آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: قصة " العفو " لبريم تشاند من الأدب الأردي

  1. #1
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي قصة " العفو " لبريم تشاند من الأدب الأردي

    بريم تشاند أديب هندوكي توفي عام 1936 ، وهذه ترجمة لقصة له بعنوان " العفو " أنقلها إليكم وفي انتظار تعليقاتكم القيمة وخاصة تعليق الأستاذ الكريم عامر العظم وأستاذي الكبير أ . د . سمير عبد الحميد إبراهيم

    العفو

    بريم جند

    بعد قرون عدة من بداية حكم المسلمين للأندلس كانت المساجد تقام مكان الكنائس ، وحلّ صوت المؤذن الخشن محل أصوات الأجراس المبشرة ، وإن كانت لا روح فيها ، وشيدت في غرناطة والحمراء القصور التي تسخر من تصاريف الزمن ، والتي لا تزال آثارها تبدي للناظرين عظمتها الزائلة ، وبدأ السادة من رجال ونساء يفلتون ثوب المسيحية من أيديهم ويدخلون في ظلال الأخوة الإسلامية ، ولا يزال المؤرخون حتى اليوم يعجبون : كيف لم ينته الوجود المسيحي هناك . وكان من بين أولئك السادة المسيحيين الذين لم يدخلوا في الإسلام حتى ذلك الوقت ، ولم يعترفوا بالجبروت الإسلامي ، ولا يزالون يحلمون بإقامة دولتهم في بلادهم تاجر يدعى " داود " .
    كان " داود " عالماً وشجاعاً وشديد الاعتزاز بنفسه ، ولم يسمح للإسلام أن يثبت أقدامه في منطقته ، وكان بيته المكان الوحيد الآمن للفدائيين المسيحيين المتضررين . كان داود يضحي بكل شيء من أجل هؤلاء ، وكان المسلمون هناك في خوف دائم من " داود " هذا ، وكانوا يعملون على ترويضه بقوة السيف بعد أن فشلوا في ترويضه بقوة الدين ، لكن " داود " كان يقدر الظروف جيداً ، فلم يكن يواجههم في ميدان مفتوح أبداً ، وكان يصل وفي شجاعة فائقة إلى إخوانه المسيحيين حيث كانوا ، يحثهم على الثبات على دينهم كلما رأى منهم ضعفاً وتراجعاً أمام الإسلام .
    وفي النهاية أحاط المسلمون بداود من كل جانب ، وعزموا على الإمساك به ، فحاصر الجيش الإسلامي منطقته ، ومنع وصول العتاد والإمدادات إليه . وظل " داود " محاصراً في قلعته الحصينة لعدة أيام ، ولكن عندما نفذ مخزون الماء من القلعة كان عليه أن يهرب مع من معه حفاظاً على أرواحهم من الهلاك ، وانتهز الفرصة في يوم من الأيام وتسلل من القلعة ليلاً حتى وصل إلى دار الخلافة غرناطة واختفى بها ، واستطاع محاربوه أن يخلقوا له محبين بين المسيحيين الذين أسلموا حديثاً ، ولأن الحياة وإن لم تقم على الكرامة لكنها لا تخلو من الحمية ، فقد عاش " داود " بين هؤلاء المتعاطفين معه على أمل في غد أفضل ، بينما كانت مخابرات المسلمين تبذل قصارى جهدها في البحث عنه والوصول إليه ، كما رصدت الجوائز الضخمة لمن يلقي القبض عليه ، لكن أحداً لم يستطع الوصول إليه .
    وذات يوم أصاب " داود " ملل شديد من الوحدة التي كان يعيش فيها ، فخرج للتنزه في إحدى حدائق غرناطة ، وحل عليه المساء في الحديقة ، كان الرجال يرتدون عباءات طويلة ، وعلى رؤوسهم عمامات كبيرة ، وسيوفهم معلقة في نطاقاتهم ، بينما كانت النساء يضعن براقع بيضاء على وجوههن ، ويلبسن أحذية مذهبة في أقدامهن ، ويجلسن على على المقاعد في الحديقة . أما " داود " فقد استلقى فوق الحشائش بمعزل عن الجميع مستغرقاً في التفكير :
