الأخ العزيز الأستاذ هشام الحرك - سفير واتـا في سورية - المحترم
أطيب تحياتي لكم ولنخبة الثقافة العربية النظيفة في : واتـا " ، آملاً وراجياً أن تكون صحتكم في مسار التّحسن والشفاء .
كالعادة ، لم أستطع التواصل معكم ومع واتا ، بسبب الانقطاعات المعهودة والبطيء الشديدفي مخدّم الشبكة لماتسمي نفسها " الأولى" - ويا للسُّخرية ! - .
أرسل لي صديق هذه المقالة النقدية الصادقة التي نشرتها لي صحيفةُ " تشرين " السورية ، والتي أحيّيها صادقاً على مافعَلتْ ، فعمّقت احتراأكثر فأكثر ، راجياً الاطلاع عليها ،وإن شئتَ إيصالها إلى واتا ، مشكوراً.
حمص - سورية 1/12/2007 د.شاكر مطلق
المثقّف والسّلطة
دمشق -صحيفة تشرين -ثقافة وفنون
الخميس 29 تشرين الثاني 2007
د. شاكر مطلق
لن أخوض في المصطلح ـ عذراً ـ لقد مرّ فيه، كما في «العاصي» الكثير من الأحداث ومن المياه والسّيول منذ تمرأى فيه " ديك الجن " الحمصي ، بل وقبل ذلك بكثير حتى أمسى ماؤه عكراً خالياً من الحياة لا يمكن حتى لضفدع أن يرى فيه اليوم صورته أو يرى ظلّ ما جرى حوله من أحداث ومآس.
لندخل ـ إذاً ـ في الموضوع مباشرة: السّلطة ومنذ أن تحولت المجتمعات البشرية قبل أكثرمن 12 ألف عام إلى قرى أصبحت مدناً ثمّ إلى الدولة ـ المدينة فالدولة فالإمبراطورية بقيت في الأساس والتنفيذ واحدة قد تتغير أو تتبدل بعض أقنعتها لوناً وشكلاً ولكنها جميعها تخفي وراء تلك الأقنعة مالا تريد أن يراه الناس فيها ، من مساحيق أو ندوب غائرة كانت أو طازجة ولأي سبب كان.
السلطة تدّعي دوماً وأبداً أنها في خدمة الوطن والمواطن ، وعلى أرض الواقع نرى من هو سيد الوطن ونرى خلفه قطيع العباد الأسود . إنها تسعى لاهثة إلى تجميل صورتها وبأي وسيلة كانت لتظل على العرش إلى الأبد ، وإذا تركنا العديد من الوسائل والوسائط وسياسة الجزرة والعصا... الخ جانباً، وتلفّتنا صوب علاقتها بالمثقف، فإننا نجد هذه العلاقة في الغالب والعام مأزومة وإشكالية .
هي تريد من المثقف أن يقف وراءها، لا بجانبها أو أمامها، كمستطلعٍ أو نذيرٍ للعاصفة ـ على حد تعبير «مكسيم غوركي» ، يقف ليوثّـق دوماً لانتصاراتها المزعومة ـ غالباً ـ وكلما بالغ وأتقن هذا ، كان كيس النقود أكبر والعكس صحيح أيضاً .
إنها تجد في مسعاها هذا ـ دون شك ـ بعض من يقبل بذلك ويسعى إليه من « المثقفين» ، وتجد آلافاً مؤلفة من أشباه المثقفين يهرولون لملء مقاعد التصفيق والمديح. تغريهم قليلاً، وتعطيهم قليلاً ولكنها في الواقع تحتقرهم ، وتعرف أنهم من «الديكورات " اللازمة، كغيرهم من «إكسسوارات» السلطة ومن الديمقراطية وما يلزم ذلك من برلمانات على الورق ، غير فاعلة أمست من ضمن السلطة التنفيذية، ولا من مشرّع ولا من تشريع ، ولا تشكّل في حقيقتها أكثر من مكان نقاشاتٍ وخطبٍ فارغةٍ ـ عادةً ـ على غرار ما يجري في الـ "هايد بارك " ـ لندن ـ أي مجرد «فشّة خلق» ، مع ضرورة الانتباه الصارم إلى معرفة الحدود الحمراء والخطوط الخضراء.
المثقف لا يمكن له أن يكون مثقفاً فعلاً إذا جلس وراء السلطـة، تحتها، بجانبها أو حتى في حضنها فهو عندئذ، يستكين إلى نمط من العيش والتفكير فيكون محجوباً لأن: ( من استكان إلى شيء فهو محجوب ) ـ على حد تعبير قول «أبو يزيد البسطامي الأكبر» ـ بينما الثقافة تتطلب ، من جملة ما تتطلبه ،ما هو متضمن أصلاً في الاسم ، اسمها :
ـ الفلاحة وزراعة الأرض من أجل المستقبل ، وكذلك تقويم الاعوجاج ـ كما في ثقّف الرُّمحَ - ، وربما ثقف نفسه أو تثقف ـ إن استطاع ـ في السلطة ودروبها الملتوية أحياناً، ولكن كيف يتَسنى ذلك لمن يكون مهزوماً ولو على مستوى الضمير فحسب، أن يفعل مثل هذا ؟ أو لمَن تأقلم على الجلوس بين كرسيين على حد تعبير مغني الأناشيد وكاتب نصوصها الألماني الرائع «راينهارد ماي» ، قالها لي على ضفاف نهر اللاينه (هانوفر الغربية) في الستينيات وظهرت الفكرة لاحقاً بنقد حاد في نشيد له ، خاص بـ «المثقفين ـ بين بين» كما ذكرنا. هذا لا يمنع المثقف الحقيقي (ما هي الحقيقة، من أي منظور نتحدث ونرى؟ ) وهو جزء مما يسمى المجتمع ، وطنياً كان أم إنسانياً أن يقرأ ويستقرئَ حراكَة مَن حوله أو في أقصى المجرة، ومِـن أن يقول ـ حتى للسّلطة ـ دوماً كلمة حق قد تكون بها فائدة لمن يستمع إليه ، بل ويصغي ويفعل ، لأنه من غير المعقول أن يكون كلُّ من في السلطة فهّامة علاّمة بكل شيء، يملك وحده صولجان المعرفة والحكمة.
كمْ من سلطان وملك وأمير ووزير... الخ مرّ في دهاليز التاريخ وضاع هناك، لولا أن قام مثقف ما بنبشه وإجلاسه في مكان لائق في الذاكرة يليق به وبأعماله وحفظَـه بهذا من الزوال ، لأنه بما فعله في زمانه يستحق هذا الموقع؟...
المثقف ليس مهرّج السلطة ولا نديم موائدها ، في هذا العصر على الأقل. المثقف فرديٌّ ـ جمعيٌّ ، ضمير وإبداع ، ضمير الجماعة الذي يعرف متى يتكلم ويكتب كاشفاً عن العيوب والاعوجاج من أجل سلامة الجميع قارعاً جرس الخطر عندما يكون خطر هناك ضارباً بسيف قلمه رأس الفساد والفتنة ومن يريد أن ينال من المجتمع والوطن والإنسان . كلماتٌ قد تبدو خطابية وإنشائية نعم ، ولمَ لا تكون كذلك؟. وقد آن لنا أن نكسر «المقولة الميكافيليّة»التي ينصح فيها الكاتبُ ميكافيلّي الأميرَ (السلطة) قائلاً بما معناه:(ليس المهم أن يحبّ الناسُ الأميرَ، وإنّما أن يخافوه) ، ولكن الخوفَ لا يجعل المواطن حراً، وحدهم الأحرار كان من واجبهم تسليح أنفسهم على نفقتهم والدفاع بسيوفهم عن أثينا ، هناك حيث ولدت الديمقراطية، فهل لا يزال أحرار هناك في هذا الزمان؟!
mutak@scs-net.org
المفضلات