آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

  1. #1
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

    الأدب الأردي أم الأدب الهندي
    د . إبراهيم محمد إبراهيم

    يشعر الدارس المتخصص في اللغة والأدب الأردي من المسلمين من غير أهل اللغة الأردية أن هناك حاجة ماسة لوضع النقاط على الحروف في موضوع قد يبدو بسيطاً في مظهره ، ولكنه في غاية الخطورة في جوهره ، وهذا الموضوع يتلخص في السؤال التالي : هل يمكن أن نستعيض عن تسمية اللغة الأردية والأدب الأردي باللغة الهندية والأدب الهندي ؟ .
    ويطرح هذا السؤال بداية سؤالاً آخر غاية في البساطة مشوباً بالحيرة وهو : ماهي الضرورة التي دعت إلى طرح السؤال السابق من أساسه ؟!.
    حقيقة الأمر أن هناك أسباباً عدة دفعتني دفعاً إلى طرحه للمناقشة أولها هو ما لاحظته من ميل بعض المتخصصين إلى إطلاق مسمى اللغة الهندية على اللغة الأردية ، ومسمى الأدب الهندي على الأدب الأردي ، وخاصة إذا كان في شكل عنوان في جريدة أو كتاب أو بحث ليكون أكثر شيوعاً ، ويحوز أكبر شهرة ، وثاني هذه الأسباب هو تلك الحيرة التي نلمسها لدى البعض في شكل شكوى من مسمى اللغة الأردية والأدب الأردي نلخصها فيما يلي :
    أولاً : الغالبيـة العظمى من عامة الناس وخاصتهم ( في مصر ) لايعرفون شيئاً عن اللغة الأردية ، وربما لم يسمعوا عنها من قبل ، مما يجعل مسمى اللغة الأردية والأدب الأردي مثاراً للاستغراب والدهشة ، وربما مثاراً للسخرية والتهكم .
    ثانياً : يؤدي غرابة المسمى ( مسمى اللغة الأردية والأدب الأردي ) إلى عزوف الطلاب والطالبات ( في مصر ) عن الالتحاق بأقسام اللغة الأردية ، وتكون النتيجة ندرة عدد الدارسين للغة والأدب الأردي ، وبالتـالي ندرة المتميزين منهم ، لأن معظمهم – إن لم نقل كلهم – قد أجبره مجموعه في الثانوية على الالتحاق بأقسام اللغة الأردية ، وربما أصاب الندرة المتميزة بعض الإحباط عند مواجهة المجتمع ( داخل وخارج الجامعة ) بهذا المسمى الغريب الذي أصبح ينتمي إليه دراسياً .
    ثالثاً : الاعتماد على الأسهل ، فبدلاً من أن يكلف الدارس أو الباحث أو المتخصص نفسه مشقة شرح وتوضيح المسمى لكل من يسمعه – وهو أمر صعب فعلاً – فإنه يلجأ إلى الطريق الأسهل ، فيطلق مسمى اللغة الهندية على اللغة الأردية ، ومسمى الأدب الهندي على الأدب الأردي .
    رابعاً : هذه القضية لها أصول تاريخية ، وقد أثيرت مرات عديدة داخل بلاد اللغة الأردية نفسها ، وإن اختلف البعد في كلتا الحالتين ( حالة الدارسين للغة والأدب الأردبي في عالمنا العربي ، وحالة أهل بلاد اللغة الأردية ) .
    والحقيقة أن هناك أمراً أساسياً ينبغي التسليم به أولاً ، وهو أن تخصص اللغة والأدب الأردي في مصر تخصص نادر ، وذلك استناداً إلى أمور عدة على رأسها مدى العلاقات التي تربط بين مصر وبلد اللغة الأردية ( باكستان ) . وثانيها مدى أهمية هذه اللغة على المستوى الدولي من خلال تأثير باكستان على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحضارياً . وثالثاً : البعد الجغرافي بين مصر وباكستان ، ومدى اشتراك الدولتين في الاهتمامات والتوجهات والقضايا . فإذا نظرنا إلى كل هذه الاعتبارات بشكل واقعي ، وبغض النظر عن الأهمية الحضارية للغة الأردية وعدد النفوس التي تتحدث بها أو تفهمها ، لوجدنا أنه لا مفر من اعتبار اللغة الأردية وأدبها تخصصاً نادراً في الواقع المصري ، وإن كانت ندرة هذا التخصص لا تعني فقدانه للأهمية ، وهذا موضوع آخر يمكن مناقشته في مقال آخر .
