الرحلة
في أدب " ع . س . مسلم "

" أبو الامتياز ع . س . مسلم " واحد من كبـار شعـراء الأردية الباكستانيين المخضرمين ، ولقبه " أبو الامتياز " . ولد في الثامن من أبريل عام 1822م بقرية من قرى مدينة " جالندهر : الهند حالياً " في أسرة متدينة تعمل بالتجارة ، ولها اهتمامات أدبية وسياسية . حصل " ع . س . مسلم " على الثانوية العامة عام 1942م ، ثم انقطع عن مواصلة تعليمه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي واجهتها أسرته في ذلك الوقت ، وبالتالي كان عليه أن يدخل إلى ميدان العمل ، وذلك في فترة كانت تشهد تطورات متلاحقة على الساحة السياسية عالمياً ومحلياً ، حيث كانت رحى الحرب العالمية الثانية دائرة ، وكانت المطالبة بإنشاء وطن مستقل للمسلمين في شبه القارة الهندية " باكستان " على أشدّها .
ولما حدث تقسيم شبه القارة الهندية إلى " باكستان والهند " عام 1947م تفرقت أسرة " ع . س . مسلم " بين البلدين ، إلى أن استقر به المقام في مدينة " كراتشي " الباكستانية ، ثم أخذ يبحث عن باقي أفراد أسرته الذين بقي بعضهم في مدينة " جالندهر " ، والبعض الآخر في مدينة " بنارس " . وهكذا عاش " ع . س . مسلم " وقتاً عصيباً بلا عمل أو دخل ينفق منه ، إلى أن استطاع بعد تقلب في أعمال مختلفة أن يلتحق بوظيفة في شركة نرويجية بمدينة " كراتشي " تعمل في مجال استيراد الورق .
وبدأت حالة " ع . س . مسلم " المادية تنتعش شيئاً فشيئاً ، إلى أن أصبح في وقتنا الحاضر من كبار رجال الأعمال في باكستان ، وامتدت شركاته إلى خارج بلاده ، حتى أصبح مقرها الرئيسي الآن في مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة ، كما أنشأ العديد من المشروعات الخيرية في طول باكستان وعرضها ، مثل المستشفيات ودور الأيتام والأرامل وغيرها ، وتزوج " ع . س . مسلم " عام 1950م ، وأنجب ولدين وبنتين ( ) . وفي عام 1956م قرر " ع . س . مسلم " مواصلة تعليمـه ، إلى أن حصـل على الليسانس في علـم الاجتمـاع من جامعـة " كراتشي " عام 1960م .
هذا وقد كتب " ع . س . مسلم " في ميادين الأدب المختلفة ، وخاصة ميدان الشعر الذي كان أكثر ما كتبه فيه في المديح النبوي ، ومع ذلك فقد كتب في الأصناف الشعرية الأخرى كالغزل والنظم ، وفي النثر قصصاً قصيرة ومقالات صحفية وغيرها ، هذا بالإضافة إلى رحلاته وأسفاره في بلاد العالم . وفيما يلي ذكر لبعض مؤلفاته :
1 – ايكـ تهنى كـ بهول : ورود غصن واحد – مجموعة قصصية – 1956م .
2 – اوس اور كرنين : الأشعة والندى – غزليات ومنظومات وأغاني – 1962م
3 – حمد ونعت : مجموعة شعرية في حمد الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم – 1984م .
4 – كاروان حرم : قافلة الحرم – رحلة حجازية منظومة – 1987م .
5 – الله ورسول – مجموعة شعرية في حمد الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وأغراض شعرية أخرى – 1993م .
6 – كعبه وطيبه – مجموعة شعرية في حمد الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وأغراض شعرية أخرى – 1993م .
7 – زمزمهء سلام – مجموعة شعرية في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم – 1993م .
8 – زمزمهء درود – مجموعة شعرية في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم – 1993م .
9 – بركـ تر : أوراق نديّة – منظومات وأغاني ودوهات – 1995م .
كما ألّف " ع . س . مسلم " سلسلة للأطفال شعراً تضم عشرة كتب صغيرة في موضوعات دينية ووطنية ، نذكر منها :
1 – همارا دين : ديننا . 2 – هماري تعليم : تعليمنا . 3 – هماري هدايت : هدايتنا . 4 – هماري ملت : ملتنا . 5 – همارا باكستان : بلدنا باكستان . 6 – هم باكستاني بجــ : نحن أطفال باكستان . 7 – هماري سائنس : علمنا . 8 – هماريـ كيت : أغانينا .