    · متى يجيئ ذلك اليوم المبارك الذي يكتب فيه لوطننا الخلاص من قبضة هؤلاء الظالمين . كان يتذكر تلك الأيام التي كان فيها المسيحيون من الرجال والنساء يسيرون في طرقات الحديقة بينما يضج المكان كله بالأناشيد المسيحية الجميلة .
    وفجأة اقترب أحد الشباب المسلمون من " داود " وجلس بجواره ، ثم نظر إليه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه نظرة احتقار قائلاً :
    · ألم ينر قلبك بنور الإسلام بعد ؟ .
    ردّ " داود " بجدية قائلاً :
    · يستطيع نور الإسلام أن ينير قمم الجبال ، لكنه لا يستطيع أن يتسلل إلى الأودية المظلمة .
    كان اسم هذا العربي المسلم " جمال "، ولما سمع " جمال " ردّ " داود " قال له بلهجة حادة :
    · ماذا تقصد ؟.
    · أقصد أن الطبقة العليا من المسيحيين هم الذين يلجأون إلى الإسلام طمعاً في المال والجاه ، وخوفاً من العقاب والتنكيل ، أما المسيحيون الفقراء الضعفاء فأين لهم في الإسلام بمملكة السماء تلك ، والتي ستكتب لهم في ظل المسيح . لقد انتشر الإسلام بحد السيف وليس بخدمة الخلق .
    استشاط " جمال " غضباً عندما سمع هذه الإهانة لدينه فقال :
    · هذا كذب محض ، إن قوة الإسلام تكمن في الأخوّة والمساواة بداخله وليس في قوة السيف .
    · إن أنهار الدماء التي أسيلت باسم الإسلام تكفي لإغراق كل مساجده فيها .
    · إن السيف يحمي الحق .
    ردّ " داود " بنفس الجدية قائلاً :
    · ليس حقاً ذلك الذي يلجأ إلى الاستغاثة بالسيف .
    عندئذ طار صواب " جمال " اعتزازاً بقوميته الدينية فأردف قائلاً :
    · طالما أن هناك من يؤمنون بالكذب فستبقى الحاجة إلى السيف قائمة .
    · الحقيقة التي تظهر بحد السيف ما هي إلا كذب .
    قبض العربي " جمال " بيده على سيفه وهو يقول :
    · قسماً بالله لو لم تكن أعزلاً لأذقتك مرارة إهانتك للإسلام .
    عندئذ أخرج " داود " خنجراً كان يخبئه في صدره قائلاً :
    · كلا ، لست أعزلاً ، وفي اليوم الذي أثق فيه في المسلمين لن أبقى مسيحياً ، فلتخرج ما في قلبك .
    وشهر كل منهما سلاحه وانقض على الآخر ، وتراجع سيف العربي الثقيل أمام خنجر المسيحي الخفيف . كان أحدهما ينقض كالثعبان فينتفض الآخر كالحية ، ويقبل أحدهما كأمواج البحر فيقفز الآخر كالأسماك في الماء . واستمر الكرّ والفرّ بين الشجاعين لبرهة ، حتى قفزت الحيّة "داود" في كبد العربي " جمال " ، وسقط " جمال " على الأرض .
    وفور أن سقط " جمال " أقبل الناس من كل صوب مهرولين ، وحاولوا محاصرة " داود " والإمساك به ، فلما رآهم " داود " يقتربون منه شاهرين سيوفهم أطلق لساقيه العنان هرباً بروحه ، لكنه حيثما اتجه وقف سور الحديقة حائلاً أمامه . كان السور مرتفعاً ويصعب تخطيه ، وكانت معركة حياة أو موت ، وليس هناك أمل في ملجأ ، ولا مكان يمكن الاختباء فيه ، وفي نفس الوقت كان تعطش العرب للدماء يزداد لحظة بلحظة . لم يكن كل هذا مجرد محاولة لعقاب مجرم واحد فقط ، إنما كانت محاولة للانتقام لإهانة أمة كاملة . كيف تجرأ هذا المسيحي المهزوم ورفع يده على عربي ، إلى هذا الحد !!.
    وكما يفرّ السنجاب أمام الكلاب التي تتعقبه ، فيحاول تسلق إحدى الأشجار مرات ومرات ، ولكنه يسقط كل مرة لتورم أقدامه ، كان " داود " في نفس الوضع . أخذ يلهث من كثرة الجري ، وثقلت قدماه حتى فكر أكثر من مرة بأن ينقض على هؤلاء ويكلفهم من أرواحهم قبل أن يكلفوه روحه ، لكنه كان يتراجع عن هذه الفكرة عندما يرى كثرة عدد أعدائه .
