سلسلة ... رحــــــلاتي ...







الجزء الثاني
الجزء الثاني
الجزء الثاني




اخوتي , اصدقائي , اعــزتي ,
الكـــرام ..
الى كل الاخوة والاصدقاء من المتابعين والمطلعين على كل الاخبار في أي مجال من خلال الخدمات الكبيرة التي يقدمها اخوتنا في كل الشبكات الالكترونية العالمية من مجلات وصحف وجرائد .. اسمحوا لي ان اكتب لكم (مرة اخرى)
واطلعكم على يوميات رحلتيَّ الى (الجزائر) هذا العام الاولى افتتاح الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007
والثانية مشاركتي في المؤتمر الدولي في موضوع الحضارة الاسلامية بالاندلس في القرن السادس الهجري والبحث الذي قدمته في هذا المؤتمر , الموسوم (الموسيقى الاندلسية في القرن السادس الهجري) واليكم ما كتبت عن هاتين الرحلتين , والبحث الذي قدمته عن الموسيقى الاندلسية , مقسما الموضوع على شكل حلقات متتالية ..






اخوكم your,s
مطرب المقام العراقي singer of Iraqi maqam
حسين اسماعيل الاعظمي hussain ismail al aadhamy
عمان amman jordan
00962795820112 gabel al hussain
الاردن , عمان , جبل الحسين b.x 922144
, ص , ب 922144 hussain_alaadhamy@yahoo.com






سلسلة ... رحلاتي ...




رحـــلاتي
الــى
الجـزائـر


الجزء الثاني
---------

الحلقة(4)








الفصل الاول
منهجية البحث والدراسات السابقة
مشكلة البحث
عندما استمع الانسان الى صوته لأول مرة يعاد ويكرر من خلال إبتكاره العظيم – جهاز التسجيل الصوتي – وهو يودع القرن التاسع عشر ويستقبل القرن العشرين , يكون قد اعلن بذلك عن دخول البشرية منعطفا عظيما جديدا من تاريخها .. الامر الذي قاد اكثر التحولات والتطورات والتغيرات في حياة الشعوب نحو آفاق اتسمت بالسرعة المتزايدة على الدوام .. وهي فعلا حقبة تحول وانفتاح بكل ما تستطيع احتواءه هاتان المفردتان من معان وصفات لا حدود لها ..!
وفي القرن العشرين انتشرت في المغرب العربي بعض التسجيلات الغنائية لعدد من القوالب forms الغناسيقيه الموجودة ضمن انطولوجيه (*) غناء وموسيقى هذه المنطقة من الغرب العربي , كالغناء الريفي والغناء البحري والغناء الصحراوي والغناء البدوي والمدني فضلا عن الموسيقى الاندلسية والمغاربية وغيرها من انعكاسات تنوع البيئات والتضاريس والمناخ , بواسطة شركات التسجيل الاجنبيه التي كانت تتجول في البلدان لتسجيل تراثها الموسيقي .. وفي هذا الخضم برزت تسجيلات الموسيقى الاندلسية وعلى الأخص منها المدارس الادائية المخضرمة لهذه الموسيقى مثل المدرسة القسنطينية والمدرسة التلمسانية ومدرسة العاصمة الجزائرية في الجزائر من المغرب العربي ومدرسة تستور في تونس ومدرسة مراكش المغربية , الأمر الذي أصبح منعطفا في تاريخ تطور النواحي الفنية الادائيه وفي أساليب العرض وأمور أخرى ..
من هذا المنطلق تشكلت لدى الباحث تساؤلات عديدة منها ..
1- هل هناك دور اعلى للمطرب الانفرادي في مسيرة ثمانية قرون من حكم العرب المسلمين من التطور في الغناء والموسيقى الاندلسية بصورة عامة..؟
2- هل هناك دراسة تناولت هذا الموضوع بشئ من التفصيل ..؟
3- هل كان الخروج عن طوق المحلية وانتشار الموسيقى الاندلسية سببه التطور اللحني والبناءات السلّمية واستقرار الشكل في هذه الموسيقى ..
الامر الذي دعا الباحث الى البحث عمن يجيب عن تساؤلاته , غير انه لم يعثر على دراسة سابقة منهجية في هذا المجال – لذا فقد تبلورت لدى الباحث القناعة بان هناك حاجة ماسة لإجراء دراسة علمية عما حدث من تطور في غناء وموسيقى الاندلس خلال ثمانية قرون من الحكم وعلى الاخص في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي ..
-------------------------------
(*)الانطولوجية .. تنوع المكونات ضمن المجتمع والجغرافيا الواحدة , والمقصود في هذا البحث , تنوع انعكاسات مختلف بيئات الاندلس من شمالها حتى جنوبها , في موضوع الموسيقى والغناء الحاوي على الموسيقى المدنية والريفية والبدوية والصحراوية والسهلية والجبلية والحديثة , اضافة الى موسيقى الاديان والقوميات والاقليات الموجودة في كل محيط الاندلس ..
اهمية البحث والحاجة اليه
------------------------
1- ..
اهداف البحث
---------------
..
حدود البحث
-----------

