ترجمة معاني القرآن الكريم
إلى اللغة الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم
دخل الإسلام شبه القارة الهندية منذ القرن الأول الهجري عن طريق التجار ، وانتشر مع فتح المسلمين العرب للبلاد عام 98هـ / 712م بقيادة " محمد بن القاسم الثقفي " في عهد الخليفة الأموي " الوليد بن عبد الملك " ، وكان ذلك في منطقة " السند " ، ثم اتسعت الفتوحات الإسلامية في شبه القارة الهندية على يد " الغزنويين " بقيادة " محمود الغزنوي " في القـرنين الرابـع والخـامس الهجـريين ، وجاء من بعدهم " الغوريــون " و " المماليك " و " الخلجيون " و " آل تغلق " و " اللودهيون " ثم " المغول " الذين دخلوا الهند فاتحين عام 1526م بقيادة " ظهير الدين بابر " ، واستمر حكم هذه الدولة ما يزيد على ثلاثة قرون ، حتى سقطت على أيدي الإنجليز عام 1857م ، وكانت دولة قوية ذات شأن عظيم ، كما كانت إحدى أكبر قوتين في العـالم آنذاك ، حيث كانت " الدولة العثمانية " و " الدولة المغولية " أكبر قوتين إسلاميتين يحكمان جزءاً كبيراً من العالم في آن واحد .
هذا وكانت اللغة الفارسية هي اللغـة الرسميـة للدولـة المغوليـة ، بل ومن قبلها منذ " الغزنويين " ، وقد شارك مسلمو الهند من علماء وأدباء وشعراء في إثراء التراث الإسلامي والأدبي بهذه اللغة . ورغم أن اللغة الأردية أيام المغول كانت لغة متطورة ، ويستخدمها قطاع عريض من أهل الهند إلا أنها لم تكن اللغة الرسمية للبلاد ، ولهذا كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم ظهرت في الهند باللغة الفارسية ، وهي الترجمة التي قام بها العالم الكبير " شاه ولي الله الدهلوي : 1703م – 1763م " عام 1738م ، وأسماها " فتح الرحمن في ترجمة معاني القرآن " . والسبب الرئيسي في تأخر ظهور ترجمة لمعاني القرآن الكريم حتى النصف الأول من القرن الثامن عشر هو أن العلماء إذ ذاك كانوا يعرفون اللغة العربية معرفة جيدة ، فكانوا يقرأون القرآن وكتب الحديث والفقه والتفسير وغيرها باللغة العربية مباشرة ، ولم يشعروا قبلها بحاجة إلى ترجمة معاني القرآن الكريم باعتبار أنهم هم الذين يشرحون معانيه لعامة المسلمين هناك ، والسبب الآخر هو أنه ربما كان العلماء يرون في تلك الفترة حرجاً في ترجمة معاني القرآن ، ويعتقدون أنها غير جائزة ، ولهذا لقيت الترجمة الأولى لمعاني القرآن التي قام بها " شاه ولي الله الدهلوي " إلى اللغة الفارسية مخالفة شديدة من علماء العصر ، لدرجـة أنهم أرادوا التخلص من " شاه ولي الله " مما اضطره إلى الرحيل عن مدينة " دهلي " التي كان يقيم بها .
أما أول ترجمة أردية لمعاني القرآن الكريم فقد قام بها " شاه رفيع الدين دهلوي : 1750م – 1871م " بن " شاه ولي الله دهلوي " سابق الذكر عام 1776م ، وكانت ترجمة لفظية ، بمعنى ترجمة كل لفظ عربي إلى لفظ أردي يكتبه أسفله ، دون مراعاة لأسلوب اللغة الأردية وطبيعة بناء الجملة بها .
ثم قام " شاه عبد القادر الدهلوي : 1752م – 1814م " بن " شاه ولي الله الدهلوي " بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية عام 1790م ، وأسماها " موضح القرآن " ، وهي ترجمة لمعاني القرآن بلغة فصيحة ، ولذا فإنها تعتبر أول ترجمة نموذجية لمعاني القرآن الكريم باللغة الأردية .
ثم جاء القرن التاسع عشر الميلادي ، والذي يعد هو وسابقه فترة تدهور للدولة المغولية وتراجع للغة الفارسية وانسحاب من الميدان ، فثبتت اللغة الأردية أقدامها بدلاً منها ، ولهذا ظهرت في القرن التاسع عشر هذا ترجمات عديدة لمعاني القرآن الكريم بدأت بترجمة قام بها مجموعة من العلماء في شكل لجنة من خمسة أعضاء تحت إشراف السيد " جون جل كرست " الذي كان يعمل رئيساً لقسم اللغة الأردية بكلية " فورت وليم " التي أنشأها الإنجليز عام 1880م . وأكملت اللجنة ترجمتها هذه عام 1804م .
