صورة الشخصية العربية الفلسطينية فى السينما الإسرائيلية
اكثر من نصف قرن من تزييف الصورة ومحاولات طمس الهوية
دراسة بقلم/ على نبوى عبد العزيز

مقدمة:
كان هدف الحركة الصهيونية قبل إنشاء دولة إسرائيل إثبات أن لليهود حقا تاريخيا في فلسطين، ودعوة يهود العالم للهجرة إليها، حتى يستقروا في أرضها – أرض العسل واللبن – ويتم إنقاذهم من الشتات الذي يلاقونه في معظم أنحاء العالم.
وقد استمر هذا الهدف أيضا بعد إنشاء إسرائيل. ولذا بدأت الحركة الصهيونية في التخطيط العملي للدور الذي يمكن أن تقوم به السينما سواء التسجيلية أو الدعائية، لخدمة أغراض الحركة الصهيونية، وذلك عقب مؤتمر (بـال) الصهيوني الذي عقد في سويسرا عام 1897، وإلى الآن.
وقد كان التخطيط عند إنتاج الأفلام يتم طبقا لمتطلبات المراحل الزمنية التي تمر بها الحركة الصهيونية، وذلك لخدمة أهداف كل مرحلة من مراحل الصراع العربي الصهيوني، على امتداد خمسين عاما مضت.
وتنقسم السينما الصهيونية قبل إنشاء إسرائيل إلى قسمين:
الأول: الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين عقب مؤتمر (بـال) الصهيوني وحتى عام 1917 حين إعلان "وعد بلفور"
الثاني: الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين منذ إعلان "وعد بلفور" حتى عام 1948 حيث تم إعلان إنشاء دولة إسرائيل رسميا.
في القسم الأول كانت الأفلام تتضمن تعبيرا صريحا وصادقا عن محاولات الفكر الصهيوني في غزو الفكر العالمي، وصيغ الفكر الصهيوني بالطابع الآنسانى، مع شرح الجذور والصلات التاريخية والدينية التي تربط اليهود بفلسطين، باستخدام التوراة كمصدر رئيسي في محاولاتهم لتزييف الدين والحق باعتبار (التوراة اليهودية) كتب (سيدنا موسى) التي تحتوى على شريعته وتعاليمه، وقد أجمع العلماء المعاصرون على أنها ليست التوراة الأصلية، ولا علاقة لسيدنا (موسى) بها، وذلك يعنى أن اليهودية ديانة كهنوتية عنصرية بطبيعتها، وجوهرها، أساسها الخرافات والأباطيل التوراتية وكتبها من تأليف بشر، ويستحيل أن تصدر من أي مصدر ألهى، أو أن يدعو إليها نبي مرسل، وعند دراستها والتدقيق بها سنجد أنها بجميع أركانها من صنع بشر، وبالتحديد من صنع أولئك الكهنة الذين عملوا على تزييف الدين تحت ظروف معينة لاقوها في الشتات.
وقد كان أبرز هذه الأفلام، الفيلم الروائي الطويل "حياة اليهود في أرض الميعاد" إخراج يعقوب بن دوف عام 1912. وقد صور هذا الفيلم مجموعة من الآراء الصهيونية عن صلة اليهود بفلسطين، من خلال قصته التي تدور عن حياة التجمع العبرى في أرض الميعاد، والاحتفال باستقبال المهاجرين.
في القسم الثاني اتخذت الأفلام الطابع الدعائي لفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ومحاولة تثبيت الوعي القومي بالحق الديني والتاريخي من خلال المنظور الديني، واستخدام التوراة كمصدر رئيسي للعقيدة اليهودية، لتخدم أغراضا سياسية أنية ومستقبلية في آن واحد. مع ترديد قصص "الهولوكست" بالتأكيد على الآلام اليهودية وما لاقوه من تعذيب واضطهاد وخصوصا في سنوات الحرب العالمية الثانية على أيدي جيش الغازي، بهدف إثارة حالات الشفقة والتعاطف الانسانى لدى الشعوب، حول القضايا اليهودية من جهة، وإبراز عقدة الاضطهاد إذا خرجوا عن النهج الصهيوني من جهة ثانية، والترويج فنيا وإعلاميا وثقافيا لحق اليهود في أرض فلسطين من جهة ثالثة فبرزت الأفلام تؤكد تلك المفاهيم الصهيونية فأخرج يعقوب بن دوف عدة أفلام لتكرس تلك المزاعم منها:
يهودا المحررة عام 1918، أرض إسرائيل المحررة عام 1919، عودة صهيون عام 1921، الأبناء يبنون عام 1924، شباب في أرض إسرائيل عام 1926، عشر سنوات من تاريخ إحياء شعب إسرائيل في أرضه عام 1927، الربيع في أرض إسرائيل 1928.
