الإقتصاد المــاليزى فى مفتــرق الطـُّــرق




ماليـزيــا تمـارس إستيراد المحترفين:

حيث تمثل السلع الوسيطة (التى يعاد تصديرها) حوالى %70 من واردات ماليزيا، والسلع الرأسمالية (مثل الآلات والمعدات) أكثر من %10 من الواردات، بينما لم تتعدى السلع الإستهلاكية نسبة %10 من الواردات. وهو ما يعنى أن سياسة الإستيراد الماليزى هى سياسة محترفين وتعمل فى خدمة الإقتصاد القومى الذى يعتمد على التصنيع من أجل التصدير. فهم يستوردون بعقلية تصديرية. وليس ممكنا بحال من الأحوال أن يصل الإستيراد الإستهلاكى الى الصفر، حتى لا يؤثر ذلك على مستوى الرفاهة أو الحرية الإستهلاكية.

وشهــد شــاهدٌ من أهـلـهـــا:

وبشهادة صندوق النقد الدولى (الذى كشفت ماليزيا أوراقه خلال الأزمة) فإن معدل نمو الناتج القومى الإجمالى فى تصاعد منذ بداية هذا القرن، حيث قفز من نسبة 0.3 % عام 2001 إلى 6 % عام 2006 أى بزيادة تعادل 20 مرة فى خمس سنوات. كما هبط معدل التضخم (الزيادة فى الأسعار النسبية Index numbers) من 1.4% إلى 3.6% أى بزيادة مرتين ونصف فقط، ويرجع ذلك إلى الزيادة فى الطلب الداخلى من العدم إلى 6.5%، وتعكس الأخيرة عودة الثقة فى الإقتصاد القومى والتى كانت قد وصلت أقصاها فى عام 2004 بسبب هبوط معدل التضخم إلى 1.1% فى العام السابق له غير أن الإفراط فى الطلب الداخلى قد تسبب فى عودة التضخم إلى نسبة 3% فى العام 2005 ثم عاد ليهبط فى النصف الأول من هذا العام، على أن الزيادة فى الأجور قد تدفعه إلى الصعود مرة أخرى. كما انخفض مؤشر الدين العام من 69.1 بليون دولار عام 2001 إلى 56.5 بليوناً هذا العام (إنخفض بنسبة 18%) وهو ما يؤدى إلى زيادة ثقة المؤسسات الدولية فى الإقتصاد الماليزى.

القطاع المصرفى هو الذى أنقذ ماليزيا من الضياع:

فى واقع الأمر فإن سياسة ربط العملة التى اتبعها رئيس الوزراء السابق تون سيرى دكتور محاضير محمد عقب أزمة نهاية القرن (1997/1998) لم تكن لتجدى فتيلاً لولا إعتماد السياسات المالية على قطاع مصرفى قوى. وعدم إنهيار النظام المصرفى الماليزي لدى حدوث الأزمة. لقد كانت نصيحة صندوق النقد مغرضة فى هذه الفترة، وأدرك الماليزيون خطورتها حين وجدوا أنه لم تنجح دولة جعلت من سياسات صندوق النقد منهاجاً لها.لقد قامت ماليزيا بإعادة هيكلة للنظام المصرفى مع الحفاظ على تدفق الإئتمان النقدى. على عكس الحال فى إندونيسيا التى أذعن سوهارتو فيها لكل شروط ووصفات صندوق النقد الدولى. وبتعاطى سياسات صندوق النقد الدولى فقد أغلقت أندونيسيا 16 بنكاً وأعلنت أنها على وشك أن تغلق 16 بنكاً أخرى ولكن لن تسميها، ظناً منها أن تحسن أداء القطاع المصرفى يحتاج إلى بعض الحزم والتهديد بإغلاق البنوك، فين حين كانت البنوك تعانى من إنهيار الثقة فى القطاع المصرفى برمته، وتصاعد الموقف بذلك التصريح الحكومى غير المدروس والذى وضع كافة البنوك فى منطقة عدم الثقة. وفى ذلك يصرح الإقتصادى العالمى ومدير البنك الدولى أبان الأزمة جوزيف ستيجليز(حاصل على جائزة نوبل فى الإقتصاد) فى محاضرته التى ألقاها فى الخزانة القومية لماليزيا (أغسطس2007) بأنه لو كان لأى إقتصادى فى العالم أن يفكر فى أسهل طريقة لتدمير القطاع المصرفى لإحدى دول الأزمة حينئذ ما وجد طريقة أفضل من تلك الطريقة التى إستخدمها صندوق النقد الدولى فى أندونيسيا بمباركة سوهارتو. غير أن الحال كان مختلفاً تماما فى ماليزيا، وليس محاضير محمد بمثل سوهارتو. فقد تبنى محاضير محمد وفريق عمله موقفاً حازما من صندوق النقد الدولى، وقام بتثبيت العملة للقضاء على المضاربات بالعملة كما أولى إهتماماً خاصاً بمفتاح الأزمة. فحيث كانت الأزمة فى ذاتها مالية فإن الوصول إلى محطة ما قبل الأزمة لن يتم بدون إستخدام السياسات المالية. وبدون القطاع المصرفى يصبح تفعيل السياسات المالية ضرباً من الخيال. فكانت البداية هى إعادة هيكلة النظام المصرفى (تنظيم الصفوف)* قبل الشروع فى الدخول فى معركة العودة. وكان تسهيل الإئتمان هو الحل. فالشركات والمصانع التى ضربتها الأزمة تكون فى حاجة إلى تسهيلات إتئمانية لتحافظ على تواجدها فى الإقتصاد لحين تمر العاصفة، وحتى لا يتسرع رجال الأعمال فى بيع شركاتهم لشركاء أجانب بما يهدد السيادة الإقتصادية للبلد وهو ما حدث فى كوريا الجنوبية.

