المقام العراقي إلى أين .؟

عندما صدر كتابي الأول الموسوم – المقام العراقي إلى أين .؟ - في آذار March عام 2001 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ، التي تعد أشهر دار نشر في الوطن العربي .. كان العالم يودع القرن 20 ويستقبل القرن 21 .. ورغم ظروف الحصار الظالم الذي عانى منه العراق طيلة 13 سنة ، الأمر الذي جعل من ورود الكتب الجديدة الصادرة خارج العراق بطيئا او معدوما .!! بسبب فارق العملة الذي امسى كبيرا في ظل الحصار الظالم ، حتى أصبح هذا البلد منطقة محلية تماما من الناحية التجارية وأصبح المواطن العراقي شبه بعيد في إطلاعه على ما ينشر وما يصدر من مستجدات الثقافة خارج بلده وهو الذي يعد من أكثر القراء العرب إطلاعا وقراءة للكتب الثقافية ..! الأمر الذي حدا بي أن أطبع هذا الكتاب مرة أُخرى في بلدي العراق كطبعة ثانية ليطلع عليه القارئ العراقي وهو ما يهمّني جدا .. قبل دعوة وزارة الثقافة العراقية / دار آفاق عربية ، لطبعه عن طريقها .. ورغم كل هذه الظروف كانت هناك جمهرة من القرّاء والمثقفين والنقاد والمتخصصين قد إطلعوا على فحوى الكتاب وقد كـُتب عنه الشئ الكثير حتى وصل الأمر أن شعرتُ ببعض الإستغراب من كثرة إهتمام وسائل الإعلام بصدوره ..
على كل حال ، يبدو أن هناك بعض الأسباب الموجبة لهذا الاهتمام ، حيث إنتبهتُ إليها وأنا أطـّلع على هذه الكتابات النقدية والإخبارية إذ يمكن أن أوجزها بهذه النقاط ..

1 – يعد الكتاب أول إصدار فيما يخص المقام العراقي في القرن 21 ..
2 - = = = = = = = = يصدر خارج العراق ..
3 – يعد الكتاب أول دراسة تحليلية فكرية نقدية جديّة حول القضية الأدائية للمقام العراقي ..
4 - يعد الكتاب اول دراسة تقترب في منحاها من الناحية الأثنوموزيكولوجية في توضيح علاقة هذا الغناء وهذه الموسيقى التراثية بالمجتمع ، بالثقافة ، بالحضارة ، بالتأريخ ، بالمتلقي ..
5 – فضلا عن ذلك فقد إعتبر معظم النقاد أن في الكتاب ريادة أخرى كون المؤلف مطرباً للمقام العراقي حيث لم تكن سابقة لذلك ..

هذه هي أهم الملاحظات التي وردت في وسائل الإعلام والصحف العراقية وهي المنظور المشترك لكل النقاد والكتاب تقريبا .. وهناك أيضا الكثير من الكتابات التي نـُشرتْ في الصحف العربية وبالأخص ما يصدر منها خارج الوطن العربي وفي أوربا تحديدا .. ورغم ما ورد من تناقض في بعض وجهات نظر النقاد والكتاب في شأن الكتاب ، أود لأجل ذلك نشر كتابي هذا – المقام العراقي إلى أين .؟ - هنا عن طريق الإنترنيت بمساعدة الإخوة الأكارم في الشبكات الألكترونية .. كي تطلعوا عليه إخوتي القراء ويا حبذا لو أطّلع على ملاحظاتكم القيمة تجنبا للأخطاء في المستقبل .. وبعد نشره ووصوله اليكم أعزتي الأفاضل ، سأقوم أيضا بنشر أهم الكتابات النقدية التي نشرت حول الكتاب .. وبهذا يبدو لي أن صدور هذا الكتاب وهو كتابي الأول وباكورة أعمالي الكتابية كان مفاجأة للجميع ، الأمر الذي جعل من صدوره مصدرا لإهتمام السادة النقاد والكتاب المتخصصين والمثقفين على وجه العموم .. وإليكم سادتي الأفاضل الكتاب على شكل حلقات متتالية راجياً قراءته مع إستقبال ملاحظاتكم المهمة ..