    تعالوا بنا – بعد هذه التقدمة – نناقش الأمر من المنطلق العلمي ، وهو المحك الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه في الموضوع محل النقاش ، فنحن نعرف – كمتخصصين في اللغة والأدب الأردي – أن اللغة الأردية نشأت في شبه القارة الهندو باكستانية على اختلاف في محل وتاريخ ميلادها ، ومن أية لغة أخرى تطورت هذه اللغة في عهد الحكم الإسلامي للبلاد ؟! وإن كانت أغلب الأبحاث تشير إلى أن اللغة الأردية تطورت عن لغة تسمى ( كهري بولي ) واحدة من لغات أربع كان يتحدث بها في منطقة دهلي وما حولها عند فتح المسلمين لها عام 1192م على يد القائد قطب الدين أيبك وقت أن كان من قادة الدولة الغورية التي حكمت الهند من عاد 1175م وحتى عام 1290م .
    ومن المعروف كذلك - عند أهل الاختصاص – أن اللغة الأردية حين صار لها أدب يكتب لم تكن تسمى بما تسمى به الآن ( اللغة الأردية ) ، وإنما أطلقت عليها مسميات مختلفة في فترات متفاوتة نسبة إلى المنطقة التي كانت تصل إليها باعتبار أنها كانت تنتقل مع الجيش الإسلامي في فتوحاته في طول البلاد وعرضها ، ومن هنا أطلق عليها اللغة الكجراتية نسبة إلى منطقة الكجرات ، وأطلق عليها اللغة الدكنية نسبة إلى منطقة الدكن – جنوب الهند – وغيرها من المسميات ، كما أطلق عليها اللغة الهندية أو الهندوية نسبة إلى الهند كلها .
    وهنا يكمن مربط الفرس الذي قد يعزي إليه البعض سبب ترجيحهم إطلاق مسمى اللغة الهندية على اللغة الأردية ، باعتبار أن هذا ليس بدعاً من عنده ، وإنما استناداً إلى واقع كان موجوداً في فترة من فترات تطور اللغة الأردية ، إضافة إلى أن نسبة اللغة إلى البلد الذي نشأت وتطورت به أمر لا يستحق الاعتراض عليه أو الاختلاف معه ، وبديهي أن اللغة الأرديـة من لغات الهند فهي إذاً لغة هندية ، وأدبها منسوب إلى أرض الهند ، فهو إذاً أدب هندي .
    والحقيقة أن هذا التوجيه قد يبدو في ظاهره معقولاً ومنطقياً ، لكنه يصبح مبتوراً إذا ظل بمنأى عن التفسير التاريخي والحضاري لمسمى اللغة الأردية وأصل منشئه ، إذ أن مسمى اللغة الهندية الذي أطلق على اللغة الأردية في فترة من فترات نشأتها وتطورها – وهي على وجه التحديد الفترة الأولى – ينسب إلى الشاعر مسعود سعد سلمان اللاهوري حين نقل عنه أن له ثلاثة دواوين : واحد بالعربية وآخر بالفارسية وثالث – وهو مفقود – بالهندية ، والمقصود بها تلك اللغة التي عرفت فيما بعد باللغة الأردية . وهنا لا بد أن ننبه إلى أن هذا المسمى – اللغة الهندية – الذي أطلقه مسعود سعد سلمان اللاهوري – إن صحت نسبته إليه – كان على لغة لم يكن أحد من الفاتحين المسلمين في عصره يعرف لها مسمى معيناً معروفاً لديهم ، وبالتالي فإن إطلاق مسمى اللغة الهندية كان من باب تسهيل التعريف بها من جانب ، ولافتقاد هذه اللغـة إلى المسمى المستقر – نظراً لحداثة نشأتها – من جانب آخر ، فجاز نسبتها إلى الأرض لتصبح اللغة الهندية ، بدليل أن هذا المسمى لم يستقر كما هو ، وإنما تغير إلى مسميات مختلفة طبقاً للمنطقة التي وصلت إليها اللغة الأردية كما أشرنا آنفاً .
    وغني عن الذكر أن شبه القارة الهندو باكستانية غنية بلغاتها المختلفة ، والتي نستطيع أن نطلق على كل منها مسى اللغة الهندية ، فهي لغات هندية ، وكلها تحمل مسميات خاصة بها .
    وكان من بين المسميات التي أطلقت على اللغة الأردية في فترة من الفترات الزمنية مسمى اللغة الهندوستانية ، واعتمدت كلية فورت وليم التي أنشأها الإنجليز في مدينة كلكته عام 1800م لتعليم الإنجليز اللغات الشرقيـة والهنديـة هذا المسمى ، ، وأنشأت قسماً يسمى قسم اللغة الهندوستانية(1) بين أقسام الكلية المختلفة .
