حدثني جدي متعوس عن أبيه أنه قبل مائة عام ونيف لم تكن هناك معابر ولا بوابات كيف كنا قبل دجلستان في بلاد العرب، وإنما كان هناك الكثير من أبار المياه على طول طرق التجارة والسفر في هذا الأقليم الشاسع المساحة ثم تابع قائلاًَ، في ذلك الزمان كان السفر ممتعاًَ جداًَ فتلك البغال النشيطة المستخدمة في حينها والتي كانت تعمل على محركات برسيم واحد كانت قادرة على نقل المسافر من دمشق إلى القاهرة في أربعة أسابيع ممتعة يتوقف خلالها المسافر في عشرات المدن والقرى فيأكل مع أهلها مما يأكلون ويشرب معهم مما يشربون ويبيعهم مما يحمل وهم منه كذلك يشترون، والأهم من ذلك كله والاكثر إثارة أن أياًَ من تلك البغال لم يكن بحاجة إلى تغير لوحة قيادتة حين يصل إلى القاهرة، فلم يكن هناك فرق حينها بين بغال الحلمية وبغال الصالحية.
أما في هذه الأيام فالمسافات أطول والسفر نكد في نكد حتى ان فلان روى لي عن فليتان ان مسير قافلة من سبعة ألاف أنسان كانت تقصد غزة من مدينة العريش إستغرق قرابة الشهرين ولماذا العجب فقد قرأت في كتاب مصائب العرب في زمان العطب أن أبا يعرب بن قحطان كان قد أخرج من القدس إلى عمان قبل ستين من الاعوام وانه يحاول مذ حينها ان يقفل راجعاًَ في ركاب قافلة تسمى العودة و لما يصل بعد.
إستشكل علي الأمر، فكيف يمكن للمسافات ان تطول إلى هذه الدرجة، وهل للأمر علاقة بإستبدال العربان للبغال البرسيمية بالمركبات الحديدية، ولكن ما الفرق...؟؟ فالبغال تتغذى على برسيم العرب والمركبات تسير ببترولهم. ولهذا وبما انني مواطن حر من دولة دجلستان الحديثة النشأة نسبياًَ في عمر الزمان قررت ان أزور جارنا ابو العريف، وأبو العريف هذا رجل طاعن بالسن جداًَ جداًَ وقد ولد قبل ولادة دولتنا دجلستان بعقود، وكان بعض الرفاق يتعمد التلصلص على أبو العريف حين يهم بقضاء حاجته لعل أعينهم تقع على دليل مادي يدعم نظرية داروين. المهم ذهبت إلى أبو العريف هذا لعلي أجد عنده جواباًَ لمعضلتي التي حيرتني.
ولكن ما هذا......! فباب أبي العريف مغلق بالشمع الأحمر وعليه يافتة تقول: أمر الرئيس عباس المحتاس بإغلاق دار أبي العريف في إطار حملته الوطنية لتنقية المناهج الدراسية من جميع بواعث التعصب والكراهية ضد بوابات وطننا الغالي دجلستان العظيمة الشاهقة والدالة بعظمتها وعلوها أن دجلستان اولاًَ واخيراًَ وفي المنتصف ايضاًَ، وأنه لا يعلو صوت فوق صوت دجلستان الرسمي الحكومي الوطني الشريف.
المهم لم اصدق ابداًَ أن أبا العريف يشكل خطراًَ على أمن دجلستان القومي، فهو (أي أبو العريف وليس الامن القومي) صديق حميم لجدي متعوس الذي يصغره سناًَ وبما ان جدي متعوس لا يملك من المؤهلات اللازمة ما يكفي لأن يشكل خطراًَ على أمن جدتي (مهرية) الشخصين فصديقه أبو العريف كذلك لا يمكن أن يشكل خطراًَ على أمن دجلستان.
ولهذا كله قررت أن أتحدى قرار رئيسنا المحتاس وأن أقفز من شباك الدار لألتقي بأبي العريف لعلي أجد عنده ما يشفي غليلي. وبعد القفز والنطنطة تمكنت من الدخول وفي طريقي إلى الوصول إلى غرفة نوم أبو العريف مررت بالمطبخ لأجد علم بلدي دجلستان وقد حوله أبو العريف إلى كيس قمامة كبير ممتلئ بتشكيلة هائلة من شتى أنواع الزبالة البلدية ثم وصلت أخيراًَ إلى غرفة أبي العريف وكان متمدداًَ على سريره وقد شارفت روحه على الخروج إلى باريها وقد إبتسم لرؤيتي وكيف لا وقد كنت أنا من أقدم له قهوته المرة المفضلة حين كان ياتي جدي زائراًَ....
ناديته: "أبو العريف....... قبل ان ترحل عن دجلستان إلى حياة الجنان هلا اجبت عن معضلتي والتي اثارت جنوني واسهرت جفوني....لماذا كان الناس أيام زمان يقطعون كل البلدان على البغال بسرعة خيالية واليوم وبفضل المركبات الحديدية أضحت أسفارهم جحيمية؟
توسعت إبتسامة أبي العريف وقال: "أي بني، كنا قبل تأسيس دجلستان نركب البغال ونضربها فتسير بنا إلى حيث شئنا، ولكن بعد أن دار بنا الزمان وجار، وبعد تكوين دجلستنان أصبحت تلك البغال تركبنا وقد إنتقت من بينها ثلاتة وعشرين بغلاًَ ليحكموا ثلاثاًَ وعشرين ستان.
و مات أبو العريف...و عرفت أنا السر.
المفضلات