كتاب


المقام العراقي
الى أيـــــن !؟


دراسة تحليلية فنية نقدية فكرية برؤية مستقبلية




















تأليف
حسين اسماعيل الاعظمي بغـداد 2000













الفصل الثاني


















الحلقة (4)














شيء عن المقام
يسود الاعتقاد في الاوساط الغناسيقية ان المقام العراقي عبارة عن مجموعة اجناس موسيقية وغنائية تتصل ببعضها البعض لتكوين قوانين وعناصر واصول حُلـَّتْ ألغازها ..! بيد ان المقام العراقي اضافة الى وجود هذه الاجناس هنا وهناك في ادائه ، يعتبر نمطا معينا من النظام الدقيق ذي الاصول الادائية الرصينة ، وهو عمل حسي تمتزج مكوناته جميعا للحصول على الوحدة المتكاملة في بنائه وقابل للتطوير .
من هذا المفهوم ، تتجسد الاداء والافكار الشعبية للاداء المقامي حول عناصره ومكوناته الادائية الاصولية بشكل ان يكون طاغيا .. اوسع بكثير لما ينظر الى المتطلبات الفنية والجمالية لعملية الاداء هذه .. في الوقت الذي يتفاعل المتلقي المتذوق بشكل عام مع المادة المقامية او مع الاعمال الفنية عموما على اساس انه تعبير حسي يخاطب احاسيسه دون الاهتمام بدقة المكونات وقواعدها واصولها .. لذلك فان المفعول الاستاتيكي لعملية اداء المقامات لا يتعرض للتقويض ابدا .. فقد كان القبانجي محقا عندما رأى في الاداء المقامي بان عنصر التطريب يحتل موقعا مهما في الاداء حيث قال ( ان قضية الاداء قضية جمالية )(1) …
ان القوة التعبيرية للفنان عموما لا تتأتى من معناها وحدها ، بل من طبيعة شكلها ايضا ، لأن المحتوى يحتاج الى شكل ، والشكل يحتاج الى محتوى …. اذن ما سبب هذا التباين في آراء وافكار المؤدين والناس غير المتخصصين والمتذوقين والمهتمين بشؤون الموسيقى والمقام العراقي ..!؟ وكيف نفسر هذه التناقضات ..!؟ … يا له من واقع عجيب !!
لذلك نرى ان الآراء والافكار والنعوت والتعاريف حول ماهية المقام العراقي قد تعددت ، من قبل نقاد ومتتبعين وكتاب ومتخصصين في هذا الموضوع . ولما كان المقام العراقي لونا غناسيقيا تراثيا فقد كانت معظم التعاريف والآراء تصب

في محور الخصوصية البغدادية كون انهم تحدثوا عن المقام الذي يؤدى في بغداد …ومع ذلك فقد اختلفت التعاريف هي الاخرى وفيما يلي بعض هذه التعاريف .
1- يقول الحاج هاشم محمد الرجب في كتابه ( المقام العراقي ) معرفا اياه بما يلي ( هو مجموعة انغام منسجمة مع بعضها له ابتداء يسمى بالتحرير او البدوة وانتهاء يسمى التسليم وما بين التحرير او البدوة والتسليم مجموعة من القطع والاوصال والجلسات والميانات والقرارات يرتلها البارع من المغنين دون الخروج على ذلك الانسجام المطبوع )(2).
2- يقول جلال الحنفي ( المقام العراقي هو نمط بين الغناء عرف في بغداد وبعض المدن الشمالية ومنها الموصل وكركوك على اختلاف يسير بين مغني هذه المدن في تعاطيه وفي بعض تسمياته وكيان هذا النمط من الغناء يظهر في تجمعات نغمية يتحقق تجمعها وتأليفها وفق قواعد واسس اصطلح عليها اصحاب هذه الصناعة بحيث تبدو سليمة المنحى وذات محتوى مستساغ واطار جامع )(3) .
