السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني و أخواتي أعضاء الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب
يسرني أن اضع بين أيديكم ترجمة لمقال " مدد يا مترجمين.. مدد" للكاتبة عائشة السيفية
و قد قمت بترجمة هذا المقال مؤخرا و أرتأيت نشره هنا في هذا الصرح الشامخ و سأسعد كثيرا بإطلاعكم على الموضوع و قراءة تعليقاتكم على محتواه..
ولا يفوتني هنا أن أتقدم بخالص شكري و امتناني للأخوين العزيزين نوال واعمارة من الجزائر و بدر العوفي من سلطنة عمان على المساعدة التي قدماها لي في ترجمة المقال
هذا هو النص الأصلي:
مدد يا مترجمين مدد
بقلم: عائشة السيفي
سأعترف أن هذا المقال استغرق مني شهرين و أنا أقرأ هنا و هناك.. أقرأ و ألطم خدّي و اكتئب و أدهش ثم أسأل.. ماذا سأقدم للقارئ من حجم المصائب هذه؟!!
و أنا المتهمة بالسوداوية في نصوصي شعرت أن جرعة السوداوية التي نقلتها لي الدراسات و الكتب متحدثة عن واقع الترجمة هي "بلاوي متلتلة" اكبر من نشر مقال واحد أو 10 مقالات حتى..
لقد بدأت فكرة المقال حين وصلتني نسخة مترجمة لديوان أحد الأصدقاء باللغة الإنكليزية، و حين استلمت كتابه داهمني سؤال ملحّ.. هل سبق أن تُرجم إصدار أدبي لكاتب عماني .. بدأت أسأل و أسأل، و أسأل .. و الجميع يستفهم مثلي .. و كانت صدمتي كبيرة حين لم أجد في تاريخ ما نشرناه إصدارا مترجما يوثق تجربة أو مجموعة تجارب عمانية !! يا الله! لهذا الحد؟!
في السعودية أصبحت الترجمة ظاهرة منتشرة لدى الروايات و الدواوين الشعرية و القصصية .. فمحمد خضر احتفل قبل أشهر بترجمة أحد دواوينه للإنكليزية و ديوان آخر للفرنسية .. و هيلدا إسماعيل احتفلت كذلك بمجموعتها المترجمة للإنكليزية (أيقونات)، و همس لي العزيز حسين الجفال بأن أكثر من 20 قصة له في طريقها للترجمة و باللغتين الإنكليزية و الفرنسية .. و حين سألته كيف؟! علق ببساطة .. إحدى الصديقات عرضت علي ذلك! ياه.. هل أحلم مثلا بامتياز أن يأتيني مترجم و يعرض علي ترجمة نصوصي؟! ليس الجفال وحده كلك فهيلدا مثلا أخبرتني أيضا أنها تلقت عروضا لترجمة (أيقونات) للفرنسية لولا أن السعر كان أغلى مما تستطيع!
الآن أتحدث عن الإصدارات الأدبية الأقل شهرة عن إصدارات واسعة الانتشار ك (بنات الرياض) و (الابن) و (سقيفة الصفاء) و غيرها ممن ترجمت إلى لغات عدة!
في عمان لم يحظ روائي ولا شاعر بامتياز كهذا .. حتى روادنا الذين علمونا الشعر و القصة و الرواية ممن بدؤوا بحركة الثقافة الجادة في عمان لم يحظوا بامتياز تقديمهم للثقافات الأخرى .. عبر جهود ترجمة تكافئهم بها دولتهم !
في عمان يبدو محبطا بشدة أنه لا توجد جمعية للمترجمين ولا حتى أسرة (صغنونة) تنضوي تحت سقف النادي الثقافي..
في عمان لم تر عين و لا سمعت أذن و لا تناهى إلى قلب طرح مسابقة للترجمة تكون مادتها ترجمة نصوص عمانية ..
في عمان .. على رغم الترجمات التي تتحفنا بها الملاحق الثقافية لإدجار آلان باو و وليم صمرسيت و فيرجينيا وولف .. لم نجد ملحقا ثقافيا يطالعنا يوما بطرح قصيدة أو قصة عمانية و مقابلها ترجمتها الأجنبية ..
هل سبق أن رأيتم قصيدة عمانية مترجمة نشرت صحفيا؟!
أوه .. كنت سأبروزها و أضعها مقابل سريري مباشرة..
قبل أيام حين جاءتني صديقة مغربية تهنئني بفوزي في الملتقى الأدبي الأخير سألتني عن ترجمة قصيدتي؟!
استفهمتها أكثر.. و ظلت لساعة كاملة تشرح لي أن مسابقات كهذه في دول المغرب لابد أن تترجم نصوصها الفائزة .. (ياه .. إنه أمر بديهي) ضَحِكَتْ ..
