الأعضاء الأفاضل.

في أدناه، مقدمة لمحاضرة عامة ألقيتها على الهواء مباشرة في قاعة إبن الأثير بكلية الآداب/جامعة الموصل يوم 25/4/1999، لتصبح بعد ذلك رسالة دكتوراه رصينة أعدها الطالب (الدكتور) أنيس بهنام. أشرفت عليها لعدة أشهر، ثم واصل الإشراف عليها أحد طلابي، وهو الدكتور جاسم محمد حسن. كانت المحاضرة بالعربية والأنجليزية. عنوانها بالعربية:

مدخل إلى الدراسات الحديثة في الترجمة

وهدفها طرح إطار بحث نظري حديث في الترجمة، أسميته في حينها:

A tentative cognitive-pragmatic model of comprehension and translation processes

وأعتزم الآن على إعادة بلورة تلك الأفكار لتؤلف بحثا سأشترك به في المؤتمر الدولي الذي ستعقده الجمعية الدولية للبراغماطيقا (التداولية، أو "الفائداتية"، كما أترجمها)، والذي سيعقد في السويد العام القادم.

أرجو أن تنال رضاكم.

أ.د. دنحا طوبيا كوركيس

جامعة جدارا للدراسات العليا
إربد/ الأردن.


بدءا، علينا التفريق بين الترجمة كمهنة والترجمة كعلم متعدد الجوانب. وعلينا أيضا تحديد مفهوم الترجمة بشكليه العام والخاص، وعلينا الولوج إلى عالم الترجمة الذهنية أولا وقبل كل شىء. إن نظريات الترجمة الرائجة هي نظريات استعلائية، مبنية على خبرات المنظّرين الشخصية المبنية على أخطاء المترجمين أو أخطاء طلبة الترجمة، هذا إن كانت أخطاء فعلا. إنني أرى أنه مثلما تتطور العلوم الطبية بالاعتماد على عينات من الحالات المرضية، يتوجب على الباحثين في ميدان الترجمة إجراء سلسلة من الإختبارات على القائمين بالعملية الحية للترجمة، ومن كافة المستويات. هذا هو البديل الذي يقصم ظهر البعير، ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين. ليكن شعارنا القادم :التجريب، فالتجريب، ثم التجريب. إنها الإختبارات التي تجيبنا على جملة من التساؤلات، إهمها:
1. من ذا الذي يترجم آنيا؟ أهو محترف، أم هاو، أم مبتدأ؟
2. كيف يترجم؟ كلمة بكلمة؟ عبارة بعبارة؟ جملة بجملة؟ أم ماذا؟
3. هل يلجأ إلى القاموس؟ متى، وفي أي مواضع؟
4. ماذا يترجم؟ نص علمي أو أدبي، أو غير ذلك؟ ولمن يترجم؟

إننا نعلم جميعا بأن المترجمين، أيا كانوا، تتفاوت قدراتهم على الأستيعاب لأسباب شتى، منفردة أم مجتمعة، كأن تكون مرتبطة:

1. بالكفاءة اللغوية البحتة.
2. بالخلفية الثقاقية.
3. بالمستوى العلمي.
4. بالزمن المطلوب لتشفير الخطاب.
5. بالعمر.
6. بالجنس.
7. بسرعة الأستنباط الصحيح.
8. بطبيعة النص، ومدى تلاصقه وتماسكه.
9. وما إلى ذلك.

فمن كل هذه العوامل، التي تتداخل، نفهم بأننا أمام حالة غير متجانسة تقتضي حلا. فمن المعاناة، نفسية كانت أم ذهنية، وليس من الأخطاء اللغوية التي يرتكبها المترجم، نستطيع وضع برامج تدريبية.