ترجمة المصطلح الأجنبي و جهود المغاربيين فيها
بقلم : فريد أمعضـشـو
Farid.amaadachou@yahoo.fr
و : رشيـد سوسـان
radsoussan@yahoo.fr

توطــئة:
تعد الترجمة (Traduction) حلـْـقة وصل بين الحضارات، و وسيلة تحاور بين الثقافات. و من هنا فهي نشاط مهم في حياة الأمم قديما و حديثا. كما أن الترجمة عملية صعبة و معقدة؛ إنها ذلك الإبحار إلى الشاطئ الآخر على حد عبارة الأستاذ سعيد علوش(1). ويبدو أن الترجمة - في الوقت الحاضر- تُطرح باعتبارها "مفتاح الحداثة و مبتدى كل تطور حقيقي يتيح للغة أن تثبت وجودها وتتحول من أداة للتواصل إلى مصدر فكري وثقافي هام"(2)... هذه العوامل – و غيرها – هي التي دفعتنا إلى تدبيج هذا المقال في موضوع الترجمة.
وسنقسم بحثنا هذا إلى محاور أربعة؛ بحيث سنفرد أولها للحديث عن حقيقة الترجمة – بصفة عامة – وعن بعض القضايا المرتبطة بها، وسنخص المحور الثاني بالكلام عن أنواع الترجمة، والمحور الثالث برصد بعض ضوابط الترجمة "الجيدة" ومشاكلها، وسنقف في المحور الأخير عند واقع الترجمة – ترجمة المصطلح خاصة – في الوطن المغاربي، وذلك من خلال المَعاج على مجهودات الباحث الجزائري الكبير عبد الملك مرتاض في ترجمة المصطلــح الأجنبي وتعريبه.

المحور الأول: في الترجمة.

يراد بالترجمة في المعاجم اللغوية معانٍ عدة، منها : التفسير والنقل والإيضاح. يقول ابن منظور المصري (ت 711 هـ): "الترجمان والترجمان : المفسر، وقد ترجمه وترجم عنه، ... ويقال قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر"(3). وجاء في "المعجم الوسيط" : "ترجم الكلام : بينه ووضحه. وكلام غيره، وعنه : نقله من لغة إلى أخرى. ولفلان : ذكر ترجمته." (4)
و يقصد بالترجمة في اصطلاح النقاد نقل نص من لغة ( لغة المصدر) إلى أخرى ( لغة هدف). يقول كاتفورد (J.C.Catford) معرفاً الترجمة: "أن يستبدل بمحتويات نص في لغة (لم) ما يقابلها من محتويات نص في لغة أخرى (له)". (5) ويعرفها جون دوبوا (J.Dubois) و رفاقه في " dictionnaire de linguistique" بما يأتي: (6)
"Traduire c’est énoncer dans une autre langage (ou langue cible) ce qui a été énoncé dans une autre langue source, en concervant les équivalences sémantiques et stylistiques."
و يحدد الإنجليزيون مصطلح الترجمة بما يأتي: (7)
"Translation is the replacement of a text in one language by a representation of an *Banned**Banned**Banned**Banned**Banned*alent text in a second language".
و يهِمنا في هذا البحث أن نعرف " بترجمة المصطلح" باعتبارها صورةً من صور النشاط الترجمي التي حظيت باحتفاء عدد من الباحثين في الوقت الحاضر. يقول الدكتور علي القاسمي: " الترجمة هي نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخيّر المترجم من الألفاظ العربية ما يقابل معنى المصطلح الأجنبي."(8)
و عمومًا يمكن أن نقول إن للترجمة مدلولين اثنين، مدلولا عاما/ واسعا، و مدلولا خاصا/ضيقا. فأما المدلولُ العام فيراد به ما ذكرناه سابقا؛ أي النقل من لغة إلى أخرى، و أما المدلول الخاص فهو ما ذكره الدكتور محمد مفتاح حين قال : "إن الترجمة- في معناها الخاص- تعني النقل من لغة منطلَق (أو مصدر) إلى لغة مستهدَفة (أو هدف) لإشباع حاجات معينة و بشروط خاصة". (9)
إن الترجمة إلى العربية نشاط قديم. إذ عرفها العرب في جاهليتهم بفعل احتكاكهم بالأمم الأخرى، و في صدر الإسلام برزت باعتبارها حاجة دينية و سياسية. وشهد عصر بني العباس حركة نشطة على مستوى النقل و الترجمة، وخاصة من الأغارقة و بواسطة السريان النصارى. و قد بلغت أوْجها على عهد المأمون- الذي كان معتزلي الاتجاه – منشئِ " بيت الحكمة" ببغداد ... و احتفل العرب احتفالا واضحا بالترجمة في عصر النهضة ( ق19) الذي سماه بعض الدارسين "عصر الترجمة" ، ولكنه في الحقيقة عصر الترجمة "الوظائفية" التي تستجيب لحاجيات أجهزة الدولة العصرية و عمودها الفقْري / الجيش."(10) و في الوقت الحاضر، تزايد الوعي بأهمية الترجمة و خطورتها، و تم ابتناء عدد من المراكز الخاصة بهذا الشأن، و ظهرت أعداد كبيرة من المشتغلين بالترجمة في المشرق و المغرب معا.
إن الترجمة ظاهرة عامة؛ لا تقتصر على أمة دون أخرى. فهي حاضرة في الغرب كما في الشرق، و في الشمال كما في الجنوب. و لكن الثابت أن ثمة تفاوتا بين الجهات في الاحتفال بالترجمة و ممارستها، و ذلك لاعتبارات عديدة لا يسع المقام لذكرها هنا... و من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا المجال ما يأتي:
1- ما طبيعة الترجمة ؟
2- هل الترجمةُ ممكنة أم متعذرة ؟
هذان سؤالان مهمان و وجيهان سنحاول الإجابة عنهما فيما يلي من الأسطر. و يبدو أن الدارسين قد اختلفوا اختلافا واضحا في تحديد طبيعة الترجمة؛ فمنهم من عدها علما، و منهم من نظر إليها باعتبارها فنا، و رأى آخرون أن الترجمة نظرية.
يرى باحثون أن الترجمة علم محكوم بقوانين و أصول معينة. و منهم محمد ديداوي، و فوزي عطية محمد صاحب كتاب "علم الترجمة : مدخل لغوي"، والأمريكي أوجين نايدا (Eugene nida) مؤلف كتاب "toward a science of translation" . يقول ديداوي: " إن الترجمة في نظرنا علم مازال لم يكتمل بنيانه" . (11) و يقول – كذلك- في الدعوة إلى "علْمنة" الترجمة العربية و جعلها خاضعة لمبادئ العلم: "لا بد أن تتجاوز الترجمة العربية نطاق الفن، و ألا تكون مجرد هواية يلتمسها البعض لمتعة الفكر أو للربح التجاري الرخيص الذي قد يسمم العقول و يفسد الأخلاق. و لقد بدأت بالفعل تتبوأ منزلة العلم، إذ تدرس أصولها في الجامعات وتوضع لها النظريات و تحدد التقنيات كما أنها تتداخل مع فروع أخرى منها المعرفة." (12)

يتبع