ودمتم لأخيكم






أخوكم your,s
مطرب المقام العراقي singer of Iraqi maqam
حسين إسماعيل الأعظمي hussain ismail al aadhamy
عمّان amman jordan
00962795820112 gabel al hussain
الأردن ، عمّان ، جبل الحسين b.x 922144
ص . ب 922144 hussain_alaadhamy@yahoo.com

















المقام العراقي
الى أيـــــن !؟


دراسة تحليلية فنية نقدية فكرية برؤية مستقبلية




















تأليف
حسين اسماعيل الاعظمي بغـداد 2000










إلى
زوجتي .. وأبنائـي

وديان وغسان والتوأم صبا ونوى


























شُكر وتقدير
لايسعني في هذه الكلمات القليلة الا ان اتوجه بجزيل شكري وتقديري واحترامي لكل من اعانني في انجاز هذا الكتاب واخص بالذكر شقيقي الغالي محمد واثق اسماعيل ( ابو هدى ) والصديق العزيز محمد رضا ( ابو غيث ) لتنقيحهما فصول الكتاب لغوياً وبفترات متفاوتة بسبب الفترة الطويلة التي انجز فيها الكتاب وبسبب الزيادات والاضافات المستمرة اليه متمنياً لهما كل التوفيق والنجاح – كذلك اتوجه بالشكر الى استاذي الفاضل عبد الكريم عبد الرزاق العبيدي ( ابن جيجو ) الذي أضاف الكثير من افكاري وساعد على تطورها وظل يحثني لي على طلب العلم دائماً منذ ان تعرفت عليه شخصياً ايام تلمذتي في معهد الدراسات الموسيقية عام 1974 .
كما اتوجه بشكري الجزيل لعائلتي الحبيبة ، زوجتي وابنائي الاعزاء ، وديان وغسان والتوأم صبا ونوى الذين اعانوني كثيراً في النقل والمراجعة والتدقيق كما اتوجه بشكري الجزيل الى اخي العزيز الشاعر الغنائي حامد العبيدي الذي هذب الكثير من الابيات الشعرية التي وردت في الكتاب وجاءت غامضة في النقل من التسجيلات الصوتية خاصة الارباكات العروضية كما اتوجه بالشكر الى الصديق العزيز السيد زيد رجاء ابو العيس صاحب مكتب الهرم في باب المعظم الذي هيأ كل المستلزمات لاخراج هذا الكتاب بجهاز الكومبيوتر قبل طبعه في المطبعة ولا انسى شكري الجزيل لاخي العزيز قصي جاسم حسين (اختام قصي) لجهوده الطيبة في تذليل كثير من العقبات . داعياً العلي القدير ان يديم الجميع ويحفظهم من كل مكروه …
والله الموفق