3- اما المرحوم شعوبي ابراهيم فيقول ( هو مؤلفة غنائية لها قواعد محدودة ، لانتقال المغني من نغم الى آخر ليكون للارتجال الغنائي نصيب فيه )(4) .
4- وفي تعريف المرحوم عبد الوهاب بلال نجد ان ( المقامات العراقية .. هي لون من الوان الغناء الشعبي العربي في العراق التي ضيفت الحانها في العراق .. فغناها المطربون البغداديون .. والمقامات العراقية … هي عبارة عن مجموعة من الالحان الشعبية المنسجمة .. والتي تعددت انغامها وتنوعت الوانها مما اصبح لها الاثر الكبير في الغناء العراقي .. والذي له الصدارة على جميع انواع الغناء في البلاد .. وقد غدت اصولها وقواعدها ثابتة بما يسمى بـ( المقامات العراقية ) وهذه المقامات كانت ولا تزال تغنى في العراق(5) .
5- يشير الاديب الموسيقي اسعد محمد علي ، الى ان المقام العراقي ( هو فن كلاسيكي له ضوابطه ومقوماته )(6) .
6- يقول الباحث كمال لطيف سالم ( ان اهم ما يميز الغناء عندنا المقام العراقي الاصيل الذي لا يغنيه سوى اهل العراق وان كانت انغامه ذات صلة بالانغام الموجودة في الموسيقى العربية )(7) .

المقام بين الماضي والحاضر والمستقبل
يعتبر التجديد والابداع في اداء القبانجي لهذا المقام او ذاك ، بشكل عام ، درجة في سلم الانتقال من التقليدية الى التجديد ، حيث تتجلى السمات الابداعية التي اضافها القبانجي في ادائه للمقامات ، وبها كان القبانجي يتوقد نشاطا قوي الارادة ازاء كل الاراء المختلفة ، انني ارى كما يراه الآخرون فيما اعتقد بأنه لابد للمؤدي المقامي ان يعتمد في ادائه الغنائي على ثالوث زمني مهم ، بل غاية في الاهمية ، هو ان ينطلق من الماضي ويعيش الحاضر وينظر الى المستقبل بقناعة وايمان تامين ، خاصة وانه يؤدي مادة غناسيقية تراثية من الصعب تجاوزها .. فالانطلاق من الماضي يجعلنا نؤكد التسلسل التاريخي المترابط والمتداخل والمتماسك لاستمرار عملية التطور التي تحصل بشكل سليم حفاظا على اصالة المادة الغناسيقية المؤداة وارتباطها بجذورها . اما الحاضر المعاش فهو الذي من خلاله نربط بين الماضي والمستقبل ، وبالرغم من عدم وجود زمن حاضر في

حقيقة الامر ، لان الحاضر يصبح ماضيا في لحظته ، الا اننا نريد بذلك ربط ماضينا بمستقبلنا من خلال التجسيد الفعلي لهذا الزمن الذي اسميناه حاضرا ، والعمل فيه على تطبيق المستوى الثقافي الفطري والعقلي الذي يتمتع به المؤدي لغرض اضهار عملية التطور التي تحصل للمادة المؤداة من قبل المؤدي .. وطبيعي ان قيمة هذا التغير .. مرهونة بمستوى المؤدي الثقافي ، العفوي او الدراسي .. اما بالنسبة الى المستقبل فان النظر اليه بعين ثاقبة والتفكير به بتركيز ، يعد صلب حياتنا ، ومحور تطور ثقافتنا الغناسيقية(8) وتحسب وتقيم ثقافتنا على المستوى الفكري لمنظورنا المستقبلي ، فالماضي والحاضر يعملان في خدمة المستقبل ، خاصة وان الاهتمام بموضوع المستقبل اصبح اكثر جدية واكثر اهمية من أي وقت مضى بسبب سرعة الحياة التي نعيشها والتي تزيد سرعتها في كل لحظة نمضيها متزامنة مع تطور التكنلوجيا العصرية في سرعتها الهائلة التي لا يتصورها العقل ولا تستطيع تصوراتنا وتوقعاتنا ان تصل الى ما قد يحدث او يكون في حياتنا التي نعيشها او لا نعيشها مستقبلاً .
