... سلسلة كتاباتي ...








كتاباتي المطبوعة














كتاب
المقام العراقي بأصوات النساء
دراسة تحليلية فنية نقدية لتجربة المرأة
العراقية في الغناء المقامي
تاليف
حسين اسماعيل الاعظمي





الحلقة (10)













الباب الثاني


الفصل الثاني





- زهور حسين












زهـور حسـين
(1924-1964م)
تعتبر أغاني ومقامات المطربة الكبيرة زهور حسين ، أحسن ما يمثل الغناء الذي يمتاز بأسلوب وتعابير شعبية الطابع , الذي نتج عن تجارب الشعب العراقي خلال النصف الأول من القرن العشرين ، ومع أن زهور حسين كانت عفوية وتلقائية في تعابيرها وهو ما يؤكد صدقها في الغناء ، إلا ان نتاجاتها بصورة عامة كانت رصينة بحيث امتزج عقلها مع قلبها لتعبر ببساطة غاية في السهولة عن هموم ومشاكل المجتمع في حقبة انتصاف القرن العشرين وما يحيطها من عقود زمنية ( حقبة التجربة ) ، فسرعان ما ثبتت زهور حسين نفسها في ذهن ومشاعر معظم فئات المجتمع العراقي الاجتماعية والذوقية … ولم تكن الظروف المعاشة نفسها هي الشيء الوحيد الذي عبرت عنه ، واظهرته زهور حسين وإنما تعدتها إلى التفاؤل بحياة المستقبل بعد مرور هذه الحقبة التي عاشتها , فان اغانيها ومقاماتها على قلتها .. ما أكثر ما نستمع اليها حتى الان ونحن تجاوزنا القرن العشرين !! صور متاملة ترسخت كلها في ذهن ومشاعر الشعب العراقي .. لقد كان هناك مطربون اخرون ممن ارشفوا ووثقوا بتعابيرهم الفنية في الغناء ظروف الحقبة التي اتسمت بظروف التجربة .. ولو تطلعنا الى الساحة الغنائية فيها لوجدنا فنانين كبار يشار لهم بالبنان امثال سليمة مراد ويوسف عمر ومائدة نزهت وعفيفة اسكندر وفاروق هلال.. لقد ظلت ظروف التجربة هي المنبع الاساسي في اغاني ومقامات الفنانين ، فقد كان الجمهور مذ وجد صورة ناطقة تعبر عن كوامنهِ وهمومه من خلال استماعه إلى غناء زمنه من فنانين استطاعوا أن يصلوا إلى اعماق عواطف الفرد العراقي .. بنتاجات تضمنت عرضاً متسلسلاً موحداً لما جاء متفرقاً في أساليب اعداد كثيرة من الفنانين … وقد كان لزهور حسين سابقة في هذا الخضم من التعابير الفنية المختلفة وذلك في تصوير اقرب وأوقع أثرا لمشاعر المرأة العراقية .. وأن ماأكسب زهور حسين اهمية هي أنها أوجدت من هذه التعابير ، حضوراً دقيقاً حياً للأغنية الاقليمية لفن الغناء في العراق .
ومعنى هذا, انها لم تكتف باستغلال الفائدة التي حصلت عليها من معاصريها الفنانين فقط ، أو تنمية النواحي الجمالية الحسنة في الذوق الذي اكتسبه الجمهور . وانما عملت بصدق يتسم بالبراءة في عكس ظروف هذه الحقبة التي عاشها العراقيون عند انتصاف القرن العشرين ، ضمن تجاربها الخاصة ومن ثم نمّت إمكانياتها, فمادتها كانت خبرتها وخزينها .. وما كان عليها إلا أن تقاوم ظروفها وبالفعل فان المقاومة والتصميم اصبحا اسلوبا وسلوكا ومنهاجا, وتكلل النضال هذا بنجاح هائل حتى جعلت من فنها الغنائي شيئاً خاصاً يعكس هويتها وأسلوبها الخاص المميز – لتصيب النجاح والاستقرار الفني .. لقد كانت فنانة مقتدرة في فنها متواضعة في طرحها متبسطة فيه, كل همها ان تحكي هموم الناس للناس فتحاورهم وتناجيهم دون انفعال او تصنع.