زار " ع . س . مسلم " بحكم عمله أحياناً ، وبغرض السياحة أحياناً أخرى معظم دول العالم شرقه وغربه ، فزار مصر و إيران و العراق و لبنان و تركيا و سوريا و الأردن و الإمارات و قطر و الكويت و إنجلترا و فنلندا و السويد و النرويج و فرنسا و الدنمارك و ألمانيا و النمسا و بلجيكا و لكسمبورج و هولندا و سويسرا وغيرها .
وقد دوّن " ع . س . مسلم " رحلاته التي قام بها في أربعة كتب هي :
1 – " كاروان حرم : قافلة الحرم " : نظم فيها رحلته إلى الأراضي الحجازية .
2 – سفر نامه محبوبيه " : رحلة كتبها نثراً دوّن فيها بعض أسفاره إلى دول العالم ، وخاصة الأراضي الحجازية ودول الشرق الأوسط ، وطبعت عام 2004م .
3 – " سفر اندر سفر : سفر في سفر " : ودوّن فيها أسفاره إلى دول أوروبا الغربية وجنوب آسيا ، وطبعت عام 2004م .
4 – " كشــور كســرى تا سونار ديس : من أرض كسرى إلى بلاد الذهب " : ودوّن فيه رحلته إلى إيران وبنجلاديش ، وطبعت عام 2000م .
وسوف نتحدث في بحثنا هذا تفصيلاً عن هذه الرحلات وأهميتها على الساحة الأدبية .
سفر نامه محبوبيه :
وتحدث فيها عن رحلته إلى تركيا عام 1961م ، وكانت هذه أولى زياراته لها . وكان سعيداً بها غاية السعادة ، فما أن وطئت قدماه أرض مطار مدينـة " استنبول " حتى اجتاحه شعور من السعادة بوصوله إلى أرض " تركيا " ، وطن " نور الدين زنكي " و " صلاح الدين الأيوبي " ، أرض أسرار ومعارف " مولانا جلال الدين الرومي " المرشد الروحي لحكيم الأمة " العلامة إقبال " ، أرض " شمس تبريزي " ، وأرض " التين والزيتون " . ثم بـدأ حديثـه عن مدينة " استنبول " ، هذه المدينـة التاريخيـة التي كانت تسمى " القسطنطينية " في القديم ، وأورد أشعاراً للعلامة " إقبال " قالهـا عن " القسطنطينية " ، ثم عبّر عن ما يحملـه بداخلـه لمدينة " استنبول " ، فأكـد أن " تركيا " ظلت لقرون عدة مركزاً للخلافة الإسلامية ، ومهداً لحضارتها ومدنيتها ، ومحوراً لأماني وآمال العالم الإسلامي بعد سقوط " غرناطة " ، وأن " تركيا " كانت نبض مسلمي شبه القارة الهندو باكستانية على وجه الخصوص . ثم يستعيد " ع . س . مسلم " ذكريات طفولته حين كانت والدته تهدهده عند نومه بأغنية يقول مطلعها :
آه أيها المجاهد مصطفىكمال باشا .
فليبعد الله عنك كل بلاء .
وقد عبر " ع . س . مسلم " عن مدى حبه الشديد لتركيا ، وكيف كانت صور رموز تركيا في أوائل القرن العشرين مثل " مصطفى كمال " و " أنور باشا " و " عصمت أنونو " وغيرهم تثير الحمية والحماس في قلوب مسلمي شبه القارة الهندو باكستانية ضد الاستعمار بأنواعه ، فخلق ذلك في نفسه حباً لتركيا منذ طفولته لم يتغير إلى الآن ، رغم أنه عرف بعد أن شب عن الطـوق أن " كمال أتاتورك " أتى بتصرفات لم يكن يدرك مخاطرها حينذاك ، مثل " إلغاء الخلافة " و " فرض العلمانية " في البلاد ، و " تغيير الخط العربي " الذي كانت تكتب به اللغة التركية إلى الحروف اللاتينية وغيرها ، وربما كان هذا الحب الذي يكنـه " ع . س . مسلم " لتركيا هو الذي جعله يختار عنوان الجزء الخاص برحلته هذه " مثلاً " باللغة الفارسية ، يستخدمه أهل اللغة الأردية بلفظه وهو " زبان يار من تركي ، ومن تركي نمي دانم : لغة حبيبي التركية ، وأنا لا أعرف التركية " ، وقد اكتفى " ع . س . مسلم " في العنوان بجزء من هذا المثل وهو " زبان يار من : لغة حبيبي " . وظل " ع . س . مسلم " يدلل على حب مسلمي شبه القارة الهندو باكستانية لتركيا ببعض الأحداث التاريخية التي وقعت في بداية القرن العشرين ، وذلك كله بأسلوب به مسحة من الخطابة ، وهو أثر لنشأته وتربيته وثقافته .
