سلسلة ... رحــــــلاتي ...

الجزء الثالث
الجزء الثالث
الجزء الثالث
الجزء الثالث
الجزء الثالث


اخوتي ، اصدقائي ، اعــزتي ،
الكـــرام ..
الى كل الاخوة والاصدقاء من المتابعين والمطلعين على كل الاخبار في أي مجال من خلال الخدمات الكبيرة التي يقدمها اخوتنا في كل الشبكات الالكترونية العالمية من مجلات وصحف وجرائد .. اسمحوا لي ان اكتب لكم (مرة اخرى)

وأطلعكم على يوميات رحلتي الى (تونس) هذا العام
في مشاركتي
بمهرجان قرطاج الدولي

منتصف تموز 2007 واليكم ما كتبتُ عن يوميات هذه الرحلة , مقسماً الموضوع على شكل حلقات متتالية ..



اخوكم your,s
مطرب المقام العراقي singer of Iraqi maqam
حسين اسماعيل الاعظمي hussain ismail al aadhamy
عمان amman jordan
00962795820112 gabel al hussain
الاردن , عمان , جبل الحسين b.x 922144
, ص , ب 922144 hussain_alaadhamy@yahoo.com




سلسلة ... رحلاتي ...




رحـــلاتي
إلــى
تـــونس


الجزء الثالث
---------

الحلقة(4)

وهي الاخيرة












22/7 تموز
-----------
تبدو الظروف الجوية المناخية تمر هذه الايام بموجة حر شديدة ، ليس في تونس فحسب بل في بقاع كثيرة من الارض ، او ربما في كل البقاع ، فالاخبار تأتي عن موجة الحر هذه من كل مكان ، ففي امريكا موجة حر وفي اوربا موجة حر وفي آسيا وافريقيا وكل مكان ..! ففي تونس والمغرب العربي كله ، تجاوزت درجة الحرارة الاربعين ..! وهو أمر نادر ، وعليه فقد كان حر هذا اليوم شديدا ، ولكنني وجدت نفسي مضطراً لزيارة صديق تونسي عزيز قديم لي ، ففرصة السفر والتواجد القريب من الاصدقاء ، لاتتكرر دائما ، وانا اشعر دائما كلما سنحت لي الفرصة بزيارة البلد العربي الاصيل تونس الخضراء ، بضرورة زيارة هذا الصديق الصدوق ، انه أخي الحبيب كمال الزناتي .. خاصة وان هذا اليوم هو اليوم الاخير من سفرتي القرطاجية هذه ، وانني مغادر تونس غدا ان شاء اللـــه عائدا الى عمَّان مقر اقامتي ..
تستور منطقة تراثية عريقة وهي شبه قرية ، او هي قرية فعلا .. لكنها آخذة بالتمدن رويدا رويدا ، وهي تابعة الى محافظة (ولاية) باجة ، يبلغ سكانها حتى عام 2004 حوالي 23500 نسمة ، تبعد عن تونس العاصمة بـ 80 كم تقريبا ، او اقل بقليل ، ولعل مهرجانها الكبير الذي افتتحت دورته الاولى عام 1966 هو السبب المباشر في شهرتها في الوقت الراهن .. في حين ان شهرتها التاريخية جاءت من تاريخها الموريسكي الاندلسي ، ومن الطبيعي ان يكون ابناءها متقاربين كثيرا فيما بينهم من حيث العلاقات الاجتماعية والصلات التي تربط بعضهم البعض ، وعليه فإنك عندما تكون بينهم ، تشعر منذ الوهلة الاولى انك بين مجتمع متآلف لا يوجد فيه غرباء ، ويعرف احدهم الآخر بسهولة ، وهذا هو شأن حياة القرى والارياف ، اناس طيبون ، اناس يحتفظون بقيم ومبادئ خلقية عالية ، يحبون الضيف ويكرمونه ، مواقفهم الاصيلة ثابتة لا تتزعزع ، وبالتالي فأنت كزائر او ضيف تشعر انك بين اناس يحيطون بك ويغمروك بالمحبة والاحترام على الدوام .. وهذا الرجل كمال الذي عرفته وكذلك فتحي بن موسى من هؤلاء القوم الطيبون ، كان كل منهما معلما في احدى مدارس القرى القريبة من تستور .. ثم اصبح كمال مديرا للمدرسة فيما بعد ..
ومن شبكة الانترنيت اوافيك عزيزي القارئ ببعض المعلومات عن تاريخ هذه المنطقة ..





