الترجمة في قنوات MBC
حشف وسوء كيلة

في شهر رمضان الماضي كانت قناة MBC تعتزم بث مسلسل اسمه "للخطايا ثمن" وكان يتناول قضية زواج المتعة. وقد أثار المسلسل حفيظة الأخوة الشيعة وقادوا حملة معارضة قوية تضمنت تهديداً بقتل الطاقم الفني للمسلسل فرضخت القناة وامتنعت عن عرض المسلسل.
هذه الأحداث دفعت الكاتب السعودي مهنا الحبيل لأن يتناول في عموده "حديث الخليج" في جريدة الوطن البحرينية موقف MBC كشبكة بكل قنواتها من الفكر والأخلاق والمباديء الإسلامية. فقال "كان موقفاً دائماً معادياً محرضاً مستبيحاً لكل قيم الشعب العربي في الخليج المنتمي بطبيعته لثقافته العربية الاسلامية ذات المصادر السنية بطبيعة الهوية القائمة لأهله وان اشتركت مع اخوانها الشيعة في كثير من الأمور. وكل هذه المشاعر والأحاسيس كانت تعامل باحتقار بالغ من الشبكة وازدراء لمباديء الفكر الإسلامي والتحريض عليها"

أسوق هذه المقدمة تمهيداً لطرح قضية هامة تتعلق في المقام الأول بالوضع العام للترجمة واللغة العربية في قنوات MBC والحالة الغريبة التي نشهدها في ما تترجمه القناة من أفلام تعرض على القناة الثانية وقناة MBC Action وهما قناتان تعرضان أفلاماً أمريكية في الغالب. وسوف أقصر حديثي على لغة السباب والألفاظ النابية التي تعج بها قواميس الثقافة الغربية وأضحت مفرداتها جزءاً من الخطاب اليومي في مجتمعات الغرب ويتقبلها المجتمع والفكر المجتمعي كأسلوب من أساليب التعبير هناك. وبديهي أن تحتوي الأفلام على جرعات كبيرة من تلك الألفاظ وبما ان قنوات MBC تعرض لنا تلك الأفلام فقد لاحظنا تبايناً رهيباً بين النص الأصل والترجمة وطرق تناول المترجمين لتلك النصوص وترجمتها الى اللغة العربية. لذلك أرجو أن نناقش هذا الموضوع من كل الجوانب وأهيب بالزملاء والزميلات في حقل الترجمة التكرم بابداء ملاحظاتهم ومداخلاتهم حتى نخرج بالفائدة المرجوة.
لقد حث الإسلام على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال وهنا انقل الحديث النبوي الشريف الذي اتخذه الزميل صالح القماري توقيعاً له وهو ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً.) إذن فنحن هنا ننطلق من مبدأ أساس وهو التزام الخلق الحسن وتجنب البذاءة في القول.
من ناحية أخرى تحفل لغة التخاطب اليومي في المجتمعات الغربية واخص هنا المجتمعين البريطاني والأمريكي بالعديد من العبارات البذيئة أو لغة السباب أو ما اصطلحوا على تسميته swearing language أو bad language أو obscenity وهي شائعة الاستخدام ولا يقع التلفظ بها تحت طائلة القانون.
وفي بريطانيا أجرت هيئة البي بي سي قبل عامين أو ثلاثة استبياناً عن هذه اللغة ومدى تقبل الناس لسماعها فسجل الاستبيان 28 كلمة اساءة أو بذاءة وتنوعت تلك الكلمات والعبارات الى عدة أنواع مثل الإساءة الى العرق أو الأصل (nigger, paki) أو السباب المباشر كنعت شخص بانه (slag) أو سب الأقليات بكلمات مثل (spastic, poof)أو الصاق الصفات الذميمة بشخص ما أو تشبيهه بالأعضاء التناسلية أو التجديف وعدم احترام المقدسات
(Jesus Christ, God). وتراوحت درجات تقبل المشاركين في الاستبيان لتلك الألفاظ . غير أن ما يحمد لهيئة مراقبة التلفزيون البريطانية ان الأفلام والبرامج التي تحتوي على تلك اللغة لا تبث الا بعد التاسعة مساءً أي بعد أن يخلد الأطفال الى النوم. وعادة اذا كان لابد من بث المادة التي تحتوي على لغة السباب والألفاظ النابية فعندها تحذف الكلمة/العبارة من الحوار وتسمع مكانها صافرة تدل على أن المحذوف لا ينبغي سماعه في هذا الوقت خشية احتمال وجود اطفال بين المشاهدين.
