الشراب*

للكاتب الأمريكي جون كولير**



كان ألان أوستن عصبيا مثل قطيطة وهو يصعد درجات سلم مظلم يُصدر صريرا في المنطقة التي يقع فيها شارع بِلْ[1]، وأخذ ينظر حوله طويلا وهو واقف على مُنْبَسط السلم المظلم قبل أن يجد الاسم الذي كان يريده مكتوبا بخط باهت على أحد الأبواب.

ودفع هذا الباب فاتحا إياه كما أُخبر أن يفعل فوجد نفسه في حجرة صغيرة لا تحتوي على أي أثاث سوى مائدة مطبخ بسيطة ، ومقعد هزاز ، ومقعد عادي ، وعلى أحد الحوائط القذرة ذات اللون الأصفر الكالح كان هناك رفَّان يضمان نحو اثنتي عشرة زجاجة ومرطبان.

وكان رجل عجوز يجلس في المقعد الهزاز وهو يقرأ صحيفة ، وسلمه ألان البطاقة التي كان قد أُعطي إياها دون أن ينبس بكلمة ، فقال العجوز بأدب جم : "اجلس يا سيد "أوستن" ، يسعدني أن أتعرف إليك."

وسأله ألان : هل صحيح أن لديك مزيجا معينا له ... أعني ... تأثيرات تفوق المألوف؟"

فأجاب العجوز : "يا سيدي العزيز ، إن بضاعتي ليست كبيرة للغاية ، إذ إنني لا أتاجر في المليِّنات أو مزيج ظهور الأسنان ، ولكن بالرغم مما هي عليه ، فإنها بضاعة متنوعة ، وأعتقد أنه ليس من بين ما أبيعه شيء يمكن أن يوصف بدقة بأنه عادي."

وبدأ ألان يقول : "حسنا ، في حقيقة الأمر ..."

فقاطعه العجوز قائلا : "هنا ، مثلا" ، وامتدت يده إلى زجاجة فوق الرف ، "هذا سائل عديم اللون مثل الماء ، ويكاد يكون بلا طعم ، ولا يمكن رؤيته في القهوة أو اللبن أو النبيذ أو أي شراب آخر ، كما أنه لا يمكن اكتشافه أيضا باستخدام أية طريقة معروفة من طرق التشريح."

وصاح ألان وقد أصابه الهلع : "هل تعني أنه سم ؟"

فقال العجوز بلا مبالاة : "سمِّه منظف قفازات إذا أردت ، إذ إنه ربما ينظف القفازات ، فلم أحاول هذا من قبل ، بل يمكن للمرء أن يسميه منظف حياة[2] ، فالحيوات تحتاج إلى التنظيف أحيانا."

فقال ألان : "لا أريد شيئا من هذا القبيل."

فقال العجوز : "ربما كان هذا ، هل تعرف ثمن هذا ؟ لقاء ملء ملعقة صغيرة ـ وهذا قدر كاف ـ أطلب خمسة آلاف دولار ، لا أقَلَّ ، لا أقل سِنْتا[3] واحدا."

فقال ألان بخوف : "أتمنى ألا تكون جميع مستحضراتك بالغلاء نفسه ."

وقال العجوز : "لا ، يا عزيزي ، لا فائدة من تقاضي مثل هذا السعر لقاء سائل الحب مثلا ، فالشباب الذين يحتاجون سائل الحب نادرا ما يكون بحوزتهم خمسة آلاف دولار ، وإلا لما احتاجوا إلى سائل حب."

وقال ألان : "يسرني أن أسمع ذلك."

فقال العجوز : "إنني أنظر إلى الأمر هكذا : فلترض العميل بسلعة ، وسوف يعود عندما يحتاج إلى أخرى ، حتى إذا كانت أكثر تكلفة ، إنه سوف يدخر من أجل الحصول عليها إذا لزم الأمر."

وقال ألان : "إذن ، هل تبيع حقيقةً سائل الحب ؟"

فقال العجوز وهو يمد يده إلى زجاجة أخرى : "لو لم أكن أبيع سائل الحب ، لما ذكرت الصنف الآخر لك ، إنه فقط عندما يكون بمقدور الإنسان أن يُرضي الناس ، يكون بإمكانه أن يفضي إليهم بالأسرار."

وقال ألان : "هذا السائل ، هل هو مجرد ... مجرد ... أعني ..."[4]

فقال العجوز : "لا ، لا ، إن تأثيره دائم ، ويمتد أبعد بكثير من الرغبة العارضة ، ولكنه يشمل الرغبة العارضة ، بسخاء ، وإصرار ، واستمرار أبدي."

وقال ألان وهو يجاهد للظهور بمظهر التجرد العلمي : "يا إلهي ! إن هذا لمُشَوِّق !"

وقال العجوز : "ولكن خذ في الاعتبار الجانب الروحي."

وقال ألان : "إنني أفعل ذلك بالتأكيد."

فقال العجوز : "إنه يُحل الإخلاص محل عدم المبالاة ، والهيام محل الاحتقار ، أعط كمية صغيرة من هذا للفتاة ـ ونكهته غير ملحوظة في عصير البرتقال أو الحساء أو الكوكتيل ـ

ومهما كانت لعوبا أو مستهترة ، فإنها سوف تتغير كلية ، ولن تريد شيئا سوى الوحدة ، وأنت."