لقد كان " ع . س . مسلم " في حديثه عن تركيا مدفوعاً بعاطفته تجاه هذا البلد الذي أطلق عليه وطنه الثاني ، ووصف أهله بأنهم " أصحاب دماء حامية " مثلما وصف أهل مصر فيما بعد بأنهـم " أهل ابتسامة " .
وكثيراً ما غلبت ميول " ع . س . مسلم " التجارية عليه ، فانعكست بشكل تلقائي في تعليقاته ، وفي التفاصيل التي يذكرها ، فوجدناه يحرص على الحديث عن " سعر الدولار بالليرة التركية " حين زارها ، ويذكر أن الدولار الواحد يساوي أحد عشر ليرة بالسعر الحكومي في ذلك الوقت ، بينما قيمته في السوق السوداء ثمان عشرة ليرة .وأن سعره الآن – وقت تدوين الرحلة في صورة كتاب عام 2003م - أكثر من مليون ونصف ليرة .
ثم ما لبث " ع . س . مسلم " أن صب جام غضبه على " كمال أتاتورك " والحكومات التركية المتعاقبـة التي حرصـت على التخلـص من كل ما هو إسلامي ، واللجوء إلى الغرب الذي لا يزال هو الآخر يرفض قبول " تركيا " ضمن الاتحاد الأوروبي ، برغم تضحيات الحكومات التركية بكل غال وثمين من تراثها وحضارتها الإسلامية التي لو اهتمت بها حق الاهتمـام لوصلت بها إلى الثريـا . وقد زار " ع . س . مسلم " في استنبـول " مسجد سليمانية " ، و " ضريح أبي أيوب الأنصـاري " و " قصر توبكابي " و " ضريح بلال " .
وكانت الرحلة التالية في كتاب " سفر نامه محبوبية " لـ " سوريا " ، وكانت لعدة ساعات ، زار خلالها بعض المعالم التاريخية في " دمشق " العاصمة ، وخاصة " المسجد الأموي " الذي استفاض المؤلف في الحديث عنه تارخياً ، وأورد أشعـاراً تشـير إلى الأحـداث التاريخية التي وقعت آنذذاك ، مثل " حادثة كربلاء " ، و " استشهاد الإمام الحسين " عليه السلام .
وكانت الزيارة التالية لـ " لبنان " ، وبنفس الطريقة تحدث المؤلف عنها تاريخياً ، وخاصة مدينة " بعلبك " ، ثم ذكر بعض الأكلات والأطعمة التي تذوقها هنا ، وظل يحرص على تناولها فيما بعد كلما أتيحت له الفرصة ، مثل " حمص الشام " .
ثم كانت زيارته لـ " القاهرة " ، وكانت لعدة ساعات هي الأخرى ، وبدأها بوصف مصر جغرافياً ، وإبراز أهمية موقعها هذا بين ثلاث قارات ، وأكد أنه لا يمكن لمن يسافر إلى أي مكان في العالم أن لا يتمنى زيارة مصر . ثم استفاض " ع . س . مسلم " كثيراً في الحديث عن قصة " يوسف " عليه السلام ، و " فرعون موسى " ، مستعيناً في ذلك بأشعار بنجابية كثيرة ، وبعض الأشعار الفارسية ، هذا بالإضافة إلى استشهاده بآيات القرآن الكريم ، وهو ما جعـل الرحلة في بعض الأحيان تبدو تأليفاً ، وليس تسجيلاً لمشاهدات على أرض الواقع . ومع ذكر فقـد ذكـر " ع . س . مسلم " أنه زار " المتحف القومي " ، وشاهد " المومياوات " ، كما ذكر أن هناك آثاراً مصرية فرعونية كثيرة سرقها الإنجليز من مصر واستولوا عليها ، وهي موجودة في قاعات عرض خاصة بها في " المتحف البريطاني " بالعاصمة الإنجليزية " لندن " ، وهي من الكثرة والجمال بحيث تحتاج إلى وقت كبير لمشاهدتها ، والتأمل في عظمتها .