منهج البحث
------------

تحديد المصطلحات
-----------------

الدراسات السابقة
----------------
فيما يخص الدراسات السابقة ومن خلال تتبع الباحث لدراسته , والتقصي في المكتبات العربية واستخدام الشبكة المعلوماتية (الانترنيت) لم يحصل الباحث على دراسة اكاديمية ومنهجية علمية تتناول ما حصل من تطور فني في غناء وموسيقى الاندلس خلال الحكم العربي الاندلسي في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي تحديداً ..









الفصل الثاني
اثرالثقافة المشرقية على الاندلس واوربا
-------------------------
ان تأثير الثقافة المشرقية على الاندلس في مجالات مختلفة وأخصها المجال الموسيقي والموشح قد مكن الموسيقى الاندلسية بصورة عامة من بناء إسلوب خاص في الشعر والموسيقى إثر مجئ الموسيقار الكبير زرياب من بغداد ليجعل من مدن قرطبة واشبيلية وغرناطة وطليطلة بعدئذ مراكز إشعاع فني وثقافي .. وامست جامعاتها تأوي افواجا من طلبة اوربا وافريقيا ..
ومنذ بداية القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي بدأت الموسيقى العربية في قرطبة تدرس كمنهج رئيسي للموسيقى , وقد جاء التروبادور بالغناء اللاتيني منذ القرن التاسع الميلادي حتى وصولهم الى بلاط الفونس لوساج في نصف القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي وكذلك جاء شباب التروفاس في النصف الثاني من القرن السادس الهجري بصفتهم حاملي الموسيقى والغناء على الطريقة العربية الاندلسية ..
ان الأثر المشرقي في النوبة المغاربية لم يقتصر على النصوص الشعرية والادبية وحدها بل إمتد ايضا الى المقامات الموسيقية المستعملة في هذه النوبة , حيث نجد انها تتفق في درجاتها وابعادها الصوتية مع نظيراتها في الموسيقى المشرقية ..
مدارس الموسيقى الاندلسية
---------------
ازدهرت الموسيقى الاندلسية بنشاط كبير على أيدي معلميها واساتذتها في العزف والغناء في كل مدن المغرب العربي وبرزت منها بصورة جليَّة مدارس فاس ومراكش وتلمسان وقسنطينة وتستور والقيروان وغيرها , وفي القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي نتعرف على اصناف المهاجرين الاندلسيين الذين توافدوا على المغرب العربي فراراً من كيد الإسبان ووجوه المعرفة الموسيقية التي حملوها معهم , ورغم أن كل المدارس في المغرب العربي متشابهة من وجوه عدة بصورة عامة حيث تدل على وحدة الاصل , إلا أن هذه المدارس تختلف عن بعضها في بعض الامور اهمها العوامل التاريخية فقد استقبلت تونس مهاجري اشبيلية واستقبلت تلمسان مهاجري قرطبة في حين استقبلت فاس مهاجري بلنسية وكذلك كانت غرناطة تستقبل بعض المهاجرين من الاقطار العربية المغربية , وعليه فلا عجب ان تصبح مدينة غرناطة ملتقى لسائر اشكال ومضامين الموسيقى التي عرفتها عواصم الاندلس الاخرى ومن ثم تنشأ بها مدرسة جديدة إسلوبها مزيج من الاساليب الاندلسية الثلاثة .. وعليه نستطيع ان نلاحظ الاسباب التي أدت الى ظهور المدارس الغناسيقية في اقطار المغرب العربي , فالمدرسة التونسية واصلها الاشبيلي والمدرسة الجزائرية واصلها الغرنـــاطي والمدرسة المغربية واصلها البلنسي .. واقتربت كثيرا كل من الموسيقى الاندلسية الجزائرية المعروفة بالطرب الغرناطي وموسيقى الآلة الى بعضهما في اوساط الهواة والمحترفين وبلغت نفوذا وانتشارا لا بأس به في بعض المدن المغاربية وخاصة مدينة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية (*),
