحدث لهم عن مواقف حياتية, عالجها بممارسة العدوان, وبما يضفي على ذاته صورة البطل ( الانموذج ) مما يدفع الابناء للاقتداء به, كذلك الحال مع الام.
ان ممارسة العدوان تجاه الصغار امر محتمل, في الاسر المتوترة او المفككة, او تجاه الاطفال الذين يلتحقون بالمدارس الداخلية, سواء كان العدوان الواقع عليهم, من زملائهم, بسبب ضيق المكان, بما يدفعهم, للتقليل من حالة القلق الناشئة من الوحدة, لانقطاع صلاتهم مع الخارج, او الزحمة, بسبب القرب المكاني, او من المربين, سواء كانوا من النمط المتساهل, او القاسي. لذلك يكون وجود المعلم, او المراقب, هاما اثناء الفرص بين الحصص , لغرض ملاحظة سلوك الاطفال, ومتابعة العدوانيين منهم بشل خاص.
وتشكل العقوبة الشديدة لسلوك الطفل , سببا في اذكاء روح العدوان [كما اظهرت الدراسات فشل تجربة العقاب في تقويم سلوك الطفل فزرعت بدلا من الانصياع والطاعة توترا زاد في ميل الطفل العدواني والاخلال في تكوين شخصيته اخلالا واضحا](ص15)*.
وتلعب المدرسة, المؤسسة الاولى في حياة الطفل (بعد الاسرة), التي يتعامل معها, دورا في منح السلوك العدواني فرصة الظهور, قدر مايظهره القائمون على شؤون الطفل, من سلوك عدواني.[ وقد اظهرت الدراسات النفسية في المجال التربوي ان شخصية المعلم او اتباعه اسلوب الاستظهار العدواني يطبع شخصية الطفل بطابع القلق الدائم المزمن ويؤشر سلوكه ويحوله الى سلوك عدواني واضح](ص 150 )*.
كما ينبغي الاشارة في هذا المجال, الى طبيعة العلاقة بين محتوى المناهج الدراسية وسلوك الطفل. فوصف البطولة – على سبيل المثال – مقرونة بالدماء والمعارك والسيوف من شانه ان [يجر مخيلة الطفل و التلميذ الى الاكتناز بذكريات القوة والعضلات](ص 150)* في ذات الوقت, الذي ينبغي ان يوجه ادراك الطفل, لحقيقة هي ان البطولة موزعة على التاريخ التربوي, توزع صورة السلوك الانساني, في مخيلة الطفل. وهذا ينسحب الى مايوجه للاطفال, من مواد او برامج منه ما هو مكتوب او مسموع او مرئي. كما ان الوضع الاقتصادي للاسرة, يلعب دورا مهما في امكانية ابراز السلوك العدواني, من حيث وضع الاسرة على سلم التصنيف الاجتماعي, وماينتج عن ذلك, من اساليب تربوية, مرهونة بهذا الوضع او ذاك, ليتحدد في ضوء ذلك, درجة ونوع الاعاقة المفروضة على الطفل. ومن المفيد ذكره, ان قدرا معينا من الاعاقة ( الاحباط الجزئي), امر مطلوب , لكي لاتتشكل لدى الطفل , عادات سلوكية سلبية, وينشأ مضطربا, فيتشوه تصوره, عن ذاته, وذوات الاخرين, وبما يدفع الطفل, لان يكون عرضة لاحتمالات الاصابة النفسية, فيما بعد.
وتبرز بعض اشكال العدوان, نتيجة احساس الطفل بالتفوق. يظهر ذلك جليا عند الاولاد, اكثر مما لدى البنات. وقد يعزى ذلك, لسبب الفارق الجنسي, حيث يتقبل الابوان, عدوان الطفل (الولد) اكثر من البنت. كما ان التكوين الجسماني للولد, يلعب دورا مضاف, لتاكيد الذات وحب الظهور. وقد يكون الاحساس بالضعف, هو سبب العدوان(ناتج عن عقدة نقص نفسي او جسمي), فيما يمكن ان يكون, تقليدا او محاكاة او للتنفيس عن الضغط النفسي الذي يتعرض له الطفل. او شكلا من اشكال الاسقاط, او التخلص من حالة القلق, الذي يصيب هدوئه النفسي. وقد يكون نتيجة للكف الحاصل, لبعض من سلوكه, وبما تشير اليه نظرية ( الاحباط والاعاقة), او تقمصا ( نظرية التقمص) حينما يتلبس الطفل, شخصية اي فرد كبير تتسم بالضعف والعدوان. او نتيجة للتخويف المتواصل للطفل, وشعوره بالاثم .

المصدر:

الدكتور ابراهيم , ريكان : النفس والعدوان - بغداد 1987