تنطبق كلماتي هذه على نحو ما ، على المؤدي الرائع ناظم الغزالي الذي استطاع بدقة ادائه وحسه المرهف وعقله النيّر ان يمتلك اداءه ويسير به نحو الآفاق المستقبلية … فقد كانت الخمسينيات والستينيات التي لم يعش الغزالي حتى نهايتها انعطافة اخرى في مسيرة الغناء البغدادي والعراقي على وجه العموم .. برزت فيها الاغنية العراقية الملحنة بشكل مثير ، اغنية تمتلك خصوصية عراقية مستقاة من الواننا الغنائية تحمل نظرة جديدة واعية للحياة ، ساعدت على تطورها وبلورتها انماط جديدة من العلاقات الثقافية والاجتماعية ، ادت بدورها الى ظهور العديد من المؤدين الجيدين للاغنية العراقية والبغدادية امثال .. سليمة مراد .. مائدة نزهت(9) .. زهور حسين(10) .. عفيفة اسكندر(11) .. ناظم الغزالي .. يوسف عمر .. عباس جميل .. رضا علي(12) ... الخ . مما ادى في النهاية الى بلورة الفن الواقعي الجديد .
البناء الفني
يقوم البناء الفني لاداء المقامات العراقية على مفهوم اساسي هو الديناميكية في الاداء ، ونعني بذلك الحركة الفنية المستمرة المتصلة في التغير والتنوع بين السلالم والاجناس الموسيقية والغنائية فيما سمي بالقطع والاوصال والاستمرار في اداء المقام كوحدة متكاملة ..
والنقاد والمتتبعون لشؤون المقام يتحدثون عن هذا العنصر الديناميكي لعملية البناء اللحني للاداء المقامي بتناقض ، حيث انقسموا الى فريقين ، كل فربق يريد ان يؤكد ، اما ديناميكية الاصول الادائية التقليدية او ديناميكية البناء الجديد في اختزال تلك الاصول او تهذيبها او الاضافة اليها واحلال الجديد محل بعضها .. وهذه القوى تتجلى بوضوح عندما نستمع الى حفلات او تسجيلات المقامات التي اداها المطربون خلال القرن العشرين … لهذا يجدر بنا .. ان ننظر الى هذه القضية بعين العلم والفن والمعاصرة … بدلاً من التعصب الى احد الفريقين .. ويمكن لنا ان ننطلق من نقطة معينة اراها مهمة جداً، هي دراسة وتحليل هذا التراث ومن ثم تأكيد وتوضيح الاصح من كلا الفريقين ومن ثم معرفة ماهية التراث والموروث الموسيقي بمعناه العلمي الاكاديمي ليتسنى لنا بعدئذ تقديم طرف على آخر…
الاداء المقامي عموماً ينجذب نحو هذين الاسلوبين او الفريقين كونه تراثاً وموروثاً مدنياً حضارياً… وفق اختيار حّر يبدو وكانه متروك لاهواء المؤدي وميوله ونشأته ، ويستطيع السامع المتذوق تحديد اسلوب كل من الفريقين فيما اذا كان تقليدياً او تجديدياً بعد سماعه بضعة جمل من غناء أي مغنٍ للمقام …
وفي صدد الدراسة الاكاديمية للتراث والمروث الغناسيقي يقول د. طارق حسون فريد (أنهما المادة الصوتية والنسيج الموسيقي المجسد لمجموع الارث الحضاري الموسيقي الذي يبتكر ويؤدى ويعاد اداؤه في هذا العصر(13) كما في العصور السابقة) ثم يسترسل ويقول : ( لا قيمة للتراث من دون معاصرة ولا قيمة للمعاصرة من دون جذر يمتد بالامة الى اعماق تجاربها الماضية في العطاء والابداع)(14)..