لقد كانت نصيحة صندوق النقد لكوريا الجنوبية هى بيع الشركات للأجانب بدعوى أنهم أقدر على إدارتها. وعندما تم ذلك وبأبخس الأسعار، لم يفعل الملاك الجدد شيئاً سوى أن إنتظروا مرور الأزمة ثم باعوها مرة أخرى للكوريين وبأعلى الأسعار. والفارق الضخم كان من نصيب الشركاء الأجانب (أكثرهم من الإميركان) وضاعت مدخرات الكوريين لصالح الأجانب. ورغم معرفة خبراء صندوق النقد بعدم قدرة الأجانب على إدارة هذه الشركات بأفضل من الكوريين أصحاب البلد، ومعرفتهم كذلك بأن نظام الضرائب سوف لا يكون فى صالح الكوريين عند إعادة البيع وأن الأجانب سوف ينعمون بربح وفير جدا دون ضرائب، إلا أن أولائك الخبراء إلتزموا الصمت.

وتدل آخر التقارير المصرفية على مدى إسهام القطاع المصرفى فى لعب دور العامل المثبت Stabilizing Factor ضد التقلبات الإقتصادية، فى الإقتصاد الماليزى. فقد صرح البنك الماليزى الأكثر إنتشاراً وتوغلاً Malayan Banking Bhd (Maybank) عن تحقيقه لصافى أرباح 3.2 بليون رنجت ماليزى(1.00 USD=RM3.4) وإرتفاع العائد إلى 15.17 بليون رنجت. وقد صرح المدير العام التنفيذى للبنك داتو أميرشام عبدالعزيز (لصحيفة إيدج فاينانشيال ديلى المحلية) بأن البنك يرى الآن توافر ميكانيزمية جيدة للتوليد الرأسمالى Capital Generation وأصبح لديه الرغبة الجامحة للبحث عن أسواق جديدة والتوسع على الصعيدين الداخلى والدولى. وحيث يوجد للبنك ثلاثة أفرع فى إندنيسيا وإثنان فى فيتنام (الإقتصاد الواعد) وواحد فى كمبوديا.

من يصحو مبكراً يمسك بالحكم:

لقد أفادت ماليزيا من القطاع المصرفى فى أن تصحو مبكراً. وكانت هناك المفاجأة التى هزت العالم، وتمثلت فى وقوع البرجين الأميركين لمركز التجارة الدولى. وكان المفروض أن الدول الآسيوية لن تفيق من هذه الضربة قبل حقبتين من الزمان. وفى الواقع فإن دولا مثل أندونيسيا وتايلاند لا زالت تتعثر فى حين خرجت ماليزيا من كبوتها واستفادت بالمتغيرات الإقتصادية التى نشأت عن وقوع البرجين والحرب الأميركية فى الشرق الأوسط وأفغانستان. لقد أدركت أموال النفط أن عصر الأمان قد انتهى وعليها أن تتوجه تلقاء الشرق الآسيوى. وفضلت ماليزيا على غيرها حيث نجحت ماليزيا فى توفير البيئة المناسبة لهذه الأموال فضلاً عن السياحة التى جذبت أصحاب رؤوس الأموال الخليجيين إلى ماليزيا وكشفت لهم عن مواطن الفرص الإستثمارية ومزايا الإستثمار فى ماليزيا التى لن يكون فيها خوف من تجميد الأموال التعسفى الذى بدأ الغرب يمارسه بحماقة زائدة وخاصة مع ليبيا وسوريا والمؤسسات الفلسطينية المناضلة. وأصبحت التهم جاهزة وإحتمال فقد المدخرات أمر عادى فى الدول الغربية وأميركا. وهناك مثل كنا نضربه على أحدى الدول التى تميزت فى فترة ما بالإنقلابات، بأنه من يصحو مبكرا يستطيع أن يذهب إلى قصر الرياسة ويمسك بالحكم. وقد صار ذلك حقيقة ولكن فى الإقتصاد الدولى. فحيث إن دول جنوب شرق آسيا هى المؤهلة لجذب هذه الإستثمارات الخليجية الهاربة والباحثة عن الأمان، أصبح من يصحو مبكراً من هذه الدول الآسيوية يمسك بزمام المبادرة ويحوز المال الوفير، وقد فعل ذلك كل من ماليزيا وسنغافورة.

والآن فإن ماليزيا رقم (37) على العالم فى الناتج القومى الإجمالى حيث تحقق 148.940 بليون دولار اميركي دخلا قومياً. وأول دولة عربية تسبقها فى ذلك هى المملكة العربية السعودية (25) وأول دولة تليها هى الإمارات(42) فالجزائر(47) فمصر(50) فالكويت(54) فالمغرب(58)فليبيا(60) فقطر(63). (بيانات عام 2006). وتمثل ماليزيا رقم (25) على العالم فى مجال الأعمال.

قطاع الصادرات هو القطاع الدافع للتنمية:

يتميز الإعتماد على قطاع التصدير بميزة أساسية وهى ضمان الدفع التلقائى للقطاعات الأخرى بمجرد تحقق الإنطلاقة فى الصادرات. وليست هناك من دولة يمكنها أن تنمو بشكل طبيعى دون أن يكون النمو فى قطاع التصدير لاحقاً لتطبيق سياسة إحلال الواردات Import substitution والتى توجيه قطاع الإنتاج نحو توفير السلع والخدمات التى يتم إستيرادها من الخارج. ورغم أنه ليس من الضرورى الوصول إلى مرحلة الإكتفاء الذاتى التام قبل دخول عصر التصنيع من أجل التصدير، إلا أن تشجيع الصادرات يجب أن يتم مبكراً وفى متابعة لسياسة إحلال الواردات، وهو ما يسمى بإحلال تكلفة الواردات، أى توفير العملاة الصعبة لشراء الواردات.

إن الدفع الذى يحدثه قطاع الصادرات يتم بتشجيع إنتاج السلع التى تحظى بالرواج خارج القطر، ومن ثم تنشيط قطاع الصناعة والخدمات. كما أن تحقيق السلعة الوطنية لشهرة خارج القطر يؤدى إلى تشجيع تدفق الإستثمارات الأجنبية وحل مشكلة توافر العملة الصعبة بشكل أساسى. كما يؤدى إلى إستقدام وسائل تكنولوجية جديدة وإحداث تنمية للموارد البشرية وتدفق التمويل على العملية التعليمية، مما يدخل المجتمع فى المنظومة الدولية ويرفع مستوى الرفاهية. وليست هناك طريقة لإحلال الواردات أفضل من دعم الصناعة الوطنية لاسيما فى المجالات التى تتصف بتسرب نقدى ضخم، مثل قطاع السيارات، وهو ما قامت به ماليزيا بالفعل، فأنتجت سياراتها المعروفة من شركة بروتون وشركة بردووا. كما أنها مركز لتجميع العديد من السياران ولا سيما اليابانية بمكون محلى مرتفع. ومن يمشى فى الشارع الماليزيى سوف يلحظ كما كبيراً من السيارات المحلية، وكل ذلك يمثل توفيراً للعملات الصعبة فضلاً عن كونها أصبحت مصدراً للعملات الصعبة بعد أن توجهت للتصدير.

مثالب الإقتصاد الماليزى وجزاء سنمار:

كما أن هناك نقاط قوة تمثلت بشكل واضح فى كفاءة السياسات المالية وإرتفاع مستوى الأداء في القطاع المصرفى ونجاح قطاع التصدير فى إحداث الدفع التنموى ومواصلة تحفيز قطاعات الإقتصاد المتعلقة بالعملية التصديرية على مزيد من التطور، فإن هناك نقاط من عدم الإتساق يعانى منها النظام الإقتصادى الماليزي، ويجب أن تناقش على مستوى صانعى القرار.
من العيوب الإقتصادية الطبيعية لأى نظام إقتصادى رأسمالى يعتمد على قطاع الصادرات فى دفع التنمية أنه يعانى من التحيز الإنتاجى Production biasness تجاه مجموعة السلع التصديرية Export oriented goods وهو ما يقود بالتدريج إلى تراخى قطاع الإنتاج فى تطوير مستوى الجودة والأداء فيما يتعلق بالسلع التى لم تنتج بهدف التصدير. وينتج عن ذلك أن هناك سلع ذات قيمة مضافة عالية High value-added goods ولكنها لا تحظى بالإهتمام الذى تحظى به بعض السلع التصديرية التى لا تتمتع بقيمة مضافة عالية. وهو ما يعتبر عدم إستخدام أفضل لعوامل الإنتاج. ويسبب تشوهاً للنظام الإنتاجى الذى يتخلف فى ناحية ويتطور بسرعة فى ناحية أخرى، وما لذلك من آثار سواء فى عدالة التوزيع أو سوء إدارة الموارد. وهو قد يتسبب فى إعاقة تطور القطاع التصديرى فيما بعد.

بيد أن ذلك ليس هو العيب الأكثر خطورة على أى حال. فهناك التبعية الإقتصادية، والتى تنتج عن تسخير الإقتصاد القومى لخدمة الطلب الخارجى على السلع والخدمات، والذى لن يكون متسقاً مع الأهداف الأساسية للإقتصاد القومى والتى لا تعنى المستورد للسلع الماليزية فى شىء. فضلاً عن خضوع الإقتصاد القومى لشروط المستورد الأجنبى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وتتزايد هذه الشروط أو تنقص بمقدار نقص أو زيادة الميزة النسبية للمنتج الماليزى فى السوق العالمى. يكون الإقتصاد أكثر تعلقاً بالظروف الإقتصادية العالمية وأكثر قابلية لإستيراد الأزمات والتأثر بها بسبب سيطرة الشركات ذات المنتج التصديرى على السوق المالية مما يكرس الأزمة المالية وتقلبات السوق العالمى عند حدوثها.

أما ما تواجهه ماليزيا الآن فهو أبعد من ذلك. فهناك العيب الأساسى فى الإعتماد على القطاع التصديرى وهو حساسية النظام الإقتصادى للمنافسة التى يتعرض لها فى السوق العالمى نتيجة ظهور تقنيات حديثة تتسبب فى إحداث طفرة إنتاجية فى إقتصاد منافس مما يؤدى إلى إنخفاض تكاليف الإنتاج وتحول المستورد الأجنبى إليه. أو بسبب دخول منافسين جدد إلى حلبة المنافسة بمزايا لا يمكن للإقتصاد الماليزى تحقيقها فى مرحلة النمو المتقدمة، مثل رخص العمالة وتكاليف الإنتاج وتوافر المواد الخام والسوق البكر الجاذب للإستثمار. وهذا ما يتضح جلياً فى الحالة الماليزية والتى تمثلت فى ظهور الإقتصاد الفيتنامى ودخوله بقوة إلى حلبة المنافسة ولفت أنظار المستثمر الدولى الذى توطن فى ماليزيا ودرس السوق الآسيوى. ونتيجة لذلك فقد بدأت بعض الإستثمارات فى التحول التدريجى إلى السوق الفيتنامى، بل إن هناك مؤسسات إستثمارية وتمويلية ماليزية (مثل Maybank) قد بدأت فى وضع أقدامها فى السوق الفيتنامى الذى يتميز بإنخفاض تكاليف الإنتاج مما يعظم بالتالي من ربحية المستثمر. وهو بذلك يهدد بسحب البساط التمويلى للإقتصاد الماليزى فى حال أصبح تحول المستثمرين الأجانب ظاهرة. كما سيؤدى إلى تراجع الصادرات الماليزية بشكل درامى إذا ما إتبعت الإقتصادات المنافسة سياسات تصديرية ناجحة.

الإقتصاد الماليزى هو إقتصاد وسيط يعتمد فى صادراته على السلع الوسيطة التى تم إستيرادها من الخارج بهدف إعادة التصدير، وهو ما شجع الصناعات اليابانية والأوربية على تجميع منتجاتها فى ماليزيا وإتخاذها مركزاً لصناعاتها فى آسيا. وما إن يظهر إقتصاد آخر فى المنطقة تتوافر فيه مزايا أكثر فإنه لا يتوقع أن تظل ماليزيا هى المركز الرئيسى لهذه الإستثمارات وبالتالى تفضيل هذه الإقتصادات المتعددة الجنسيات أن يتم إنتاج بضائعها حيث تنخفض تكاليف الإنتاج بدرجة أكبر.

وفى الواقع فإن المستثمر الأجنبى لا يتمتع بالولاء لأى إقتصاد مهما كان، وإلا ما خرج من بلده الأم، هذا فضلاً عن الشركات المتعددة الجنسيات Multinational corporations والتى لا يهمها سوى الربحية المطلقة. ولن يعنى تلك الشركات ما حققته فى ماليزيا من مكاسب هائلة وستسارع بالإنتقال إلى غيرها دون أن تسمح لها بالإستفادة من شىء، وكأنه جزاء سنمار. وتقع ماليزيا فى موقف حرج، فهى إن ساعدت هذه الإقتصاديات الناشئة فهى كما يقولون (سمن كلبك ليأكلك)، وإذا أعرضت عن ذلك فاتها أن تحصد الربحية التى تحصدها غيرها من الإقتصادات المستثمرة خارج حدودها.

من أجل المحافظة على المكاسب:

يقولون إن المحافظة على النجاح أصعب من تحقيق النجاح ذات، وهو ما يضع الإدارة الماليزية فى تحد حقيقى للمحافظة على ما تم إنجازة فى الحقب الثُلاث الماضية. ولكل داء دواء. وما يجب أن تعنى به الإدارة الماليزية هو:

1- الإهتمام أكثر بالقطاع التعليمى وتطوير الجامعات الماليزية لتصل إلى المستوى التنافسى الدولى وتكون مصدراً للخبرات العالية لدخول مرحلة التكنولوجيا المتطورة High-end technology كما فعلت اليابان عندما واجهت نفس الموقف وكانت ماليزيا وكوريا وتايوان فى نفس موقف فيتنام الآن. فقد إنتقلت من المستوى التكنولوجى العادى إلى المستوى المتقدم وتركت لهذه الدول تصنيع منتجاتها على المستوى العادى. ولم يكن لهذه الدول بعد من الخبرة ما يمكنها من منافسة اليابان فى هذا المضمار. وعملت بمبدأ "إذا لم تستطع أن تغير السوق، فلتغير السلعة".

2- المحافظة على مستوى تصديرى مرتفع من السلع والخدمات ذات الميزة التنافسية العالية، مثل المطاط وزيت النخيل والأخشاب وتكنولوجيا المعلومات. والتى لا يمكن أن تتوافر بنفس الدرجة والتكاليف إلا فى ماليزيا. مع عقد إتفاقات تجارية مع الدول التى تتوافر بها تلك السلع والخدمات بدرجة مماثلة للحفاظ على السوق (يمكن الإستفادة فى ذلك بسياسات الأوبك).

3- تطوير البحث العلمى وربطه بالعملية الإنتاجية ودعمه، من أجل الوصول إلى تكنولوجيا إنتاج تحقق خفضاً فى التكاليف، وزيادة فى الجودة. ومحاولة الإستفادة من مبدأ تقسيم العمل فى نطاق الدول المماثلة. وفتح أسواق جديدة وعقد إتفاقات تجارية متميزة. وتوفير الفرصة للشركات ذات الحجم الصغير فى المشاركة فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، حتى تتمكن هذه الشركات من الإستفادة بالتوسع فى هذه الصناعة والمساهمة فى تنميتها.

4- عدم السعى نحو زيادة قيمة العملة الماليزية (الرنجت) امام العملات الأخرى حتى لا يؤثر ذلك سلباً على مستوى الصادرات. والسعى نحو تعظيم عوائد الصادرات من الخبرات الفنية والخدمات.

5- أن تكون هذه الإقتصادات الناشئة المنافسة إمتداداً للإقتصاد الماليزى وليس منافساً له. وألا يتخذ منها موقف العداء ولكن التعاون وإستثمار الفرص المتاحة لإنتاج سلع ماليزية بتكاليف أرخص.

6- تعميق التوجه نحو خلق ميزات تنافسية للسلع الماليزية العادية، مثل إستراتيجية "الحلال" المتبعة فى التصدير للدول الإسلامية والتى نجحت حتى فى إجتذاب المستهلك الغير مسلم بعد توعيته بمزايا مبدأ "الحلال" من وجهة النظر المادية.

7- طرح ماليزيا نفسها كبديل متعاون للعلاقات الإقتصادية المهتزة لأسباب سياسية بين الدول الإسلامية(لاسيما الخليجية) وبين الدول الغربية. وتكريس الإتجاه نحو التعاون وتبادل الخبرات. وتمهيد النظام التعليمى الماليزي لإستقبال أعداد ضخمة من الدارسين الخليجيين. والإستفادة من التقدم الهائل الذى حققته ماليزيا فى مجال تكنولوجيا المعلومات، لإرسال الخبرات إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط وإفريقيا كبديل للخبرات الأوربية والأميركية التى تلتهم ثروات هذه البلاد بلا جدوى وتضع العراقيل أمام هذه البلدان فى الوصول نحو تحقيق خبرات ذاتية تهدد الهيمنة الغربية عليها.

8- تنمية الموارد البشرية بما يضمن الدخول إلى مرحلة التكنولوجا المتقدمة. والحفاظ على التنمية الشاملة وعدالة التوزيع والأمان الإجتماعى. ورفع مستو الشركات الحكومية وإعطاء مساحة أكبر من الحرية للقطاع الخاص الذى هو أساس التنمية الإقتصادية. وترشيد الإنفاق الحكومى وزيادة الشفافية Transparency فى القطاع الحكومى.

9- من أخطاء التنمية الشائعة والتى يجب أن تحذر منها ماليزيا هى تنمية القطاع الصناعى على حساب القطاع الزراعى مما يجعل الإقتصاد القومى أكثر حساسية للتقلبات الإقتصادية ويزيد من نسبة البطالة. ولعل ذلك هو ما كان واضحا فى خلال الازمة والتى وصل القطاع الزراعى قبلها الى ادنى مستوياته حيث هبط نصيب القطاع الزراعى من الناتج القومى من نسبة 40% عام 1957 إلى نسبة 11% عام 1997. ورغم أن هذه الأرقام تهمل التقدم الضرورى فى القطاع الصناعى الذى كان متخلفاً فى الخمسينات، إلا أن النمو فى القطاع الصناعى كان من المفترض أن يواكبه نمو ولو بدرجة أقل فى القطاع الزراعى. وكانت النسبة للقطاع الصناعى قد صعدت من 8% إلى 35% على حساب القطاع الزراعى وحده. فقد ثبت قطاع التعدين عند 7% وزاد قطاع الإنشاءات بنسبة 1% فقط ليصبح 4% فى عام 1997 اما قطاع الخدمات فقد أصبح 45% بدلاً من 42%. وكان المفترض أن ينخفض النصيب النسبى لقطاع الخدمات وهو لا يعنى عدم التطوير ولكن العلاقة النسبية كانت تماما فى صالح القطاع الصناعى وفى غير صالح القطاع الزراعى. ولعل ذلك قد حدث بسبب إستيعاب القطاع الصناعى للعمالة التى كانت تخدم القطاع الزراعى والذى عانى من نقص حاد فى العمالة. وكان الحل فى هذه الفترة هو إستقدام عمالة من الدول المجاورة مثل الفلبين وغندونيسيا وبنجلاديش وتوطينها فى القطاع الزراعى،وخاصة وأن هذا القطاع لا يحتاج إلى عمالة مدربة بنفس درجة القطاع الصناعى، وهو ما لم تفعله ماليزيا فى حينه، وربما عليها أن تفعله الآن.


السنة الصادرات الواردات الفائض
مليار RM مليار RM مليار RM
1980 30.696 29.342 1.354
1985 42.537 38.561 3.976
1990 88.675 86.241 1.354
1991 105.161 110.107 -4.946
1992 114.494 112.450 2.044
1993 135.896 136.068 -172
1994 174.255 177.389 -3.134
1995 209.323 218.077 -8.754
1996 232.359 228.842 3.517
1997 262.713 260.93 2.620
1998 325.325 263.319 62.006
1999 363.591 289.364 74.227
2000 426.523 359.015 67.508
2001 334.280 280.230 54.50
2002 357.430 303.090 54.340
2003 397.880 316.540 81.340
2004 480.720 400.080 80.640
2005 533.800 434.000 99.800
2006 588.949 480.493 108.456