الأهرامات لا تقف على رؤوسها
إتفاق معبر رفح …
تم التوصل إلى هذه الاتفاقية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية لتنظم حركة التنقل بين قطاع غزة ومصر, أو موضوع تنقل المواطنين بين القطاع والضفة الغربية, إلى جانب حركة البضائع . وتتضمن الاتفاقية مبادئ عامة, ويسري مفعولها لمدة عام كامل, يتم بعدها إعادة تقييمها والنظر فيها من قبل مختلف الأطراف قبل استخلاص العبر وتقرير مصيرها من خلال إدخال تعديلات او تمديد سريانها . وقد ابقيت كثير من الامور والقضايا ليتم حلها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي, خاصة التفاصيل المتعلقة بسفر سكان غزة الى الضفة, ومن بين بنود الاتفاق ما يلي:
" - يتمّ تشغيل معبر رفح من قبل السلطة الفلسطينية من جانبها ومن قبل مصرمن جانبها طبقاً للمعايير الدولية وتماشياً مع القانون الفلسطيني بحيث تخضع لبنود هذه الاتفاقية. يتمّ افتتاح معبر رفح بمجرد ما يصبح جاهزاً للتشغيل بناءً على معايير دولية وتماشياً مع مواصفات هذه الاتفاقية وبالوقت الذي يتواجد فيه الطرف الثالث في الموقع، مع تحديد الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر كتاريخ للافتتاح.
- استخدام معبر رفح ينحصر في حاملي بطاقة الهوية الفلسطينية ومع استثناء لغيرهم ضمن الشرائح المتفق عليها، ومع إشعار مسبق للحكومة الإسرائيلية وموافقة الجهات العليا في السلطة الفلسطينية.
- تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام الحكومة الإسرائيلية حول عبور شخص من الشرائح المتوقعة | دبلوماسيين مستثمرين أجانب، ممثلين أجانب لهيئات دولية معترف بها وحالات إنسانية وذلك قبل 48 ساعة من عبورهم.
- تقوم الحكومة الإسرائيلية بالردّ خلال 24 ساعة في حالة وجود أي اعتراضات مع ذكر أسباب الاعتراض. تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام الحكومة الإسرائيلية بقرارها في غضون 24 ساعة متضمنة الأسباب المتعلقة بالقرار. يضمن الطرف الثالث إتباع الإجراءات الصحيحة، كما ويعلم الطرفين بأي معلومات في حوزته متعلقة بالأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للعبور تحت هذه الاستثناءات.
- تظلّ هذه الإجراءات سارية المفعول لمدة 12 شهراً إلا إذا تقدم الطرف الثالث بتقييم سلبي حول إدارة السلطة الفلسطينية لمعبر رفح"
هذا وغيره من بنود وقعت عليه حكومة السلطة الفلسطينية وارتضته في حينه ... وبدون الدخول في تفصيلات عديدة فإن ما تجدر بنا الإشارة إليه هنا أن هذا اتفاق على أساسه تم تفعيل معبر رفح وأن هناك أطراف ثلاثة تتحكم فيه أولها السلطة الفلسطينية من جهتها و ثانيها مصر من جهتها وثالثها الجهة الدولية المراقبة ....
والآن ما لدينا هنا من حقائق يوضح أن مصر أحد الأطراف الثلاثة فأين هي بقية هذه الأطراف؟؟؟ سؤالنا لا يحتاج إلى جواب فالواقع يعطينا ما لن تجود به الكلمات.
ولا يفوتنا أن نذكر أن هذا الاتفاق والضغط الذي مورس على الحكومة الإسرائيلية في حينه لم يكن لأجل خاطر الفلسطينيين أو القضية الفلسطينية أو عملية السلام بقدر ما كان محاولة لإضافة أسهم جديدة لإنجازات الإدارة الأمريكية بعد الإخفاقات والمخازي التي منيت بها
إن الفوز الذي حققته حماس في الانتخابات الفلسطينية قد عمل على طرح العديد من التساؤلات حينها كان أهمها هل سيبقى المعبر تحت سيطرة السلطنة الفلسطينية وكان الخوف هنا من ردة الفعل السياسية تجاه وصول حماس للسلطة ورغم ذلك سارت الأمور في بدايتها على نفس الوتيرة خلال فترة الاختبار السياسي لأداء حماس والضغوط التي لعبها الفاعلين الدوليين ومن بينهم مصر لاستمرار نفاذ الاتفاق وإعطاء الفرصة للحكومة الجديدة إلى أن أعلنت حماس سيطرتها على قطاع غزة معطية سبباً وجيهاً لأعداء القضية كي يعودوا بها إلى الوراء عشرات السنين.
اتفاق مكة ...