صورة / المطربة الكبيرة زهور حسين


إن من حسنات زهور حسين اهتمامها وحبها لفن الغناء الذي تولعت فيه بمحيط امكانياتها الجيدة الواضحة في تسجيلاتها الصوتية. فهي لم تكن تمتاز بأنها صاحبة أفكار موسيقية، وسوء حظها كان في ان بعض ما أنتجته من تسجيلات غنائية لم تكن جيدة حيث لم تكن على استعداد للغناء عند التسجيل في الأستوديو وكان صوتها مبحوحاً ومتعباً أو على الأقل لا يفترض ان تسجل في الأستوديو وصوتها على هذه الحال ولا يفترض ان تتعبه من كثرة السهر الذي يؤثر سلباً على الحنجرة الذهبية ونحن نعلم ان للانسان طاقة محدودة يتوجب عليه بعد عمل ما أن يخلد إلى الراحة … ان خير ما يمكن التوصل اليه كدليل على مدى ماقدمتـه زهور حسين للأغنية البغدادية والعراقية الحديثة الملحنة والمؤلفة ، هو ماعملته في سبيل توطيد اسلوب البساطة والسهولة في التعبير, شأنها في ذلك شأن المطرب الكبير يوسف عمر .. ان عنصر الجمال في البساطة هو التمسك بالحقيقة الواضحة والاجتهاد الواعي من اجل الدقة المطلقة في جعل كلمات الأغنية ولحنها وغنائها مساوياً للتجربة الخاصة ومعبرا عن حقبة التجربة برمتها … فقضية البناء الادائي والاسلوب اصبحت وثيقة الصلة بحقيقة مميزة لا تقبل النقاش حيث تنتظم في اطارات مفعمة بالمعنى من داخلها وهي الحقيقة المميزة ..
ان الكثير من النتاجات الغناسيقية في حقبة التجربة مدينة لجوانب كثيرة من المعرفة والعلم اللذين يستحقان تنويهاً خاصاً كجزء مهم من تاريخ الغناء العراقي الحديث . فأن فناني هذه الحقبة هم ثمرة الجهود الفنية والعلمية لحقبة التحول التي سبقتها .. إذا شئنا قدراً اكبر من التحديد, فأننا نستطيع القول أن التطور الفني والاكاديمي لفنون الموسيقى أو الفنون عامة في حقبة التجربة ذو أثر بيّن في نظرة الفنانين إلى فنهم .
ان الأغاني والمقامات التي سجلتها زهور حسين بصوتها ، المميزة بسهولة اسلوبها المعبر التي تنبىء بادىء ذي بدء بصورة متلائمة ومنسجمة عن سهولة في شكلها ومضمونها بدون أي تعقيد .. الامر الذي توفر للمتلقي راحة ومتعة ووقتاً للاستيعاب العاطفي دون جهد يذكر.. ويذكرنا ذلك في مقام الدشت المغنى من قبل زهور بقصيدة الاحوص ابن جعفر.

ألا لا تلمه اليـــــوم ان يتبلدا
فقد منــــع المحزون ان يتجلدا
اذا انت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
فكن حجراً من يـابس الصخر جلمدا
هل العيش إلا مـــا تـلذُّ وتشتهي
وان لامَ فيـــــهِ ذو شئانٍ وفندا
ولها مقام دشت اخر تقول فيه :

لقد سار الحبيب فـلســـت ادري
الى أيــــن المسير يا نور عيني
والحقيقة اقول في هذين المقامين (مقامي الدشت) ان زهور كانت فيهما تغني الدشت باجمل ما يكون من التعابير وربما تكون اجمل من غنى مقام الدشت في تعابيرها الشجية.. وقد نستطيع القول وبسهولة أيضاً.. ان اغانيها المسجلة بصوتها، تمتاز أيضاً بنجاح واضح، بل هو نجاح ساحق في انسجام صوتها مع لحن الأغنية وكلامها المغنى وبصورة تثير الاعجاب وباستطاعتنا الاستماع إلى معظم اغانيها ومقاماتها القليلة التي سرعان مانكتشف هذه الحقيقة وهذه الميزة الايجابية.
وبصورة عامة ان اغاني زهور حسين، أغانٍ شعبية مباشرة أو شبه ذلك, أغانٍ يمكن ان اصفها بأنها أغاني بريئة، سليمة المقاصد، عفوية رغم أنها من الأغاني العقلية المقصودة ، أي الأغاني التي لها ملحن معروف وكاتب معروف ومغني معروف .. انها أغانٍ تفرض على المتلقي التخلي عن غرائزه المجردة.. وتؤكد وجود الغرائز العاطفية السامية وتحركها بحيث تسمو بالمتلقي إلى آفاق الخيال والحب والشجن.. كما ان هذه الأغاني تمثل أيضاً البراءة الحزينة، البراءة الشجية، البراءة المتفائلة.. بأدائها الحزين الممتزج بالشجن والعاطفة والتفاؤل المعبر عن كل تاريخ بغداد والعراق.. ويصل التصور إلى أن هذه الفنانة كانت تتوخى في اختيار الكلمات الغنائية معانِ محددة، تشترط على المؤلف ان لا تخلو من السمو والود وحب الوطن وأنها تذكر الناس دائماً بالوطن بالحب بالسلام بالأم بالأب بالأخت بالأخ بالحبيب بكل الناس.. ويبدو لي أيضاً أن هذه التعابير الغنائية لزهور حسين، تكشف الصورة الحقيقية عن الخطيئة الظاهرة في سلوك البشر.. ومن ثم تدعو إلى التأمل ومراجعة الذات ..!! استمع عزيزي القارىء إلى بعض أغانيها مثل – أخاف احجي – خاله شكو – مقام الدشت ( إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ) – انت الحبيب – يابنت البلد – حلو حلو هوايه حلو – مقام الدشت ( لقد سار الحبيب فلست ادري) – جيت يهل الهوى – آني اللي اريد احجي والعالم يسكتوني – سلمه ياسلامه – غريبه من بعد عينج يايمه – يابنيه عليج الله – اويلاه يابه – وغيرها الكثير .
لقد غنت هذه المطربة العراقية الكبيرة زهور حسين .. الكثير من الأغاني القديمة والجديدة نسبة لحقبتها التي عاشت فيها .. وامتازت هذه الأغاني بجماليتها الاقليمية وخصوصيتها المعبرة عن واقع الحياة البغدادية منتصف القرن العشرين بالرغم من انها قضت شطراً من حياتها في كربلاء من خلال صوتها الذي عبرت بواسطته عن هموم ومعاناة المرأة العراقية أكثر من أي مطربة اخرى ، باسلوبها الشعبي الذي وصلت بواسطته إلى معظم او جميع فئات الشعب الذوقية ، ودغدغت جوارحهم وتلاعبت باذواقهم فحركتها بشفافية وغزل, وبهذا الحضور الشعبي لاغانيها فقد عاشت زهور حسين حقبة فنية ممتعة زخرت بمجموعة من الأغاني ذات الروح البغدادية والعراقية ، فقد ولدت في كربلاء عام 1924 وكانت نشأتها الأولى فيها ، وفي طفولتها انتقلت إلى بغداد وعاشت فيها معظم حياتها ، فامتلكت الكثير من مميزات البيئة البغدادية وخصوصيتها ، وعبرت بأدائها الغنائي عن حياتها الاجتماعية ، فكانت زهور حسين مطربة مليئة بالشباب والمهارة الغنائية .. وكانت اغانيها عموماً قد امتازت بعامل مشترك بالتعبير بروح ادائية وصلت من خلالها إلى اعماق مشاعر وعواطف الانسان العراقي ..
ان الاسلوب الادائي السهل الذي تمتلكه زهور حسين في اغانيها ، وكذلك وضوح معاني الكلمات التي تكتب لاغانيها بصورة عامة .. إضافة إلى المسارات اللحنية التي يضعها لها ملحنون جيدون عاصروها .. قدر لهم جميعاً أن يتفقوا بما يهدفون لايصال ذلك إلى المجتمع كرسالة انسانية تعبيرية تعكس واقع الحياة التي يعيشونها معاً .. حتى يصل الامر إلى الاعتقاد بوجود تصور وشعور لدى أي فرد في المجتمع بأن هذه الاغنية أو تلك لزهور حسين هي من ممتلكاته الخاصة أو جزء منه .. لانها عبرت عن همومه ومشاعره بصورة مباشرة كما يبدو .. أن غناء وتعبير زهور حسين التي اثارت احاسيس الذوق النسوي الشعبي بكل فئاته وبصورة أكثر مباشرة من غيرها من المطربات الاخريات .. حيث تفاعلت بصورة مؤثرة ومميزة مع الكلمة واللحن . او بالاحرى كان تفاعل الجميع .. زهور حسين كمغنية وملحنوها أمثال عباس جميل ورضا علي * وكتاب أغانيها أمثال سيف الدين ولائي ومجيد معروف وجبوري النجار وغيرهم ، هؤلاء تفاعلوا بكل عنفوان وكأنهم بصدد صنع سبيكة ذهبية غاية في الذوق والفن قابلة لأن يخلدها التاريخ – تفاعلوا كما لم يتفاعل غيرهم بمثل هذه العلاقة فيما بينهم وبين جمهور المستمعين .. فكانوا بذلك سهلاً ممتنعاً حقاً ..! مع شعورنا الدائم ، أنه رغم هذه السهولة في التعامل الفني مع الجماهير فأننا نجد أنه من الصعوبة بمكان أن نلاحظ مقطعاً لحنياً أو جملة ما في أغنية أو مقام لزهور حسين يمكن أن نحذفه من العمل ، والعكس صحيح حيث لا نشعر أنه من الأفضل زيادة في مقاطع وجمل أية أغنية لزهور حسين لأن بناءها اللحني يكاد ان يكون متكاملاً مع الكلمة والأداء وأنها أعمال رصينة ومتزنة وبسيطة عبرت عن مشاعر المتلقي بصورة ليس فيها أي تعقيد او تقصد أو تعالِ أو تصنع .
عاشت زهور حسين حقبة زمنية فنية جيدة ، عاصرت فيها موسيقيين ومطربين افذاذاً من ثمار الأجيال الأولى للدراسات الأكاديمية الموسيقية خاصة من طلبة معهد الفنون الجميلة الأوائل أمثال جميل بشير وسلمان شكر وسالم حسين وغانم حداد ومنير بشير وحسين عبد الله وآخرين غيرهم ممن عملوا في مجال التأليف الموسيقي


صورة / زهور حسين

والإعداد الموسيقي واللحني ومرافقة المطربين الذين أرّخوا لهذه الحقبة من انتصاف القرن العشرين أعمال ونتاجات غاية في الاهمية لتاريخ العراق الحديث والمعاصر في الفن الغناسيقي وكانت هذه الحقبة ومابعدها هي خلاصة لحقبة التحول من بدايات القرن العشرين حتى هذه الحقبة من التجربة في الثقافة والفن في العراق .. وقد امتازت حقبة التجربة أيضاً بالتطلعات الفنية الاخرى خارج المحلية والاقليمية أملاً فـي التفاعل الفني والثقافي للبلدان حوالينا خاصة منها البلدان العربية . وقد ساعد على ذلك التطور النسبي لأجهزة التسجيل الصوتية واتساع أفق المذياع بحيث وصلت قوته إلى ان تستمع إلى إذاعات بلدان اخرى وانت مقيم في بلدك ، الامر الذي ساعد على تقوية عنصري التأثر والتأثير .. وقد لوحظ. وكانت ملاحظة قيمة.. ان عقد الخمسينات, بلغت فيه الاغنية البغدادية شأوا ملفتا للنظر فقد سيطرت على الساحة الغنائية مما حدا بالملحنين ان يقصروا استقاء مساراتهم اللحنية وتعابيرهم من الخزين المقامي العراقي البغدادي.
الى جانب مقامي الدشت اللذين غنتهما زهور حسين, هناك مقام الهمايون الذي اختارت له زهور ثلاث ابيات شعرية جميلة, وهذا المقام يتناظر في تفرده الادائي وجماله مع مقامي الدشت , فقد كانت تعابيرها الادائية خاصة تماما في مزجها لروح التعابير الفارسية مع روح التعابير العراقية وبمسارات لحنية مغايرة لما هو مغنى في بغداد, وهي منصهرة في تعابير امرأة, وهي تغني المقام العراقي , انها مضامين تعبيرية جديدة بلا شك وفي هذين المقامين , الدشت والهمايون تبدو زهور حسين في قمة نجاحها الادائي الفني وتكاد ان تكون اجمل من غنى هذين المقامين , ولنستمع الان الى الابيات الثلاثة الجميلة .

اشــــكو الغرام وانت عنـــي غافل / ويجد بــــــــــي وجدي وطرفك هازل
يـــابدر كم سهرت عليك نــــــواظر / يـــــــاغــــصن كم ناحــــت عليك بلابل
البـــدر يكمل كل شــــــــــــهر مرة/ وهـــــــــــــــلال وجــــهك كل يوم كامل
استقى ملحنوا هذه الحقبة مساراتهم اللحنية وتعابيرهم من الخزين المقامي العراقي البغدادي مثل أغنية عفيفة اسكندر ياحلو يا أسمر كلمات الشاعر اللبناني نيقولا فوستاس والحان أحمد الخليل – وغيرها الكثير.




صورة / عفيفة اسكندر


يا حــــلو يا اسمـر

يا حــــلو يــا اسمـــــــر غنــــى بـ،ك الســـُّـــمَّر
رقّوا ورقَّ الــــــــــــهوى فــي كــــل مــا صــوروا
مــــا الشـــعر مـا ســـحره ما الخــــــمر ما الســــكر
ينـــدى على ثـــــــــغرك مــــن انفاســـــك العنــبر
يا حــــلو يا اسمـر
والليــــــــل يغفــــو على شعــــــــــرك او يــقمر
انت نعــــــــــــيم الصبا والامــــــــــــل الاخضر
مــــــــا لــــهوانا الـذي اوراق لا تثــــــــــــمر
يا حــــلو يا اسمـر
قــــــد كان من امـــــرنا مـــــــا كان هل تذكـــــر
نعصــــــــــر مـن روحنا اطـــــــــيب ما يعصـــر
بالـــــــــــروح الى الليل مـــــا يــــــرقص او يسكر
نبنيـــــــــــــه عشا لنا يا حــــــــلو يا اسمـــــر
يا حــــلو يا اسمـر
يا حــــلو يــا اسمـــــــر غنــــى بـ،ك الســـــُّـمَّر
رقّوا ورقَّ الــــــــــــهوى فــي كــــل مــا صــوروا
مــــا الشـــعر مـا ســـحره ما الخــــــمر ما الســــكر
ينـــدى على ثـــــــــغرك مــــن انفاســـــك العنــبر
يا حــــلو يا اسمـر

نوطة الاغنية

كذلك الشأن مع كتاب هذه الأغاني ، لذلك نرى أن التركيب اللحني والشعري لأغاني هذه الحقبة ومنها أغاني زهور حسين طبعاً ، يقودنا إلى فهم سهل للأغنية أو للنتاج الفني الغناسيقي بصورة عامة ، وعلى هذا فأن الانسجام الذي يتم في مواد الأغنية – الأداء واللحن والكلمة – وهو ما تحسه واضحاً في أغاني زهور حسين ، نراه يجبر المتلقي والمتلقية على استيعاب تعابير هذه الأغنية أو تلك .. هكذا تكون العلاقة صريحة جداً بين المؤدي والملحن والكاتب وبين جمهور المستمعين ، إلى حد يصل فيه المتلقي أن يشعر أنه بمنزلة الفنان الذوقية والجمالية والثقافية .. الفنان الذي يفهم الكثير عن فنه .. هكذا الاندماج إذن .. خاصة في أغانٍ لزهور حسين مثل – غريبه من بعد عينج يايمه – خاله شكو – تضحكون اضحكلكم – سلمه ياسلامه – مقام الدشت - أخاف احجي … ومن جديد يكون هذا التطابق التعبيري أثراً في الكشف عن هذا الانسجام المقنع بين المؤدي وقوة علاقته بالمستمع .. وفي الناحية الاخرى فأن هذا الاثر يكشف لنا عن الامكانية الكبيرة في ردم الهوة الموجودة في انفسنا والخيالات التي نصورها للاخرين .
ان الخيالات التي تزهو بها أغاني زهور حسين من أداء ولحن وكلمات ، تتمتع بميزات جديدة في الاستماع ، ويمكن ايجاد تفسيرات لها في المجتمع العراقي المتلقي لها ، فهذه التأملات والخيالات تثيرها ظروف العراق الحديث والمعاصر وتثيرها الرجولة ، تثيرها الكرامة ، تثيرها احترام المرأة . وعندما تحدث الاختلافات في التعابير عن هذه الاسس والقيم ، فأن السبب الرئيس يكون في عدم انسجام المؤدي مع اللحن والكلمة المغناة ، أو تنافر الجميع فيما بينهم ، عندها يكون النتاج صلباً وقاسياً ومتنافراً لايمكن للمتلقي أن يتواصل معه بطبيعة الحال . ولذلك فأننا نرى من جديد أيضاً، أن تركيب أو انسجام الأغنية فيما بين مكوناتها وعناصرها الرئيسة ، في حد ذاته ، يساعد على تأكيد المعنى وتأكيد التأثير وتأكيد الانسجام مع جمهور المستمعين ، ولعل شيئاً رائعاً ، ذلك الذي تحسه في أغاني زهور حسين ، هو بساطة الصفة الاحترافية - ليس ضعفاً - حيث لاوجود للتصنع والتكلف في أي شيء يخص فنها .. أنها طبيعية وعفوية وبريئه وواضحة.. حيث تبدو لنا هذه الشخصية أمراً نادراً في الوسط الفني ، وعلى هذا ندرك أن في أغاني زهور حسين ، ماضياً يتصل بالحاضر كما يتصل هذا الحاضر بالمستقبل ، وعلى هذا أيضاً ومن جانب اخر ، فأننا نكتشف أن ردود افعال المستمعين إلى أغانِ زهور حسين وتأثيرها عليهم, هي في الحقيقة ليس تأثيراً خاصاً في اسلوب حياة ما ، أو طبقة معينة دون غيرها في المجتمع .. بل انها تعني المجتمع بكل فئاتـه الطبقيـة والذوقية – أنـه النجاح الكبير فعـلاً ..
لقد اشتكى الكثير من النقاد الموسيقيين وكذلك من المهتمين بشؤون الغناء والموسيقى والمقام العراقي ، من الظروف الميلودرامية في بعض نتاجات زهور حسين وهم محقون في ذلك كثيراً .. خاصة حين أدت أبوذيات وتعابير أخرى في أغانٍ هي في حقيقتها أغانٍ ريفية في وقت توجد فيه مطربات ريفيات يتمتعن بأصالة ريفية وهن أهل لذلك في حين أن زهور حسين مهما كانت نشأتها الأولى في محافظة كربلاء ، فأن جل حياتها كانت في العاصمة بغداد ، وبالتالي فهي عاشت في كل الاحوال في المدينة – لذلك فأنها لم تستطع بطبيعة الحال أن تعبر عن ذلك الصدق البيئي العفوي لروح الحياة الريفية وعليه فهي لم تنل ذلك النجاح الذي يحسب لها في هذا المنحى ، ولم تحصل على ما تبتغيه - استمع عزيزي القارىء إلى تسجيلات زهور حسين في هذا الشأن ثم استمع إلى المطربات الريفيات مثل وحيده خليل وريم وحمديه صالح وغيرهن ، ولاحظ أصالة التعابير عن واقع أو حقيقة الحياة ، حقيقة البيئة .. على كل حال فأن أغاني زهور حسين في معظمها تمثل رواية الواقع الحياتي لبغداد والعراق عموماً وظروفه المعاشة في كل نواحي الحياة ، أن أغاني زهور حسين هي امتداد للأغاني العقلية المقصودة التي نشطت من جديد اواخر القرن التاسع عشر حتى هذه الحقبة من القرن العشرين والمقبولة مهما كانت الملاحظات الفنية ، في معظمها ردود افعال للبيئة سواء المدنية أو الريفية أو البدوية أو باقي البيئات والخصوصيات الاخرى .
لقد نجحت زهور حسين في تزويدنا بعالم خيالي عاطفي غني في أغانيها .. ثم التعبير عن محيطها البيئي في كل ذلك بواسطة أسلوب ادائي فني عفوي في الأعم الاغلب ، وقد يكون هذا العالم الخيالي صميمياً معبراً عن الواقع بصورة مباشرة ، أو ربما يدل على أشياء اكثر حقيقة من المجتمع الذي الهمها هذه التعابير .. لقد كان اداؤها مميزاً بكفاءة عالية ثم عفويته وبراءته الذي يتخلله حنين الرقة والعطف والشعور الذي لم يذهب هباءً .. أن لغتها الغنائية مليئة بالحزن والشجن والخيال والعاطفة والعذاب، أنها مازالت حية .


صورة / زهور حسين

كلمات ونوطة اغنية غريبة من بعد عينج يايمة

كلمات ونوطة اغنية يابنية عليج الله

كلمات ونوطة اغنية اني اللي اريد احجي

كلمات ونوطة اغنية صلوات صلوات

كلمات ونوطة اغنية خالة شكو

كلمات ونوطة اغنية تفرحون