    واستقرت اللغة الأردية بعد فترة كبيرة من نشأتها على مسمى اللغة الأردية – كان هذا في القرن التاسع عشر الميلادي على وجه التقريب – واشتهرت بذلك ، وصارت للفظ ( اردو ) – الذي هو في أصله لفظ تركي يعني من بين ما يعنيه ( المعسكر – الخيمة ) باعتبار أن هذه اللغة ترعرعت في ظل المعسكر والحكم اللإسلامي للبلاد – دلالة حضارية وتاريخية ، فهو إذا أطلق دل على تاريخ اللغة الأردية وتطورها ، كما أشار إلى الذين تولوها بالرعاية والاهتمام ، أي المسلمين .
    ثم وقع الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1857م ، وانتهى معه الحكم الإسلامي لها ، وإن لم تنته آثاره ومنجزاته الحضارية الخالدة التي خلفها وراءه في طول البلاد وعرضها سواء في شكل منشئات معمارية من مساجد وقصور وقلاع وحدائق فريدة متميزة ، أو في شكل فكر وعلم وفن ، وبالطبع كالنت اللغة الأردية أحد هذه الإنجازات الحضارية ذات الدلالة ، وكان من المفهوم – وإن لم يكن مقبولاً – أن يحاول الإنجليز بشتى الطرق الاحتفاظ بشبه القارة أرضاً محتلة لهم مستخدمين في ذلك ما يتفتق عنه ذهنهم من أسلحة كان على رأسها سلاح إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين من جانب وباقي طوائف الهند ، وخاصة الهندوس من جانب آخر طبقاً لمبدئهم المعروف ( فرّق تسد ) ، وكانت الأردية بحروفها العربية على رأس هذه الأهداف التي وجه إليها الإنجليز سهامهم ، فزرعوا في نفوس الهندوس – خاصة المتعصبين منهم – كراهية المسلمين ، باعتبارهم دخلاء على بلادهم ، وكان من الطبيعي أن يتبع ذلك كراهية للحكم الإسلامي وكل آثاره ، ومن بينها اللغة والأدب الأردي ، إذ الأردية بحروفها العربية موثوقة الصلة باللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والأدب الأردي موثوق الصلة بالمسلمين الذين حكموا شبه القارة الهندو باكستانية ما يزيد على ألف عام ، ونشروا الإسلام في ربوعها حتى وصل تعداد المسلمين من أبنائها اليوم ما يزيد على نصف مليار نسمـة موزعين بين باكستان وبنجلاديش والهند .
    وبدأ الهندوس في البحث والتنقيب عن أصول خاصة بهم منفصلة عن المسلمين ، فحاولوا إحياء لغاتهم القديمة ، وخاصة اللغة السنسكريتية ، ولكن محاولاتهم هذه باءت بالفشل ، إذ اصطدمت بواقع لا يعرف هذه اللغة ولا يأنس بها ، لأنها انعزلت عنه منذ آلاف السنين وتقوقعت داخل المعابد وبطون الكتب وعلى ألسنـة الكهنة والسدنة ، فلم يكن أمامهم إلا اللغة الأردية التي يتكلمها معظمهم ، لكن عنادهم هداهم إلى تجريد هذه اللغة من الحروف العربيـة وكتابتها بالحروف الديوناكرية ، وإبعاد كثير من الألفاظ العربية والفارسية والاستعاضة عنها بكلمات وألفاظ من اللغات الهندية القديمة لعلهم بذلك يبدلون من هيئتها ، وأطلقوا عليها مسمى اللغة الهندية في مقابل اللغة الأردية .
    وبدأت الحرب ضد اللغة الأردية على كل المستويات ، وكان للإنجليز يد طولى في أن يزداد أوارها ، ولم تضع هذه الحرب أوزارهـا حتى بعد أن ذهب الاحتلال ، وتأسست باكستان ، واستقلت الهند التي اتخذت من اللغة الهندية لغة قومية ، ولا تزال تواصل محاولاتها في تغيير معالمها الإسلامية ، بل والأكثر من ذلك أنهم خلقوا لها تاريخاً منفصلاً عن اللغة الأردية . واستطاعت الهند إلى حد كبير بكل الوسائل المتاحة لها تثبيت فكرة استقلالية اللغة الهندية تاريخاً وأدباً ، وبالتـالي صار مفهوماً لدى الناس أن اللغة الهندية تختلف تمام الاختلاف عن اللغة الأردية ، وصار القدر الواضح من التبديل والتغيير الذي أحدثه الجانب الهندي في حروف اللغة وثروتها اللفظية دليلاً على صحـة هذا المفهوم وشاهداً على صدقه .
    ولنا أن نتصور مدى العداء الذي يكنه المتعصبون من الهندوس في الهند حتى على المستوى الرسمي للغة الأردية عندما جرت المحاولات في الهند لجعل اللغات المحلية على مستوى الأقاليم لغات رسميـة فيها ، وكان ذلك عام 1953م ، وعندما طالبت الأردية بنفس الحق في منطقة اتّربرديش ( يو بي ) ثارت ثائرة بعض أعضاء مجلس الشعب الهندي ، وهاجموا الأردية باعتبارها – على حد قولهم – لغة دخيلة ، وأن أي تشجيع لها سيصيب الثقافة الهندية في مقتل .