تسجيل هذه الموسيقى
ان احدى الوسائل للنظر الى ظاهرة ادائية إزدهرت وتطورت ووصلت الى ذروة نضوجها في القرن السادس الهجري ، الثاني عشر الميلادي ، امتازت بتفاؤلاتها التعبيرية منذ ان تم تسجيل هذه الموسيقى لأول مرة بواسطة جهاز التسجيل الصوتي في القرن العشرين من خلال روادها الاوائل ، هو أخذها على انها اهتمام اوسع مدى بالمشكلات التي كانت قد غفل عنها كبار مغنينا السابقين رغم واقعية الأسباب ... اذا ما إستمرت هذه الظاهرة , فإنها قد تخفف من شعور العزلة والريبة والقلق من قضية حفظ وحماية هذا التراث الغناسيقي الذي يسيطر على المهتمين بشؤون الموسيقى الاندلسية والمغاربية او التراث الغناسيقي بشكل عام لكل اقطار المغرب العربي في الزمن الراهن …
---------------------
(*) مكالمة هاتفية اجراها الباحث من الاردن ,عمان ، مع الباحث الموسيقي الكبير عبد العزيز بن عبد الجليل في المغرب يوم 8/2/2007
ان حسنات او سيئات ظاهرة ادائية فنية تكنيكية 1* كهذه تهمنا فقط بمقدار ما يبدو من تأثيرها على مؤدينا المعاصرين من الجيل الحاضر ، خاصة وان فرص تطور الثقافة اصبحت اوسع بكثير … واذا كان هناك آثار سلبية لهذا الاتجاه الجمالي – كما يعبر عنها المعارضون التقليديون – في الأداء والتعبير والفن .! تبدو هذه الآثار بانها تنطوي على إتجاه نحو المحافظة على الأساليب القديمة او نحو إنماء تسهيلات تكنـــــيكية على حساب الموهبة والتعبير والأصالة 2* الأدائية …
ان مثل هذا التفكير هو الذي يؤدي الى الإستنتاجات المار ذكرها ، أي أن مؤدينا المعاصرين في الأداء الاندلسي الذين يُفترض أن معظمهم قد تعلموا الكثير وادركوا النواحي الفنية في الغناء والموسيقى خلال حقبة تعتبر كثيفة جداً في قياس جودة التسجيلات الاندلسية التي ظهرت منتصف القرن العشرين ,
لقد كان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية كأمر مسلَّم به هي ان الفنان المؤدي الاندلسي قد فهم وأدرك تقنيات أدائه حتى تسنى له ان يبدع ويترك لنا آثارا جليلة وكبيرة , وعندما تصل عملية الأداء الى هذا المستوى ليصبح الأمر الأدائي لا واعياً تماماً على وجه التقريب ، فإن المعرفة التي تكون قد اصبحت جزء من الفــــنان المؤدي نفسه تعمل على تكييف ذلك ..
وكان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية ايضا , التي بدأت من تسجيلات الرواد الاوائل , كأمر ظهر جلياً , ظاهرة الصراع الفني الجمالي بين المدارس الغناسيقية الجماعية لمدن اقطار المغرب العربي التي كانت في ذروة كلاسيكيتها 3* ، وكان من نتائج هذا الصراع ، تطور فني وتقني لاداء هذه الموسيقى التي بشّرت بقيم جمالية جديدة وقيم فنية متطورة ومفاهيم أدائية تستحق الإهتمام والتقدير ، وكان من هذه النتائج أيضاً ظهور مؤدين اندلسيين إستفادوا من هذا الصراع ولو بشكل عفوي , في تنويع أساليب ادائهم بشيء من الخصوصية المستقاة أصلاً من هذه المدارس الغناسيقية ..
من زاوية اخرى فإن هذه الأساليب تعتبر إبداعاً يسجله التاريخ للمؤدين الذين تميزوا بإسلوب أدائهم المستقى …! وإن من أهم الملاحظات الملموسة ان مقدرة المؤدي في التركيز على موضوعه الأدائي هي دليل إبداعه …
ان الخطأ التقليدي للأداء الاندلسي الذي إستمرَّ لقرون كثيرة مضت ، كان يبدو دائما , إفتقاراً للاهتمام بالتكنيك الأوَّلي للفن ، وهذا كما نعرفه عن تاريخ الأداء الغناسيقي العربي على وجه العموم لتلك القرون التي مضت ، يمثل تقييداً بالغاً للمؤدين في التقليد الطبيعي.
بهذه الحصيلة من الحديث عن الإبداع الأدائي وبهذا المعنى ، يعد المؤدي الاندلسي منذ تسجيلات بداية القرن العشرين ثائراً متمرداً على القيود الفنية القديمة التي اصبحت عديمة الجدوى في زمننا المعاصر ، آخذاً بمبدأ التجربة سواء في الشكل او المضمون … ان ذلك الخطأ التقليدي الذي اشرنا اليه عكَسَ الأتجاه البديهي الذي بتنا نعتبره مثالاً للأداء الاندلسي في المغرب العربي …
على كل حال , نحن لا نقول ان النضج والبلوغ ليسا سوى اول علامات الإتكال ، إلا أن هذا لا يعتبر انحلالاً .. بل انه تجميع للقوى التي لم تستغل حتى تلك الحقبة التي سبقت القرن العشرين او سبقت ابتكار جهاز التسجيل الصوتي … ومع ذلك فإنه يبدو من المرجَّح الآن كرؤية مستقبلية لحال الأداء الغناسيقي الاندلسي المغاربي بشكله ومضمونه , بأننا سنضطر في يومٍ ما وبشكل يستمر الى تطور اداء الغناء الاندلسي المغاربي ليدنو بصورة مستمرة من اذواق وجماليات العصر4* ومتلقيه ليكون على تماس دائم مع الواقع 5* والمستقبل 6*…
ويجب ان لا ننسى بان المؤدين السابقين قد وطّدوا انفسهم كمؤدي عصرهم البارزين دون شك . وان الأسباب الداعية الى الملاحظات النقدية هذه حول نتاجاتهم وخط سيرها الفني ، هو ان تلك الظروف سواء السياسية او الإجتماعية او الإقتصادية او … او.....الخ التي مرَّت بها بلدان المغرب العربي اكثر إزعاجا لأي مواطن مغاربي وعربي عندما يطلع عليها … وهي بالتالي اسباب ثقافية إستسلم لها أكثر معاصريها من المؤدين .
من ناحية اخرى ، فإننا نلاحظ ، ان المؤدين الشباب او الأكثرية الساحقة منهم ، الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين ، قد إمتازوا في عدم رغبتهم في التحرر من الشكل الغناسيقي الاندلسي الصارم ايضا ، كمعظم سابقيهم ، حيث يبدو لنا ، بأن هذا الجيل المعاصر قد أفزعته وإستثارته النماذج التي سبقته وثبّطت من عزيمته … ويبدو لنا ، فيما يتعلق الأمر بمغني القرن العشرين رغم إبداعاتهم التي تستحق الذكر والتقدير ولكنها في الحقيقة استمرار لإبداعات أسلافهم القلائل وتطويراً لها ، فكانت محاولات فنية تقنية ادائية اكثر منها ثورة جديدة على أولئك الأسلاف , او هي تطويراً حقيقياً للنهضة الجديدة في الابداع والتغيير بعد التسجيلات الشهيرة عام 1932 في القاهرة ,
بصورة عامة , يبدو لنا ان هناك املاً كبيراً في ان يتجه الأداء الاندلسي المغاربي ومؤدوه نحو علمية الأداء وجماليته العاطفية العصرية وسنبقى ننتظر من المؤدين اللاحقين نتاجات ادائية اندلسية اقوى واكثر اصالة . سواء في الموسيقى المغربية بصورة عامة او في المدارس الاندلسية برمتها.. وان النصف الثاني من القرن العشرين لم يخلُ من محاولات ادائية في مثل هذه الإختبارات ..

قـيم فنية جماليـة

ان الغناسيقا بأسرها ، تستند الى القيم الفنية المتعارف عليها ، وهي في العادة قيم فنية وُجِدت كضرورات لحاجة المتلقي والمتذوق لهذه النتاجات ، ان عالم المُثل والقيم والأخلاق 7* والتربية والإرشاد .. هو في الحقيقة جزء من العالم الحي للنشاط الإنساني الذي يهدف الفنان الى تصويره في فنِّه . وهكذا لجأ المؤدون الاندلسيون المغاربيون الناجحون الى هذا التفاؤل الادائي 8* ، عندما كانوا في كثير من نتاجاتهم المقامية يعالجون قيماً جمالية لعالمِنا المعاصر ، وهكذا ايضا نرى ان المغنين الاندلسيين المغاربيين الكبار السابقين امثال الحاج العربي بن صاري وخميس ترنان والفقيه المطيري وغيرهم ، قد ابدعوا في التعبير عن حقبتهم الجمالية في زمنهم المعاش في تجاوزهم حقبتهم نحو تأملات المستقبل …

على كل حال ، ثمة منطقية في القول ، بان المغني العصري قد إستلهم إسلوبه الأدائي الخاص من هذه القيم ، في الوقت الذي نرى ان يومنا هذا قد تضاءل فيه إيمان فناننا بما كان عليه في الماضي . فقد امست الحياة اسرع منه وحصلت فجوة جمالية ما إنفكت تزداد وتتوسع , ليس في مجتمعنا فحسب , بل في كل المجتمعات رغم تفاوتها … وسيبقى الإعتماد على مواكبة هذه الجماليات وروح العصر الذي نعيشه على الإستثناءات الجمالية والإمكانيات الابداعية الفذة للقلَّة من الأفراد الفنانين الذين يوهبون فطرة التعبير عن حقبتهم ، بل عن مستقبلهم … الأمر الذي يساعد على تقريب او ردم هذه الفجوات في الرؤية الجمالية والذوقية … في محاولة جادة لتجديد القيم القديمة بأساليب تؤثر في المتلقي المعاصر كأُمور هي من صلب حاضره المباشر وذات علاقة برغباته المعقدة …

على كل حال .. هناك شعور او تصوُّر او إدراك دائم من قبل الفــــنان خاصة والمتلقي عامة .. بأن عدم الرِّضى هذا يمثِّل حالة الفنون جميعا . هذا بالرغم مما أنجزه كل المغنين المبدعين الرواد الاوائل قبلهم او حتى كل المبدعين الآخرين على قدر ابداعهم بصورة عامة .
ان على كل فنان ان يدرك إستحالة وصول عصره ، او أي عصر آخر ، الى معرفة الحقيقة النهائية او المطلقة لواقع التعبير عن هذا العصر او ذاك .. لأن الزمن مستمر وإن التحولات سائرة بلا هوادة .. ولكن تبقى محاولات الوصول الى أقصى ما نستطيع من الابداع والتطور ومواكبة العصر الذي نعيش فيه للِّحاق بالرَّكب الحضاري والتعبير عن حياتنا من ماضيها حتى حاضرها ومستقبلها ..





تـحولات جماليــة
ان الجماهير المتذوقة للغناسيقا قبل القرن العشرين ، كانت راضية عن جمالياتها ومقتنعة بالاساليب الأدائية المطروحة … إلا أن ذلك الرِّضى اصبح منعطفا بل مستحيلا بعد الحرب العالمية الاولى (1914 – 1918) والباحث يميلُ الى احتمال انطباق ذات الامر على مجمل الشعوب العربية , وبذلك فقد كانت الأسئلة التي بدى ان الفنانين قد طرحوها عن وعي او دون وعي ..

- ايّ من قيم الماضي الفنية والجمالية هي المناسبة ؟
- وعلى أي اساس تقوم تلك القيم ؟
- وهل هناك قيم جديدة يمكن ان نجعلها اكثر ملائمة
لحاضرنا ومستقبلنا .؟
- وهل هي ايضا مناسبة ؟
- او هل هي ذات ارتباط بالتعبيرعن ظروفنا الحديثة والمعاصرة ؟

هذه الأسئلة ومثيلاتها ، كان يبدو انها تكمن وراء فنيَّة وجمالية وامكانية كل المغنين الرواد او أي مبدع آخر حتى في المجالات الإبداعية الأخرى ، فنون او غير فنون , ان تأثير الاحداث الجسام هذه على المجتمع اثَّرت على المبدعين الراحلين كما انها بالتأكيد ستؤثِّر على سيماء وخلجات المعاصرين وتطبع على مجمل الانتاج مسحةً متميزة تدل على التأثير العميق لطبيعة هذه الاحداث ..
من ناحية اخرى ، فنحن لا نقِّيم التسجيلات الاندلسية التي خلفها لنا الرواد الاوائل على أساس الإنجاز الفردي ، بالرغم من أنه يمكن تشخِّيص من وجهة نظر عامة ، بأن الاغلبية الساحقة من تسجيلات الرواد الاوائل هي من افضل ماتم إنجازه من تسجيلات غناء الموشحات والنوبات والطبوع والاندلسيات والمغاربيات بصورة عامة من الناحية الفنية والذوقية والأدائية في القرن العشرين , ان لم تكن افضلها فعلاً ، إلا أنه من العسير الإثبات ان هذه التسجيلات الغنائية المميَّزة التي خلفها لنا هؤلاء المطربون الكبار ، بأنها اقوى تاثيراً من جميع التسجيلات التي ظهرت من خلال اداء المطربين الآخرين في القرن العشرين ،
صحيح ان القيمة النهائية لكل من هؤلاء المطربين المبدعين ، تتمثل في تفوق تسجيلاتهم المغاربية ، ولكن هذه القيمة تقوم ايضاً كإمتداد لذلك التفوق في المجموع الإجمالي الرائع لأعمالهم ، وهو تفوق فني وذوقي قد لايمكن لغيرهم من السابقين والمعاصرين مجاراة هذه الأعمال … ومثل هذه القيمة توجد ايضاً في مكانة هؤلاء الفنانين المبدعين في تلك الخصائص الفنية والذوقية التي جعلت منهم مطربين كبار لايختلفون عن الجيل الذي سبقهم فحسب ، بل يتفـــــوقون عليه بلا شك .
ان الأحداث التي واجهها وعاشها إنسان القرن العشرين في المغرب العربي ، قد فرضت إعادة تقييم واختبار للمباديء الفنية والجمالية والأدائية التي قام عليها الفن الغنائي الاندلسي على وجه الخصوص في المغرب … وان كلاً من المبدعين المغاربيين ، يمثل بإسلوبه وطريقته الخاصة في الأداء الاندلسي ، طليعة حركة التقويم الفني والجمالي والدقة الأدائية في نواحيها التقنية في الغناء الاندلسي ، وبالرغم مما يبدو إختلافهم في نواح ادائية وتعبيرية وجمالية كثيرة ، إلا أن تشابههم وغايتهم في منحاهم التجديدي والإبداعي يرجح على الفروقات ، فإذا ما تعسَّر علينا النظر إليهم كمطربين مبدعين او تجريبيين او طليعيين ، فما ذلك إلا لأن قيمتهم قد نالت الإعتراف من الجميع وباتت جزء من التراث .
ان كلاً من المغنين الرواد قد دعى من خلال نتاجاته الغنائية , لإتخاذ موقف واضح في إعادة النظر إلى الأمور العلمية والفنية والجمالية في الأداء الاندلسي في المغرب العربي ، بالرغم من انهم لم ينكروا القيم السابقة وكذلك القيم الموجودة في عصرهم ولم يتجاهلها كل منهم ، بقدر ما أصرُّوا على تمحيصها بدقة في ضوء المتغيرات وتحولات عصرهم … ولعمري فان هذه هي ميزة الفنان المبدع ، فكانوا من اوائل المؤدين الذين رأوا هذه الحاجة وحاولوا إنجازها ، لذلك فان خلاصتهم تعطينا مبرراً كي نطلق على كل واحد من الرواد لقب مجدد او مبدع او استاذ من اساتذة الغناء الاندلسي المغاربي .







هوامش الفصل الثاني
1* * التكنيك .. الاداء الفني المتقن للحركة(تقنية) وغالبا ما يكون الحديث عن التكنيك والتكتيك الذي هو الاداء الخططي لمجموعة من المهارات ..
2* الاصالة .. originality امتياز الشيء على غيره بصفات جديدة صادرة عنه , وهي القدرة على الابداع والابتكار في النتاج الفني ..
3* الكلاسيكية classicism في الكلاسيكية التقليدية يكون الميل في الادب والفن الى مراعاة الاشكال التقليدي والاصول التي استقر عليها العرف ومن شأنها الاهتمام بوضوح الفكرة وعذوبة الاسلوب وتناسق العبارات وموضوعية فكرة العمل الغنائي او الموسيقي والتركيز على توازن البناء ,,
4* العصر .. age حقبة من الزمن محددة بتواريخ معينة او صفات خاصة ..
5* الواقع .. reality درجة دوام المعاني التي يتم اكتشافها في اية تجربة او التي تتصل باي شيء او شخص او فكرة او قيمة فهو الوجود الفعلي ..
6* المستقبل .. الزمن القادم المجهول , والمستقبلية futurism نزعة نحو الجديد والمجهول والمستقبل اساسها الخروج على المألوف والرغبة في المغامرة ..
7* الاخلاق .. ethics وهي القواعد والاصول التي يسترشد الناس بها في علاقاتهم المتبادلة , لا بقوة الالزام القانوني وانما بقوة الواجب واحترام الرأي العام واواصر الضمير ..
8 * التفاؤل .. optimism موقف من مواقف الفرد يتسم بالتنظيم الاجتماعياو الحياة بصورة عامة في اهمية النواحي الجيدة ويتسم بالامل .. وفي المفهوم العام هو عكس التشاؤم ..