كُتب الأقدمين مملوءة بالقصص التي تحدثنا على ما كانت تتمتع به المرأة العربية من كرامة ٍ و شجاعة ٍ و عفة ٍ وضبط للنفس ، و العرب كرمّوا المرأة منذ القدم و الأمثلة كثيرة على ذلك ، بلقيس ملكة سبأ مثلا ً ملكة ٌ عربية من اليمن ، و اليمن كما نعلم هي موطن العرب الأول ، موطن العرب الصرحاء الخلّص .

هذه الملكة تجسدت فيها شخصية المرأة الشجاعة و الحكيمة و الذكية فلقد ورد في التنزيل العزيز في سورة النمل آية "32" قوله تعالى " يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة ً أمرا ً حتى تشهدون" فهي تطلب الرأي و المشورة من سادة و أهل بلدها ، أهل اليمن آنذاك و قبل أكثر من ألفي عام تعمل بالديمقراطية قبل أن يعرف الناس هذا المفهوم الملون بألوان ٍ و مقاييس مختلفة .

و ممن بلغت مراتب علّية بين أهلهن و قومهن الكثير الكثير فهذه الخنساء تماضر بنت عمرو رضي الله عنها التي بكت و أبكت الناس جميعا ً في شعرها على أخيها صخر حتى أن الشاعر بشار بن برد قال إنها غلبت فحول الشعراء ، أما الشاعر الأموي جرير فكان يقول أنا أشعر الناس لولا الخنساء ، هذه المرأة الأديبة العفيفة المستشارة في أهلها و قومها كانت قدوة ً للرجال و النساء ، اختلفت عزيمتها و عزمها بعد إسلامها إذ حين أخبروها بنبأ استشهاد جميع أبناءها في معركة القادسية قالت " الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم" .

و ممن خلدهن التاريخ أمهات المؤمنين ، فهذه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كانت من أكبر تجّار مكّة المكرمة . و هذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و التي قال عنها نبينا و سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء " و الحميراء تصغير الحمراء و هي من النساء البيضاء . و من النساء العربيات المسلمات اللواتي كرمتهن أعمالهن و كرمهن الإسلام أم أيوب الأنصارية و أم الدرداء و رابعة العدوية و خوله بنت الأزور و هذه نسيبة بنت كعب المازنية في غزوة أحد تذّب عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم بالسيف و ترمي بالقوس و أصيبت بجراح ٍ كبيرة .

و المرأة العربية و المرأة المسلمة كانت تشارك أهلها و تشارك زوجها في جميع أعمالهم و أفعالهم ، شاركت في الزراعة و الصناعة و شاركت في البيت و نراها في الحرب تقاتل و تداوي الجرحى و الأمثلة كثيرة . لم تكن المرأة العربية مرغمة على الزواج ممن لا ترغب حتى لو كان من عليّة القوم و سادتهم فهذه ميسون بنت بحدل الكلبية حينما كرهت عيشة المدينة و الحضارة في دمشق مع خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تغنت بالشعر و قالت :

لبيت ٌ تخفق الأرواح فيه أحب إلّي من قصر ٍ منيف

و لبس عباءة ٍ و تقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف ِ

و كلب ينبح الطراق دوني أحب إليّ من قط ٍ أليف ِ


حين قالت :

و خرق من بني عمّي نحيف ٌ أحب إلي من علج ٍ عنيف ِ


و الخرق هو الفتى النحيف ، أما العلج فهو الجاف الشديد من الرجال أو الحمار الوحشي من الدواب .و لكنها زيّنت قصيدتها ببيت شعر ٍ نردده على الدوام حين قالت : فما أبغي سوى وطني بديلا ً فحسبي ذاك من وطن ٍ شريف ِ فلمّا سمع ذلك معاوية رضي الله عنه قال : ما رضيت بنت بحدل حتى جعلتني علجا ً عنيفا ً ثم ردها إلى أهلها و هي أم للخليفة الثاني" يزيد بن معاوية"

و إذا كانت بنتنا و أختنا في هذه الأيام تطالب بالحرية و المساواة فهذه أمور لا ينكرها ديننا و لا تنكرها عروبتنا و لكن حريتنا جميعا ً نساء ً و رجالا ً حرية لا انفلات فيها و لا رفث و لا فسوق فيها و لا فحش ، حرية ٌ نلتزم فيها بآدابنا و قيمنا و ديننا الحنيف ، الحرية التي يتفاضل فيها الناس بالعمل الصالح الذي ينفع الفرد في دنياه و دينه ، حرية نسير فيها على الطريق القويم ، طريق النجاح و الفلاح ، طريق الخير و الجمال.