    كانت أصوات " امسكوا به ، هيا أمسكوا به " تتردد في كل مكان وترتفع ، وأحياناً كان هؤلاء الذين يطاردونه يقتربون منه لدرجة يظن معها أن المعركة انتهت ، وأن السيوف تكاد تطاله ، ولكن قفزة من ساقيه ، واستدارة من جسمه إلى الخلف كانت تنقذه بصعوبة من سيوف هؤلاء المتعطشين للدماء . وبدأ " داود " يستمتع كلاعب بهذه المطاردة ، كان على يقين من أنه لن ينجو منهم ، فالمسلمون لا يعرفون الرحمة ، ولهذا كان يستمتع بمراوغتهم ، وعندما كان يتفادى ضربة من ضرباتهم لم يكن يشعر بسعادة لأنه نجا من هذه الضربة ، وإنما لأنه أتعب أعصاب من يريد قتله .
    وفجأة وقع بصر " داود " على مكان منخفض في سور الحديقة على يمينه ، فسارت في سيقانه قوة من حيث لا يدري ، وجرت دماء جديدة في عروقه ، وانطلق كغزال ، وبقفزة واحدة أصبح في الجانب الآخر من الحديقة . لقد كانت هناك مسافة خطوة واحدة بين الحياة والموت ، كان الموت من خلفه ، وأمامه فضاء الحياة الواسع ، والأشجار تغطي المكان بأكمله وإلى مدى بصره ، بينما كانت الأرض صخرية مرتفعة في مكان ومنخفضة في آخر ، والأحجار والصخور متناثرة هنا وهناك، واختبأ " داود " خلف صخرة من هذه الصخور .
    وفي لحظات وصل أولئلك الذين يطاردونه إلى حيث هو ، وبدأوا يبحثون بين الأشجار وخلف الصخور والأحجار ، إلى أن جاء عربي منهم ووقف فوق الصخرة التي يختبئ خلفها " داود " . كان قلب " داود " يخفق بشدة ، فلقد شعر بأنه على وشك أن يضيع ، مجرد أن ينظر عربي إلى أسفل وتنتهي حياته ، حياته كلها متوقفة الآن على الصدفة ، الصدفة فقط . كتم " داود " أنفاسه ، تجمد تماماً . إن أمر حياته متوقف على مجرد نظرة . كم تتلاشى المسافات بين الموت والحياة .
    لكن من أين لهؤلاء العرب بمتسع من الوقت حتى ينظروا على مهل إلى أسفل الصخور ، لقد كانوا في عجلة من أمرهم للإمساك بالقاتل ، وانزاح البلاء من فوق رأس " داود " ، فقد أخذ المطاردون يلتفتون هنا وهناك متفحصين المكان ، ثم تقدموا إلى الأمام .
    وحل الظلام ، وظهرت النجوم في السماء ، وخرج معها " داود " هو الآخر من خلف الصخرة ، لكنه لاحظ أن الصخب والضجيج لا يزال يعم المكان ، ولا تزال جماعة من الأعداء حاملة المشاعل يفتشون بين الأشجار ، ويفحصون كل شبر من الأرض ، ولا يبدو أمامه أي طريق للهرب . وقف " داود " بجانب إحدى الأشجار يفكر كيف ينقذ روحه ، لم يهتم بنفسه ، فلقد ذاق مرّ الحياة وحلوها ، لكنه إنما يتمنى أن يعيش ليرى المصير الذي ستؤول إليه المعركة .
    وعندما انقضى جزء كبير من الليل ، ولم تتراجع رغبة الأعداء في الانتقام قيد أنملة ، توكل " داود " على الله وخرج من بين العشاب بخطوات حذرة مستتراً خلف الأشجار متفادياً أنظار المطاردين حتى ابتعد عنهم قليلاً . كان " داود " يود أن يخرج من بين الأعشاب ويدخل إلى مناطق مأهولة ، فالمناطق الخربة لا تخفي أحداً ، وزحام الناس في حد ذاته ستار يواريه .
    ولم يقابل " داود " في طريقه إلى مسافة بعيدة ما يوقف سيره ، فقد حفظته أشجار الغابات وحمته ، لكنه عندما عبر هذه المنطقة المتعرجة ، ووصل إلى الأرض المستوية لمحه عربي ، فصرخ :
    · هرب " داود " ، هرب القاتل .
    وما أن ارتفع هذا الصوت في الفضاء حتى اندفع العرب خلفه في لحظة ، وبدأت المطاردة . لم يكن هناك ولمسافة بعيدة أي أثر لأية مناطق مأهولة ، فقط كان هناك ضوء مصباح خافت يبدو من مسافة بعيدة . أراد " داود " أن يصل إلى هذا الضوء بأية طريقة ، فأخذ يجري بكل قوته صوب المصباح المشتعل وكأنه سيجد الأمان بمجرد وصوله إليه . كان الأمل هو الذي يحمله ويطير به ، وتخلفت فرقة المطاردين العرب وتوارت أضواء مشاعلهم . كانت النجوم فقط هي التي تصاحبه في جريه ، وفي النهاية وجد نفسه أمام مصباح الأمل هذا ، كان عبارة عن كوخ من القش صغير ، يجلس أمامه شيخ عربي وقد وضع المصحف أمامه واستغرق في التلاوة على ضوء هذا المصباح الخافت . لم يستطع " داود " أن يتقدم صوبه ، خذلته همته فخرّ فاقداً وعيه حيث هو . إن الشعور بتعب السفر لا يكون إلا بعد الوصول إلى البيت فعلاً . نهض العربي وسأله :
    · من أنت ؟.
    · مسيحي فقير حلت به مصيبة ، ولن ينقذني إلا أن تجيرني .
    · يجيرك الله الكريم ، مالمصيبة التي حلت بك ؟.
    · أخشى إن أخبرتك أن تصبح أنت أيضاً متعطشاً لدمائي .
    · طالما استجرت بي فلا تخف ، نحن المسلمين إن أجرنا أحداً حميناه طيلة العمر .
    · قتلت شاباً مسلماً .
    احمرّ وجه العربي من الغضب وقال :
    · وما اسمه ؟.
    · اسمه جمال .
    أمسك العربي برأسه بين يديه وجلس حيث هو ، واحمرت عيناه ، وانتفخت أوداجه ، وبدت على وجهه علامات الانتقام ، واتسعت فتحات أنفه ، وبدا وكأنه يجاهد نفسه ليتحكم فيها ، ويحاول بكل ما أوتي من إرادة ليكتم مشاعره ، وظل على هذا الحال جالساً مصوباً نظره إلى الأرض لعدة دقائق ، وفي النهاية انطلقت هذه الكلمات من حلقه شبه المسدود :
    · كلا ، كلا ، لا بد من حماية من يستجير ، آه أيها الظالم ، أتعرف من أكون ؟! أنا والد ذلك الشاب التعس الذي قتلته اليوم بسيفك ! . أتعرف مدى الظلم الذي أوقعته بي ؟. لقد محوت كل أثر لعائلتي ، أطفأت مصباح حياتي . آه ، كان جمال ولدي الوحيد ، كل أملي ونور عيني ، وسند حياتي ، والروح في جسدي الهزيل ، وعصاي التي أتوكأ عليها . لقد عدت لتوي بعد أن ثويته في أحضان القبر ... آه ، إن أسدي اليوم يرقد تحت التراب ، الشجاع المخلص ، الشاب الرائع الذي لا مثيل له بين قومي . أيها الظالم ، كيف هان عليك ضربه بالسيف . ألم يهتز قلبك المتحجر ولو للحظة ، أتعرف كم أشعر بغضب منك ؟. يود قلبي لو أطبقت بيدي هاتين على عنقك فلا أتركه حتى يتدلى لسانك من حلقك ، وتسقط عيناك من محاجرها كحصاتين ، ولكن لا ، فلقد استجرت بي ، والفرض يقيد يدي ، لأن رسولنا علمنا أن لا نرفع أيدينا على من أجرناه ، ولا أريد أن أخالف أمر النبي فأخسر آخرتي مع دنياي ، فلقد أفسدت أنت دنياي ، فهل أفسد أنا ديني بيدي . كلا ، صحيح أن ضبط النفس صعب ، لكني سأفعل حتى لا يعتريني الخجل أمام النبي . هيا ، هيا إلى بيتي ، فها هم الذين يطاردونك قد وصلوا ، ولئن رأوك فلن تنقذ كل توسلاتي روحك من يدهم ، إنك لا تعرف أن العرب لا يغفرون الدم أبداً .
    ثم أمسك العربي بيد " داود " واصطحبه إلى بيته حيث خبأه في إحدى الحجرات ، وما أن خرج من البيت حتى كانت جماعة من العرب قد وصلت أمام الباب ، فسأله أحدهم :
    · يا شيخ حسن ، ألم تر شخصاً يمرّ هارباً من هنا ؟.
    · نعم رأيته .
    · ولماذا لم تمسك به ؟. إنه قاتل " جمال " .
    · أعرف ذلك ، ولكني تركته .
    · سبحان الله ، ما هذا الذي فعلت ؟!. سوف يمسك " جمال " بتلابيبنا يوم الحشر ، فبماذا نجبه ؟.
    · قولوا له إن أباك قد عفا عن قاتلك .
    · وهل يعفو عربي عن قاتل أبداً !.
    · هذا شأنكم ، فلماذا أحمل أنا وزره .
    لم يطل العرب في مجادلة الشيخ حسن ، وواصلوا بحثهم عن القاتل ، أما الشيخ حسن فقد جلس على حصير وأخذ يقرأ القرآن ، لكنه لم يرغب في مواصلة القراءة ، فإن الرغبة في الثأر من العدو من مكونات الفطرة العربية ، والقتل جزاؤه القتل حتى ولو سالت أنهار من الدماء في سبيله ، ولقد فنيت قبائل عن آخرها ، وخربت مدائن بكاملها من جراء هذا . كان يبدو أن التغلب على رغبة الانتقام هذه ليس في مقدور الشيخ حسن ، وكانت صورة ولده الحبيب تتمثّل له أمام عينيه مرات ومرات ، وفي كل مرة تثور في قلبه رغبة جامحة في أن يطفئ نار غضبه بدماء " داود " ، فالعرب شجعان ، والقتل أو الموت ليس أمراً غير مألوف لهم ، يذرفون على الميت عدة قطرات من الدموع ثم ينفضون إلى مشاغل حياتهم ، ولا تتجدد ذكرى الموت إلا عندما يكون عليهم الثأر له . وفي النهاية نهض الشيخ حسن منتفضاً ، كان يخشى ألا يستطيع التحكم في نفسه ، فسحب سيفه من غمده ، وأقبل بخطى حذرة حتى وقف على باب الحجرة التي أخفى فيها " داود " ، ثم أخفى السيف في ثيابه ، وفتح الباب بهدوء . كان " داود " إذ ذاك يزرع الحجرة جيئة وذهاباً ، فلما رأى وجه الشيخ العربي الغاضب فهم ما يريد ، فأشفق عليه ، وقال لنفسه :
    · إن الذنب ليس ذنب الدين ، ولا ذنب هؤلاء ، فلو قتل أحد ولدي ربما تعطشت أنا أيضاً لدمائه ، إنها فطرة بشرية .
    قال الشيخ العربي :
    · أتعرف يا " داود " كم يكون الحزن على موت الابن ؟.
    · رغم أنني لم أجربه ، لكني أستطيع أن أتخيله ، ولو كانت روحي ستخفف جزءا من أحزانك فإن هذه رأسي أمامك أقدمها إليك عن طيب خاطر . هل سمعت باسم " داود " من قبل ؟.
    · ماذا ؟!. ابن " بيتر " ؟!!.
    · نعم ، أنا ذلك التعس " داود " ، أنا لست قاتل ولدك فقط ، بل أنا عدو الإسلام ، ولئن قتلتني فلن تثأر لولدك فقط ، وإنما ستقدم خدمة جليلة لشعبك ودينك .
    ظل الشيخ حسن واقفاً في صمت للحظات ثم قال :
    · يا " داود " ، لقد عفوت عنك . أعرف أن المسيحيين أصابهم أذى كثيراً على يد المسلمين ، وأوقع بهم المسلمون مظالم كبيرة ، وسلبوهم حريتهم ، ولكن هذا ليس ذنب الإسلام ، وإنما هو ذنب المسلمين ، لقد طارت نشوة الانتصار بصوابهم ، ولم يأمرنا نبينا الكريم بما نفعله في أيامنا هذه . لقد كان هو نفسه ( صلى الله عليه وسلم ) تجسيداً رائعاً للعفو والمغفرة ، ولن أسيئ إلى الإسلام أبداً . خذ ناقتي ، وتسلل تحت جنح الظلام واهرب إلى حيث تستطيع ، ولا تنتظر هنا لحظة واحدة ، فلئن اشتم العرب رائحتك هنا فلن يتركوك . اذهب وعد إلى بيتك بسلامة الله ورعايته ، وادع الله للشيخ حسن العجوز وابنه جمال .
    ووصل " داود " إلى بيته بخير وعافية ، لكنه لم يعد هو " داود " الأول الذي كان يتمنى من كل قلبه القضاء على الإسلام ، وتغيرت أفكاره ، وأصبح يقدر المسلمين ويذكر الإسلام بكل احترام وتبجيل .


