بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ حسين تحية طيبة واتمنى ان تكونو بخير ...
اشكرك الشكر الجزيل لو تفضلت واجبت على هذه الاسئله وانا غير مستعجلة متى ما يكون عندكم مجال..

حسين الاعظمي
ــ ولد الفنان الكبير في الاعظمية / بغداد عام 1952
ــ حصل على شهادة دبلوم فن في الموسيقى والغناء عام 1980
ــ حصل على بكالوريوس في العلوم الموسيقية عام 1991
ــ غنى الأعظمي في أكثر من سبعين بلدا وتجاوزت حفلاته الخارجية الثلاثمئة حفلة في أشهر المهرجانات والمسارح العالمية..وهو عضو نقابة المؤلفين والملحنين الفرنسية نتيجة نشاطاته الفنية الكثيفة في باريس.. حاز العديد من الاوسمة والميداليات والشهادات والالقاب من جهات مختلفة محلية ودولية , اهمها سفير المقام العراقي وشغل مناصب ومراكز كثيرة أهمها عميد معهد الدراسات الموسيقية في بغداد .

استاذ حسين . . حياتكم ( ماشاءالله ) حافلة بالعطاء والابداع , وشخصكم الكريم اشهر من أن نقدمكم لقراء مجلتنا ( الصوت الاخر) , ومن اراد ان يتابع حياتكم الفنية , سوف يجد في الصحف والمجلات والكتب والشبكة الدولية ما يشفي غليله ..
لذلك فان أسئلتي ( اذا سمحتم لي ) ستنحو منحى آخر ..

س1 ــ الغربة في ابداعاتكم .. اين هي ..؟مالذي اعطته الغربة لفنكم ..؟ ومالذي اخذته منكم .؟

( ج 1 –)
ان الغربة التي اعيشها ويعيشها غيري من اخوتي العراقيين , تبدو غربة حقيقية , لانها قسرية واجبارية بصورة او باخرى , فالاحتلال ومن معه من القوى الأقليميه الحاقده على العراق على مر التاريخ , يعملون على قدم وساق وبلا هوادة على تحطيم العراق وتهجير ابنائه الاصليين باساليب في غاية الاحتراف بالاجرام والشراسة وسلب حقوق الناس الابرياء , بل قتلهم وتشتيتهم , وبالنسبة لي فقد سافرت الى الكثير من البلدان في ارض الله الواسعة , وغنيت في اكثر من اربع وسبعين بلدا منذ عام 1973 وحتى هذا اليوم , ولكن جميعها لم اتاخر في غيابي عن بلدي العزيز العراق اكثر من ثلاثة شهور في اكثر تقدير , وغالبيتها اسبوع او اسبوعين او اكثر , لانها مشاركات في مهرجانات دولية او اقامة حفلات او اسابيع ثقافية او مؤتمرات او غير ذلك .. فلم اشعر بالغربة يوما , لقد كنا آمنين مطمئنين ولكن ماذا نقول للقدر , لا يرحم الله إلا راحم الناس , وهو ارحم الراحمين , غربتنا غربة بالقوة شئنا ام ابينا , ولسان حالي يمتثل للبيت الشعري حيث يناجي الشاعر بلده وابناء بلده اذ يقول

لا تقـــــــــــولوا صـــــــــدّ عنّا وجــــفا عندكم روحي وعـــــــــندي بـــــدني

انا في البلد الشقيق الاردن منذ سنتين تقريبا بعد استقالتي القسرية من عمادة معهد الدراسات الموسيقية حيث وصلني اكثر من تهديد بالقتل لي ولعائلتي وانا الان اقول ذلك لاول مرة رغم ان اهداف التهديد لم تكن سياسية او بسبب عداوة ما , وانما كانت على الارجح ازاحتي من عمادة المعهد طمعا في ادارته .. انا الان بين اخوتي الاردنيين معززا مكرما وسوف لن انسى جميلهم , هذا البلد العربي الذي آواني وآوى عائلتي وآوى كل العراقيين , ولكن يبقى الوطن الاول هو الجذر وهو الماضي وهو الذكريات وهو المرجع واسمحي لي سيدتي ان استحضر الابيات الشعرية الاثيرة للشاعر المرحوم د. رشيد العبيدي حين يقول