ثم توالت الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم ، ولم تكن تختلف عن سابقتها ، بل كانت في معظمها تعتمد على الترجمات التي قامت بها عائلة " ولي الله " مع تغيير أو تعديل بسيط في بعض الألفاظ ، ولذا لم تلفت الأنظار إليها ، ولم تنل شهرة كبيرة إلى أن ظهرت الترجمة التي قام بها " السيد أحمد خان : 1817م – 1898م " عام 1880م ، وكانت لخمسـة عشر جزءاً فقط " النصف الثاني من القرآن الكريم " ، وجاءت في سبع مجلدات ، وطبعت عام 1895م ، وقد أثارت هذه الترجمة ضجة كبرى في الأوساط الدينية والعلمية ، فقد خالف فيها " السيد أحمد خان " بعض ما هو متفق عليه في الدين ، مما أثار العلماء ضده حتى كفره بعضهم . ومن الأمور التي خالف فيها " السيد أحمد خان " جمهور العلماء إنكاره للمعجزات ولوجود الملائكة والشياطين والجنة والنار والصراط المستقيم وغيرها ، وتأويله لها تأويلاً يخرج بها عن المعلوم من الدين بالضرورة .
ومن الترجمات التي ظهرت للقرآن الكريم باللغة الأردية في القرن التاسع عشر الترجمة التي قام بها " مولوي نذير أحمد الدهلوي : 1830م – 1914م " عام 1895م ، واشتهرت باسم " غرائب القرآن " ، وقد اعترض الكثيرون على هذه الترجمة أيضاً نظراً لركاكة أسلوبها في بعض المواضع ، وبعض التسامحات والهفوات في مواضع أخرى . ومع ذلك فقد لقيت قبولاً لدى الكثيرين ، وفتحت الباب لظهور ترجمات جديدة .
أما القرن العشرين فقد ظهرت فيه العديد من ترجمات القرآن الكريم كان على رأسها الترجمة التي قام بها " مولوي فتح محمد جالندهري " باسم " فتح المجيد " ، ونشرت عام 1900م ، وقد طبعت هذه الترجمة مرة أخرى بدون المتن القرآني باسم " نور الهداية " عام 1969م .
ثم تأتي الترجمة التي قام بها " عاشق إلهي ميرتهي : 1881م – 1941م " عام 1901م ، وهو أصغر من قام بترجمة القرآن الكريم إلى الأردية ، حيث كان في العشرين من عمره حين أتمها .
ثم ظهرت لمعاني القرآن الكريم عام 1907م في ثلاث مجلدات قام بها مؤسس فرقة " أهل القرآن " في الهند ، وهو " عبد الله تشكرالوي " ، وهي ترجمة بها تأويلات تخرجها في بعض الأحيان عن المعنى المقصود . وعلى نفس المنوال ظهرت ترجمة أخرى باسم " معارف القرآن " لـ " غلام أحمد برويز " ، وقد أكملها عام 1949م . ولم يعتمد " غلام أحمد برويز " هذا في ترجمته على الحديث الشريف نظراً لأنه كان ينكره مثل " عبد الله تشكرالوي " سابق الذكر ، ولهذا اعتمد على تفسير وترجمة الآيات بالآيات ، مما جعلها هي الأخرى تضم في ثناياها تأويلات غير صحيحة لدى جمهور علماء المسلمين .
ومع ذلك فقد ظهرت ترجمات أخرى لمعاني القرآن الكريم في القرن العشرين ، منها الترجمة التي قام بها شيخ الهند " محمود الحسن الديوبندي : 1852م – 1920م " عام 1918م ، والترجمة التي قام بها الشيخ " أحمد رضا خان البريلوي : 1854م – 1923م " عام 1910م باسم " كنز الإيمان في ترجمة القرآن " .
ومن أهم ترجمات القرآن الكريم في القرن العشرين تلك التي قام بها الشيخ " أبو الكلام آزاد : 1888م – 1958م " عام 1935م باسم " ترجمان القرآن " ، وفيها قدم الشيخ " أبو الكلام آزاد " فهرساً لكل سورة فيه جميع ما تشتمل عليه السورة من مطالب ، وكانت هذه الطريقة جديدة لم يسبقه إليها أحد قبله ، لكن اتبعه فيها بعد ذلك الشيخ " أبو الأعلى المودودي : 1903م – 1979م " ، والذي قام بترجمة القرآن إلى اللغة الأردية عام 1949م في ست مجلدات وسماها " تفهيم القرآن " ، وكذلك فعل الشيخ " محمد كرم شاه الأزهري : متوفى 1998م " حين ترجم معاني القرآن ترجمة تفسيرية مثل الشيخ " أبي الكلام آزاد " ، وأسماها " ضياء القرآن " ، وجاءت في عدة مجلدات وذلك في أواخر القرن العشرين . هذا ولا تزال الترجمات تتوالى ، ولن تتوقف ، لأن الحاجة إلى فهم القرآن الكريم لن تنتهي .
المفضلات