المؤلف
حسين اسماعيل الاعظمي























صورة لمؤلف الكتاب حسين الاعظمي مع بعض اوسمته اذار 1997





كتب من كتب عن الفن الرجولي ، وادلى دلوه من احسَّ ان الامانة توجب عليه ان يثري ويغني المكتبة العراقية على وجه الخصوص ، ولما كان الفن النبيل او الفن الرجولي هذا ، واعني به – فن المقام العراقي - الاصيل قد تهادت الغيوم حول نشأته الاولى وهبـَّت العواصف حول ترعرعه وتبخترت الامواج حول صَمْدِه وبقائه شامخاً … ولما كان القرن الحادي والعشرون قد جاءنا محمولا على صواريخ الفضاء الخارجة عن تصور عقول البشر وخاصة ابناء الدول النامية ، فما بالنا ان كان القرن العشرون قد وصف بعصر السرعة وبدأ القرن الحادي والعشرون يوصف من الآن بعصر الالكترون الذي لا اعتقد انه سيبقى عند هذه الصفة بل ستزداد صفاته بتطور العلم التكنلوجي المذهل ، منذراً ، بأن السرعة والدقة هما العقل المدبر ، وان نوع وكم الانتاج الفني هو المعيار الوحيد للبقاء في الساحة .. فلا وقت لتضييعه ولامجال للذوق ان يتحكم كما يحلو له وينتقي بدلال وهدوء ما ترنو اليه خلجاته الهيمى ووجدانه الخجل …
اقول ان كتابي هذا حصيلة فطرة وخبرة ودراسة وتجربة وتطبيق ، آليت على نفسي فيه الدقة والصدق .. مبتعدا عن الخلاف المبالغ فيه في الرأى والتطرف في وجهة النظر التي تعود في جزء منها على الاقل الى التذوق الفردي فانطلقت من احترام الذات واقصد احترام التذوق الشخصي على اعتبار ان كل انسان هو عالم بحد ذاته مع مراعاة وتأكيد المفاهيم العلمية والفنية والمنطقية متجنبا ما استطعت سبر ماطرح من آراء متباينة حول علمية المقام العراقي وحول امكانية تدوينه … فقد رأى البعض ان النقل الشفاهي المتواتر هو الضمان الحقيقي لأستمرارية هذا الفن وان لا ثمة تجديد مطلق .. بيْدَ أنهم اصطدموا بعصر الالكترون الهائل وتساءلوا ماذا تعني امكانية تدوين رنين صوت قادم عن بعد سنوات ضوئية عده …؟! ولسان حالهم يقول .. ماهو الليزر وماهو الانترنيت وما دخله بالموسيقى ؟ ولسان حالهم هذا وقف عاجزا في الاجابه عن سبب انحسار تذوق الناس للمقام العراقي .. في نهاية القرن العشرين ..!؟
ان كتابي هذا يتضمن دعوة للجميع الى ان يعطوا للتطرف إجازة وللتصلب موضعا على الرف ، ويدعو من يريد ان يعمل وللقادر على العطاء ، ومن له وجهة نظر فليطرحها ويحاول اثباتها … وليثبت ان لاتعارض بين عصر السرعة وبين انسيابية المقام واسلوبه الادائي الملائم … انه تراثنا العتيد والحبيب ، انه نحن … فدعونا نرفده بدم جديد طهور ، بيـْدَ اننا لابد ان ننتبه الى مواكبه روح العصر بحيويته وحركته وديناميكيته وديمومته مايجعل شباب الامة ينجذب إليه ويتقاطر نحوه … ولايحلو لهم بديل مهما تزيـَّن بآلات مخترعة تعطي رنيناً مصطنعاً …