ثم توالت كذلك الأفلام الوثائقية القصيرة التي كانت عبارة عن دعاية صهيونية مباشرة، تصف الاستيطان الزراعي من هذه الأفلام:
عوديد التائه عام 1932 إخراج حاييم هلتمى، صابرا عام 1933 إخراج ألكسندر فورد، هذه هي البلاد عام 1935 إخراج باروخ أجداتى، إلى حياة جديدة عام 1935، إخراج يهودا ليمان، نبوءة وواقع عام 1937 إخراج ناثان أكسلورود، فوق الخرائب عام 1938 إخراج ناثان أكسلورود، صوت من قريب عام 1939، إخراج ناثان أكسلورود، بيت في الصحراء عام 1947 إخراج بن عويزرمان، الأرض عام 1947 إخراج هيرمل لارسكى
نلاحظ أن الصورة التي خلقتها وروجت لها تلك الأفلام للعربي الفلسطيني حتى عام 1948، تتناقض تماما مع الصورة التي روجت لها نفس الوسائل لليهودي الصهيوني، وفضلا عن ذلك كان أحد الأهداف الأساسية للصهيونية، أن تجعل العالم يرى الفلسطيني صاحب الأرض، بالطريقة التي تريدها وعندما نرى الفلسطينيين في فيلم الأرض على سبيل المثال نراهم قوما من الكسالى، البلهاء، الطاعنين في السن الذين يستخدمون الوسائل البدائية في الزراعة ويتم توجيه اللوم إليهم، وانتقادهم بشدة بسبب إهمالهم لـ (الأرض المقدسة) لقرون عدة، ولكونهم يعيشون حياة متخلفة، فقد جاء اليهودي المتحضر، المتواكب مع ركب الحضارة، وأحضر معه علوم وثقافات الحضارات الأوربية والأمريكية المتقدمة، فنرى في مقابل الشخصية الفلسطينية الضعيفة، الصهاينة شبانا ممتلئين حيوية ونشاط يسيرون معا نحو الحقول حيث يعملون في الزراعة وهذا التناقض المقصود بين اليهودي الصهيوني والعربي تعمق في الضمير الغربي، وامتد ليشمل صورة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة في أجهزة الإعلام الغربي فيما بعد، حيث تفرض المؤسسات الصهيونية حصارا شديدا على طاقة وسائل الإعلام الغربي لمنع طرح أي وجه نظر تناقش الحق الفلسطيني خلال مراحل الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي والذي امتد لأكثر من خمسين عاماً.
الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي على الشاشة الإسرائيلية.. مراحل وأهداف:
كان التخطيط عند إنتاج الأفلام الإسرائيلية مع قيام وإنشاء دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو 1948، يتم كما ذكرنا من قبل طبقا لمتطلبات المراحل المختلفة التي تمر بها الحركة الصهيونية، وذلك لخدمة أهداف كل مرحلة من مراحل الصراع العربي الصهيوني على امتداد خمسين عاما مضت.
ويمكن تقسيم أهم المراحل التي مرت بها السينما الإسرائيلية ومحاولاتها المستميتة لطمس هوية الفلسطيني الوطنية وجذورها التاريخية والحضارية، والأفلام التي تم إنتاجها في إسرائيل خلال كل مرحلة باعتماد الحروب العربية الإسرائيلية في أعوام 1948-1956-1967-1973 وأخيرا الاجتياح الغاشم عام 1982 على لبنان واحتلال الجنوب اللبناني وذلك كنقاط فاصلة بين مرحلة وأخرى، وذلك على أساس أن إسرائيل دولة عسكرية تعيش على العدوان والاحتلال والتوسع، وهو الأمر الذي يعد اعتبار كل حرب من تلك الحروب، بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذه السينما.
المرحلة الأولى: من 1948 إلى 1955:
دارت معظم أفلام تلك المرحلة حول المفاهيم التي تروجها الدعاية الصهيونية عن حرب فلسطين عام 1948. على أنها حرب استقلال إسرائيل من الاحتلال البريطاني، مع تناول معظم الأفلام لحرب 48 وانتصار القوات الصهيونية على القوات العربية، وإبراز صورة المستوطنين اليهود في المزارع الجماعية الكيبوتزات على أنها الرواد كأبطال قوميين انتصروا في تلك الحرب.