لقد انعقد لقاء مكة ليضع حداً للتطاحن والاقتتال الفلسطيني و سعى لتحقيق مشاركة سياسية فعلية بين فتح وحماس وصياغة طبيعة الشراكة بين الكتلتين من خلال حكومة الوحدة الوطنية، بل إنه صاغ كتاب التكليف الذي وجهه الرئيس محمود عباس إلى رئيس الحكومة المكلف إسماعيل هنية والذي تضمن صياغة حول قضية التسوية، وحول قضية «الاعتراف» و" الاحترام» لكل ما يتعلق بالقرارات الدولية، والقرارات العربية، والاتفاقات الفلسطينية المبرمة. وقد نجح لقاء مكة في تحقيق هذا كله بل وذهب إلى أبعد من ذلك من خلال توفير غطاء كفل لحكومة حماس في بداياتها نيل الاعتراف الدولي ووضعها داخل إطار الفاعلين الرئيسيين في الشأن الفلسطيني بصورة رسمية هذا فضلاً عن الدعم المالي واللوجستي الذي تلقته الحكومة ولا يمكن إنكاره ...
والآن السؤال أين ذهبت فتح وحماس بهذا كله؟؟؟ وإلى أين وصلتا؟؟!!! والآثار التي ترتبت على نهجيهما و تناحرهما؟
إن الإجابة على هذا التساؤل تحتاج إلى تناول ملفات عديدة وتكشف خفايا كثيرة، ورغم تباين ما يمكن تناوله هنا من معطيات إلا أن النتيجة المؤكدة هو أن كلا الفريقين لن يوصف بالبراءة ولا السلوك القويم ولا حتى خدمة القضية الفلسطينية وهناك الكثير من الحقائق الواقعية البعيدة عن الزيف الإعلامي والتناول الرسمي المخادع و اللغة الخطابية ... حقائق سطرت بدماء الشعب الفلسطيني الذي أهرقه الفريقين فوفرا على الكيان الصهيوني الكثير من الجهود والأموال التي كان يتكبدها خلال سعيه المحموم لتصفية الشعب الفلسطيني وإجهاض القضية والتعتيم عليها...
الشأن الداخلي الفلسطيني
رغم أن قناعتي أن الشأن الداخلي لأي دولة هو أمر واجب الاحترام ولا يجوز التدخل فيه أو تناول الأطراف الفاعلة إلا في حالتين أساسيتين هما أن يتلاقى الشأن الداخلي ومعطياته مع قضية عامة لا تقف عند حدود الدول مثل قضية الصراع العربي- الاسرائيلي أو من خلال التناول العادل المنصف لواقع الشأن الداخلي من خلال حقائق دون الخروج عن أسس الحيادية ونزاهة المقارنة .... إلا أنني أجد نفسي مرغماً على الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية وهي تندرج تحت الاستثناء الأول وهي تتلخص في تساؤل إلى أين وصلت القضية في ظل التفاعلات الداخلية في فلسطين؟؟
إن الإجابة على هذا التساؤل تقودنا إلى كتابة صفحات وصفحات عديدة لكن أهم النقاط التي تجدر الإشارة إليها هي أن حركة القضية التي كانت تمضي قدماً من خلال خطوات سلحفاة باتت تتقهقر إلى الخلف بسرعة قطار ...
لقد أعطى ما يحدث في فلسطين من الداخل فرصة للكيان الصهيوني فاقت كل ما قد يكون قد حصل عليه من خلال إتفاقيات أو معاهدات أو مهادنات... لقد أتاح الوضع الراهن أن يخلق تعبئة للرأي العام الدولي يمكنه من خلالها قلب كل تصور و تجاوب و تعاطف وتأييد نالته القضية ذات يوم .... وأصبح لديه الفرصة لتحويل مصادره إلى نقاط أخرى لم تكن لها نفس أولوية الصراع مع الفلسطينيين فبدأت الحكومة الإسرائيلية في تضخيم ترسانة بينتها التحتية و تطويرها وزيادة عتادها حين وفرت عليها الفصائل الفلسطينية مهمة القتال و حين وفرت عليها خلق زخم من الرأي العالمي الغير متعاطف مع القضية الفلسطينية بل والمعادي للنموذج الديني للحكومات.
مصر والمعبر:
حينما تآزرت جهود القوى الدولية لتفرض حصاراً اقتصادياً على الشعب الفلسطيني جراء انتخابه لحكومة حماس وأوثقت أيادي المصارف والمؤسسات المالية عن تحويل الأموال للشعب الفلسطيني مما اضطر قيادات حماس إلى استخدام طرق غير تقليدية أو متعارف عليها لنقل الأموال … ألم يكن ذلك يتم عبر أراضي مصر؟ ألم تساهم مصر بصورة أو بأخرى عن تأمين تلك الأموال وخروجها من أراضيها لتصل إلى فلسطين ؟؟؟
ومصر ساعتها لم تنكر أن ذلك تم ويتم بل وجاهرت بذلك مشيرة إلى أن قوانينها لا تمانع إنتقال الأفراد بأموالهم عبر أراضيها حتى وإن كانت هذه الأموال مئات الملايين؟
لاشك أن ما مارسته مصر هنا يختلف بل ويخالف ما مورس على الجانب الآخر بعد عبور هذه الأموال من الجانب المصري عبر معبر رفح والتي انتهت بمصادرتها.