كما زار " ع . س . مسلم " و " أهرامات الجيزة "،و " أبا الهول "،و" نهر النيل " ، واستفاض في الحديث عنهما تاريخياً وحضارياً ، وحاول ربطهما بما ورد في القرآن الكريم عن " مصر " . ثم تحدث المؤلف عن " تاريخ مصر الحديث " ، وعن " ثورة 23 يوليو 1952م " ، وعن " محمد نجيب " و " جمال عبد الناصر " و " القومية العربية " و " الاتحاد بين مصر وسوريا " و " الصدام بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين " ، وما لحظه من خوف المصريين إذ ذاك من الحديث في السياسة ، وقارنه بما حدث في " باكستان " أيام " ذو الفقار علي بوتو " ، كما زار المؤلف " مسجد الأزهر وجامعتـه " ، و " مسجد عمر بن العاص " ، وأشار إلى الحال السيئ التي كان عليها هذا المسجد إذ ذاك .
وكانت المحطة التالية في هذه الرحلة هي " الأردن " ، حيث زار منطقة " أصحاب الكهف " و " مرقد النبي شعيب " ، وتحدث عنهما من الناحية التاريخية . ثم زار " ع . س . مسلم " الإمارات العربية المتحدة ، وتحدث عن إماراتها المختلفة ، ولقائه فيها بالعديد من الشخصيات المعروفة مثل " الشيخ أحمد ديدات " وغيره . وفي نهاية الكتاب تحدث " ع . س . مسلم " عن زيارتـه لـ " الأراضـــي الحجــازية " ، وعن " مكــة المكرمــة " و " المدينة المنورة " ، و " المسجد النبوي " ، وغيره من الأماكن المقدسة . وقد أحاطت هذه الرحلة بما يزيد على ثلث الكتاب .
كشور كسرى تا سونار ديس :
في هذا الكتاب تحدث " ع . س . مسلم " عن مجموعة من البلاد التي زارها ، وقسم الكتاب إلى قسمين ، في كل قسم رحلة رئيسية إلى دولة ما ، زار في إطارها مجموعة أخرى من الدول زيارة عابرة ، وخاصة في القسم الأول الذي كانت الرحلة الرئيسية فيه إلى " إيران " ، وكانت رحلته هذه إلى " إيران " عام 1953م ، هي الأولى له خارج بلاده ، ودوّنها عام 1999م ، وأحاطت هذه الرحلة بنصف الكتاب تقريباً ، ولم تكن بقصد السياحة ، وإنما القيام بمهمة تجارية كلفته بها الشركة النرويجية التي كان يعمل بها ، وزار خلالها مدناً إيرانية عديدة . وقد تحدث " ع . س . مسلم " بإفاضة عن " الأحوال السياسية " لإيران إذ ذاك ، وربط بينها بين الأحوال السياسية في بلده باكستان ، وخاصة " سياسة التأميم " ، و " الكبت السياسي " في تلك الفترة ، وقد حرص " ع . س . مسلم " في رحلته هذه على اقتناء نسخاً فاخرة من " كلستان سعدي " و " بوستان سعدي " و " رباعيات الخيام " المترجمة إلى اللغة الأردية والعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية ، ويذكر المؤلف أنها كانت رخيصة للغاية ، ولم تكلفه سوى عدة مئات من الروبيات الباكستانية . ثم زار " ع . س . مسلم " " العراق " ، وخـاصة مدن " الكــوفـة " و " بغـــداد " و " كـربــلاء " و " البصرة " ، وتحدث عن المزارات المقدسة فيها حديثاً تاريخياً يفيض بالمعلومات الموثقة ، والاستشهادات العديدة من القرآن الكريم والشعر الفارسي والأردي ، ودعّم كل هذا بالصور الفوتوغرافية له أمام المزارات والأماكن التاريخية ، ومع الشخصيات الهامة والبارزة في عصرها . ولم ينس " ع . س . مسلم " أن يتطرق إلى الحديث عن الظروف السياسية للبلاد العربية إذ ذاك ، والصراع العربي الإسرائيلي ، وملوك العراق وحكامه ، والتقلبات السياسية في الدول العربية ، ويربط كل هذا بما يحدث في بلاده باكستان . ومن العراق اتجه " ع . س . مسلم " إلى الكويت التي قال عنها أنها كانت في ذلك الوقت مثل الريف المتطور بعض الشيء ، وقال إن السور الذي كان يحيط بالمطار الكويتي حينذاك كان عبارة عن براميل بترول رصّت بجانب بعضها البعض ، لكنه يذكر أيضاً أنه وجد الكويت قد تغيرت تماماً حين زارها للمرة الثانية عام 1975م .
