خطة الشيطان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يخرج الدكتور "عزام" كعادته في الصباح ، ومكث في مكتبه حتى وقت الظهيرة ، كان مستغرقا في قراءة أوراق كثيرة حفظت في ملفات على مكتبه .. كان بين حين وآخر ينزع بعضا من هذه الأوراق من ملفاتها ، ويلقيها في سلة المهملات ، ثم نهض من مقعده متجها صوب المكتبة الضخمة .. بدأ في فتح أدراجها ، وكان بها الكثير من الملفات الأنيقة المحفوظة بعناية وترتيب فائق .. لم يبد أن أحدا ما عبث بمحتوياتها ، ثم بدأ ينزع بعضا من هذه الأوراق من بعض الملفات التي كانت تتناولها يداه ، ومن بينها مشروع استنساخ "عزيز" .
حمل السلة المكدسة بالأوراق ، وألقى محتوياتها في المدفأة الخامدة ، أضرم فيها النار بقداحته ، فبدأت ألسنة النار تتراقص في مرح وتخايل في سواد عينيه ، وقد لمعتا ببريق غامض مخيف ، كان يحدق في النيران المتأججة المضطربة وقد استغرق في تفكير عميق ، مد يده وقبض علي عصا المدفأة الحديدية ، وراح يقلب الأوراق المشتعلة بحرص شديد ، بينما بدأت رائحة الورق المحترق ترف في الحجرة الواسعة .
بعدما تأكد أن النار قد التهمت هذه الأوراق التي تحمل في سطورها أسرارا لا يريد لأي مخلوق أن يطلع عليها ، أخذ في حمل الملفات المكدسة علي مكتبه ، وإعادتها إلي المكتبة في أماكنها الخاصة بها .
عندما انتهى جلس خلف مكتبه ، وطفق برهة من الوقت يكتب في أجندة أنيقة ، ثم أغلق الأدراج كلها .. اتجه إلى البهو الكبير ، وأمر خادمه بإعداد الطعام له و"سكينة" و"عزيز" ، وتقديمه علي مائدة الطعام القابعة في ركن بجوار سلم الفيلا الداخلي .
بعد أن تأكد من أن الخادم انتهى من طهو الطعام وإعداد الأطباق ، أمره بالصعود إلي الطابق العلوي ، ودعوة "سكينة" و"عزيز" لمشاركته الغداء .. اتجه خلسة إلي المطبخ .. وضع في أطباق "سكينة" ونسخته مسحوق أبيض ، خلطه بعناية في الطعام دون أن يترك أثرا ، ثم خرج إلى الحديقة مسرعا حتي لا يثير الشكوك حوله .
أصيبت "سكينة" بدهشة غامرة ، عندما أخبرها الخادم بدعوة الدكتور "عزام" لمشاركته طعام الغداء ، فهذا لم يحدث منذ ولادتها "عزيز" ، وتدافعت علامات الاستفهام إلي رأسها ، فلم تستطع أن تتكهن بإجابات لتساؤلاتها .. مع ذلك خالجها شعور مقلق ، وشعرت بانقباض حاد ممزوج بخوف عنيف من لقائها بالدكتور "عزام" وجها لوجه بعد سنوات طويلة من الجفوة وتجنب كل منهما لقاء الآخر بأي حال من الأحوال .. بالرغم من أنهما يقيمان في مكان واحد .
اتجهت "سكينة" إلي صوانها .. أخذت تنظر إلي ملابسها لتتخير فستانا ترتديه لمقابلة الرجل الذي لم تحب غيره .. تناولت يداها الملابس وهما ترتعشان .. شعرت بتوتر غامر ، وقد أخذتها الحيرة في أي فستان سوف ترتديه ، بعد تفكير عميق اختارت واحدا كان لونه رماديا .. كانت تعلم أنه يعشق هذا اللون ، لبثت أمام المرآة وقتا تضع بعضا من مساحيق التجميل علي وجهها .. بعد أن انتهت من زينتها خرجت من حجرتها وهي تخطو خطوات متعثرة ، وهبطت السلم الخشبي ببطء شديد .
أجفلت بشدة عندما رأت الدكتور "عزام" ، وهو يدلف من باب البهو ، ويجلس في صدر مائدة الطعام .. وحاولت أن تتماسك وهي تتجه إليها ، وفتحت شفتيها لتلقي التحية ، فوقفت الكلمات في حلقها ، وماتت قبل أن يتحرك لسانها .. تحاشت النظر إليه ، فجلست في ركن بعيد من المائدة حتي لا تكون في مواجهته .
ساد المكان سكون قاس .. قطع الصمت صوت الدكتور "عزام" وهو يقول :
ـ لم نلتق منذ زمن طويل يا "سكينة" ، ولكنك مع هذا مازلت الشابة التي عرفتها منذ أعوام طويلة .
احمر وجهها ، وأحنت رأسها خجلا إلي المائدة ، ثم استطرد قائلا :
ـ أريد أن نلم الشمل يا "سكينة" ، ونكون عائلة واحدة مترابطة ، أنا ، وأنت ، و"عزيز" .
توقف لحظة ليسترد أنفاسه .. هتف بصوت يحمل رنة الألم والندم :
ـ إنني أشعر بالوحدة وأحتاجكما بجانبي ، ويكفينا ابتعادا وفرقة طوال تلك السنين .
قالت بصوت ضعيف ناحل :
ـ أنت الذي ابتعدت عنا ، ولقد تألمنا كثيرا لذلك .