قالوا غَبرْتَ تراثَ الخــــالدينَ وقــــــــدْ نراكَ تبــــحثُ لا ضيقٌ ولا نصـــبُ
أما ستتركُ مـن أودى زمـــــانهــــــــــمُ وإنك إبـــن زمــانٍ أمرهُ عَجَــــــــــبُ
فقلتُ ذلكَ أصلي قد رَجَــــعْتُ لـــــــــــه وكيف أُعـرَفُ لا أصــل ولا نســـبُ
انا ابن هذي الرباالخضرِالتي إنغـرستْ في تربها القيــمُ المعطــاءُ والنشـــبُ
انا الذي كتبَ التـــــاريخَ ملحمـــــــــــةً لامـــةٍ تتـحـدى كـلَ مـا كتبـــــــــــــوا

ان الغربة سلبت مني الكثير من المستلزمات والامكانيات الذاتية , فالقلق والاضطراب في انفسنا يبدو ضاربا في غموضه , مكبلاً نتاجاتنا الفنية وافكارنا وخيالاتنا الابداعية على الشكل الذي يلبي طموحاتنا التي نبغيها , ولكن ايماني العميق بان الحياة لا تتوقف ولا بد من مواكبتها , ورغم ان عملي الخارجي الذي عـُرفتُ به قد قلَّ كثيرا , إلا أنني مع كل ذلك انجزت اصدار كتابين فيما يخص المقام والموسيقى العراقية خلال السنتين الاخيرتين في بيروت عن طريق المؤسسة العربية للدراسات والنشر , وهما (المقام العراقي باصوات النساء) مطلع عام 2005 والكتاب الاخر (الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها) مطلع عام 2007 وقد سبق ان صدر كتابي الاول عام 2001 واسمه (المقام العراقي الى اين؟) وقبل ايام كنت في الجزائر في مؤتمر الموسيقى الاندلسية وقعت عقدا مع وزارة الثقافة الجزائرية حيث يصدر كتابي الرابع ان شاء الله خلال الشهرين القادمين وعنوانه (الاربعة الكبار في المقام العراقي)
وبذلك لم تعطني الغربة شيئا بقدر ما اعطيتها انا , فقد شاركت ايضا خلال هذه الفترة ببعض المشاركات منها في الجزائر اواخر عام 2005 واقمت عدة حفلات في ذكرى مرور خمسين عاما على الثورة الجزائرية وكذلك في مهرجان البحرين الدولي الرابع عشر , واقمت حفلة ختام المؤتمر العالمي لدراسات الشرق الاوسط في المركز الثقافي الملكي بعمان اواسط 2006 وشاركت في احتفالات افتتاح العاصمة الثقافية العربية في الجزائر مطلع هذا العام 2007, وفي اذار2007 شاركت في المنتدى العلمي في ذكرى مرور خمس وسبعين عاما على اقامة اول مؤتمر للموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 وفي الشهر الماضي كنت في الجزائر مرة اخرى في مؤتمر الموسيقى الاندلسية ..

س2 ــ اذا كان المقام بالنسبة لكم هو( موهبة وثقافة بيئية ) , الم تسهم الغربة في أرض الله الواسعة ( وهي بيئة جديدة ) .. الم تسهم في تلوين ابداعاتكم ..؟ وهل اضافت لها شيئا ..؟

( ج 2 - )
على الرغم مما صرحت به قبل قليل , اذ لا بد للغربة من فعــــل شئ حتى لو كان ذلك باللا وعي , والتحدي والاصرار والتعبير عن المعاناة الواقعية التي نعيشها بعيدين عن بلدنا العزيز لها اثر فعال , وعليه فانا اجتهد بنفسي بل اقاتل الظروف القاهرة محاولا خلق جو من العطاء الفني , وهكذا ترين يا سيدتي تلوين بعض العطاءات الفنية والعلمية والثقافية في اصدار الكتب او اقامة بعض الحفلات او إلقاء المحاضرات الموسيقية في بعض الجامعات الاردنية وكذلك الامر في المعهد الوطني للموسقى لمؤسسة الملك حسين في عمان وما عدا ذلك فان معظم وقتي جالس امام الكومبيوتر ابحث واكتب واقرأ واطلع .. وعليك ان تتاملي ان الكتابين الاخيرين اللذين صدرا خلال السنتين الاخيرتين كانا من اخراجي وتنفيذي في الكومبيوتر بنسبة 99 بالمئة لايصاله الى المطبعة جاهزا تماما ..