كما برزت في بعض الأفلام أهدافا أخرى جديدة من خلال تمجيد البطولة اليهودية عبر التاريخ من خلال تمجيد البطولة اليهودية عبر التاريخ من خلال نمطين، نمط استمدت مادته من مراحل التاريخ اليهودي القديم، ونمط استمدت مادته من أحداث التاريخ الحديث والمعاصر.. فرأينا على الشاشة الإدعاء بأن العرب الفلسطينيين ليس لهم وجود بالمعنى الشعبي بل هم جماعات من البدو والقرويين الجهلة الذين تنقصهم الخبرة القتالية تماما، كما تنقصهم الحضارة والمدنية، ونظرا لجهلهم يقاومون المدنية والحضارة التي يحملها اليهود إليهم.. وأن اليهودي الذي يحمل حضارات كل الأمم جاء عازما إلى هذه الأرض الخاوية ليلحقها بركب التحضر والمدنية، وإذا اضطر ليدافع عن هذه القيم فإنه رب المعرفة العسكرية وممارستها.
وترديد مقولة أن العرب المعاصرين يمثلون في عدائهم لإسرائيل، الامتداد الطبيعي لألمانيا النازية في عدائها لليهود، وهى مقولة حملت الكثير من المغالطات التاريخية المقصود بالطبع. ومن أهم هذه الأفلام:
• لا تخيفونا (أول فيلم إنتاج وإخراج إسرائيل) عام 1948 إخراج مائير ليفن :
يدور موضوعه عن اليهودي "ميجا" وزوجته "سارة" التي ألتقي بها في معسكرات الهاربين من النازية في ألمانيا انتظارا للهجرة إلى فلسطين.
• بيت أبى.. أنتاج عام 49 إخراج هربرت كلاين :
يدور موضوعه عن شخص يهودي يدعى "دافيد هالينى" نجا من معسكرات الإبادة النازية في ألمانيا، وهاجر إلى إسرائيل
• اللعنة.. البركة .. أنتاج 1950 إخراج هيرمل لارسكى :
عن زوجين في العشرينات في ألمانيا، يلقيان مصرعيهما أثناء النكبة النازية، يحاول أبنهما البحث عن جذوره، ومن مستقبل جديد في إسرائيل الجنة الموعودة.
• التل 24 لا يرد ..إنتاج 1954 إخراج ثورولد ديكنسون :
وتدور أحداثه عن حرب 1948 من خلال أربعة مقاتلين، ثلاثة رجال وامرأة: أيرلندي، يهودي، أمريكي، إسرائيلي، يهودية يمنية. تصدر الأوامر لهم بالدفاع عن موقع استراتيجي على طريق القدس، ويروى الرجال قصص حياتهم أثناء التحرك.. فيروى الإسرائيلي بأنه يهودي هاجر إلى فلسطين من إحدى دول أوربا وأثناء حرب 1948 قبض على جندي مصري جريح في صحراء النقب، وقد أعترف له هذا الجندي بأنه نازي قديم.. وذلك بعد محاولته الفاشلة في قتله بقنبلة يدوية، ومات وهو يعلن كراهيته لليهود.. وفى نهاية الفيلم يقتلون الأربعة في المعركة ويقرر ممثلو الأمم المتحدة أن التل تابع لإسرائيل لأن المرأة كانت تحمل العلم الإسرائيلي عند موتها.. هكذا نرى الفيلم يربط بين العدو العربي والنازية من جانب وإنسانية الإسرائيلي من جانب آخر‍!!


المرحلة الثانية: 1956 إلى 1966:
لم تتناول السينما الإسرائيلية حرب 1956 – العدوان الثلاثي على مصر- في الأفلام التي ظهرت في هذه المرحلة، وذلك على النقيض من حرب 1948 ثم حرب 1967 فيما بعد، والسبب في ذلك مرجعه أن العدوان الثلاثي كان عدوانا استعماريا واضحا، ولم تكن إسرائيل بمفردها في هجومها على مصر، بل كانت مصر هي البلد الذي واجه تحالف ثلاث دول، اثنتان منها من الدول الكبرى –بريطانيا وفرنسا- ومن جهة أخرى كانت نتيجة الحرب العدوان انتصارا سياسيا كبيرا لمصر، ولم تتحقق إسرائيل أية أهداف عسكرية أو سياسية من خلالها لذا جاءت أفلام هذه المرحلة تحمل الطابع الدعائي الموجه، نحو تذكير العالم بما لاقاه اليهود في الشتات من عذاب في معسكرات النازي، والهدف هو الإبقاء على نيران (الهولوكست) مشتعلة إلى الأبد، حتى يظل العذاب ماثلا في الأذهان، ففي فكرة العذاب الأبدي، وتعذيب الآخرين بها يكمن جوهر بقائها في الأرض المحتلة وكذا اكتساب التعاطف العالمي معها، باستخدام عقدة الإحساس بالذنب المترسبة في الضمير الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. وهو الأمر الذي نتج عنه فيما بعد في مرحلة التسعينات دفع تعويضات هائلة ليهود العالم أجمع ،وليس يهود إسرائيل فقط، من الذين نجوا من معسكرات التعذيب النازية ولأسر الذين لم يكتب لهم النجاة. كما صورت أيضا بعض الأفلام التي تناولت الشخصية الفلسطينية داخل موضوعاتها، على أن جماعة المقاتلين المناضلين الفلسطينيين ما هي إلا جماعات إرهابية ينبهون ويقتلون اليهود المسالمين الذين يكرهون الحرب. ومن أهم هذه الأفلام:
• الشمس تصعد إلى الأفق.. إنتاج 1960 إخراج أوفا برومبرجا :
يدور حول قصة حب بين فتاة إسرائيلية، وطالب يهودي الأم ألماني الأب، ترفض أم الفتاة هذه العلاقة التي تعيد إليها ذكريات الماضي الأليم عن معسكرات التعذيب النازية.
