فن الرواية ، بدأ فى التراجع خلال الأونة الأخيرة ، لعل هذا مرجعه إلي عنصر الوقت ، إنها فن يحتاج إلي نفس طويل ، وإلي دقة في ترتيب الأحداث ، حتي لا ينفلت العمل منا ، فيها يحلق المبدع بخياله ، فيرسم شخوصا ، ويسرد أحداثا ، ويوصف أماكن . من وجهة نظري أن الرواية يجب أن تكون شيقة ، بحيث تدفع القارئ إلي قراءتها ، واضحة الأحداث مهما تحمل من عمق الفكرة ، لأن الغموض في الرواية يرهق ذهن القارئ وتجعله ينفر من مواصلة قراءتها ، ولعل القصص التي خلدت في التاريخ خير مثال لذلك ، فمهما تنوعت المدارس ، فيجب أن يلتزم الراوي ببعض الأسس ، ونحن ككتاب رواية لا يهمنا تقسيم تلك المدارس ، نحن نكتب حسب ميولنا وأفكارنا وثقافتنا ، فلا يمكن لكاتب أن يخرج من جلده ، ويكتب عملا غير نابع من ذاته ، وإلا كان العمل تافها ، لا يلقي قبولا من القارئ .
منذ كنت صغيرة قرأت العديد والعديد من الأدب العالمي ، ثم قرأت بعد ذلك لأدبائنا العظام ، كنت أحلق في عالم جميل صنعه خيالهم ، وكم كان رائعا خلاقا .. وقد حدث تطور في فن القصة ، فقد كانت القصة الكلاسيك تستفيض في الوصف ، حتي تملأ عشرات الصفحات ، فأصبح الكاتب في مرحلة تالية يختزل في الوصف ، والحقيقة أن الكاتب البارع ، يستطيع بقليل من الجمل وصف المكان أو الأشخاص ، حتي لا يمل القارئ ، الذي أصبح في الوقت الحالي يفضل أن تدخل في الحدث مباشرة .
إنني كروائية كتبت العديد من القصص ، كما قلت في موضع سابق تربو علي الثلاثين عملا ، ومن خلال تلك الخبرة أسطر تلك الكلمات .
فقبل أن نكتب رواية ، يجب أن نكون قد قرأنا كم هائل من الروايات ، وكان أديبنا الراحل نجيب محفوظ ينقل بالحرف من الرويات التي كان يقرأها ، ويكتبها بيده ، كما كان يفعل أيضا بالمعجم ، وكان له العديد من العبارات المستخدمة بالنص منه ، في أعماله الروائية الأولي . وقد فعلت مثله فكنت أكتب ما يعجبني من عبارات في كراسة ، أيضا يجب أن ندرس النص الذي نقرأه بعين التلميذ ، لا أن نمر عليه سريعا .. ومع وجود الموهبة والخيال ما نلبث أن يكون لنا أسلوبنا الخاص .ويجب علي الكاتب ألا يكتفي بالقراءة لكاتب واحد أويعجب بعد قليل منهم ، ويكتفي بالقرءة لهم دون غيرهم ، مخافة أن يرتدي الكاتب نفس عباءة تلك الزمرة القليلة من الكتاب .. فمن يريد النجاح عليه أن ينوع قراءاته .
الكاتب كي يكون متميزا يجب أن يكون واسع الثقافة في مجالات عدة ، وأن يكون ملما بما يدور حوله ، فكلما تعددت روافد المعرفة ، كلما ساعد هذا في مهارة الكاتب ، وفي تنوع أعماله ، ووضع أبعاد عميقة لها .
يجب أن تتسع صدورنا للنقد البناء ، فأحيانا تبهرنا أعمالنا ، ويهيئ لنا أنها في غاية الجودة ، وقد حدث لي هذا في رواية من أعمالي كنت أعتز بها ، وما أن بدأ النقاد يقرأون النص ، حتي شعرت بالنفور من العمل ، أو مقدمة العمل ، فقد كان بالفعل مملا .. وتعرضت لنقد شديد ، لم أدع اليأس يسيطر علي ، بل عكفت علي القراءة فترة ، ثم بدأت أكتب الفصول الأولي من جديد حتي استقام العمل .
عندما أريد أن أكتب قصة تدور بعض أحداثها في مكان صحراوي مثلا ، فإنني أقوم بعمل بحث عن هذا المكان ، حتي يهيأ لي أنني أشم هواءه ، وأمشي علي رماله .
أيضا يجب أن نقرأ في علم النفس ، وندرس الشخصية التي نكتب عنها نفسيا ، حتي لن نقع في أخطاء علمية ، ويمكن أن نسأل أصحاب المهن أنفسهم كيف يقومون بعملهم وانطباعاتهم عن هذا العمل .
إن دارسة طبائع الناس شيء مهم ، فكل شخص له بصمته الخاصة ، ومن خلال معرفتنا بالناس والتعامل معهم تخلق شخصيات العمل الأدبي ، بعد ان يضيف الكاتب من خياله علي هذه الشخصية .
الأدب ماهو إلا تجميل للواقع ، وترتيبه وليس نقلا ، وإلا كان سيرة ذاتية ، فكلما جمح الخيال بالكاتب ، كلما كان العمل جميلا ، علي أن يكون منطقيا ، يقنع المتلقي أن هذا قد حدث بالفعل .
بالنسبة لرواية الخيال العلمي ، فيجب قبل أن نطلق علي أنفسنا كتاب خيال علمي ، أن نقرأ المواد العلمية البحتة ، والموسوعات ، ونبحث في النت ، لا أقول أننا يجب أن نكون باحثين أو علماء ، ولكن علينا أن نأخذ من المادة العلمية ، ما يساعدنا علي أن نشطح بخيالنا ، وأن يكون هذا الخيال مبني علي نظرية علمية حقيقية ، فلا نقول مثلا أن البطل ، قد سقط من القمر علي الأرض واقفا ، أو أنه سقط من سفينته الفضائية مخترقا المجال الجوي .. فهذا تضليل للقارئ ، فليس كل ما يكتب من شطحات يقال عليه حيال علمي ، بل يكون فانتازيا .
كما أن رواية الخيال العلمي ، يجب أن تكون سريعة الأحداث ، بحيث تتلاحق أنفاس القارئ وهو يقرأ النص .
هذا ما يمكن أن أقدمه من خلال خبرتي كروائية ، لا كناقدة ، وبالطبع هم أكثر دراية ودراسة من الكاتب ، الذي يكون مثل السفينة ، التي تحتاج إلي ربان يوجهها ، وإلا ضلت عن طريقها .