    هذا ويعترف المنصفون من علماء اللغة والأدب الهندوس بأن الحكومة الهندية لا تشجع اللغة الأردية بحال من الأحوال ، برغم أنها تستحق الاهتمام ولو باعتبارها لغة من اللغات المحلية في الهند مثلها مثل بقيـة اللغات المحليـة الأخرى ، ومثلما تفعـل باقي بلاد الدنيا مع لغاتها المحلية (2) .
    ومن هنا صار إطلاق مسمى اللغة الهندية على اللغة الأردية ، والأدب الهندي على الأدب الأردي بمثابة إجحاف كبير باللغة الأردية وأدبها وبمدلولها الحضاري الذي يحمل في طياته حكماً إسلامياً استمر أكثر من ألف عام ، ونشراً للدين الإسلامي في بلاد واسعة الرقعة كثيرة السكان ، وأصبح مبرر إطلاق هذا المسمى باعتبار النسبة إلى الأرض ( الهند ) كأن لم يكن ، فرغم انتماء اللغة والأدب الأردي إلى الهند ، إلا أن ذلك لا يعني أكثر من أنها لغة من لغات الهند ، وليست اللغة الهندية بـ ( ألـ ) التعريفية ، ولذا فقد يكون من الجائز أن نصف اللغة الأردية بأنها ( لغة هندية ) ، وليست ( اللغة الهندية ) ، ونصف الأدب الأردي بأنه ( أدب هندي ) ، وليس ( الأدب الهندي ) ، فالهند بها لغات هندية وآداب هندية ، لأنها لغات مختلفة وآداب مختلفة .
    وهناك منطلق آخر يبطل إطلاق مسمى اللغة الهندية على اللغة الأردية والأدب الهندي على الأدب الأردي من قبل المتخصصين والباحثين المصريين والعرب في مجال اللغة الأردية وأدبها وهو وجود لغة أخرى تسمى اللغة الهندية ذات الحروف الديوناكرية ، وأدب آخر هو الأدب الهندي ، فلم يعد هناك مجال إذاً لهذا الخلط .
    وترتيباً على ما سبق فإنه إذا كان ولا بد من نسبة اللغة الأردية إلى أرض أو وطن فيجب أن تكون نسبتها إلى باكستان ، فتصبح ( اللغة الباكستانية ) ، فهي أحق بهذه النسبة لأمور جوهرية نذكر منها :
    1 – اللغة الأردية بحروفها العربية هي اللغة القومية وشبه الرسمية لباكستان ، وهي ليست كذلك في الهند التي تحاول بشتى الطرق القضاء على هذا المسمى ، وصارت اللغة الأردية فيها مجرد لغة تدرسها بعض الجامعات ، وتفتقد إلى الرعاية الحكومية ، ولا مصدر للإنفاق عليها سوى تبرعات القادرين من الأقليـة المسلمة ذات العدد الكبير – ما يربو على مائتي مليون مسلم – بين سكان الهند الذين يزيدون على المليار نسمة .
    2 – باكستان هي التي ترعى اللغة الأردية وتنفق عليها ، سواء داخل باكستان أم خارجها ، وهو ما نلمسه نحن بشكل واضح في قسمي اللغة الأردية بجامعة الأزهر ، إذ تقوم الحكومة الباكستانية بإمداد هذين القسمين بالأساتذة والكتب والأجهزة العلمية اللازمة للارتقاء بمستوى اللغة الأردية في مصر ، ولا يقتصر هذا التعاون البارز مع قسمي اللغة الأردية بجامعة الأزهر فقط ، وإنما تحظى بجزء منه كل الأقسام العلمية التي تدرس بها اللغة الأردية على مستوى جمهورية مصر العربية كلها ، ونذكر من هذه الأقسام قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس ، وقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة القاهرة .
    أما على الجانب الهندي فإن مثل هذا التعاون يكاد يكون مفقوداً ، اللهم إلا بعض الكتب التي يتم إهاؤها لبعض الأقسم التي تدرّس اللغة الأردية – وليس كلها – كنوع من الدعاية السياسية ليس إلاّ .
    لكن باكستـان منذ نشـأتها عـام 1947م ، وعلى لسان القائد المؤسس محمد علي جناح ، رفضت – ومعها كل الحق – إطلاق مسمى اللغة الباكستانية على اللغة الأردية ، إذ أن إطلاق أي مسمى آخر على هذه اللغة وأدبها سيفقدها مدلولها التاريخي والحضاري ، وسيقطع الصلة بين أجيال المسلمين في شبه القارة الهندو باكستانية وتاريخ أجدادهم العريق في فتح هذه البلاد ونشر الإسلام بين أبنائها ، وهو ما يريده المتعصبون من أعداء المسلمين ، ولا نرضاه نحن ولا غيرنا من مسلمي شبه القارة .