نعود الى MBC حيث نجد أن معظم الأفلام التي تعرض هي أفلام عنف وتعري وبالتالي تحفل بالكثير من العبارات البذيئة أو لغة السباب فتلجأ القناة الى حذف الترجمة العربية أو تحريفها تحريفاً يخل بالمعنى المراد مع الإبقاء على النص الأصل (الصوت) على الفلم. ولعمري ففي ذلك استهانة بعقول المشاهدين الذين يعرفون اللغتين واستخفافاً بمبدأ الأمانة في الترجمة. وحيث ان أخلاقنا وقيمنا المأخوذة من تعاليم ديننا لا تقبل أن تخترق آذاننا تلك العبارات المفروضة علينا فرضاً فاننا نتساءل: لماذا تحذف أو تشوه الترجمة ويبقى على الأصل؟ وبما أن هذه الافلام تبث على مدار الساعة فقد يشاهدها صغارنا وكثير منهم يتقن اللغة الانجليزية فيتابع الفلم دون الحاجة لقراءة الترجمة، وعندما يستمع الصغير الى تلك العبارات فسوف يعتقد أنها شيء عادي ومقبول. ان هذا النوع من الأفلام يدخل الى بيوتنا وبيوت ملايين البشر وكون هذه العبارات شيئاً مألوفاً لدى تلك المجتمعات الغربية فذلك لا يعني أنه مكتوب علينا أن نسمعها داخل بيوتنا. وأعني هنا اننا نسمع تلك العبارات النابية في الفلم لكننا نقرأ لها ترجمة تثير الضحك. واليكم بعض الأمثلة وليعذرني الزملاء والزميلات فالأمر جد خطير وجدير بالملاحظة:
نبدأ أولا بالأسلوب الذي تعلن به القناة عن الأفلام القادمة فيخلط المذيع/المذيعة الكلمات العربية مع الانجليزية في عملية تشويه متعمد للغة العربية فيذكر اسم الفلم مثلا ثم يقول: على الMBC في الساعة العاشرة KSA أي يقصد بتوقيت السعودية (لاحظ تركيب العبارة)
من نماذج ترجمة القناة:
في فلم عن محاكمة لمتهم بجريمة اغتصاب فتاة وردت الجملة التالية:
She was wearing sexy clothes
الترجمة: "كانت ترتدي ثياباً مميزة." ولاحظ مدى التحريف المتعمد في الترجمة.
أيضاً وردت جملة قانونية بحتة هي: a charge of rape of first degree
الترجمة: "تهمة بالإدعاء من الدرجة الأولى" ولاحظ الحذف المتعمد لترجمة كلمة rape .
- أحدهم يسأل فتاة ان كانت تستطيع الخروج معه في المساء قائلا لها: Are you free this evening?
- الترجمة: " هل أنت حرة هذا المساء؟" من الواضح هنا أن المترجم لجأ الى الترجمة الحرفية فأفقد العبارة معناها.
يسأل المحقق في الفلم قائلاً: Is there a sexual assault?
الترجمة: "هل جرى اعتداء حميم عليها؟" وهكذا ولأول مرة نعرف أن الحميمية صفة للإعتداء. لاحظ الإغفال التام لترجمة كلمة sexual
قالت الفتاة ضحية الاغتصاب: They raped me
الترجمة: " لقد اعتدوا عليّ" . على الرغم من أن أحداث الفلم تدور عن وقائع اغتصاب واحتوى الحوار على لغة قانونية واضحة إلا أن المترجم تغاضى عنها وجاءت ترجمته خداجاً فالإعتداء هنا اغتصاب وهو ما لم توضحه الترجمة
هناك عبارات كشفت عن جهل المترجم بالثقافة المترجم عنها وبالعبارات الاصطلاحية في اللغة الانجليزية منها على سبيل المثال:
رجل شرطة يتحدث باللاسلكي مع المركز ويبلغهم برقم سيارة عهد اليه بمراقبتها فقال: India, Romeo, Juliet 534
الترجمة: انديا روميو جوليت 534.