شعر الدكتور "عزام" بالقلق لتأخر "عزيز" عن الحضور ، ومشاركتهما الطعام ، فقال وهو يمرر يده علي ذقنه في انفعال :
ـ لقد تأخر "عزيز" كثيرا .
قالت بصوت خافت :
ـ سوف يحضر فلا داعي للقلق .
اجتاحت "عزيز" الريب والشكوك لدعوة الدكتور "عزام" غير المألوفة .. شعر بضيق شديد لملاقاته .. كان لا يريد أن يلتقي به وجها لوجه ، حتي لا تنكشف خططه ويراها "عزام" في وجهه ، ويلمحها في عينيه .. لبث وقتا طويلا وهو متردد في الانصياع لأوامره ، وبعد تفكير عميق قرر الخروج من حجرته وقبول دعوة الغداء .
اتجه إلي مائدة الطعام ، وجلس بالقرب من "سكينة" التي حيته بصوت خافت ، وتجنب النظر لصدر المائدة ، بينما لم يتجاسر الدكتور "عزام" أن يصوب نظراته إلي "عزيز" ، فقد خانته شجاعته ليرى نفسه بشكل مجسم .. ران صمت مريب عليهم جميعا ، وقطع الصمت المطبق ، صوت الأطباق والملاعق التي كان يرصها الخادم في نظام دقيق .
نظر كل واحد منهم إلي طعامه ، وتناول الدكتور "عزام" قطعة لحم مشوية وبعض السلاطة .. أخذ يسترق النظر بركن عينيه ليتأكد أنهما يلتهمان الطعام ، وشعر بارتياح إلي أن خطته في طريقها إلي النجاح ، عندما لمح أيديهما تتناول المرق وبعض الخضراوات المطبوخة في الملاعق .
عندما انتهوا من الطعام ، لم يقم الدكتور "عزام" من مكانه ، فلبث الآخران دون حراك ، بعد وقت قصير شعرت "سكينة" بدوار فقالت بصوت هامد قلق :
ـ إنني أشعر بالتعب ، و ..
انكب رأسها علي المائدة قبل أن تستكمل عبارتها ، فجأة أدرك "عزيز" كل شيء ، فحاول أن ينهض فخذلته قواه ، وهوى علي الأرض دون حراك .
لمعت ابتسامة رهيبة علي وجه الدكتور "عزام" ، وبدأ في تنفيذ خطته الشيطانية ، أشار إلي خادمه ، فحمل جسد سكينة بخفة ، وخرج يحملها بين ذراعيه من الفيلا ، ووضعها في مؤخرة السيارة الجيب ، ثم قام الاثنان بحمل جسد "عزيز" قوي البنية معا بمشقة ، وألقياه بجوار جسد "سكينة المتكوم .
بسرعة مذهلة استوى الدكتور "عزام" أمام مقود السيارة ، وأدار المفتاح ومرق من الفيلا متجها إلي معمل أبحاثه . بعد فترة وصل إلي الصحراء ، وكأنه في سباق مع الزمن وهو يقود سيارته في سرعة جنونية ، اخترق البوابة الحصينة للمعمل .. عندما أصبح بجانب المبنى ، هبط من السيارة.. بعد أن فتحه اتجه إلي السيارة وحمل "سكينة" بين ذراعيه ، وتقدم بها داخله عابرا الدهليز ثم إلي المختبر .. فتح المكتبة المتحركة ، ونزل السلالم المؤدية لمكان حيوانات التجارب والمسوخ المتوحشة .. كانت تهمهم وتصدر صراخا مرعبا ، وهي تتحرك في أقفاصها ، وقد فتحت أفواهها بشكل وحشي ، بعد أن تركها الدكتور "عزام" لمدة طويلة دون طعام .
تحرك الدكتور "عزام" صوب الأقفاص الخاوية ، ووضع جسد "سكينة" المدد تحت تأثير المخدر ، بينما كانت المسوخ تمد أياديها ذات الأصابع الشبيهة بالمخالب من بين قضبان أقفاصها ، وقد كشرت عن أنيابها الحادة مثل الوحوش الكاسرة عندما تكون جائعة .. أخذ صراخها يدوي في المكان ، نظر إليهم الدكتور "عزام" وهو يبتسم ابتسامة مروعة ، وقد تقلص وجهه ، وانسابت موجات من التجاعيد علي جبينه الكالح ، ثم صاح وهو يلوح بيديه :
ـ لا تتعجلوا الطعام ، فسوف أحضر لكم المزيد ، وأتمني أن تكون وليمة دسمة ، وتأكلوا حتي تمتلئ بطونكم باللحم الطيب ، ثم ضحك وهو يقهقه بشكل جنوني .. ها .. ها .. ها .
خرج مسرعا إلي السيارة الجيب .. حمل جسد "عزيز" بعناد شديد ، في طريقه كان يتوقف مصعدا أنفاسه بمشقة تحت وطأة حمله الثقيل الذي يماثل وزنه تماما .
بعد أن أضناه التعب استطاع وضع جسد "عزيز" بجوار "سكينة" ثم بدأ في الضغط علي عدة أزار لصق الحائط ، فأخذت القضبان المتوازية بين الأقفاص ، والفاصلة بين كل مسخ وآخر تختفي ببطء إلي أسفل ؛ بينما كانت تنظر بتوحش إلي الجسدين المسجيين وقد سال لعابها علي هذه الوجبة الشهية .
ما أن اختفت القضبان حتي قفزت المسوخ من أقفاصها ، وهي تتصارع وتتواثب علي التهام الفريستين .. خرج الدكتور "عزام" دون أن ينظر وراءه ، وهو لا يلوي علي شيء .[/color][/size][/color][/size]
المفضلات