    ولكل هذه الاعتبارات رفض المسلمون في شبه القارة الهندو باكستانية حتى قبل قيام باكستان عام 1947م حلولاً مشابهة لهذا المسمى ، لكنها تدور كلها حول نية القضاء على اللغة الأردية وأدبها وما يعبران عنه من حضارة وثقافة ، فرفضوا التسمية التي اقترحها غاندي ( متوفى عام 1949م ) بإطلاق مسمى اللغة الهندوستانية على اللغة الأردية بخطها العربي ، واللغة الهندية على اللغة الأردية بخطها الديوناكري استناداً إلى أن هذا المسمى كان موجوداً من قبل ، وأطلق على اللغة الأردية في قسمها بكلية فورت وليم سابقة الذكر ، واستشهاداً باللغة التركية التي تم استبدال خطها العربي في شكلها العثماني بالخط اللاتيني في شكلها الحديث ، فصارت لغة ذات خطين .
    لكن النظرة الفاحصة لهذا التوجيه تكشف بسهولة مدى المغالطة فيه ، خاصة إذا عرفنا أن غاندي نفسه كان قد سئل ذات مرة قبل قيام باكستان بوقت قصير عن اللغة التي يمكن أن يتخذها أهل الهند لغة رسمية لهم إذا لم تقم للمسلمين دولة ولم تنقسم الهند وبقيت موحدة : هل هي اللغـة الأرديـة باعتبار أنها لغة الأغلبية بالفعل ، كما أنها لغة الثقافة والحضارة في البلاد كلها ؟! فأجاب غاندي بأن الهندوس لا يمكن أن يقبلوا الأرديـة بخطها العربي لغة لهم ، فهي لغة تكتب بخط كتاب المسلمين المقدس ( القرآن الكريم ) على حد تعبير غاندي نفسه ، وإنما من الممكن أن تصبح هذه اللغة لغة للبلاد في حالة بقائها موحدة على شرط أن تكتب بالخط الديوناكري ، وتسمى باللغة الهندوستانية ، حتى لا يبقى هناك ما يذكّر الهندوس بأن هذه البلاد كانت ذات يوم تحت الحكم الإسلامي – رغم أنه كان خيراً للبلاد كلها بشهادة المؤرخين المعتدلين من الهندوس أنفسهم – وأن الثقافة الإسلامية وجدت لها طريقاً داخل نفوس أعداد كبيرة من أبنائها !!. ولا ندري ماذا سيفعل هؤلاء في الآثار الإسلامية الكثيرة المنتشرة على أرض الهند من أقصاها إلى أقصاها ، والتي تشير بكل صراحة ووضوح إلى الحكم الإسلامي على البلاد في فترة من فترات التاريخ !!.
    ولا يخفى على أصحاب العقول أن تغيير الخط سيؤدي حتماً إلى انقطاع الصلة الثقافية والعاطفية بين الماضي والحاضر ، وهو ما حدث في تركيا بعد تغيير الخط ، رغم أن وضع اللغة التركية في تركيا يختلف تمام الاختلاف عن وضع اللغة الأردية في الهند ، فاللغة التركية سواء كتبت بالخط العربي أم الخط اللاتيني هي اللغة الرسمية الوحيدة لتركيا ، على العكس من اللغة الأردية التي لو تغيّر خطها – لا قدّر الله – لضاع حاضرها ومستقبلها بين هذا الكم العجيب من لغات الهند المختلفة ، ولفقدت ماضيها الذي يعد ركناً ركيناً من بناء الحضارة الإسلامية كله .
    ورغم أننا نرى أنه لا فرق - حقيقة – بين الأردية والهنديـة بحيث يجعلهما لغتين مختلفتين ، ويؤيد هذا الرأي الكثيرون من علماء اللغات الهندوس أيضاً ، إلا أن إصرار الجانب الهندوسي على استبعاد الألفاظ العربية والفارسية مما يسمونه باللغة الهنديـة ، وقصر كتابتها على الحروف الديوناكرية فقط يزيد المسافات اتساعاً (3) ، ويجعل من المحتمل أن يأتي يوم يصعب فيه على الطرفين – الجانب الأردي والجاني الهندي – التفاهم والتواصل اللغوي .
    وبناء على ما سبق فإننا نرى أن الالتزام بمسمى اللغة الأردية والأدب الأردي هو التزام لا مناص عنه ، ويجب على دارسي هذه اللغة والمتخصصين فيها من المسلمين الحفاظ عليه والعمل على نشره والتعريف به كنوع من التوعية الواجبة للمسلمين بتاريخهم ، وتنبيههم إلى ما يحاك لهم في الخفاء للقضاء على معالم هذا التاريخ وثوابت هذه الحضارة .