أما القسم الثاني من الكتاب فكان عن رحلته إلى " بنجلاديش " في الثالث عشـر من شهر نوفمبر عام 1997م ، وكانت بقصد المشاركة في المؤتمر الأسيوي الثالث عشر للمعاقين ذهنياً ، وللمؤلف في هذا الخصوص تجربة شخصية ، وهي أن ابنه الأكبر " نياز " مصاب بهذه الحالة ، وقد أثر ذلك فيه كثيراً ، فأخذ على عاتقة خدمة المعاقين ذهنياً في بلاده ، وأنشأ جمعية باسم " جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة : Society For Children In Need Of Special Attention " ، والمعروفة اختصاراً باسم : "SCINOSA " ، وأنشأ داراً لتربية وتعليم هؤلاء الأطفال في باكستان تعتبر هي الأولى من نوعها في هذا الميدان .
وقد اختلفت مشاعر " ع . س . مسلم " في سفره هذا إلى " بنجلاديش " عنها في أي سفر آخر إلى دولة أخرى ، إذ أن " بنجلاديش " كانت حتى عام 1971م جزءاً من باكستان ، وكانت تسمى " باكستان الشرقية " ، ثم انفصلت عن " باكستان الغربية " بعد تآمر وتدخل من " الهند " إثر أزمة سياسية داخلية في باكستان . ولهذا اختار " ع . س . مسلم " عنواناً لرحلته هذه هو " أول رحلاتي إلى باكستان الشرقية السابقة : مشرقي باكستان مرحوم كا بهلا سفر " ، ولا يزال أهل باكستان إلى اليوم يطلقون على بنجلاديش " المرحومة باكستان السابقة " ، ولهذا فاضت مشاعر " ع . س . مسلم " بالحسرة والحزن ، جعلته يتجنب استخدام لفظ " بنجلاديش " لأنه ينكأ جراحه ، ويثير أشجان الماضي ، ولهذا جاءت هذه الرحلة خالية من مشاهدات " ع . س . مسلم " كسائح ، واقتصرت على الحديث عن وقائع المؤتمر الذي كان هدف الزيارة ، ثم الحديث عن الحال السيئة التي آلت إليها اللغة الأردية في " ينجلاديش " ، وتقصير الحكومة الباكستانية في مدّ يد العون لأقسام اللغة الأردية في الجامعات البنغالية .
سفر اندر سفر :
وهو الكتاب الذي دوّن فيه " ع . س . مسلم " رحلاته المتعددة إلى بلاد أوروبا ، والتي زار فيها " النرويج " و " فنلندا " و " فرنسا " و " إيطاليا " و " النمسا " و " سويسرا " في أوقات مختلفة ، ومع ذلك فقد ضمّن " ع . س . مسلم " كتابه هذا رحلة أخرى إلى بلد غير أوروبي هو " سريلانكا " في زياراته المتعددة لها ما بين عامي 1979م و 1983م .
ويبدو " ع . س . مسلم " في رحلاته إلى أوروبا سائحاً محباً للسفر والترحال ، وحريصاً على مشاهدة مظاهر الجمال فيما يزور من البلاد ، والاستمتاع به ، رغم أن أسفاره إلى أوروبا هي الأخرى كانت في معظمها بغرض تجاري أو رسمي ، لكنك تشعر معه أنك في بلد أجنبي ، بينما لا تشعر بنفس الشعور في رحلاته إلى البلاد العربية والإسلامية ، إذ يتحدث عنها كأنه في جزء من وطن كبير هو " الوطن الإسلامي " . ومع ذلك لم تختلف طريقة " ع . س . مسلم " في تناوله لهذه البلاد الأوروبية عن طريقة تناوله للبلاد العربية والإسلامية ، حيث يستفيض في الحديث عن الدولة تاريخياً وحضارياً ، ويتناول أغراضه التجارية أو الرسمية التي سافر من أجلها ، ثم هو يستحضر بلده باكستان دائماً أمام عينيه ، فكلما رأى أمراً حسناً تمناه لبلده ، وكلما رأى أمراً سيئاً حمد الله على خلو بلده منه ، ثم دعّم مشاهداته بالصور ، ولم ينس الحديث عن المسلمين في أوروبا .