تاريخ تستور

على أطلال تيكيلا، التي تقع على طريق قرطاج تبسة ولم يبق من معالمها الرومانية سوى آثار السور والطاحونة على مجردة ، أسس الأندلسيون المهاجرون سنة 1609 تستور.



وتدل كتب الرحلات ومعمار الجامع الكبير،الذي بناه محمد تغرينو سنة 1630، وألقاب العائلات على أنهم ثغريون جاؤوا من قشتالة وأرقون وكانوا يتكلمون الإسبانية قرابة قرن ونصف بدليل قصيدة ابراهيم التيبلي في الرد على الناصري سنة 1628 وأغاني أحدهم للجنود الإسبان ضمن محلة الباي المعسكرة قرب تستور سنة 1746
ويبدو التطور العمراني منظما من حي الرحيبة ألى حي التغرين فالحارة حيث استقامت الأنهج وسطحت المنازل بالقرميد المحلي، واحتوت على كران للدواب وعلو للمؤونة وبيوت عربية منفتحة على صحن تتوسطه شجرة النارنج معبرة عن ذوقهم.

وقد حافظ الموريسكيون على استقلال داخلي، حيث تدل رواية خروفة على أنهم فضلوا الحرية على الثروة. وكان لهم "القوبرنادور" و"القوازيل" ثم شيخ البلد سنة 1768، بينما تصور رواية سيدي علي العريان انتصار النفوذ الديني المحلي على سلطة البايات العسكرية والسياسية بفضل أسوار من الأولياء الصالحين. وطبيعي ألا يطمئن الفارون بدينهم إلى غيرهم وألا يقبلوا جيرتهم ويزوجوهم بناتهم ويقاسموهم أملاكهم إلا بعد أن يختبروهم.

كما كانوا يحافظون على تراث متميز بالتأثير الأندلسي الإسباني في العادات والفنون والصناعات. ولئن انتهت مصارعة الثيران والحفلات الإسبانية وصناعة الشاشية فقد بقيت أكلات الكيسالس والبناضج والإسفنج وصناعة الجبة القشابية والمرقوم شهادة على تطور تستور من الإنغلاق إلى الإنفتاح.
وكان من نتائج ذلك التطور أن عرفت تستور، بعد اسلام الأندلسيين البسيط وفي حدود المساجد العديدة،، حياة دينية أكثر ثراء بأمثال علي الكوندي (ت 1708)وابراهيم الرياحي (ت 1850) واستنساخ اللمخطوطات وانتشار الطرق الصوفية كالعيساوية والرحمانية متاخلة مع المالوف في الزوايا إلى أن احتضنه المهرجان الدولي منذ 1967.
و لعل أخص ما تفتخر به تستور اليوم الفلاحة السقوية التي استفادت من التقنية الأندلسية المتقدمة بما فيها الناعورة،مما أثر إيجابيا في البيئة ووفر محاصيل الأشجار المثمرة المختلفة وخاصة الرمان والمشمش بأنواعه. ولسد سيدي سالم فضل كبير في دعم هذا الطابع منذ 1982
سالحق أن الإزدهار الفلاحي الذي غرفته تستور يرجع إلى تضافر اسهامات العناصر الإجتماعية المكونة لسكانها عبر انسجام تدريجي وليس إلى الأندلسيين وحدهم، رغم التنافس بينهم على المسؤوليات الحساسة كالإمامة والقضاء والمشيخة، مما بدل علاقة تستور بالخارج وطور اقتصادها، ووحد مواطنيها لأجل الإستقلال في مظاهرة 26/02/1953 و لأجل التنمية من خلال العمل البلدي.
نص أحمد الحمروني




صورة / على مسرح مهرجان تستور ، الواقفون من اليمين باهر هاشم الرجب وجبار سلمانوحسين الاعظميوالحاج هاشم الرجب وحسن النقيب في 1/7/1976 مع ملاحظة البيتين من الشعر ترحيبا بالوفد العراقي
ابناء دجـــــــــلة مرحبا فاضت بنا الاشـــــواق
فكأن تســــــــتور بكم قد زارها اســـــــحاق
وهكذا كان تشرفي بمعرفة اخي كمال الزناتي في بداية تموز July عام 1976 عشية مشاركتي في مهرجان تستور الدولي العاشر .. وكان معه صديقه العزيز فتحي بن موسى ، ولكن التواصل كان بصورة اكثر مع اخي كمال الزناتي ، من خلال الرسائل البريدية والاتصالات الهاتفية احيانا .. وفي عام 1981 عندما دعيت مرة اخرى الى مهرجان تستور الدولي الخامس عشر ، إلتقيت باصدقائي مرة اخرى ، ولكنني غبت عنهم بعد ذلك احد عشر سنة مرة واحدة ، وخلالها تعثرت الاتصالات بيننا خاصة أرقام الهواتف التي تزاد عليها احيانا ارقاما اخرى نظرا لاتساع شبكة الاتصالات الارضية بصورة طبيعية .. حتى خيِّلَ لكلينا بأننا قد لا نلتقي مرة اخرى ، ولكن الامل في اللقاء ينطلق مني باعتباري الطرف المسافر دائما في ارض الله الواسعة ، في حين ان اصدقائي التونسيين يتعذر لقائهم في غير تونس في الاعم الاغلب ، وعليه لم افقد الامل في لقاء قادم ما ، من خلال تعدد البلدان التي ازورها في عملي الفني الدائم بعون الله ..

كان العراق في الثمانينات يعيش حربا ضروسا مع ايران دامت ثمان سنوات في اطول حرب عرفها التاريخ البشري ، وفي عام 1991 ضُرب العراق ضربة عسكرية قاضية من قبل اعتى مجرمي وارهابيي البشرية تقودهم امريكا وبريطانيا ومعهما اكثر من ثلاثين دولة ..!!! فزادت الظروف قساوة وضعفت الامال ودمر الاقتصاد بعد ان حوصر العراق ظلما وعدوانا وهكذا بدأت النهاية لتحطيم العراق وكل البنى التحتية ، وما هذا الاحتلال البغيض عام 2003 إلا نتيجة مسلسل هذا الحصار الظالم ..



صورة / الاعظمي في مهرجان تستور عام 1981

على كل حال ، عشنا هذه الظروف القاهرة ، مرغمين مجبرين على تحمل هذا الظلم الانساني .. وفي ظل هذه الحالة المظلمة في بداية الحصار سيئ الصيت ، انقذني العلي القدير من ازمة اقتصادية شخصية كادت ان تطيح بكل آمالي ، فقد وصلتني دعوة فنية بصورة شخصية مباشرة ، أي دون ورودها الى وزارة الثقافة والاعلام ، للمشاركة في مهرجان المدينة العتيقة بتونس مطلع عام 1992 ..! هذا المهرجان الذي يقام في رمضان من كل عام .. وقد وافق شهر رمضان المبارك من العام الهجري 1412 معظم شهر آذار March من عام 1992 الميلادي .. ففي شهر رمضان المبارك هذا ، الذي قضيته في تونس ومهرجان المدينة ، تذكرت صديقي العتيد كمال الزناتي واشتقت الى لقائه فعزمت على زيارته في تستور ، علَّني اجده لم يزل مقيما فيها ، وعندما وصلت اليها ونزلت من السيارة في مكان اعتقدت فيه انه المكان المناسب وقد كان كذلك ، لأن المعالم كانت قد اصابها بعض التغيير ، لم امشي خطوة واحدة ، فقد كان احد الباعة المتجولين جالسا عند الرصيف وقد نزلت من السيارة بقربه ، فبادرته بالسؤال بعد ان بادرته بالتحية والسلام ، فرد علي باحسن منها .. قلت له ..
- ياأخي الكريم ، انا اسأل عن شخص من تستور اسمه كمال الزناتي ، هل تعرفه ..؟
فرد علي مباشرة واردف قائلا ..
- ان في تستور كلها يوجد شخصين باسم كمال ، احدهما ذلك الرجل الذي تراه امامك على بعد اربعين مترا تقريبا ، وهو يغسل سيارته وشخص آخر في ....
وقبل ان يكمل كلامه ، إستوقفته وقلت له ..
- اعتقد انني وصلت ياأخي ، بعد ان نظرت الى ذلك الرجل وهو مشغول بغسل سيارته ، فالإحتمال الأكبر أن يكون هو الذي أقصده ..
شكرت هذا البائع المتجول وتحركت بهدوء بالغ صوب كمال الذي يغسل سيارته .. وانا اتفحصه وادقق في شكله من بعيد حتى اصبحت قريبا منه فتأكد لدي انه كمال الزناتي الذي مضى على لقاءنا الاخير احد عشر عاما ، فوقفت على بعد ثلاثة امتار منه تقريبا ، دون ان انبس بأي كلام وهو لم يزل مشغول بسيارته ، وكنت مرتديا معطفي الاسكتلندي وشفقة اوربية تغطي راسي ، وفي هذه اللحظات احس كمال بوجود شخص ما ، فنظر إليَّ متفحصا ، وما هي إلا لحظات قليلات حتى صاح من هول المفاجاة ، حسين الاعظمي ..!!؟ فتعانقنا عناقا حميما امتد للحظات ، ثم صاح بعائلته من باب البيت بعد ان اخبرني بزواجه وانه رزق ببعض الأولاد ، فخرجت زوجته الفاضلة واولاده الصغار ووالدته المقيمة عنده التي بقيت طيلة الوقت غير مصدقة ، ان صديقا جاء يزور ابنها من اقصى الشرق العربي .. حيث كانت تسألني بين الحين والآخر ..
- انت قادم من العراق الى تونس كي تزور ولدي ..!؟
اقول لها
- انه اخي وصديقي ..
ابقاني كمال حتى موعد افطار هذا اليوم من ايام شهر رمضان المبارك ، واعتذرت كثيرا على عدم مبيتي عندهم هذه الليلة رغم الحاحه الشديد وعائلته ، وفي المساء اوصلني الى فندق السفير الذي اقيم فيه بالعاصمة تونس ..
وبعد اكثر من سنتين من هذا التاريخ ، أي في عام 1994 إلتقيت بهذا الصديق العزيز في تونس ايضا عندما دعيت للانضمام الى لجنة تحكيم مهرجان الاغنية العربية الذي عقد في بداية آب August برعاية اتحاد الاذاعات العربية ومقره تونس ، وفي هذه المرة اتصلت به هاتفيا للسلام عليه ، ولكنه لم يكتفي بذلك ، فأرسل شقيقه او احد اقربائه – لا اتذكر - بسيارته الى العاصمة تونس في صباح اليوم التالي لأقضي يوما جميلا قربهم في تستور حتى المساء ، ثم عادوا بي الى فندق المشتل بالعاصمة تونس ..
وهكذا في سفرتي القرطاجية هذه ، اغيب عن اللقاء بأخي كمال الزناتي غيبة طويلة مرة اخرى استمرت ثلاثة عشر سنة رغم انني جئت الى تونس عام 2002 بدعوة من مركز الموسيقى العربية والمتوسطية – النجمة الزهراء - لكنني لا اتذكر سبب عدم لقائي به ..! ربما بسبب الايام القليلة التي قضيتها في هذه السفرة عام 2002 ..
لم أشأ ان اكلف احدا من ادارة مهرجان قرطاج لتوصيلي الى تستور ، رغم انهم اهل لذلك ، فقد وددت الذهاب لوحدي وبحريتي .. وفي هذا اليوم 22/7/2007 كان الجو شديد الحرارة .. ولكنني لا أملك خيارا ، حيث اسافر غدا ، فلابد ان اذهب الى تستور لزيارة اخي كمال وعائلته الكريمة ، وهكذا عزمت ..
إستأجرت سيارة خاصة وانطلقت بيَ في ضحى هذا اليوم الى تستور .. وفي غضون ساعة من الوقت كنت قد وصلت الى تستور ، فنزلت من السيارة في مكان احتملت انه مكان مناسب لنزولي من السيارة ، نظرت يميناً ويساراً وانا اتفحص المنطقة ، فلم استطع اكتشاف معالمها القديمة بصورة مؤكدة واعتمدت على تخميناتي لأزقتها شبه الخالية من المارة .. والسيارة التي جاءت بيً من العاصمة الى تستور قد لا احصل على مثيلتها عند عودتي ..! فكيف اذا لم اجد كمال او فتحي في تستور ..؟ هكذا تصورت منذ الوهلة الاولى .. المناخ حار والناس في بيوتهم ، مشيت قليلا ثم قررت ان أسأل احد اصحاب المطاعم الصغيرة .. بادرته بالتحية ، ورد بتحية مثلها ، ولكنه ما ان عرف انني عراقي حتى زاد من تحيته واستقباله واهتمامه بي .. تعارفنا من جديد وعرفني باسمه ، محمود ، سألته .
- اين مكان حفلات مهرجان تستور .؟
فأخذني إليه ، ولكنني لم اتعرف على المكان الذي بقي في ذاكرتي منذ سنين ..
- يبدو ان هذا المكان ليس هو المكان القديم الذي كانت تقام فيه حفلات المهرجان .؟
- بالتأكيد ، فقد تغير الكثير مما تراه بخيالك القديم .. ثم اردف قائلا ..
- من تريد من اعضاء المهرجان .؟
- لا اريد احداً منهم ، ولكن لي صديق قديم من ابناء المنطقة اسمه كمال الزناتي جئت لزيارته والسؤال عنه ..
فعرفه مباشرة ، ولكنه فاجئني حين قال لي انه انتقل مع عائلته منذ زمن من منطقة تستور واقام في محافظة (ولاية) اخرى ..
- اين .!؟
- في نابل قرب مدينة الحمامات وفي منطقة قربة بالتحديد ..!
ازعجني هذا الخبر غير المتوقع ، وفكرت بالعودة الى العاصمة فورا ، آملا في الحصول على سيارة تنقلني الى العاصمة قبل فوات الاوان ، لأن السيارات قليلة مما اشعرني بالإمتعاض اكثر .. ثم اخذ السيد محمود على عاتقه مكالمة اشخاص يعرفهم من اجل الحصول على هاتف كمال ، وكنت ايضا قد سألت عن اخي فتحي بن موسى وقد علمت انه يعمل في تونس العاصمة هو الآخر .. حيث تم الاتصال به ايضاً ..
في هذه الاثناء بادر السيد محمود وزملاؤه في المطعم الذين ألحُّوا عليَّ كثيرا بتناول الغداء لكنني لم استطع ذلك وقد غلب عليَّ العطش من شدة الحر .. بادر واتصل بأحد أقرباء كمال في تستور .. وما هي إلا دقائق معدودات حتى قدم شخص بسيارته الخاصة ، عرفت من محمود انه نسيب كمال واسمه حاتم ، رحب بي الرجل ترحيبا حميما ، وقال لي ..
- ان كمال كلفني ان اذهب بك اليه بسيارتي .!
- كم هي مسافة الطريق .؟
- حوالي 140 كم .!!؟
- فوجئت ، واعتذرت له عن الذهاب الى نابل ، واكتفيت بتبليغ سلامي إليه والى عائلته ، واتصلنا بكمال ورجوته ان اعود من تستور الى العاصمة مباشرة لأن الطريق بعيد والحر شديد ، ولكنه رفض بقوة وألح عليَّ كثيرا باللقاء في بيته بنابل ..
اذعنت للامر الواقع وقلت للسيد حاتم ..
- هيا بنا لكسب الوقت ..




صورة /.. كمال الزناتي ، حسين الاعظمي ، حاتم ابو صبرية

شكرت السيد محمود وزملاءه وصعدت الى سيارة حاتم حيث توجهنا الى بيته في تستور اولا ليجهز نفسه استعدادا لرحلة تبدو طويلة نسبيا .. وفي بيته استقبلني اهله وعائلته استقبالا طيبا ، والده ووالدته وزوجته وابنته صبيحة واخته (زوجة كمال) التي وصلت اليهم هذا النهار في زيارة لبيت اخيها حاتم ، وابنتها بشرى ، مكثت بعض الوقت ، كانوا فيه يلحون عليّ كثيرا بتناول الغداء ، لكنني اعتذرت عن ذلك واكتفيت بتناول بعض الفاكهة وقد كنت فعلا لا ارغب بتناول الطعام ، اذ يبدو ان الحر قد اخذ مني مأخذا ..!



صورة ..............................

انطلقت بنا سيارة اخي حاتم ابو صبيحة ، متوجهين الى نابل للقاء صديقي العزيز كمال .. وفي الحسبان اكثر من مئة واربعين كيلو متر لا بد من قطعها ..! وبعد اكثر من ساعة ونصف ، وصلنا الى حي قربة الذي يسكن فيه كمال ، وعندما وصلنا الى بيته خرج علينا واستقبلني استقبالا حميما يساوي فراق وغياب ثلاثة عشر عاما .. وقد كان ابنه محمد ، المحروس بحفظ الله ورعايته ، معه في البيت ، الذي كنت قد رأيته وإخوته عندما كانوا صغارا في سنواتهم الاولى قبل ثلاثة عشر سنة .. لم ارغب في الطعام مرة اخرى رغم إلحاح كمال ، واكتفيت بالفاكهة مرة اخرى ايضا .. كان اول اسئلتي عن والدته ، فأخبرني بوفاتها قبل حوالي اربع سنوات ، رحمها الله ، واسكنها فسيح جناته ، تحدثنا احاديث مختلفة وقد علمت انه قد تقاعد عن الوظيفة الرسمية في التعليم وادارة المدرسة .. بعد ذلك إلتقطنا صورا فوتغرافية للذكرى ..



صصورة ..................................

إستأذنت اخي كمال بالمغادرة فالوقت اصبح الآن بعد الخامسة عصرا ، واعتذرت رغم إلحاحه بالبقاء اكثر ، خاصة وان سفري يوم غد بعون الله .. وهكذا عاد بيَ السيد حاتم الى فندق الهناء في تونس العاصمة والوقت كان يقترب من السابعة مساءا .. في جولة برية بالسيارة بين اكثر من محافظة (ولاية) تونسية لم تكن في الحسبان أبداً..
- 80 كم من العاصمة الى تستور .. !
- و 144 كم تقريبا من تستور الى نابل .. !
- و 60 كم من نابل الى العاصمة ..!! .. !


صورة .......



صورة .................................

قضيت سهرة هذه الليلة مع اخي محمد المؤدب في حي الخضراء في احد الامكنة العامة وعاد بيَ الى الفندق قبل انتصاف الليل .. ثم غادرني شاكرا له جميله ، وسرعان ما كنت في غرفتي غاطا في نوم عميق ..



صورة ..........................................
23/7
------
لقائي بالصقلي وزين العابدين
صباح هذا اليوم جاءني السيد محمد المؤدب بسيارته مبكرا نسبيا حسب اتفاقنا .. توجهنا الى مدينة سيدي بو سعيد قاصدين قصر البارون دير لنجي الذي اصبح منذ سنين مضت دائرة تونسية رسمية تابعة الى وزارة الثقافة فيما اعتقد ، وهذه الدائرة هي – مركز الموسيقى العربية والمتوسطية ، النجمة الزهراء – الذي يديره الفنان الكبير مراد الصقلي عازف العود المعروف .. اذ سبق ان دعيت الى هذا المركز عام 2002 في مهرجان اقيم فيه ، بمناسبة سبعينية مؤتمر الموسيقى العربية الاول الذي كان قد عقد بالقاهرة 1932 .. وبنفس الوقت كانت سبعينية البارون دير لنجي الذي توفي بعد المؤتمر .. هناك تفاصيل اخرى تخص البارون دير لنجي وقصره ، اعتقد انني سبق ان كتبتها في مكان اخر من ... سلسلة رحلاتي ...
وصلنا الى مدينة سيدي بو سعيد خلال فترة قصيرة ، ونحن نتجول فيها كنت استعيد ذكرياتي عنها ، انها مدينة جميلة حقا ، يحيطها البحر وكأنها شبه جزيرة ، فيها دوائر مهمة في الدولة وعليه فهي تبدو ايضا ، منطقة ارستقراطية ، نظيفة ومرتبة .. مشينا بسيارتنا صعودا حتى وصلنا الى قصر البارون الذي يقع في منطقة مرتفعة عن البحر .. وعليك عزيزي القارئ ان تتأمل وانت تقف في شرفة القصر وتنظر الى البحر وسواحله الجميلة وكل المنطقة المحيطة بالقصر ..!
استقبلنا الفنان الكبير مراد الصقلي الذي لم يزل مديرا لهذا المركز الفني الحيوي منذ ان تشرفت بمعرفته قبل خمس سنوات في نفس هذا المركز .. استقبلنا بحفاوة التونسي الاصيل ، فضلا عن كونه انسانا وفنانا ..! تحدثنا عن بعض مواضيع الفن والبحوث الموسيقية وغيرها .. ثم بادرته بالسؤال عن اخي وصديقي منير الهنتاتي الذي سبق ان تشرفت بمعرفته في نفس المركز ايضا قبل خمس سنوات ، اتصل به الاستاذ مراد وما هي إلا ثواني حتى جاء السيد الهنتاتي الذي رحب هو الآخر بوجودي وكان لقاءا حميما .. وفي هذه الاثناء اهديت كتبي الثلاثة المطبوعة مع اثنين من ألبوماتي الغنائية المدمجة ، احدهما بعنوان – غناسيقى بغدادية –المسجل في احد ستوديوهات بغداد يوم 23/3/ 2001 والصادر فيها عام 2002 .. وقرص آخر بعنوان – مقامات في العشق الالهي – المسجل في مدينة اوترخت الهولندية يوم 19/1/2004 .. والصادر في هولندة في نوفمبر عام 2006 عن مؤسسة رازا العالمية بالتعاون مع مؤسسة المقام العراقي التي اسسها الفنان محمد حسين كمر ..
مكثتُ في مكتب الاستاذ مراد الصقلي اكثر من ربع ساعة ثم استاذنت بالمغادرة ، وخرجت مودعا بمثل حفاوة الاستقبال من قبل الاستاذ الصقلي والسيد الهنتاتي .. شاكرا لهما لطفهما وودهما ، وفي طريق عودتنا كنت انظر الى جمال المدينة واتأملها مرة اخرى من فرط جمالها الخلاّب .. وفي غضون دقائق معدودات وصلنا الى بناية المعهد العالي للموسيقى القريبة جدا من الفندق الذي اقيم فيه – فندق الهناء – الكائن في شارع 7نوفمبر (الحبيب بو رقيبة سابقا) والمعهد في شارع باريس احد الشوارع المتفرعة للشارع الرئيسي 7نوفمبر .. في هذه الاثناء غادرني اخي محمد المؤدب لأشغال ضرورية لديه ..
في صباح هذا اليوم كان الاستاذ الدكتور محمود قطاط قد سافر خارج تونس في مهمة علمية ، ولم يتسنى اللقاء به رغم الاتصال منذ يوم امس ، على كل حال ، توجهت الى مكتب الدكتور محمد زين العابدين مدير المعهد العالي للموسيقى ، الذي خرج من مكتبه لاستقبالي وكان ترحيبه يدل على خلقه الجم .. جلسنا نتبادل اطراف احاديث شتى وكان اهمها حديثا تضمن امكانية العودة الى تونس للتدريس فيها .. وقد طلب مني د.محمد ان ارسل له طلبا عن طريق الانترنيت الى وزير التعليم العالي والتكنولوجيا مع سيرة ذاتية علمية وشهادتي بالدرجات .. وفي هذه الاثناء اهديته كتبي الثلاثة مع ألبوم – غناسيقى بغدادية - ثم استاذنت بالمغادرة بعد ان مكثت معه حوالي ربع ساعة ثم ودعني وانا شاكرا له لطفه وموقفه ..
صديقي الكريم د.محمد زين العابدين ، كنت قد تشرفت بمعرفته عام 1992 عندما كنت مشاركا في مهرجان المدينة العتيقة في (بئر الاحجار) وقد حضرت في وقتها حفلة للفنان المتالق نصير شمة ، وقد كان الفنان محمد زين العابدين ضيف شرف هذه الحفلة ، حيث عزف على آلة العود لمدة ربع ساعة تقريبا ، كانت تكفي لأكتشاف امكانية جيدة واعدة لهذا الفنان ، الذي اصبح كما ترونه الآن فنانا كبيرا وإداريا ناجحا بحق ، لا يسعني إلا ان اتمنى له التوفيق الدائم في كل اعماله ..
عدت الى الفندق القريب من المعهد مسرعا ، فوجدت اخوتي الفنانيْن عبد الكريم بنيان علي ورياض محمد حسن في صالة الفندق قد حضرا لتوديعنا مشكورين .. وما هي إلا دقائق حتى اتممت تهيئة امتعتي ونزلت الى الصالة منظماً الى عبد الكريم ورياض منتظرا مجئ السيد محمد المؤدب ..
في هذه الاثناء اتصل السيد مدير الديوان الوطني لخضر بن تركي من الجزائر واخبرني قائلا لي ..
- اخي حسين الاعظمي .. تحدثت يوم امس مع السيدة الوزيرة بشأن قدومك مع فرقتك من تونس الى الجزائر ، اذ يبدو لنا ان قدومكم الآن يجعلنا في موقف لا نستطيع فيه اقامة اكثر من حفلة واحدة او حفلتين في اكبر تقدير ، ونحن غايتنا الاستفادة من قدومكم ولفائدتكم ايضا ، ان نهيأ لمجيئكم في رمضان المبارك ان شاء الله كي نستطيع ان نقيم عددا اكبر من الحفلات ، فضلا عن ان السيدة الوزيرة اكدت بقائك في الجزائر للتدريس فيها ومغادرة الفرقة الموسيقية كلٌ الى البلد المقيم فيه بعد انتهاء حفلاتكم في الجزائر ..
اجبت على كلام الاستاذ لخضر قائلا ..
- الاستاذ لخضر بن تركي .. اشكركم على انفاسكم الطيبة ، وان كلام السيدة الوزيرة وكلامك منطقيا وطيبا ، يدل على ودكم ونواياكم النقية وانني طوع ما ترونه صائبا ، شكري مرة اخرى لمعالي السيدة الوزيرة واشكرك سيدي الكريم على تجشمك عناء الموضوع والى اللقاء ان شاء الله في رمضان المبارك .. بالجزائر الأبية ..

شكرت الفنانين الكريمين عبد الكريم بنيان ورياض محمد حسن على قدومهما لتوديعنا ، حيث كان في هذه الاثناء قد حضر عماد القيسي ابو وهب الذي بادر بشكرهما ايضا ، ثم صعدنا السيارة بمعية السيد محمد المؤدب متجهين الى مطار تونس الدولي ، محمد المؤدب الذي بقي معنا حتى آخر لحظة من وجودنا في تونس الخضراء ، شكرناه شكرا كثيرا على امل ان نلتقي مرة اخرى بإذن الله تعالى ..


صورة / الفنانة الكبيرة .. لطيفة ..

في الساعة الثالثة والنصف عصرا بتوقيت تونس والرابعة والنصف بتوقيت عمَّان ، اقلعت بنا الطائرة الاردنية التي اوصلتنا بحفظ الله ورعايته بعد اكثر من ثلاث ساعات طيران الى مطار عالية الدولي بعمان ، وفي الطائرة الاردنية كانت معنا المطربة الشهيرة لطيفة او (لطيفة التونسية) .. التي لايزال الجمهور التونسي يناديها بلقبها الاصلي (لطيفة العرفاوي) تحدثنا بعض الوقت عن الفنان الكبير كاظم الساهر ، ثم اخبرتني بأنها ذاهبة الى مهرجان في بيروت ثم تعود الى الاردن لمهرجان جرش وبعد ذلك تغادر الى البلد الأم تونس ومهرجان قرطاج ، هذا ويذكر انه سبق ان تعرفنا على بعضنا عند مشاركتنا معا في لجنة التحكيم العربية لمهرجان الاغنية الاردني عام 2004 .. اعطتني هاتفها الشخصي وكذلك عنوانها الالكتروني ..



صورة / الفنان الكبير كاظم الساهر

وفي مطار عالية بعمان ودعتها وزميلي عماد القيسي حيث ذهبت الى الترانزيت متجهة الى طائرة بيروت ، واتجهنا نحن الى استلام حقائبنا وقد كان في استقبالنا ابنيْ عماد القيسي (وهب وعدنان) حرسهما العلي القدير ، اللذين اوصلاني الى بيتي القريب من بيتهم في جبل الحسين بعمان شاكرا لهما مجيئهما .. وفي البيت استقبلني ابنائي الاعزاء بحرارة .. وبعد فترة من الراحة ، زارني بعض اصدقـــــــائي وسهرنا سهرة جميلة الى ما بعد انتصاف الليل .. !!