    هوامش

    1 - أطلق لفظ أردو على اللغة الأردية منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، بل إن قدرت الله شوق في كتابه طبقات الشعراء الذي ألفه عام 1188هـ / 1774م ينقل عن سعد الله كلشن حين أشار على ولي دكني ( متوفى 1744م ) بأن يكتب بالأردية التي يغلب عليها الأسلوب الفارسي بدلاً من الأردية الدكنية التي يغلب عليها الطابع المحلي بأنه – أي سعد اللع كلشن – أطلق على هذه اللغة الجديدة مسمى ( اردوئـ معلى شاهجهان آباد ) . ومن المعروف أن ولي الدكني قد تلقى هذه النصيحة من سعد الله كلشن قبل زيارته شمال الهند عام 1700م في عهد السلطان المغولي ( متوفى 1707م ) . كما أورد مير تقي مير مسمى ( اردوئـ معلى شاهجهان آباد ) في كتابه ( نكات الشعراء ) الذي كتبه عام 1165هـ / 1751م ، وكذا ذكره قائم عام 1168هـ / 1754م ، وتحسين في ( نو طرز مرصع ) المؤلف عام 1189هـ / 1775م ، وعلي إبراهيـم خان خليل في ( كلزار إبراهيم ) المؤلف عام 1198هـ / 1784م ، ومير امن في ( باغ وبهار ) المؤلف عام 1215هـ / 1801م ، ومير محمدي مايل في ديوانه الذي طبع عام 1176هـ / 1762م وغيرهم .
    لمزيد من التفصيل يرجع إلى د . كيان جند – لساني مطالعـ – نيو دهلي – الهند – الطبعة الثالثة 1991م – ص 61 وما بعدها .
    أما لفظ هندوستاني فإن الأوروبيين – على الأرجح – هم أول من أطلقه على اللغة الأردية وإن كان قد ورد ذكره في بعض المخطوطات الدكنية ، لكن المقصود منه لم يكن اللغة الأردية ، وإنما لغة شمال الهند ، أما ذكره كمرادف للغة الأردية فقد ورد في مؤلفات الأوروبيين عن هذه اللغة ، ومن أشهر هؤلاء الإنجليزي جون كلكرسن الذي أعد قاموساً في الإنجليزية والهندوستانية ENGLISHAND HINDOSTANI DICTIONARY ، وصدر الجزء الأول منه عام 1786م ، والجزء الثاني عام 1790م ، كما أعد كتاباً في قواعد اللغة الهندوستانية عام 1796م .
    لمزيد من التفصيل يرجع إلى د . كيان جند – لساني مطالعـ - ص 122 , 123 .
    2 - للتفصيل انظر : د . كيان جند – ص 176 ..
    3 - وبطبيعة الحال يقوم الجانب الباكستاني كنوع من رد الفعل الطبيعي بالإكثار من استخدام الألفاظ العربية والفارسية والإصرار عليه .


