اجراس الأمل :
لأنه لينان ربما !!
**************
حتى في هذا الظلام الحالك نستطيع أن نبصر . . .
هناك ما يضيء حولنا ويدفعنا إلى أبصاره وأبصار ما حوله .
هناك جذوة جمر المواقد من سهرات لم تزل ممتدة في صيدا والشقيف والزهراني ومرجعيون . . .
وتطل كالعيون الزائغة . تضيء من حولها الصنوبر والشربين . . وترفل في بذخ الهتك موغلة في الياسمين !
حتى في هذا الظلام الحالك قادر أن يشد زوادته على الأنظار . . . متسربا كأنه الماء بالماء يحتفي في بقعة صغيرة نائية على الخرائط الموزعة غنائم . . بقعة يظل
اسمها " لبنان " . . . ويظل لبنان بحجم العالم الشاسع مرتديا لوحده سرابيل الحروب . . محتربا لوحده بين ساحات الهزائم . . يوزع " لبنانيته " لبنا على الشفاه اليابسه
عطشا وحزنا . . .
حتى في هذا الظلام الدولي الحالك . . يظل لبنان الوحيد الساطع برؤياه بوعده المستحيل . .
*****
حين دعوه للوليمة وكان جائعا مغرورق العينين وكلوم الفؤاد . .
انتهر الأرز انحناءة الجوع في قامته المديدة . .
انتهز البحر صليل سيفه المسفوح في جبهته نداء . .
انتهر الفينيق بقايا رماد تعلقت بريشه . .
وانتهر الثلج حفنة من السواد تطاولت عليه . .
وأعطى ظهره الوليمة !
*****
حتى في هذا النهار العربي الكاذب أشعل قنديله الباقي الوحيد . .
وحين فاجأوه " بالنهار " . . قرّب القنديل أكثر كي يرى ملامح النهار !
فتيقنت عيناه أن ما حواليه ظلام !
وأن الناس لم تزل نياما !
وأن في قنديله النهار !
فأعطى ظهره لأشباح النهار !
*****
بين النهر والنهر يواري قتلاه .
نامي هنا هنا مهدك الأثير وصدر حليبك الدافىء . . ارضعي . . ارضعي . . ثم نامي لا تعذبيني طويلا . . كما عذبتني طفلتي التي لا تنام . .
وحدها طفلتي بين أطفال القبائل كانت لجوجة . . وكانت جميلة . . لكنها لا تنام . .
تعالي هنا ياقرابين وقتي العجيب . .
بين النهر والنهر يواري تواريخه المقبلات :
كم خوذة تسد مجراك أيها القادم من تدفق صوتي ؟
ما أقل القتلى هنا . . وما أكثر الشهداء !
كم خوذة تئن على الضفاف ؟
وما أكثر القتلى وما أقل الشهداء . .
لكنه حتى هنا يرى الأشياء كأوضح ما تكون . . وكأنما ظلام الكون لا يعنيه في ظلماته . .
حتى هنا يرى الحروف تناسل الحروف ! ويرى الجيوش وراءه صفوفا . .
ويظل يحضن قنديله الباقي الوحيد
يظل يحصي خوذ الجند تسد مجرى الصوت تغتال الحروف . .
ويظل مشدودا إلى حروف تناسلت منها حروف
ولأنه لبنان . . ظل مرابطا وحيد
وظل واقفا . .
والباقي سجود ! !

***********************
10 / 8 / 1994
**********************
أحمد الشملان