س3 ــ المقام فن صارم , تحكمه قوانين ( عصية ) على التجديد والتغيير , كيف يتواءم ذلك مع طبيعتكم التواقة للابداع ..؟ , والابداع خلق وتجديد ..!

(ج3 –)
لم تمر البشرية في أي عصر من عصورها , بمثل ما تمر به الان من سرعة وحركة دائبة لا يوقفها الملل والكلل ..! لقد تزعزعت الكثير من اركان التاريخ وهوجمت الخصوصيات والبيئات من خلال سلبيات التطور التكنولوجي المخيف التي يحاول فيها بكل جدية صهر هذه البيئات تحت ما يسمى بالعالمية ..! ولكنها عولمة حقيقية بكل ما تحتويه هذه المفردة من معنى وليس العالمية .. انها الهيمنة والسيطرة على كرامة الشعوب بكل ما تمتلكه من مادة ومعنى , لقد كتبت يوما في مفكرتي اليومية قبل اكثر من خمسة عشر عاما التي ادون فيها احداث يومياتي , بان الانسان سيمر باهانة وظلم وتعب لم يكن قد مر به على مدى عصور البشرية , فحتى في زمن العبودية لم تكن مشكلة الانسان مثل مشكلته التي يعيشها اليوم , فقد كان العبد عبدا والسيد سيدا , كل مقتنع على وجه العموم بموقعه نسبيا .. اما انسان اليوم حيث يقولون له او يطلقون عليه سيدا ولكنه في الحقيقة يعيش حياة اسوا بكثير من ذلك العبد الذي عاش زمن العبود ية ..!! لقد تطور الفكر التكتيكي والخديعة لدى الانسان بصورة احترافية مذهلة فاقت كل التصورات والحسابات ..! على كل حال , نعود الى الفن , ان الاسلوب الغنائي الذي يغنى به المقام في بغداد تجعله يمتلك بصورة او باخرى امكانية الحركة والتطور انطلاقا من كونه يترعرع في مدينة بل عاصمة , وفي المفهوم الفولكلوري العلمي ان كل شئ في المدينة يتحرك , لان المدينة مركز فكر وحضارة وينطبق ذات الامر في اربيل والسليمانية ودهوك والموصل وكركوك لان بيئة المدينة متحركة على الدوام وهي البيئة الوحيدة التي تتصف بهذه الميزة عن باقي البيئات الاخرى التي تتصف بالثبات كالبيئة الريفية او البدوية او الصحراوية او السهلية او اية بيئة اخرى عدا بيئة المدينة .. ان المقام العراقي تراثا حضاريا يبدا عفويا لكنه يتهذب فكريا وعقليا وليس موروثا عفويا تماما , والفرق بين مصطلح التراث والموروث من الناحية العلمية موجود ولا مجال للاطالة هنا ونترك ذلك في مناسبة اخرى ان شاء الله ..

س4 ــ يقولون ان عطية شمة قد انشأ ( مدرسة ) لتدريس العود .. افلا يستحق ( المقام ) مدرسة تمتد فروعها في أكثر من دولة عربية وغير عربية ..؟

(ج4 -)
قبل ايام كنت في الجزائر كما قلت قبل قليل مدعوا من مؤتمر الموسيقى الاندلسية وقد قابلت السيدة خليدة التومي وزيرة الثقافة حيث وافقت على مشروعي في انشاء مدرسة خاصة باصول الغناء في العاصمة الجزائرية وانا انتظر تكملة مستلزمات اعداد هذه المدرسة من قبل وزارة الثقافة ومن ثم الشروع بانشاء المدرسة والاقامة في الجزائر ان شاء الله , ومن ناحية اخرى فانا الان ادرس مادة الغناء والمقام العراقي في المعهد الوطني لمؤسسة الملك حسين بعمان وقد كنت قد طرحت نفس المشروع لاقامة المدرسة الغنائية في عمان , وسيبقى الامر رهن الظروف ..