وعلى اساس من الثقة ومن الايمان ، استعرضت في هذا الكتاب وجهات نظر مطروح بعضها وأخريات بمثابة صدىً لها وأخريات لها صلة بالتنظير … كل ذلك وارد حول الاداء المقامي في القرن العشرين من خلال المؤدين لهذا القرن أي منذ حقبة بدء التسجيلات الصوتية وتطورها … وتوخيت توضيح بعض الجوانب السلبية والايجابية على حد سواء وناقشت بعض المستلزمات المطلوبة لاداء الفنان الناجح بشكل عام ، أي انني تحدثت بعض الشيء عن القضية الأدائية وتحليلها ، بما يعتلج في داخلي من هموم حول مايسمى بالقضية التحليلية للأداء المقامي والتي لم يتطرق اليها كتاب حاول مؤلفه بصبر ورويـَّة ان يتحدث بتحليل علمي موسيقي حول تماسك البناء اللحني وكذلك عن تطور العلاقات اللحنية داخل المقام الواحد او خلال وحدة العمل الفني بشكل عام … وكما أسلفت فليس المهم التنظير لذاته وإلا أحسست للتو ، بالفقر المدقع …
ومهما تكن خلفية المرء الموسيقية ومهما تكن ميوله .. يجب عليه مراعاة القواعد الاساسية للاصول التقليدية للمسارات اللحنية للمقام العراقي ( Form ) باعتبار اننا نغني تراثاً تاريخياً يقترب الى التقديس .. فهو تراثنا نحن .. تاريخنا نحن .. سِجِل احداث الآباء والأجداد ومانحن إلا جسر صلب يجب ان نعمل ونوصل الامانة بكل اخلاص وصدق مع اضافة هويتنا وهوية عصرنا الذي نعيش فيه ، ليتنسى للباحث مستقبلاً ان يستنبط احكاماً واحداثاً وتاريخاً من خلال بحثه في هذا التراث الخالد .
ففي هذا الكتاب شيء من الرؤية المستقبلية ، ولا ادَّعي التنظير هنا ، ولكني ومن حقي ان اثبِّتْ رؤيتي الخاصة وتوقعاتي المستندة الى دراسة وبحث وتجربة وخبرة … فصفة القرن الحادي والعشرين مثلاً صفة – الألكتروني - كما قلت قبل قليل أرى انها قد لاتتعدى هذه الصفة عقده الاول وستغلب عليه صفات تطورية عديدة كلما توغل الزمن فيه … ويبقى السؤال المهم والملح .. هل ستنهي التكنولوجيا خصوصية البيئات !؟ وتُصهَرْ هذه الخصوصيات وتضمحل وتتمازج ..؟ أم يبقى هاجس العودة الغريزي لدى الانسان الى الماضي والى التراث ملحاً رغم هذه الظواهر العلمية المخيفة وتطورها المستمر !!..؟
بقي ان اقول شيئاً عن موضوعات هذا الكتاب التي كتبت في فترات زمنية مختلفة .. ويمكنني القول انني بدأت بكتابة شيء اشبه بالمقالة عن المقام العراقي وهموم ادائه واساليب عرضه التي لاتزال بائسة … فتطور الأمر حتى اصبح كتاباً بعد عشرين عاماً … وها انا اليوم اقدمه للقاريء الكريم عسى ان أكون قد قدمت شيئاً مفيداً وهو غاية ماأتمناه والله الموفق .



المؤلف 1999

حسين اسماعيل الاعظمي





الفصل الأول

الأداء الغنائي في العراق منذ أواخر القرن التاسع عشر
كان الاداء(1) الغنائي والموسيقي المقبول في بغداد والعراق عموماً ، منذ أواخر القرن الماضي حتى مطلع القرن العشرين الذي نعيش سنواته الاخيرة.. كان ولا يزال يعاني من تأخر وتخلف في كثير من مقوماته ومستلزماته الفنية الاساسية المطلوبة .. كان تقليدياً(2) بنسبة كبيرة ، حيث كانت القلة من المؤدين اسماء لامعة مسيطرة على الساحة .. لها سلطة قوية على مسامع الناس ، والاغلبية الساحقة تابعون للبعض .. فكان من هؤلاء البعض مثلاً أحمد الزيدان ورشيد القندرجي والملا عثمان الموصلي ومحمد القبانجي وحضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وصدِّيقة الملاية … الخ .
كان الاداء في خيالاته العاطفية ، يدور معظمه في التعبير عن هموم المجتمع الفردية والجماعية معاً ومعاناته ، كوننا نعيش في مجتمعٍ نامٍ له تأريخ عظيم ساد فيه العالم يوماً ، مجتهدون الآن في المضي قدماً لبناء مجتمع وحضارة(3) جديدة نستعيد بها ماضينا التليد.
كان الاداء متطرفاً في الالتزام بالاصول التراثية الغناسيقية خاصة في مضامين هذه الاصول(4) العريقة في غناء المقام العراقي .. نتيجة ضيق الافق الثقافي للمجتمع عموماً .. ولذلك فقد كانت التقاليد الأدائية إضافة الى تطرفها .. ثقيلة الوطأة ، تفرض نفسها بقوة على السواد الاعظم من المؤدين .. وقد تميـَّزتْ هذه الحقب أيضاً بالاتجاه الاخلاقي القوي في مضامين القصائد وكلام الاغاني سوى بعض الشطحات من قبل بعض المؤدين الذين غُلبوا على امرهم عند تسجيل بعض الاغنيات ذات المضامين الكلامية البذيئة ، يناظر ذلك وجود بعض الشعراء من هذا المستوى الاخلاقي الواطئ . فإن الكثرة من المؤدين يتناولون المبادئ الاخلاقية والفضيلة في اختيار قصائدهم ولا يزال الكثير من المؤدين ملتزماً بهذا المنحى .. وكانت أيضاً ، أكثر تعابير ومعاني القصائد المغناة وكلمات الاغاني تعبر عن هموم وتجارب(5) المجتمع وعرض النصائح والحكم والشكوى والألم والأنين والتحذير من مفاجئات الزمن .. الخ ، ونرى ذلك واضحاً في مجموعة من أغاني زكية جورج وسليمة مراد وغيرهما(6)، ولا داعي ان نستعرض غيرها من الاغاني فإن معظمها يوحي او يتحدث عن هذه الهموم .. ومن جانب آخر فقد سادت القصائد والتعابير الصوفية في أداءات المقام العراقي نظراً للعلاقة الوثيقة بين اداء المقامات العراقية واداءات الشعائر الدينية في الاذكار والتهاليل والمناقب النبوية الشريفة(7) التي بسببها حوفظ على هذه الاداءات اللحنية المتعاقبة على مدى التاريخ كما هو معروف.
ويمكننا من ناحية اخرى أن نؤشر بعض الاسماء من المؤدين الذين تميزوا عن الكثير من اقرانهم بالخروج من محيط المحلية والتقليدية الصارمة ومن ثم تلوين الاساليب الادائية ببعض من المسحات التجديدية والابداعية(8) ، أبرزهم المؤدي والمطرب الكبير محمد عبد الرزاق القبانجي(9) ، الذي يعد بحق رائد الطرق الحديثة في تجديد وتطوير الاساليب الادائية للمقام العراقي .. وذلك بالرغم من وجود بعض الابداعات من قبل المؤدين الذين سبقوه .. بيد أن القبانجي كان ذا افق اوسع في هذا المجال .. ، وتميز عنهم بأنه اول من خرج في ابداعاته عن محيط المحلية (10) اذ تأثر ببعض أساليب الاداء الغنائي للبلدان المجاورة .. لكننا نستطيع أن نؤشر أيضاً وبقوة في ظل ظروف تلك الحقبة أن الألتزام الأكثر اهمية للمؤدين بل وحتى المستمعين كان ينصبُّ في تطبيق الاصول التقليدية للمسارات اللحنية لاداء المقامات العراقية ، ولم تكن الثقافة او مجالاتها كافية للاهتمام بالنواحي الاخرى المطلوبة في تقويم اسس الاداء السليمة ..