وحينما يؤكد " المتحدثُ الرسميُ باسم الخارجيةِ المصريةِ رفضَ بلادِه لأىِ قطعٍ لامداداتِ المرافقِ الحيويةِ لقطاعِ غزة، واصفًا مثلَ هذه الاجراءاتِ العقابيةِ بأنّها تتنافى مع القانونِ الدولىِ الانسانىِ ومواثيقِ حقوقِ الانسان. ونددَ المتحدثُ فى تصريحاتٍ له أمس بما يلوحُ بها بشأن أي اجراءاتٍ تَطالُ قطاعَ غزة باعتبارِها تندرجُ تحتَ مفهومِ العقابِ الجماعى وهو الامرُ الذى يُعدُّ مخالفةً واضحةً لاتفاقياتِ جنيف الاربع، مشددًا على رفضِ مصر للمَساسِ بتدفقِ المساعداتِ الانسانيةِ أو امداداتِ المرافقِ الضروريةِ مثل الكهرباءِ والوَقودِ والماء. كما دعا الاطرافَ الدوليةَ والمنظماتِ ذاتِ الصلةِ كافةً للتضافرِ من أجلِ التصدى لهذه الاجراءاتِ العقابيةِ بحق قطاع غزة"
فإن هذا هو خطاب مصر المعلن وسياستها تجاه الوضع في غزة
وحينما يناشد فوزي برهوم المتحدث الرسمي باسم حركة حماس الرئيس مبارك بالضغط علي إسرائيل لفتح معبر رفح وفك الحصار عن القطاع". ألا يثير هذا تساؤلنا حول القوى الفعلية المتحكمة في المعبر و التي بيدها القرار ويدفعنا للقول بأن مصر ليس لديها من جانبها أي مشكلة في فتح المعبر وإنما المشكلة في الجانب الآخر سواء كان إسرائيلياً أو فلسطينياً؟!!!
إن دور مصر ودعمها لم يقف عند حدود الكلمات وهذا ثابت ....
ومخطئ من ظن يوماً أن ما تحمله أكتاف مصر من ملفات يمكن أن تسير بتبعاته أي دولة مهما كانت ومهما حاول البعض أن يتاجر باسمها في فترات الأزمات فحين يحين الجد علينا أن نصف الحقائق أمامنا فربما ساعتها قد نرى في أفعال الآخرين داخلياً وخارجياً ما يمكن مقارنته بالدور المصري الذي لا يقف عند ما تقوله الكلمات أو يظهر من خلال مزايدات الرياء فالكثير الكثير مما تقوم به –وقامت به- مصر قد لا تلحظه أعين الراصدين
****************
إننا هنا قد إجتمعنا على هدف واحد وهو تناول القضية الفلسطينية والابقاء عليها حية نابضة في الضمير والوجدان العربي وماثلة أمام ناظري المجتمع الدولي ... وتناولناها من خلال حقائقها وفصولها ونحن في ذلك لا نسعى إلى تحقيق أي مأرب أو نيل أي منصب ولعل هذا أيضاً هو ما جعل لكلمتنا قوة ووزناً وأعاد للأذهان العربية خطاباً تغلفه وحدة الهدف والقضية وأضحى بارزاً سامقاً يعلوا فوق كل النعرات والنزعات التي تقف عند تصنيف الجنسية أو تحدها التوجهات ....
وإننا لسنا هنا لنتاجر بآلام وهموم وقضايا هي أقدس من أن نتدنى لمستوى من لا مانع عندهم من اغتيالها وإهراق دمائها لا لشيئ أكثر من حفنة دولارات أو مناصب فارغة ... فلا المال ولا المناصب لهما الدوام...
وإذا تناولنا قضية المعابر خاصة معبر رفح فإن يد الاتهام ستطال أطرافاً عديدة ولا يمكن أن نبرئ ساحتهم ونلقي الاتهامات على مصر التي لم تساهم في خلقها ولا كانت مسبباً في حدوثها ولم تكن في منأى عن الضرر من جرائها بل طالها من الأضرار ما يمكن سرد حقائقه جملة وتفصيلاً…
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختصر دور مصر ويوصم تاريخها بسبب مأساة تسبب فيها غيرها حين فضل الصلاحيات والسلطة والظهور على الساحات الإعلامية ووضعها أولوية قصوى تفصل بينها وبين مصلحة شعبه مساحة شاسعة مليئة بالأشلاء و …………
ولا يمكن أن نختصر قضية بحجم القضية الفلسطينية فنقف بها عند سؤال من هو المسئول عن ما يجري في غزة؟؟
لأننا لو سألنا لوجدنا أنه يتعين علينا أن نرسل آلاف الرسائل إلى كثيرين من منتفخي الأوداج على كراسي السلطة أو المستوزرين..
المفضلات