اذن فدراسات التراث والموروث بشكل عام تسعى في غايتها الى الكشف عن الانجازات والابداعات التي حققها الاسلاف ، أي اننا نبحث عن ثوابت المادة التراثية ومن ثم ما يطرأ عليها عبر المراحل التاريخية للغناء والموسيقى وتطورهما …
واشارة الى ما يقصد بالتراث الموسيقي وما يقصد بالموروث الموسيقي في الدراسات الاكاديمية رغم انهما يصبان في غاية واحدة هي الارث الحضاري، بيد انهما يختلفان من ناحية بعض الشيء من حيث تفصيلات المعنى المقصود حيث يقول د.فريد (يقصد بالتراث الموسيقي ، كل ما حفظ لنا حول الارث الحضاري الموسيقي مدوناً). وبالطبع يشمل هذا القول الارث عموماً.. وان ما يقصد بالموروث الموسيقي ( كل ما توارثناه من الاباء والاجداد وتعلمناه من خلال الملاحظة والمشاهدة والسماع والاستماع ، فهو الثقافة المنقولة الينا شفوياً ).. ان فنون الموروث الموسيقي ذات طابع جماعي من حيث الابتكار والاداء والتلقي عادة(15) .. وحول نفس الموضوع يحدد د.فريد ثلاث مستويات للتراث والموروث الموسيقي من حيث القيمة الحضارية…
1. المستوى الاول.. خاص بالاجناس العرقية والجماعات والقبائل والاقوام التي عاشت بمعزل عن التأثير الحضاري الانساني ولم تؤدِ فيه دوراً بارزاً يذكر ..
2. المستوى الثاني .. يشمل تراث وموروث الشعوب والامم التي ساهمت بدور رائد في الحياة الثقافية والفنية والعلمية ومختلف جوانب الحضارة الاخرى ضمن المسيرة الانسانية ، وكانت حضارتها تمثل احدى ذروات تلك المسيرة الانسانية الطويلة في عصر من العصور المتعاقبة ..
3. المستوى الثالث .. وهو تراث وموروث الشعوب والامم التي لم ينقطع بعد اتصالها بنتاج مسيرتها الموسيقية الفنية السابقة في القرون العشرة الاخيرة او لنقل منذ عصر النهضة (الرينيسانس)(16) تحديداً … فتراث هذه الشعوب الاوروبية الوثيق الارتباط بأنجازات مسيرة الفن الموسيقي المنهجي العالمي مازال خصباً وعطاؤه المتجدد مستمراً من خلال ابداعات العديد من المؤلفين الموسيقين الرواد ، أما ما يخص ثوابت ومتغيرات المادة التراثية ، فأنها عملية تسعى الى توضيح اتجاهين مهمين في شكل ومضمون التراث والموروث الغناسيقي وتطوره ، وهذين الاتجاهين أحدهما محافظ تقليدي يرفض التغير او التنوع او الاضافة والتجديد والاخر يرتبط بالابداع والخلق الفني والتجديد والابتكار ، لذا فأن الموضوع بشكل عام يرتبط بالحركة التطورية والتاريخية للتراث وكذلك التطور الفكري للفن الغناسيقي التراثي للمجتمعات على وجه العموم … ولما كان الامر كذلك فأنه يمكن تحديد او تأشير بعض النقاط التي تخص الموضوع :
1. ان المتغيرات التي تطرأ على ثوابت المادة التراثية ، تكون لدى الفرد اوضح واسرع حدوثاً من المتغيرات الجماعية…
2. تكون المتغيرات في المادة التراثية الدنيوية اوسع بكثير مما تحدث من متغيرات في المادة التراثية الدينية …
3. تزداد نسبة المتغيرات في المجتمع حسب المستوى الثقافي فكلما تقدم المجتمع ثقافياً ازدادت نسبة المتغيرات…
ان هاجس الشعوب الحية ان تتقدم الى الامام ، وتسعى الى الابداع والتطور والابتكار…
التصميم وروابط الاداء(17)
يفيدنا الكتاب والنقاد الموسيقيون وكذلك المثقفون من المهتمين بشؤون المقام العراقي بملاحظتهم التي تنشر في الصحف او المجلات او الكتب … بوجهات نظر ثمينة تتعلق بمواضيع التوافق الادائي في الغناء وعملية البناء اللحني وصياغته وحبكته ، وعن الطرق التي يتبعونها في الغناء وعن الانسيابية والتلائم في الاسترسال اللحني وبصورة اكثر عمومية عن صعوباتها وما يتعلق بالتصميم او الهيكل المقامي بشكل عام .