ومن الاسماء الاخرى التي جددت في اساليبها الأدائية ، حسن خيوكة(11) الذي يمتاز بأهدأ أداء عرفه المقام العراقي والذي ادى المقامات بطريقة متزنة سماتها الرخامة والحس العميق والخيال العاطفي .. وكان المؤدي الشهير ناظم الغزالي(12) هو الآخر من الاسماء البارزة في التجديد والابداع الذي يعد بحق أفضل مؤدي عربي وعراقي من حيث الاداء الفني في القرن العشرين ، فقد كان شديد الاحساس بجمالية ادائه وتلويناته بين القوة والضعف والضغوطات داخل الجملة الادائية ، وبروح ادائية متحضرة امتلك فيها لب الجماهير بشتى فئاتها واعمارها وبذلك فقد اقترب كثيرا من جعل المقام العراقي غناءا جماهيرياً…وهناك اسماء اخرى كثيرة مثل زهور حسين(13) التي اضافت تعابير جديدة في الاداء المقامي رغم انها لم تؤد المقامات كاملة وكذلك بالنسبة لسليمة مراد(14) التي ساعدت شهرتها على تناول المقامات سماعا لدى الجماهير والعملاق يوسف عمر(15) الذي تميز باسلوبه البيئي المعبر عن بغدادية التعبير المقامي بكل دقة …
كانت الثقافة الادائية في الغناء والموسيقى عموما في العراق والوطن العربي اواخر القرن الماضي ومطالع هذا القرن متواضعة وبسيطة في مفاهيمها ، حيث كانت التقليدية كما قلنا هي السمة الغالبة للعاملين في مجال الفن الموسيقي بشكل عام .. ولكن في خضم التطور السريع للعلوم التكنولوجية ، بدأت روح جديدة تبعث لاظهار الامكانيات الفنية للفنانين الموسيقيين والمغنين رافقتها المثل المستنيرة للتعابير الادائية سواء في الاداء التراثي او الأغاني التي بدأت تكتب وتلحن وتؤدى من قبل اناس معلومين لتصل الى مختلف فئات الشعب .. ورغم ان هذه الفترة نراها بأنها بداية المرحلة التجارية للفن الغناسيقي ، الا انها امتازت بوجود تذوق حيوي للاداء التراثي يدلل على ان هناك بقية من قوة عهد الرواد الذين امتازوا بالسمو الروحي في تعابيرهم الحسية والخيال العاطفي الجياش .. ولكن لابد من الاشارة ايضا الى ان هذه الحقبة من بداية تطور اجهزة الحفظ والنشر والتسجيل .. تعتبر في نفس الوقت حقبة بداية تزعزع العلائق التي تربط الناس مباشرة بالمأثور الشعبي الاصيل .. ومنذ ذلك الوقت بدأت حواجز الذوق في سماع الموسيقى والغناء تزعزع ثوابت التقاليد الادائية التراثية خضوعا لمتغيرات وتحولات العصر في تلحين وكتابة واداء الالحان الجديدة المستقاة اصلا من التراث الغناسيقي .. مما جعل التذوق التقليدي في سماع الغناء والموسيقى التراثية ينحسر ليتكون بعدئذ نمط جديد من التذوق لدى جمهور شاعت تسميته بجمهور ( النخبة ) ورغم ان هذا الجمهور تشكل من كل فئات الشعب الاجتماعية ، الا اننا لا نطمح على الاطلاق ان يبقى الاداء المقامي اسير هذه النخبة من المتذوقين في المجتمع ، فلابد اذن ان نعمل بكل جهد ومثابرة الى جعل الاداء المقامي ملكا لاذواق كل فئات الشعب الجمالية وليس الى نخبة ذوقية منه ، وعليه فان هذا الوضع يفرض علينا اللحاق سريعا سريعا بركب الحضارة وتطوراتها ومواكبة التغيرات والتحولات العظيمة التي نعيشها في عصرنا الراهن والتعامل بشكل منسجم مع روح العصر لكي نستطيع ان نصل بمستوى تعابير الاداء الغنائي التراثي الى محاكاة المتلقي الحالي … وطبيعي ان هذا الموضوع يتطلب الكثير من المستلزمات الثقافية والذوقية لتضييق الفجوة التي اصبحت عميقة بمرور السنين بين التعابير الادائية التراثية وبين تعابير الاداء المطلوبة في عصرنا الراهن في عنصرها الجمالي والذوقي وقد استثني من كل المسيرة الادائية المقامية خلال هذا القرن المطرب الحضاري ناظم الغزالي الذي تمتع بفن راق في الاداء اوصل به المقام الى اسماع كل العراقيين بل كل العرب في وطننا العربي فكان سفيرا للغناء العراقي بحق ، حيث عبر عن مرحلته وما تلاها اصدق تعبير ..