وهذا خطأ واضح فمن المعروف عالمياً ان أرقام لوحات السيارات تتالف عادة من أحرف هجائية وأرقام. والكلمات التي تفوه بها الشرطي هي لإبلاغ المركز بالأحرف الهجائية فيلجأ الى قول India ويقصد الحرف الأول من الكلمة وهو “I” وذلك توضيحاً للحرف المراد ومنعاً للإلتباس من تشابه نطق بعض الأحرف عبر الهاتف وهكذا يكون رقم السيارة كالتالي IRJ 534 .
وهناك عبارة: I could lose my job for this وهي لرجل طلب منه اجراء عمل معين كصنيع شخصي وخشي أن يفقد وظيفته اذا اكتشف أمره
الترجمة: "أستطيع أن أفقد وظيفتي بسبب ذلك" . هل تستقيم هذه الترجمة؟ ما هو المعنى الذي ترمي اليه هذه الترجمة.؟
ومن العبارات الاصطلاحية: he is trying to fly a kite
الترجمة: "يطلق طائرة ورقية" وهنا خطأ فادح آخر بسبب جهل المترجم بالمعنى المطلوب من هذه العبارة وهي لغة امريكية دارجة تقال عندما تريد ان تتخلص من شخص مزعج و تطلب منه ان يبتعد عنك.
عبارة: adult movies
الترجمة: أفلام للراشدين. (ترجمة حرفية مخلة)
عبارة: D Day
الترجمة: اليوم المشهود. (أرجو من الزملاء والزميلات التعليق على هذه الترجمة)
عبارة: serial killer
الترجمة: قاتل متسلسل. (وأدعوكم ايضا للتعليق على هذه الترجمة)
والأمثلة كثيرة ولكن أكتفي بما ذكرت.
ان ترجمة الأفلام في قناة MBC مبتسرة وعلى درجة كبيرة من التجريد والعمومية وتتعرض للكثير من الحذف الواضح الذي لا يخفى على المترجم المبتديء. ويغلب على الترجمة عدم الإهتمام بالعناصر الدلالية للمفردات والإغفال المتعمد للتلميح والاشارات الضمنية وبالتالي لا يمكننا بحال أن نعزو المعنى الذي نقله الينا المترجم الى الكلمة الأصل التي نسمعها جيداً ولكن نقرأ لها ترجمة مشوهة.
اذن فالسؤال الذي نطرحه هنا هو : لماذا تلجأ القناة الى حجب الترجمة التي تتعلق بالأمور الجنسية ولغة السباب؟ هل لأن قيم المجتمع المستهدف لا تسمح بذلك؟ اذن لماذا لا تحذف العبارات الانجليزية من النص الأصل؟
أنا لا أدعو هنا الى ايراد الترجمة الكاملة لمثل هذه العبارات النابية ولكن أسأل من منطلق مهني بحت: لماذا أسمع كلاما في الفلم باللغة الانجليزية وأقرأ على الشاشة ترجمة عربية مغايرة هي نوع من التجميل لعبارات بذيئة في النص الأصل؟.
هل هذا الإختزال المخل من فعل المترجم ام من القناة؟ ما هو موقف المترجم الذي يرى انتاجه يتعرض لتدخل من القناة بالتعديل والتحوير؟ ما أثر تلك الترجمة على اللغة العربية عموماً وعلى أداء المترجمين المبتدئين؟ هل في أعضاء واتا من يترجم لقنوات أم بي سي فنسمع منه ما يفيد؟
اذا كان الغرض من ذلك التصرف المريع في ترجمة الأفلام هو حجب العبارات النابية التي تخدش الحياء، فالأفلام التي تختارها القناة هي في معظمها مليئة بكل ما يخدش الحياء من قول وفعل وايحاءات جسدية. فماذا تحاول القناة أن تخفي؟
إن من يرقص لا يغطي ذقنه.