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية عبد اللطيف احمد
    تاريخ التسجيل
    07/10/2007
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    دمت للعلم والجديد والفريد استاذنا العتيد


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية عبد اللطيف احمد
    تاريخ التسجيل
    07/10/2007
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    دمت للعلم والجديد والفريد استاذنا العتيد


  4. #4
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    أخي العزيز الأستاذ عبد اللطيف أحمد
    أشكركم على اهتمامكم وأتمنى لكم التوفيق


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية د محسن سليمان النادي
    تاريخ التسجيل
    22/10/2007
    العمر
    57
    المشاركات
    41
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    موضوع قيم جدا
    وصراحه رغم تخرجي من الهند
    الا ان بعض المعلومات اعرفها لاول مره
    وحقيقه ان اللغه الاورديه جميله جدا
    ان كان في نظمها للشعر
    ام في الادب
    يكفي انها حفظت الكثير من علوم المسلمين
    في زمن عز فيه العلم والعلماء

    دام قلمك دكتورنا العزيز
    ودمتم سالمين

    لعمري ان قوة الشباب في الشباب اقوى من حكمة الشيوخ في الشيوخ وما نفع الحكمة إذا لم تكن إلا رأيا ليس له ما يمضيه كرأي الشيخ الفاني يرى بعقله الصواب حين يكون جسمه هو الخطأ مركبا في ضعفه غلطة على غلطة لا عضوا على عضو.. للرافعي
    http://www.arabaltmed.com موقعي الشخصي

  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية شيرين عبد العظيم
    تاريخ التسجيل
    13/05/2008
    العمر
    41
    المشاركات
    72
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

    أستاذي الكبير أ.د أبراهيم لكم أشتقنا اليك بقسم اللغات الشرقيه كلية الاداب جامعة عين شمس
    شكراً جزيلاً على ينبوع العلم الغزير الذي لا يبخل على طلابه فيعطيهم من العلم و المعرفه اكثر مما يطلبون
    تلميذتك شيرين عبد العظيم


  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية شيرين عبد العظيم
    تاريخ التسجيل
    13/05/2008
    العمر
    41
    المشاركات
    72
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

    أستاذي الكبير أ.د أبراهيم لكم أشتقنا اليك بقسم اللغات الشرقيه كلية الاداب جامعة عين شمس
    شكراً جزيلاً على ينبوع العلم الغزير الذي لا يبخل على طلابه فيعطيهم من العلم و المعرفه اكثر مما يطلبون
    تلميذتك شيرين عبد العظيم


  8. #8
    عـضــو الصورة الرمزية راسخ كشميري
    تاريخ التسجيل
    13/10/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

    دامت لك الإبتسامات وبارك الله فيك


  9. #9
    عـضــو الصورة الرمزية راسخ كشميري
    تاريخ التسجيل
    13/10/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الأدب الأردي أم الأدب الهندي ؟

    دامت لك الإبتسامات وبارك الله فيك


  10. #10
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأخت العزيزة شيرين عبد العظيم .
    لك مني كل تحية ، ولجامعة عين شمس ، وكلية الآداب ، وقسم اللغات الشرقية خصوصاً مني كل تقدير .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •