الزميل الأستاذ صالح النعامي
دراسة تفصيلية غاية في الدقة بالطبع ولا غبار عليها
بالنسبة للوضع الفلسطيني والذي له خصوصيته في نشاطات المخابرات الصهيونية كان جهاز الشاباك يعتمد في الانتفاضة الأولى على العامل البشري أي تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء
ودسهم وسط صفوف المقاومة الفلسطينية والتسلل إلى التنظيمات الفلسطينية بكافة توجهاتها
بل والأهم من ذلك أن هنالك فئة كانت تعمل مع الاحتلال دون علمها حيث كانت المخابرات تكلف أحد العملاء بتشكيل مجموعة تنظيمية بل وتمدهم بالمال والعتاد ويبدأ أفراد المجموعة بتأطير واستقطاب عددا آخر من الشباب الفلسطيني , ولرغبة الشباب الشديدة آنذاك في الانضمام لحركات المقاومة كان التأطير يأخذ نشاطا أخطبوطيا سريعا
وكأنه آلة تفريخ , حيث تتكاثر المجموعة وتصبح عدة مجموعات بل وتدريجيا تأخذ الطابع الرسمي وتعمل بإسم أحد الفصائل والأوامر والتعليمات تأتي من غرف الشاباك
والمهام تنفذ فقط لخدمة الاحتلال ولكن بغلاف وطني , فيتم ردع زيد من الناس مع أنه رجل وطني مناضل , أو يتم اختطاف مواطن ما والتحقيق معه واتهامه بالعمالة وتعذيبه مما يجعله يتحول من مواطن صالح إلى حاقد على كل الفصائل المقاومة وهذا كان دأب الاحتلال الصهيوني .
وعند شعور الضابط المكلف بمتابعة ملف الخلية بأن الأمر بدأ ينكشف للجهات التنظيمية العليا فورا يتم اعتقال معظم أفراد الخلية وإلقاءهم في السجون ومحاكمتهم وبعضهم كانوا يكشفون له الأمر ويبتزونه للعمل مع الاحتلال وخيانة وطنه ويهددونه بكشف أمر المهام التي كان ينفذها ظنا منه أنه يقوم بعمل وطني .
في انتفاضة الأقصى اختلفت الأمور كثيرا وبدأت المخابرات تعتمد على التكنولوجيا كعامل أول وبعدها العامل البشري , حيث توفر التكنولوجيا معلومات أكثر دقة في ظل غياب الوعي التنظيمي الذي يحتاج لتشفير الحديث من خلال الهواتف النقالة والهواتف بشكل عام , وقد قدمت تكنولوجيا التنصت على المكالمات الهاتفية خدمات جليلة لجهاز المخابرات الصهيوني أدت لاغتيال الكثير من رموز المقاومة والقادة الميدانيين لمختلف الفصائل الفلسطينية حيث تحدد المخابرات للطائرات مكان الهدف بدقة ليتم قصفه .
وهنالك نقطة هامة وهي أن المخابرات تدرك جيدا مع من تتعامل أو مع من يمكنها المساومة أو الضغط وتدرس نقاط ضعف الشخص قبل تجنيده أو محاولة التجنيد والاسقاط
فمثلا في سياق ما قدمه الأستاذ صالح النعامي قصة الشاب الذي قال لضابط المخابرات انسخ مزيدا من الصور لأوزعها وأعلقها في المخيم
هذا الشاب مثال للنضوج الوطني والنضالي حتى وإن أباح لنفسه خطيئة الزنا ولكنها تبقى بكل الأحوال أنظف كثيرا من خيانة الوطن والتحول لعبد للاحتلال
وأعتقد أن عامل الجنس أصبح مكشوفا للشباب الفلسطيني من كثرة ما مر عنهم من أحداث وقصص اكتسبوا منها الخبرة وباتوا يدركون أن المخابرات أصلا لن تقدم على فضح أسلوبها الرخيص هذا وإن فعلت فليس الأمر بهذه الخطورة التي تجعله يبيع وطنه ويصبح عميلا يشوه سمعة أسرته ويدمرها للأبد
لا يوجد ثمن للخيانة أبدا ولا مبرر على الإطلاق مهما كانت الدوافع
وبعيدا عن الجنس , نذكر مثلا حيا وهو العميل " أ ز " وهو الذي كان مكلفا بمراقبة سيارة الشيخ الشهيد صلاح شحادة رحمه الله , هذا الشاب يبلغ من العمر 22 عاما فقط
تم تجنيده من خلال شخص ادعى أنه مواطن كندي أثناء زيارته للمجلس الثقافي البريطاني في غزة وحين شعر هذا الكندي " ضابط مخابرات " أن الشاب يتعرض لحالة نفسية سيئة وأنه محبط من الوضع العام اقتصاديا ونفسيا ويعاني الكبت من أنه لا يستطيع مغادرة البلاد ولا التنزه وكثير من الأمور استغل الأمر فورا و قدم له فرصا لزيارة القدس والضفة الغربية وهناك تم تجنيده
وبالطبع لم يخلو الأمر من بعض المماسك الرخيصة التي هدد بها , وعاد إلى غزة عميلا رخيصا يقدم أبناء وطنه للموت من أجل بضعة شواقل لا تساوي شيئا لا أمام الله ولا أمام الضمير ولا امام الفضائح التي دمر بها أسرته ولا استشهاد أكثر من ستة عشر مواطنا معظمهم من الأطفال الأبرياء وتدمير حي سكني كامل .
ولكن النقطة المهمة في الأمر أن أ ز كان مجرد طعم أو قربان , ولنقل أنه كان سمكة سردين قدمت لتحمي القروش المختبئة وهنا تكمن المعضلة
حيث كشف التحقيق مع أ ز في حينه أنه كان مكلفا فقط بالجلوس مقابل البيت الذي سيأتي الشيخ صلاح شحادة إليه وكانوا قد أبلغوه نوع السيارة ولونها ولوحة أرقامها ومن سينزل منها مع الشيخ الشهيد , إذن العميل الصغير لم يكن هو الرأس المدبرة حتى وإن حمله الإعلام كل المسؤولية , ولكن من أعطى المخابرات المعلومات الأكثر دقة وأهم
والتفاصيل الكاملة لتحركات الشيخ الشهيد ومرافقه وزوجته وأطفاله ولا جواب حتى الآن على ذلك ونتمنى لو أن تحقيقا داخليا تم في الأمر للوصول للخلل الأعظم .
فإن كان لهذا الشاب أسبابا أو ثغرات تمكنت المخابرات من السيطرة عليه من خلالها فأي ثغرات تلك التي مكنتها من السيطرة على من أعطى التفاصيل .
وكما ذكر الأستاذ صالح أيضا بخصوص التصاريح والتنقل ما بين الضفة وغزة فإن أكثر فترة تمكن الاحتلال بها من تجنيد عدد خطير من العملاء كانت الفترة التي تم فتح ما سمي بالخط الآمن ما بين الضفة وغزة مرورا بحاجز بيت حانون " ايريز " والذي يمرر إلى الأراضي المحتلة عامة 48 , حيث استغل هذا الممر الآمن اللعين للإيقاع بالكثير من الشباب أثناء انتظارهم في غرف الفحص الصهيونية التي كانوا يخضعون فيها لما يسمى باختبار السلامة الأمنية
وفي غياب التوجيه المعنوي والسياسي وتجمد نشاطات الهيئات والأجهزة المخولة بتدريب وتوجيه الشباب الفلسطيني , والعربي بشكل عام فإن المعضلة لن تحل , بل تتفاقم.
وتجاهلها يؤدي لنجاحات اكبر للمخابرات الصهيونية
وإن قلنا أن الواقع الفلسطيني مختلف فنقول أن الواقع العربي أيضا خطير , فالمخابرات الصهيونية تتسرب إلى الجامعات في الدول العربية والكثير من الشباب العربي لا يدرك حقيقة هذه الأمور بل لم يفكر حتى أن يثقف نفسه من الناحية الامنية ربما لأنهم لم يتعرضوا لواقع مثل الواقع الفلسطيني , والمشكلة الأكبر أن تفاجأ بأن بعض فئات الشباب في دول عربية شقيقة يرون في الدولة العبرية دولة مثالية ودولة الحرية , بل ولا مانع لديهم من الاختلاط ببعض السياح اليهود والذين في الأغلب ضباط مخابرات يقومون بمهام خاصة ويتبعون أسلوبا خاصا يصورون به أنفسهم ملائكة رحمة يساعدون ويساندون ويدعمون الهدف حتى يصبح صيدا سهلا وأداة طيعة في أيديهم .

شكرا للأستاذ الفاضل صالح النعامي على هذه الاستفاضة والتفاصيل الهامة والدقيقة التي أتحفنا بها .