الاقتحام :
بينما كانت السيارة تنهب طريق العودة إلي الفيلا ، انتابت "عزيز" الأفكار وبدأ يستعيد شريط ذكرياته منذ طفولته ، حتي رؤيته "لسارة" وحبه وولعه الغامر بها ، وبدأ يدرك أن حبهما سيموت في مهده ، وأن حبه وأنانيته لها جعله لا يقدر الخطر الشديد الذي تتعرض له حبيبته ، فبعد أن راوده الأمل في أنه يستطيع التحكم في ذنبه القاتل عندما تهتاج مشاعره ، والتي قد تودي بها عندما يطوقها دون إرادته .
كان يريد استكمال مشروع دمج الآلة في الإنسان من أجل السيطرة علي هذا الذنب الذي يحوله إلي عقرب مميت ، والآن فهؤلاء الرجال الغامضون لن يتركوهما لحالهما ، فثمة عصابات دولية وراء كل ما حدث اليوم ، فلابد أن الدكتور "عزام" أثار حفيظتهم ضده قبل موته ، وفعل شيئا لم يذكره في مذكراته ، واستغرق في تفكير عميق ، فقد تكون نية الدكتور "عزام" في التقاعد وعدم استكمال ما كان متفقا عليه هو السبب ، أو أنه مطلع علي سر رهيب ، وكان لا يريد البوح به بدليل أنهم حاولوا خطف "سارة" للضغط عليه . وصل "عزيز" إلي الطريق الزراعي الممتد ، ومنه إلي الطريق الفرعي المؤدي إلي الفيلا ، وكان تحوطه الأشجار الضخمة السامقة من الجانبين . كان الطريق كالحا تغمره الظلمة ، فقد تشابكت فروع الأشجار من جانبيه ، ولم تسمح لضوء النجوم الخافت بالنفاذ ليلقي الألفة في قلب المارة بهذا الطريق المخيف .
انتاب "عزيز" شعورغامض بأن هناك من يقبع بين أو فوق فروع هذه الأشجار ، وأن عيونا تراقب سيارته التي تمرق بسرعة جنونية في هذا الطريق الموحش .
وصل إلي الفيلا واخترقت السيارة البوابة الأتوماتيكية ، وسمع بأذنيه المرهفتين صوت تكسر أغصان في الطرف البعيد من سور الفيلا المحاط بالأشجار ، ثم صوت ارتطام جسم بالسور من الخارج ، وتكهن أن ثمة أشخاصا قد اقتحموا الفيلا ، وقد يكون هناك آخرون يترقبون وصوله ، فتحسس المسدس الذي سلبه من العصابة أثناء عراكهم معه ، وواصل سيره عبر الممشى الطويل المؤدي إلي الفيلا ، ثم توقف علي بعد عدة أمتار منها .
أمسك المسدس وقد شهره متحفزا ومترقبا لأقل حركة ، وأخذ يتلفت حوله بحذر حتي وصل إلي السلم الخلفي ، واطمأن أن الخادم الأصم موجود بحجرته التي تركها مفتوحة منتظرا وصول سيده .
عندما لمحه الخادم قفز من مكانه ، وسأله ببساطة كأنه لم ير المسدس المشهر في يد "عزيز" :
ـ هل تريد أن أحضر لك العشاء يا سيدي ؟
لوح "عزيز"وهو يلوح بيده نفيا وهو يقول :
ـ أشكرك .
وأضاف وهو يشير إليه :
ـ يمكنك أن تنام الآن .
توجه "عزيز" إلي حجرة المكتب ، ولاحظ بعينيه الثاقبتين أن أشخاصا قد اقتحموها وفتشوها تفتيشا دقيقا ، ويبدو أنهم كانوا يبحثون عن شيء ما ، وتأكد أنهم لم يتوصلوا إلي الباب السري ، ثم تسلل من الحجرة ، وأخذ يجوب الفيلا ، وهو لا يزال مشهرا مسدسه ؛ بحثا عن أشخاص قد يكونون مختبئين للانقضاض عليه ، وعندما اطمأن لخلو الفيلا منهم ، توجه إلي حجرة المكتب مرة ثانية ، وفتح الباب السري ، ثم أقفل الباب وراءه آليا .
بدأ "عزيز" ينقب في الملفات والمخطوطات التي كتبها الدكتور "عزام" بنفسه ، ثم اتجه إلي أحد الأرفف التي كانت تحمل مخطوطات مشروعه الرهيب ، بإدماج الآلة بعقل الإنسان ، بالإضافة إلي المورثات الحيوانية .
لاحت ابتسامة باهتة علي وجه "عزيز" ، فهذه الأوراق الخطيرة هي ما تسعي إليه العصابات الدولية ، ويبدو أن "عزام" قد ساومهم عليها ، وطلب منهم مبالغ طائلة ، ففي آخر كلماته التي سطرها في مذكراته قبل موته ، صرح أنه سيحصل علي مئات الملايين من الدولارات ثم ينهي نشاطه ، ويتقاعد ليحيا حياة سعيدة مع "سارة" .
تكهن "عزيز" أن العصابة رفضت مطالب الدكتور "عزام" ، ووصلوا إلي طريق مسدود ، فلم يكن أمامهم بدا إلا الضغط عليه لمساومته أو سرقة الأبحاث .
تناول "عزيز" هذه المخطوطات ، فلو حصلت عليها العصابة فسوف تكون حياته في خطر ، وسيصفونه جسديا دون شك ، وفي نفس الوقت كان متأكدا أنهم سيمارسون عليه ضغوطا هائلة حتي تكون تلك المخطوطات تحت أيديهم .
استغرق "عزيز" في تفكير عميق ، ثم أخذ هذه الأوراق الخطيرة ، وخرج من القبو ، وألقاها في المدفأة ، وأشعل فيها النار ، ثم تنفس بارتياح مع آخر ورقة كانت تتلوي في النيران ، وقد اختفت معها آخر السطور الرهيبة ، وبذلك تأكد أن أسرار هذا المشروع مودعة في عقله فقط ، ولن يسلبه أي شخص مهما كان هذه المعلومات ، ومن ثم عليه استكمال خطته .
بدأ "عزيز" يضيق ذرعا بسره الخطير ، "فسارة" التي يحبها حتي النخاع لا يستطيع أن يسبب لها الألم والحزن ، لأنها تزوجت مسخا ، ثم أنها أحبت الدكتور "عزام" وليس نسخته ، مؤكد أنه صورة طبق الأصل منه ، ومع هذا فهو يملك روحا غير روحه بالإضافة إلي المورثات العقيمة التي أودعت في تكوينه ، فعليه أن يطلعها علي سره الرهيب ، ويعترف لها بكل شيء حتي يشعر بالراحة ، ولن يلومها عندما تكرهه أو تلفظه بعيدا عنها ، ويكفيه أنه أحبها ، فحبه لها برهان علي مقدرته علي الحب ، وأنه ما زال يحمل روح الإنسان
المفضلات