مرثية ذاتية لها بقية: خاطرة رقم (1) _ خاطرة الخواطر
بقلم الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا للدراسات العليا/ إربد/ الأردن

حكمة
أهون على المظلوم أن يكون نزيل السجون من أن يكون الظلم عنوانا له في كل مكان وفي كل الشؤون. قد يكون المظلوم أشبه بسمكة في علبة سردين، لكن العناوين تقود الحر إلى الجنون. صاحبنا ذاك في بؤرة الضوء وإن عزلته جدران السجن. أما هذا الحر الطليق، فهو في بؤرة الجور، يتوسم بمن كان طريقه إلى الجلجلة. إنه يدخر أنينا بعد أنين إلى يوم القيامة. ما من مظلوم سجين إلا ورسم تقويما على جدران زنزانته بانتظار ساعة الفرج، بينما يظل صاحب العنوان يتأمل التقويم الذي رسمه الجلاد على جدران بستان الزيتون بانتظار نزع الروح عن الجسد. وهذا التأمل أسوأ أنواع التألم الذي يسبق الصلب. كل الجروح تندمل، إلا جرح ذلك العنوان الذي لايقاضيه سوى رب الأكوان. إذا تحملت نصف قرن من الشقاء، فهل تحتاج بعد إلى مرثية من الأصدقاء بعد فناء؟ اما تصلح هذه الكلمات لأن تكون مرثية، بل حكمة من حكم البلهاء الذين ما ورثوا عن هذه الدنيا سوى العزاء في صمت، وكأنهم غرباء عن وطنهم؟ يا للكبرياء الذي يتوج الظلم والشقاء!

الموصل في 7/1/1999
ب. فلسفة
كلما رضعت من الفلسفة أجد نفسي ما زلت في مهد الفلسفة. حليبها لاينضب. تعطي لمن يشاء، حتى وإن أساء إليها. ربما كانت هي مريم العذراء، يرى البعض فيها نورا لقضاء بعد فناء كي يلتقيها في السماء، بينما يراها البعض الآخر أما لمسيح يأتينا كل شتاء. وبين البعضين بعض يتأمل المصلوب بين ثدي أرضي وأخر سماوي دون عناء، جل غايته أن يعرف هل شبّه به، أم مات وقام وصعد إلى السماء. وبين هذا وذاك حقيقة أن الفلسفة هراء وافتراء على الحقيقة عندما يصبح المنطق السفسطائي عنوانا لها، كأن نقول أن لكل بداية نهاية ولكل نهاية بداية، لنحصل على ناتج رياضي نشكك اليوم بصحته، وهو أن البداية بداية والنهاية نهاية (بالأستعاضة)، دون الأخذ بعين الاعتبار أن بداية النهاية هي نقطة في أعلى سلم النهاية. وهي حالة تختلف جوهريا عن النهاية التي في أسفل سلم البداية. ترى ماذا يمكن أن نطلق على نقطة تقع مابين البداية والنهاية قبل أو بعد المنتصف بقليل؟ أهي الحالة الحرجة، أم نقطة التّماس؟ إنها أسئلة على شاكلة عمن تكون، وماذا تريد، وماينبغي أن يكون الكون عليه، وأنت ما زلت طفل رضيع!

الموصل في 11/3/1999