قراءة في قصيدة " المسدس اسمي " بقلم د. حسين عبد الله كراز
الأخ عبد ربه اسليم

لك مني تحية رمضانية وفلسطينية

قرأت نصك فكانت لحظات تشظي بالنسبة لي أيضاً من شدة تكثيفك للصور السوريالية والتي آمل ألا تصبح لديك ظاهرة كتابية وتتسبب في مشكلة مع جمهور القراء والمتلقين، إذ ينبغي التنويع في السلوب والبنية والصياغات بهدف نمكين القراء من استيعاب النص وفهمه وتذوقه. على أية حال هذه قراءتي السريعة لبعض بؤر النص.


نص يحمل كل تفاصيل السوريالية التي تستعصي على جمهور القراء عند فك رموزها وطلاسمها من أول وهلة أو أول قراءة ، خاصةً إذا كانت مثل كولاج تتجاور فيها صور غرائبية وتنقطع عن مألوفية ذائقة المتلقين. نعم في النص ما يشبه حالة تشظي أو غليان نفسي وتأزم يعيشه الشاعر في واقعه الذي لا يسر صديق أو قريب، فهو يرى البحر غائباً في الجنوب ثم يعود وهنا تجسيد للبحر ولكن لا تزال الصورة تقف لوحدها في لوحة القصيدة الشمولية. وبطريقة سوريالية ومفاجئة.
نشاهد جوري روح الشاعر يصعد ثم المسدس الذي يتقمصه الشاعر، وهنا أرى نقداً لاذعاً وسخريةً وتهكماً على انتشار ظاهرة العنف وحمل السلاح في المجتمع وفوضاه الأمنية وغياب الأمن والأمان لدى ناس هذا المجتمع، ومفاد ذلك الخيانة والطيش والاستهتار والهبوط المدوي للقيم والمبادئ الوطنية والدينية.

ثم يجعل الشاعر القمر إنساناً متديناً مخلصاً في صلاته وخاصة الصلاة الوسطى على أهميتها ثم سرعان ما يهبط للدرك الأسفل منغمساً بالعنف والتخريب في جلبه العواصف نذير المطر الذي يغرق الأخضر واليابسة والشجر والحجر والبشر.
وهنا التجاور بين الصباح، بما تحمله المفردة من دلالات قيمية وجمالية، مع المسدس مصدر العنف والقتل والتهديد الأمني وفوضى الحياة برمتها. ثم دائما مع البحر والمسدس مرةً أحرى، ولكن وقت المساء وتكريس الشعور بالخوف والتهديد والتعرض للقتل والإصابة والقلق النفسي:

ليصدق البحر المسدس عندما يطلع المساء ،

ليعلب المسدس دور البطولة في النص وبما تعنيه هذه الصورة في دلالاتها المعنوية والإشارية في الواقع الذي يعيشه الشاعر على مضض وضنك وكدر وألم وحزن وتأسٍ. حتى أن الشاعر يرى الشجر العاشق، وهو جزء من الطبيعة التي يعيشها الشاعر، يتخاذل مع المسدس عندما يقطع مسافات بعيدة في الصحراء، وبما تحمله المفردة من دلالات وإيحاءات، ليلحق بالمسدس ويبدو أننا أمام مشهد يتم في تشخيص (شخصنة) الشجر وأنسنته كي يبدو أكثر واقعيةً وصدقاً في عرض المشاعر التي تعتمل في ذات الشاعر كإنسان ضاق من أمر واقعه ومن فقدان الأمن الشخصي والجمعي في مجتمعه.
كم الشجر عاشق ,
وهو يقطع الصحراء ،
ويلهث خلف المسدس ،
ويأخذ شكل الوطن ،
وينتمي لنافذتي البحرية ؟؟!!! ...
ثم يتحول الشاعر لاستذكار ما غمره الماضي بماء النسيان الآسنة، ليدرك أن ما كان كان، ولا يمكن لعجلة التاريخ أن تعود للوراء مهما بلغت التضحيات، متقمصاً دور الشجرة المعنوي والدلالي في الارتباط عمقاً بالأرض والوطن قبل أن بكون وحيداً ومنعزلاً وسط بحيرة جليدية ما زالت تعرضه للعديد من المآسي والمخاطر:
كنت أعرف أنني السماء ،
وقصيدة تتأرجح عبر أنفاسي ...
يتطاير الماضي على حافة الشمس ،
وأسكن في منتصف بحيرة الجليد لأؤدي تحية المطر ،
وما حمل في جوفه من جسد ...
أدركت الواقع ،
وأنا شجرة في جوف الاستسقاء ،
والهامش حلم الغيث ...

شكراً على هذا النص السوريالي الذي حملنا لأعماق نفس متشظية ومتألمة في كل مراحل حياتها ... وتماهينا معها مع التوحد الإنساني..

د. عبدالله حسين كراز

غزة - فلسطين


التوقيع
( منتديات مرافئ الوجدان ملتقى أرباب الحرف الزاهي , وشداة الكلمة النقية , ومبدعي العبارة الراقية )