ان تطبيق عملية التصميم في بناء الهيكل اللحني في اداء المقام العراقي ، التي تعتمد على الربط فيما بين عناصر ومكونات المقام وعلاقاتها مع بعضها خلال عملية الاداء ، تتعلق بعملية اكثر عمومية يمارسها المؤدي ، منها التقطيع ومن ثم تنسيق المواد الاولية أي تنسيق الجمل اللحنية ، وهو امر موكول الى مهارة كل مؤد .. وان توزيع هذه العناصر على مجرى المقام واحداث التوازن بين الاجناس الموسيقية(18) المختلفة والكلام والتكرار الشعري واللحني والتناوب ، كل هذه الامور تعتمد على العلاقة الضمنية الصريحة التي يقيمها المؤدي بين مادة غنائه والسامع ، عندها يستطيع المؤدي ان يؤدي على هواه ، ويبقى الجمهور صامتا مستمعا ، فهناك اذن تفاهم ضمني بين المؤدي والسامع ..
لابد اذن ، من ان المغني عندما يقدم نتاجه الغنائي للجمهور ان يكون هناك جمهور صاغ لعمله الغنائي ، والا لماذا هذا النتاج ..!!؟ ما يحدث بصورة عامة في الاداء عند المؤدي هو ان تتخذ العاطفة والخيال مركزا لانطلاقها واشعاعها وبعكس هذه الحالة التي نتأملها ، لا يكون هذا الينبوع العاطفي في المقام او في الغناء عموما ، بل في المؤدي باعتباره يدعم حصيلته بدون ان يتطابق مع خيالاته … اما اذا اراد المؤدي ان يكون حاضرا في غنائه ومتفاعلا مع مستمعيه فان ابسط الطرق واكثرها شمولا هي ان يعبر عن نفسه وخلجاته وهمومه ومشاكله الذاتية .. باعتباره فردا بين افراد ، والافراد هم المجتمع ، المستمع الواعي الطروب ، ذو المشاعر الجياشة ، ويتحد افراده بان مشاكلهم متقاربة وهمومهم ومعاناتهم وما يحسون به تكاد تكون موحدة … فاذا ما احس المؤدي واستشعر بشجن واضح مؤثر مشاكله وهمومه ، فبالتأكيد سيحس به الجميع ويتفاعل معه الكل وستكون حتما الدموع واحدة فرحا او حزنا . عندها يضمن لنفسـه مكانـا رمزيـا يستطيع ان يرى فيه كل مكونات مادته الغنائية ، ومن ثم السيطرة على مقاليد الامور الفنية ، لان الذات في حقيقة الامر هي موضوع الاداء .
ان الغرض الاول من الفن والمهارة في الاداء الغنائي هو تنظيم وتهذيب النفس والمشاعر ، والاسلوب هنا له مكانة مهمة بل خطيرة وبه ايضا خلاص الحصيلة الغنائية ، اذن لابد ان نكون شديدي الاحساس بالعملية الفنية والاعتبارات البنائية الغناسيقية في الاداء المقامي التي يجب على الاقل ان نتقنها كأصول تقليدية غنائية في المقام العراقي ومن ثم التعبير من خلالها .. وهي صفة مميزة نستطيع بواسطتها ان نعين حدود الموهبة الادائية وميزاتها في نواحي اخرى اولها الابداع والتطوير .