كاروان حرم :
نظم فيه " ع . س . مسلم " رحلته إلى " الأراضي الحجازيــة " عام 1983م في قالب " المثمن " ، ولهذا عرف هذا الديوان باسم آخـر هـو " مثمن مسلـم " على غرار " مسدس حالي " الذي نظمه الشاعر الكبير " ألطاف حسين حالي " في قالب المسدس بعنوان " مدّ وجزر إسلام " ، لكنه عرف باسم " مسدس حالي " ، مع الفارق بينهما من حيث الموضوع والزمن .
والرحلة في " كاروان حرم " ليست رحلة بالأرجل ، بقدر ما هي رحلة بالقلب ، يصف فيها " ع . س . مسلم " مشاعره خلال هذه الزيارة المقدسة ، لكنه لا ينسى الحديث عن حال المسلمين الذي آلوا إليه الآن ، بعد أن كانوا أصحاب تاريخ مجيد ، وحرص المؤلف على توثيق الأحداث التي وردت في رحلته هذه ، وخاصة عند حديثه عن الأماكن والمعالم والأحداث التاريخية المقدسة مثل " ماء زمزم "،وقصة السيدة " هاجر " وسيدنا " إبراهيم " وابنه سيدنا " إسماعيل " عليهم جميعاً السلام و" بناء الكعبة" و " تحويل القبلـة " و " غزوة بدر " و " غزوة أحد " وغيرها . ثم اختتم " ع . س . مسلم " رحلته هذه بالدعاء بالمغفرة له ولوالديه وللمسلمين جميعاً .
وبعد ... من الاستعراض السابق يتضح لنا :
1 - إن رحلات " ع . س . مسلم " تضع نصب عينيها دائماً هدفاً عريضاً هو إبراز الجانب الإسلامي حيث ذهب ، وهو لا يصف الأماكن ويتحدث عن مشاعره تجاهها ، بقدر ما يؤصل لهذه الأماكن تاريخياً وحضارياً .
3 – غزارة المعلومات ووفرتها في رحلات " ع . س . مسلم " الذي بدا وكأنه يترصد الفرص لبث المعلومات في ثنايا الرحلة ، فما أن يأتي اسم مدينة ، أو مكان ، أو علم من الأعلام ، أو حركة من الحركات ، حتى يفيض في الحديث عنها تاريخياً ، ويحاول أن يحيط القارئ علماً بأكبر قدر من المعلومات عن موضوع حديثه ، فجاءت كتابته موسوعية إلى حد كبير ، وهو في كل هذا لا يفارق وطنه باكستان خياله ، فيقارن ما يرى في بلد من البلاد بنظيره في بلاده ، وهذه المقارنة لا تكون في صالح باكستان في الغالب ، ولا يتردد " ع . س . مسلم " في أن يعترف بما يراه في بلده من عيب أو نقص ، ويأمل لو تمّ تلافيه والقضاء عليه .
4 - يعضد " ع . س . مسلم " رحلاته بالصور الفوتوغرافية التي التقطها لنفسه في كل مكان ذهب إليه .
5 - لا ينسى " ع . س . مسلم " في كل مرة توجيه النقد إلى الأوضاع السيئة في بلده " باكستان " ، وحثّ حكوماتها على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها هذا البلد العظيم ، ويضرب لذلك مثالاً بالإهمال الذي تلقاه اللغة الأردية في باكستان ، حتى أنها إلى الآن لم تصبح اللغة الرسمية للدولة ، ويذكر في هذا الخصوص الخطاب الذي أرسله إلى " نواز شريف " حين كان رئيساً للوزراء ، ورجاه فيه أن يثلج صدور الباكستانيين بجعل اللغة الأردية اللغة الرسمية للبلاد ، مثلما أثلج صدورهم من قبل بالتفجيرات النووية التي أجراها في مايو من عام 1998م .