وقال ألان : "لا أكاد أصدق ، إنها مولعة جدا بالحفلات."

فقال العجوز : "لن تعود تحبها ، إذ إنها سوف تخشى الفتيات الجميلات اللاتي قد تقابلهن."

وصاح ألان في نشوة : "هل ستغار بالفعل عليَّ ؟"

- "نعم ، سوف تريد أن تكون كل شيء بالنسبة لك."

- "إنها كذلك بالفعل ، كل ما في الأمر أنها لا تهتم بذلك."

- "سوف تفعل بمجرد أن تتناول هذا ، سوف تهتم بشدة ، وسوف تصبح أنت اهتمامها الوحيد في الحياة."

وصاح ألان : "مدهش !"

وقال العجوز : "سوف تريد أن تعرف كل ما تفعله ، وكل ما حدث لك طوال اليوم ، كل كلمة دارت فيه ، وسوف تريد أن تعرف فيم تفكر ، لماذا تبتسم فجأة ، لماذا تبدو حزينا.

فصاح ألان : "هذا هو الحب !"

فقال العجوز : "نعم ، كم سترعاك بكل اعتناء ، ولن تسمح لك بأن تتعب ، أو أن تجلس في تيار هواء ، أو أن تهمل طعامك ، وإذا تأخرت ساعة ، فإنها سوف تصاب بالذعر ، سوف تظن أنك قُتلت أو أن امرأة لعوبا قد استحوذت عليك."

وصاح ألان وقد غلبته النشوة : "لا أكاد أتخيل ديانا مثل ذلك !"

وقال العجوز : لن تحتاج إلى استخدام خيالك ، وبالمناسبة ، بما أنه هناك دائما نساء لعوبات ، إذا تصادف أن انزلقت قليلا فيما بعد ، فلا داعي للقلق ، فإنها سوف تسامحك في النهاية ، وسوف يتأذى شعورها أذي فظيعا بالطبع ولكنها سوف تسامحك في النهاية."

وقال ألان بحماس : "هذا لن يحدث."

فقال العجوز : "بالطبع لا ، ولكن لو حدث ، فلا حاجة بك للقلق ، فهي لن تطلقك أبدا ، لا ، لا ! وبالطبع فإنها هي نفسها لن تعطيك أي سبب ، أدنى سبب ، للشعور بالانزعاج."

وقال ألان : "وما ثمن هذا المزيج العجيب ؟"

فقال العجوز : "إنه ليس غالي الثمن مثل منظف القفـازات أو منظف الحياة ، كما أسميه أحيانا ، لا ، إن ثمن ذلك خمسة آلاف دولار ، لا أقلَّ سنتا واحدا ، وعلى المرء أن يكون أكبر سنا منك لكي ينغمس في مثل هذا الأمر ، وعلى المرء أن يدخر من أجله."

وقال ألان : "ولكن ماذا عن سائل الحب؟"

فقال العجوز وهو يفتح درج مائدة المطبخ ويُخرج أنبوبة زجاجية صغيرة قذرة المنظر إلى حد ما : "هذا بدولار واحد فقط."

وقال ألان وهو يرقبه وهو يملؤها : "لا يمكنني أن أعبر لك عن مدى امتناني."

فقال العجوز : "أحب أن أُرضي زبائني ، فيعودوا في مقتبل حياتهم ، عندما يكونون أفضل حالا ، ويريدون أشياء أكثر تكلفة ، تفضل ، سوف تجده فعالا جدا."

وقال "ألان " : "أشكرك مرة ثانية ، وداعا."

فقال العجوز : " إلى الملتقى."[5]





--------------------------------------------------------------------------------

* نُشرت في مجلة القصة ، العدد 59 (يناير 1989) ، ص ص 113 – 117.

عنوان هذه القصة هو “The Chaser" وهو ما يمكن أن يعني "شراب (من ماء أو جعة إلخ) يؤخذ بعد مسكر قوي" ، كما أنه يعني أيضا "المطارِد" وهي كلمة تعكس موقف بطل القصة من الفتاة التي يحبها والتي يبدو أنها لا تبادله الشعور نفسه ، كما أنها قد توحي أيضا بالعلاقة بين الرجل العجوز وبطل القصة ، وهي العلاقة التي تتضح للقارئ من نهاية القصة. (المترجم)

** كاتب قصص قصيرة وروائي وشاعر إنجليزي المولد ، ولد في عام 1901 ، وانتقل إلى الولايات المتحدة وعاش في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا ، ونشر كثيرا من إنتاجه في المجلات الأمريكية، وتتميز قصصه القصيرة ببعض الغرابة والسخرية وقوى ما وراء الطبيعة. وقصة "الشراب" هي إحدى قصص مجموعة قصصية نشرت سنة 1951. (المترجم)

[1] شارع متواضع في حي تشايناتاون Chinatown وهو الحي الصيني في مدينة نيويورك. (المترجم)



[2] في الأصل الإنجليزي life-cleaner وهي تعني منظف حياة أو مزيل حياة. (المترجم)



[3] السِّنْت عملة معدنية تساوي 1/100 من الدولار الأمريكي. (المترجم)



[4] العبارة التي لم يكملها ألان هي "منشط للرغبة الجنسية." (المترجم)



[5] استخدم الكاتب au revoir الفرنسية ، مما يوحي بأن ألان والعجوز سيلتقيان في المستقبل مرة أخرى أو مرات أخرى. (المترجم)