أطفالنا والعيد
خاطرة
بقلم : د . محمد أيوب
كان الأطفال في الأعياد السابقة يتوجهون إلى المراجيح ويشترون البالونات وغيرها من الألعاب الهادئة ، ولكن حال أطفالنا انقلب اليوم انقلابا شاملا ، لم يعد الأطفال يبحثون عن الألعاب المسلية ، صار كل همهم أن يقلدوا الكبار في كل شيء ، يشترون الأسلحة البلاستيكية المقلدة والتي تطلق صوتاً يشبه صوت الرصاص الحقيقي أحيانا ، ينقسمون إلى مجموعات ويتبادلون إطلاق النيران ، يحاولون بذلك القفز على مرحلة طفولتهم وصولا إلى رجولة مبكرة يعتقون أنهم بحاجة إليها للتناغم مع ما يجري حولهم من صراعات عائلية أو تنظيمية أو من مواجهات مع جنود الاحتلال .
فكرت في التوجه إلى وسط البلد في سيارة أجرة ، وعندما أردت العودة إلى البيت أشرت إلى سيارة مارة فتوقف السائق ، ركبت في المقعد الأمامي ، وركبت في المقعد الخلفي امرأة مع أطفالها ، سألها السائق إن كانت تريد المقعد كاملا أم أنها تريد مكان شخصين فقط ، اختارت مكان شخصين لها ولأولادها ، وعندما جاء الراكب الثالث لم يكن هناك متسع فطلب السائق من أحد الأطفال أن يركب بجانبي ، كان الطفل يحمل بندقية بلاستيكية ، حاولت مداعبة الطفل فطلبت منه أن يبعد فوهة البندقية عني لأنني أخاف أن ينطلق الرصاص منها فجأة فيصيبني ، ابتسم الطفل ووجه فوهة بندقيته من شباك السيارة نحو الخارج ، سألت الطفل : في أي صف أنت ؟
قال : في الصف السادس الابتدائي .
قلت : بكم اشتريت هذه البندقية ؟
أجاب : بثمانية وعشرين شيكلا !
قلت ألم يكن من الأفضل لك لو أنك اشتريت ملابس جديدة بهذا المبلغ ؟
صمت الطفل ولم يجب ، وكأنه استهجن كلامي ورأى أنه لا يستحق أكثر من الصمت ، علق الراكب في المقعد الخلفي : ربما كان والده موظفا في وكالة الغوث .
قلت : ولو ، لا يجوز إنفاق مثل هذا المبلغ على لعبة سرعان ما تتحطم لو وقعت على الأرض ، خصوصا وأننا نعيش ظروفا صعبة للغاية .
قلت للطفل : هل تحب أن تصبح فدائيا ؟
قال باعتداد واضح بالنفس : نعم . ولم يزد على ذلك حرفا واحدا وكأنه تعلم فضيلة الصمت !
ترى ، من المسئول عن غرس مثل هذه الروح في أطفالنا ، هل هو الاحتلال باعتداءاته المتكررة ، أم أنه حب التقليد للكبار أم أنها النزعة العائلية والقبلية وغياب الشعور بالأمن والأمان في مجتمع بات يفتقر إلى كل أسباب الحياة المستقرة والطبيعية ، إلى متى تظل ثقافة العنف هي السائدة في مجتمع استمرأ العنف الذي أصبح مظهرا طبيعيا في حاراتنا وشوارعنا ، يتم تبادل إطلاق النار لأتفه الأسباب ! يموت من يموت ويصاب من يصاب والفاعل مجهول ، علما بأن غالبية المصابين هم ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع الدائر، سواء أكان هذا الصراع عائليا أم تنظيميا ، لقد بات الأطفال يقلدون الكبار ويطلقون رصاصات بلاستيكية على بعضهم مما يؤدي في أغلب الأحوال إلى فقدان بعض الأطفال لعيونهم ويؤدي بالتالي إلى نشوب صراع عائلي جديد .
أما آن لنا أن نهتم بتربية أبنائنا تربية صحيحة والاتفاق على أسس سليمة لتربية متوازنة ؟ أما آن لنا أن نقلص من مساحة ثقافة العنف والموت في مجتمعنا بدلا من الصراع على النفوذ وكراسي الحكم في وطن لم يتحرر بعد ولا نستطيع السيطرة على مقدراته ؟ أما آن لنا أن ننبذ الصراع الداخلي مهما كانت الأسباب المشجعة له ؟ يجب علينا أن نعيد لأطفالنا طفولتهم التي سلبناها منهم وجعلناهم ينضجون قبل الأوان ، متى يعود أطفالنا إلى ممارسة لعب الأطفال بدلا من ممارسة ألعاب الكبار ولعبة الموت ، أم أن لعبة الرولو أصبحت هي اللعبة المفضلة في مجتمع أصبح يمجد الموت بدلا من تمجيد الحياة ومن احترام حق الناس في حياة آمنة مطمئنة.