يترتب على هذه النظرة انه ليس فرضا على المؤدي ان ينشد الاعمال او المقامات الكبيرة من اجلها هي ذاتها ، لانه في الحقيقة يجب ان لا يركز على حجم العمل الغنائي او على حجم المقام ان كان رئيسيا او فرعياً وانما على الاداء ودقته وصياغته .
ان الوعي الادائي للمقام العراقي كبير المسؤولية ودقيق الادراك وقد عبر عنه القبانجي ومن هم امثاله في المستوى ، تعبيرا مصيبا ، ونقطة الخلاف الكبرى بين القبانجي ومعاصريه هو وعيه الناضج بعلاقة المؤدي بالسامع وتماسكهما ، خلاف ما كان عدد كبير من معاصريه يرون ان المهم هو تطبيق الاصول التقليدية في اداء المقام العراقي حتى لو احتاج الامر الى عدم اصغاء المستمع اليهم !!! ويتناظر هذا الحديث بمعظم جوانبه على المطرب الشهير ناظم الغزالي الذي لم يكن الحكم على منزلته في الاداء المقامي من قبل الجماهير حكما عادلا دائما …! فهو في نظرهم لم يكن مقاميا محنكا بالرغم من ادائه لمجموعة جيدة من المقامات العراقية .. والتي اداها بشكل مثير ساعد على احداث تطور كبير في فن الاداء المقامي من الناحية الفنية والجمالية … وقد نجح فيها بشكل ملحوظ … وعلى كل حال فان الفنانة سليمة مراد التي اصبحت زوجته الاكبر الاكبر سنا منه والاكثر خبرة والابعد تاريخا فنياً ، كانت ولاشك تتفق مع ما توصل اليه من فن ، ربما كانت ، وهذا ارجح الظن ، المشجع الكبير له …
ورغم رحلات سليمة وكذلك ناظم ، خارج حدود الوطن فانها كانت مدركة وربما اكثر ادراكا من ناظم لواقع المجتمع العراقي ومتطلباته الجمالية ، اما ان ناظم اخذ الكثير عنها فهذا امر وارد ومحتمل ، بيد ان ناظم لم يكن تلميذا لها ، وانما كان فنانا مستقلاً !؟ عالج فنه باجتهاده اذ كانت الفنانة سليمة لها ميدانها الخاص ، والشبه الواضح بينهما هو اشتراكهما في ميزة غناء ( البستات )(19) الاغاني وبعض المقامات وحرصهما الدائم على تقديم التراث العراقي بشكل عصري(20) متطور .. وقد استدعى بينهما هذا ، معرفة بالمقاييس الادائية ، التي كانت سليمة قد فهمتها بوضوح اسبق كونها اكبر سنا واكثر تجربة ، بيدَ ان ناظم كان قد فهمها بوضوح اكبر .. وهذا يعني بان اداء سليمة هو اداء معاصر ملائم لروح عصرها ، وان تسجيلاتها الغنائية شاهدة على مدى نجاح ادائها الغنائي ..
اما ناظم الغزلي فانه فنان ذكي وناجح الى حد كبير ، ولما كان كذلك فانه لابد له من ان يذكرنا وفي مناسبات عديدة بقيمة المقاييس الادائية للغناء المقامي والتي اسبغ عليها تفسيراً اقرب الى العبقرية(21) .. وبذلك يكون الغزالي المعبر عن وجهة النظر المعاصرة بحق بل وحتى المستقبلية … ونحن نلمس الناحية العاطفية في الاداء الغنائي المقامي لنتائج هذه المقاييس .









أخوكم your,s
مطرب المقام العراقي singer of Iraqi maqam
حسين إسماعيل الأعظمي hussain ismail al aadhamy
عمّان amman jordan
00962795820112 gabel al hussain
الأردن ، عمّان ، جبل الحسين b.x 922144
ص . ب 922144 hussain_alaadhamy@yahoo.com