س5 ــ ألا تتفق معي سيدي الاستاذ , في ان المقام يسكن برجا عاجيا , وأن بعض سكان هذا البرج قد تخلوا عنه الى ابراج أكثر تواضعا , طمعا في الانتشار والتكسب , لماذا لا نجد صيغة اكثر مرونة للمقام , بحيث ننتزعه من ايدي الصفوة ..؟

(ج5 -)
انني اتفق معك يا سيدتي في وجود الفجوة الجمالية والذوقية بين اداء المقام العراقي والجمهور المستمع , ويرجع ذلك في اعتقادي الى مسؤولية المعنيين والقائمين على امره , فلا تزال ثقافة معظمهم بسيطة , ورؤيتهم الجماهيرية في التوصيل بسيطة هي الاخرى , واساليب العرض اكثر من بسيطة او بائسة رغم وجود الخامات الصوتية الجيدة والقادرة على فعل الكثير , الا ان الامر لا يتوقف على وجود اصوات جيدة فقط بل هناك مقومات عديدة واجب توفرها لدى المؤدي خاصة في النواحي الفكرية والثقافية والجمالية والقرب من عالمنا المعاصر بالاطلاع والاحتكاك والتعرف على موسيقاة العالم وقيمة التطورات الموجودة لنعرف اين موقعنا من التطور الموسيقي في البلدان الاخرى فضلا عن المقومات الشخصية الاخرى التي يفترض ان يتمتع بها الفنان نفسه منها مثلا التوازن النفسي والشخصية الخفية في الحضور الادائي والاخلاق والمبادئ القيمة والالتزام والتعامل الحضاري مع الفن ومع الناس وغير ذلك من امور يطول الحديث عنها , ولعل تجربتي التي اقمت فيها حفلات شهرية من عام 1995 حتى عام 1999 في قاعة الرباط ببغداد كانت ناجحة فيما اعتقد , فقد تنوعت عروضنا في هذه الحفلات , الامر الذي عمل على خلق جمهور جديد للمقام العراقي , كان خليطا من كل فئات المجتمع الذوقية والطبقية والثقافية وبكل الاعمار اضافة الى انه اول جمهور مستمع للمقام العراقي يكون غالبيته من النساء بعد جمهور ناظم الغزالي .. ان الحديث عن مثل هذه التجارب كثير وطويل وعليك يا سيدتي ان تنتبهي الى ان اسئلتك تحتاج الى اجابات طويلة لا مجال لتغطيتها في مثل هذه اللقاءات الصحفية المحدودة المجال ..



س6 ــ سؤال اخير سيدي .. العراق الغالي .. نزف كثيرا , ولا يزال ينزف , فهل وجد الألم العراقي صدى لأحزانه وألمه في كلمات المقام ولحنه ..؟

(ج6 -)
ان ضخامة فاجعة الاحتلال يبدو انها حطمت الكثير من آمالنا وطموحاتنا , انني اشعر الان باحباطات نفسية تفوق التصورات ان كان ذلك بوعي مني او بدون وعي , ربما لا يبكي الانسان على فقد شخص عزيز عليه جدا في البداية لهول المفاجئة , وهكذا نحن الجيل الذي نسينا فية مفردة الاحتلال واصبح امرها مستحيلا , واذا بنا نعيش ونشاهد احتلال بلدنا من قبل وحوش البشرية الذين عادوا الينا من جديد , ومع كل ذلك اعمل ما بوسعي في التعبير عن حالتي وحالة كل العراقيين من خلال نتاجاتي الثقافية والفنية وابحث عن نصوص تليق بالحالة , ولا يسعني في نهاية هذا اللقاء الا ان ابتهل الى العلي القدير ان يحفظ بلدنا ويعيده امنا مطمئنا سالما معافى انه نعم المولى ونعم النصير وشكرا لك سيدتي
ودمت لاخيك

سيدي الاستاذ .. نرجو لكم عودا حميدا الى وطنكم , وشكرا على رحابة صدركم ..

مع تحياتي ..
جيهان شيركو سعيد
أيار May 2007
















































































صورة / حسين الاعظمي يغني في مهرجان قرطاج 18/7/2007