6 - كثيراً ما غلبت ميول " ع . س . مسلم " التجارية عليه ، فانعكست بشكل تلقائي في تعليقاته ، وفي التفاصيل التي يذكرها ، وبعض رحلاته التي قام بها إلى عدد من الدول جاءت نتيجة هذه الميول مثل رحلته التي زار فيها " القاهرة " و " دمشق " وهو في طريقه إلى أوروبا ، حيث يقول : " لقد اشتريت – بناءاً على نصيحة مكتب السفريات – تذاكر السفر إلى أوروبا على خطوط الطيران التي تمرّ ببلاد عدة وتنزل فيها دون زيادة في الأسعار ، ورغم أن زيارتي لمثل هذه البلاد بهذه الطريقة لم تتح لي السياحة فيها بالمعنى المعروف ، لكن ذلك كان في حدّ ذاته فرصة لا تعوض ، إذ أن بعض هذه البلاد لم تتح لي فرصة السفر إليها ثانية مثل سفري إلى " القاهـرة " و " دمشـق " و " بيروت " أيضاً .
7 – استعان " ع . س . مسلم " في رحلاته بأشعار أردية وبنجابية كثيرة ، وبعض الأشعار الفارسية ، هذا بالإضافة إلى استشهاده بآيات القرآن الكريم ، وهو ما جعل الرحلة في بعض الأحيان تبدو تأليفاً ، وليس تسجيلاً لمشاهدات على أرض الواقع .
8 - اهتم " ع . س . مسلم " بزيارة الأماكن التاريخية ، وخاصة الإسلامية منها ، ولم يحدثنا كثيراً معتمداً على مشاهداته هو ، وإنما اعتمد على معلوماته وقراءاته التاريخية والدينية .
9 - سجل " ع . س . مسلم " رحلاته هذه بعض أن قام بهـا بما يقرب من نصف قرن ، وهو في الثمانين من عمره ، وهذا يعني اعتماده بالدرجة الأولى على ما بقي منها عالقاً بذاكرته التي لا نستطيع أن نجزم أنها لم تخنه في بعض الأحيان ، أو سقطت منها مشاهد كثيرة ، رغم قوة ذاكرته التي يغبط عليها .
10 – وبالتالي كان من عيوب رحلات " ع . س . مسلم " أنه لم يدوّنها عند القيام بها ، أو حتى بعد وقت قصير من إتمامها ، وإنما بدأ تدوينها بعد ما يقرب من نصف قرن من القيام بها كما سبق أن ذكرنا ، ومع ذلك فقد كان لذلك بعض الجوانب الإيجابية ، منها أن كتابتها بعد هذه الفترة ، وفي هذا العمر الذي بلغ فيه قمة نضجه الفكري ، مكنته من صياغتها في ضوء المتغيرات التي حدثت فيما بعد على الساحة المحلية والدولية ، بما يتوافق مع وجهة نظره السياسية والدينية والاجتماعية ، فظهر كـ " شاهد على العصر " ، يحلل ما شاهده بنفسه ، ويدلي فيه بدلوه ، ويبدي فيه رأيه ، مفسراً إياه في ضوء مشاهداته التالية ، ومع ذلك فقد بدت الرحلة في بعض الأحيان كمجموعة من القضايا يناقشها المؤلف ، وهو ما أفقدها في بعض الأحيان أيضاً جاذبية الرحلات والأسفار التي تخلق لدى القارئ نوعاً من التشوق لمعرفة الكثير عن واقع البلاد التي يقرأ عنها ، وكذلك عن شعوبها .
11 - تميزت رحلات " ع . س . مسلم " بأسلوبها الأدبي الرفيع ، وبغزارة المعلومات فيها ، ووفرة الاستشهادات الأدبية – شعراً ونثراً – والدينية من القرآن والسنة وكتب التفسير والحديث وغيرها .
12 - حرص " ع . س . مسلم " على أن يبدأ رحلاته هذه ببعض أشعار في حمد الله تعالى ومدح نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو تقليد حرص عليه " ع . س . مسلم " في معظم كتبه ومؤلفاته .
13 - تبنى " ع . س . مسلم " في رحلاته أسلوباً استطرادياً ، بمعنى أنه لا يترك حدثاً دون أن يستطرد إلى أصله وحقيقته وتفاصيله ، ثم هو لا يترك شيئاً دون أن يبدي رأيه فيه ، وهو ما يعكس شخصية " ع . س . مسلم " التي تجنح دائماً إلى إثبات وجودها .
والله وليّ التوفيق ،،،


د / إبراهيم محمد إبراهيم
رئيس قسم اللغة الأردية
كلية الدراسات الإنسانية
جامعة الأزهر – فرع البنات
القاهرة .