    د . إبراهيم محمد إبراهيم


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/10/2007
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    واضح الإتجاه في القصة يا أستاذي ولدي تعليقات كثيرة سوف أعرضها لك يالتفصيل في مشاركات اخرى.:student:

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي عمق مأساة الإنسان في التذكر ام النسيان؟!

  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/10/2007
    المشاركات
    8
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    واضح الإتجاه في القصة يا أستاذي ولدي تعليقات كثيرة سوف أعرضها لك يالتفصيل في مشاركات اخرى.:student:

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي عمق مأساة الإنسان في التذكر ام النسيان؟!

  4. #4
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    وأنا تسعدني كل تعليقاتك يا أخي الدكتور أحمد لاشين وفي انتظارها


  5. #5
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/07/2007
    المشاركات
    44
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    حضرة الدكتور ابراهيم المحترم
    تحيتاتي
    قصة ذات موضوع يكشف عن عدم تطور في فن القص ، وكان بودي ان نتعرف على ادب هذه الجهة من العالم، لنكتشف اهم مميزاته، وانشغالاته المعاصرة ، ومدى استجابته لتحديات الثقافة المعاصرة، والسؤال المهم ، هل هنالك ادب أردي معاصر؟وماهو هذا لأدب، انتم الأكاديميون التدريسيون على وجه الخصوص تميلون الى التراث المؤسس للثقافات، وهذا امر عظيم ، ولكننا نبحث عن ماهو معاصر ومؤثر في الوقت نفسه وهذه مهمتكم ، من اجل تلاقح الثقافات ودراسة التأثير والتأثر.
    جهدكم هذا رائع ، ولكن طمعنا هو مايملي علينا الرغبة لمعرفة المزيد من اساتذة لهم باع طويل في تخصصهم من امثالكم ،
    ودمت رائعا.


  6. #6
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأستاذ الكريم كامل عويد العامري
    أشكركم على اهتمامكم ، وهناك بالتأكيد أدب أردي معاصر ( شعر ونثر ) ، فالأدب الأردي أدب متطور وله إسهامات مرموقة في الثقافة عموماً ، وربما تكمن المشكلة في ندرة المتخصصين فيه من العرب ، فهم يعدون على الأصابع ، ومع ذلك أعدك أن أقدم شيئاً من الأدب الأردي المعاصر .


  7. #7
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/07/2007
    المشاركات
    44
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    احضرة الدكتور ابراهيم محمد ابراهيم المحترم
    شكرا لهذا الأهتمام بالأدب والثقافة الأردية ونحن نتطلع طمعا بعلمكم ان تمدونا منه
    فالقاريء العربي لم يطلع بما فيه الكفاية على ثقافة هذه الجهة من العالم
    انني مستعد لنشر مايردني منكم في مجلة ( الثقافة الأجنبية ) التي تصدر في العراق
    وعنواني :
    kamel_amiri@yahoo.com

    تحياتي لجهدك الرائع

    كامل عويد العامري


  8. #8
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    أشكر لكم أستاذ كامل عويد العامري هذه المبادرة وهذا العرض الطيب وبالطبع يسعدني أن تتكرموا بالنشر لي في مجلة الثقافة الأجنبية العراقية الموقرة ، وسأرسل لحضرتكم إن شاء الله .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •