الواحية والزرابة
تحالف مجتمعى ضد بزنس البيئة


فى مواجهة حكومة رجال الأعمال ، ارتفع صوت الزبالين ، تارة بالاجتماع والتشاور وأخرى بالإضراب والاعتصام ، يطالبون بحقهم في ممارسة مهنتهم التي كانوا قد ابتكروها منذ أكثر من قرن مضى ، وطوروها كثيرا خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
الغريب في الأمر أن الحكومة كانت قد أسندت مهمة جمع القمامة بالقاهرة الكبرى إلى الشركات الأجنبية ، تحت مسمى برنامج الخصخصة ، في حين أن تلك المهنة كانت تدار فعلا من خلال القطاع الخاص والأهلي الممثل في الزبالين التقليديين والجمعيات الأهلية التي تمثلهم ، لكن الحقيقة أن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بكونه تواطؤ البيروقراطية مع كارتيلات النظافة الدولية.
كان مجموعة مهاجرين من الواحات قد نزحوا للقاهرة ، فى بداية القرن الماضى ، استقروا بمنطقة باب البحر ، اتفقوا مع عدد من الأهالي على جمع القمامة لإلقائها بعيدا عن منازلهم مقابل رسوم زهيدة ، ولما كانوا يبحثون عن رزقهم بكل السبل ، فلم يقوموا بإلقائها إلا بعد فرزها بحثا عما يمكنهم استخدامه ، ومع زيادة اعتماد البيوت عليهم في التخلص من القمامة زادت كمية المخلفات الممكن إعادة استخدامها ، فبدأوا يفكرون في بيع ما يقومون بفرزه من القمامة ويكون زائدا عن حاجتهم ، وبالفعل تمكنوا من التشبيك مع مجموعة من تجار الزجاج والبلاستيك والورق.
وخلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي ، ومع نزوح مجموعة مهاجرين من قرية البدارى بأسيوط ليستقروا بمنطقة المقطم ، بدأ الواحية بتشبيك علاقات معهم ، يبيعونهم المخلفات العضوية لاستخدامها في إطعام الحيوانات المنزلية.
وبمرور الوقت تطورت المهنة كثيرا فأصبح الواحية يقومون بجمع القمامة من المنازل ويبيعونها للزرابة الذين انتشروا في سبعة مناطق بالقاهرة الكبرى (عين الصيرة ، المعتمدية ، البراجيل ، طرة ، عزبة النخل ، حلوان ، المقطم) ، ونشأت مصالح اقتصادية لدى العديد من الأطراف نتيجة إعادة تدوير المخلفات وتوسعت أعمال الزبالين بالقاهرة حتى أصبحوا قادرين على جمع حوالي 3000 طن مخلفات يوميا (طبقا لتقديرات هيئة النظافة والتجميل) من إجمالي المخلفات التي تنتجها القاهرة والبالغة حوالي 10 آلاف طن يوميا ، ويقومون بإعادة تدوير حوالي 85 % مما يجمعونه (حوالي 2500 طن) ، والمتبقي من القمامة بدون استخدام يتم نقله إلى المقالب العمومية التابعة للمحافظة نظير رسم شهري 100 جنيه.
وعلى الرغم من قلة شكاوى الجمهور منهم ، قامت الحكومة بالتعاقد مع الشركات الدولية ، ولكن ماذا فعل الزبالون ، وماهى نتائج التجربة بعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات من عمر التعاقد ، وانسحاب إحدى الشركات الدولية ، وانهيار مستوى الخدمة الذى لم يكن مفاجئا للعديد من المتخصصين الذين توقعوا فشل الشركات الدولية وزيادة تراكم القمامة بالشوارع.
منذ بداية التفكير في استقدام الشركات الدولية لجمع القمامة بالقاهرة قام الزبالون بتنظيم جهودهم حتى وصلوا لاتفاق على تكليف الشركات لهم بجمع قمامة المنازل ، ولكن انخفاض أجورهم جعلتهم يتركون العمل تارة ويضربون تارة ، حيث لم يستطيعوا الاستمرار دون استمرار الدفع لهم من السكان ، على الرغم من أن رسوم الجمع يتم تحصيلها فعلا على فاتورة الكهرباء ، ليصبح الخاسر الأكبر فى ذلك (اللانظام) الجديد هو المواطنين العاديين ، الذين يحاولون حماية مصالحهم ، إلا أن جهودهم لم ترقى إلى مستوى الجهود المنظمة للواحية والزرابة فى تحالفهم المنظم ضد بيزنس البيئة الذى يسلك طريقه بقوة إلى دول العالم الثالث.


منشور بجريدة البديل الأحد 26/8/2007