• المخبأ .. إنتاج 1962 إخراج ناثان جروس :
موضوعه عن حارس مبنى إسرائيلي من الذين أنقذوا من المعسكرات النازية.. يعود إلى المخبأ الذي كان يحتمي فيه خلال الأيام العصيبة، ويسعى إلى الانتقام لأنه لا يستطيع التخلص من الماضي الذي يسكن بداخله.
• ثمانية بعد واحد .. إنتاج 1964 إخراج مناحم جولان :
يدور عن مجموعة من الأطفال الإسرائيليين في مستعمرة بالقرب من قاعدة عسكرية جوية يرتابون في أن طبيب المستعمرة من جواسيس العدو العربي، فيعرضون حياتهم للخطر من أجل إثبات شكوكهم.
• في وادى الحضارة.. إنتاج 1964 إخراج الكسندر راماتى :
عن سائق سيارة محملة بالذخيرة في الطريق إلى إحدى المستعمرات الإسرائيلية على الحدود، يضل طريقه داخل الصحراء، وأثناء سيره يجد شخصاً يدعى "إسرائيل" وقد أصابه لغم زرعه أحد المخربين الفلسطينيين، فيعمل السائق على نقله إلى إحدى القرى العربية، وفى القرية نجد كبير القرية "الشيخ داوود" يعتني بالمصاب ويستضيف السائق، ثم يبين لنا الفيلم أن المخرب الذي زرع اللغم هو أبن كبير القرية الشاب العربي "سليم" الذي يقف ضد استضافة والده للإسرائيليين، ويحاول الاعتداء غليهما ولكنه يفشل.
ورسالة الفيلم هنا تبدو واضحة، فهي تتضمن التأكيد على أن العربي الجيد هو العربي الأمي/الجاهل الذي يرحب بالصهيونية، وأن المقاتل/المناضل الفلسطيني الشاب "سليم" وجماعته إرهابيين ينهبون ويقتلون اليهود، ولا يرغبون في العيش بسلام مع اليهود على أرض واحدة، أما المقاتل الإسرائيلي فيبدو رجلاً مسالماً يكره الحرب ولكنه يحارب غصباً عنه بسبب الكراهية الشديدة من قِبل العرب، وهو يفضل أن يعمل على زراعة الأرض وأن يجلب نور الحضارة الغربية إلى الشرق المتخلف.
• ليلة في طبرية .. إنتاج فرنسي مشترك عام 1965 إخراج هرفيه برومبرجيه :
يدور حول مهندس فرنسي يوفد إلى إسرائيل للإشراف إلى إحدى المؤسسات الكبرى، وتختفي أبنته ذات يوم في ظروف غامضة، ويعتقد الجميع أن العرب قد قاموا بخطفها بغرض الحصول على فدية كبيرة، ورسالة الفيلم هنا واضحة جداً ومباشرة وخاصة أن إنتاج هذا الفيلم جاء بعد إعلان قيام الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من يناير 1965، فتبدو محاولة صناع الفيلم في تشويه صورة الثورة أمام العالم الغربي، وتصوير المقاتلين الفلسطينيين من أجل حقوقهم الوطنية المشروعة وكأنهم جماعات إرهابية من المخربين وقطاع الطرق ومعادين للسامية، وقوة هذه الصورة المقدمة تأتى بتأثيرها على عقلية المشاهد الغربي الذي يعتبر في الأساس موالياً لإسرائيل.