قلت لها .. بديهي عندكم!
هل نحلم مثلا بأنه بعد كل مسابقة للملتقى الأدبي أو الملتقيات السنوية الأدبية أن تترجم كل النصوص الفائزة؟!!
و بدت صديقتي مندهشة من عدم وجود دائرة للترجمة في وزارة التراث و الثقافة لدينا!
قلت لها ( لا فكرة لدي عن الأمر.. لكن زحمة الإصدارات المترجمة تعطيني فكرة عن وجودها)
في مجموعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس التي تعد مثالا لأنشط المجموعات في الجامعة بما تحمله من طلاب و أعضاء ناشطين متحفزين، استطاعوا بعمر المجموعة القصير لتأسيسها عام 2002م أن يقدموا الكثير من الأفكار و ينفذوها ..
أسماؤهم مبوبة ترجماتهم في الملاحق الثقافية حاضرة بشكل دائم..
لكن أن يطالعنا اسم طالب ترجم قصيدة أو قصة عمانية فهو مما لم نره بعد!
هل نفتقد مثلا روح المترجم القادر على تفكيك النص الأدبي العربي و سبر أغوار معانيه؟!! المترجم الذي يمنح القصيدة ما تستحقه من معانٍ؟!
هل هو عجز في الانصهار مع القصائد و القصص العمانية الحداثوية و غير الحداثية؟!
و في كل عام تطالعنا قوائم الخريجين بالعشرات من المتخصصين في الترجمة ، أين يذهب كل هؤلاء؟!!
إلى وظيفة لا يفعلون فيها أكثر من مهمة موظف لديه جدول عمل محدد ينتهي بانتهاء دوامه..
لا نشاط ترجمة على المستوى الفكري .. و لا جهد شخصي ..
يتوزعون في قطاعات مختلفة .. رغم أن جزءا ضخما من دراستهم تركز على التعاطي مع النص الأدبي .. انتهت علاقتهم به بمجرد استلامهم للوظيفة التي تكون بعيدة غالبا عن ذلك التعاطي..
كنت قبل أشهر قد طالعت مقالا للكاتب السعودي محمد الرطيّان بعنوان رسالة من مواطن سعودي بسيط إلى مواطن أمريكي اسمه جورج ..
طبعا بعدها بأيام فوجئت برسالة الكترونية تتضمن رسالته و لكن مترجمة للغة الإنكليزية تبرع بها أحد القراء ممن راقته الرسالة و وزعها على ملايين العناوين الالكترونية في الشبكة تناقلتها المنتديات الأمريكية ..
الرسالة كانت جميلة و تستحق الترجمة و فيما بعد ترجمت لحوالي 5 لغات ..
لكنني بدوت مندهشة .. فأنا لم استطع استيعاب أن يأتي قاريء لكاتب عمود في صحيفة عمانية يأتيه متبرعا بترجمة مقاله و نشره لدى الملايين في الشبكة رغم أني قرأت مقالات و رسائل أجمل و أثّرت فيّ أكثر من رسالة الرطيّان كان أبرزها ما كتبه الجار لعزيز يوسف البادي في مقال له عنونه (رسالة إلى طفل اسمه وليم) و كم كنت أتمنى فعلا أن تنال رسالة تلك حقها من الترجمة.. لكن من أين يا حسرة!
حين ذهبت لمراجعة عدد من الدراسات عن واقع الترجمة في الوطن العربي و تقارير منشورة من منظمات عربية و غير عربية كانت السلطنة مغيبة نهائيا و لم يتم الإشارة إليها لا من قريب و لا بعيد عن واقع الترجمة بها مما يمنحنا فكرة جلية عن السبب!
و هو ما يشعر بالإحباط مقارنة بدولة شقيقة كالكويت قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال و صلت إلى ترجمة عشرات البحوث و الإصدارات و المقالات و ترجمت مجلات كاملة كمجلة عالم المعرفة و مجلة العلوم التي تترجم عن Scientific American.
و حين أتحدث عن نشاط الترجمة في الدول العربية فإني لا أعني أنه واقع مزدهر و مبشر فالواقع الترجماتي العربي هو واقع محبط جدا لكن مستويات الإحباط تتفاوت من دولة لأخرى..
الحديث عن واقع الترجمة في السلطنة هو ما أردت تناوله قبل أن أتحدث عن الأرقام الأصعب في التصديق و الحقائق الأتعس للحديث عن واقع الترجمة في الوطن العربي مقارنة بالواقع العالمي ككل!
لنلتقط أنفاسنا .. فالحقائق أسوأ بكثير مما نتخيل!
المفضلات