شد نظري هذا المقال للأديب الفلسطيني طه الفتياني فأحببت نقله هنا لما لمسه هذا المقال من واقع يحصل فعلا:
.................................................. .........................
قد تغرنا الخسائر الأمريكية في العراق، وتشرع أمامنا باب التفاؤل، فنأمل انسحاباً مشيناً للقوات الأمريكية، يذهب بسمعتها إلى أسفل السافلين، إنه تفاؤل مشروع ندعو الله أن يتحقق وأن لا نرى جندياً أميركياً واحداً في كل المنطقة العربية، فالأمريكان حقيقة نذير شؤم وخراب، ما أن تطأ أقدامهم منطقة ما، حتى يغزوها القتل والذبح والدمار.
إن ارتفاع عدد القتلى الأميركيين في الشهر الأول من سنة 2007 يجعل وصول هذا العدد إلى معدلات قياسية قد تتجاوز الألف مع نهاية هذا العام مؤكداً، بعد أن ظل هذا العدد يقترب من 900 بخجل على مدار سنتين متتاليتين.
ما يعزز هذا التفاؤل حقيقة؛ هو الخسارة الانتخابية التي لحقت بالجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ اللذين أصبحا واقعياً بيد الحزب الديمقراطي، مما يمكنه من الضغط على الرئيس بوش وتقييد حركته بشكل كبير، قد تحظى هذه التحليلات بمقدار عال من المصداقية، فالأعداد المتزايدة من القتلى يشكل ضغطاً عصبياً مستمراً على إدارة بوش، فيجعلها في موقف الدفاع دائماً أمام الأغلبية الديمقراطية المتحفزة لاستغلال أي فرصة لإضعافها تمهيداً لإزاحتها من سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية القادمة.
كل هذا صحيح، لكن هنالك جملة أوراق في يد بوش وإدارته، تستطيع أن تبرزها أمام الرأي العام الأمريكي، الذي لا يهمها كثيراً في هذه المرحلة، فالانتخابات الرئاسية لا يزال أمامها سنتين، وانتخابات التجديد مرت بمُرّها وحلوها، وحصل ما حصل فيها من فشل وإخفاق.
الورقة الأولى هي الميزانية العسكرية التي أقرت فعلياً لعام 2007، وتم توفير كل ما تحتاجه القوات الأميركية المتواجدة في العراق، ولا تملك الأغلبية الديمقراطية أن تفعل شيئاً حيال هذا الشأن، هذا إن تجرأت على دخول هذه المجازفة المحفوفة بالمخاطر، فدعم الجندي الأميركي في فترة الحرب، خط أحمر يصعب تجاوزه، جمهورياً كنت أم ديمقراطياً، فالمال إذاً في جيب الرئيس بوش يصرف منه على جنوده الأحياء منهم والأموات.
أما الورقة الثانية فهي الأهمية الإستراتيجية للعراق بالنسبة لأمريكا و"إسرائيل" في آن واحد، تعتبر الولايات المتحدة العراق القوي خطر داهم على "أمن إسرائيل"، بعد أن رفعت مصر وسوريا وباقي الأنظمة العربية الراية البيضاء، وأعلنت السلام إستراتيجيتها الوحيدة في علاقتها مع "إسرائيل"، مع ملاحظة أن الولايات المتحدة تعتبر العراق خطها الدفاعي الأول أمام الخطر الإيراني، الذي يهدد احتياطات الخليج البترولية، بعد أن أوشكت إيران أن تصبح قوة نووية شاء الغرب أم رفض.
أما الورقة الأخيرة بيد بوش وإدارته فهي محاربة الإرهاب، وهنا نسترجع شريط الأحداث، لنرى كيف خلق الإعلام الأمريكي من "الزرقاوي" أسطورة يصعب التغلب عليها، وكيف تم إشعال نار الحقد الطائفي باسم "تنظيم القاعدة"، وعمليات التفجير التي وقعت في المدن العراقية وفي مراقد الشيعة المخططة بخبث ودهاء لخلق حالة من الرعب والفوضى، تكرس الوجود الأميركي في العراق كبديل يصعب التخلي عنه، في ظل فلتان أمني ساهم الاحتلال في خلقه تبريراً لوجوده.
لقد أوقع بوش نفسه في مستنقع لم يقدّر عمقه جيداً قبل أن يغوص فيه، وها هو يغوص ويغوص ويوشك أن يغرق، مع كل عبوة ناسفة تزهق روح جندي أميركي في بغداد أو الرمادي أو الفلوجة.
إن بشائر الشهر الأول من هذه السنة، تعطي مؤشرات خطيرة، ستحرق كل الأوراق التي يلعب بها هذا الأميركي الأحمق، وعندها سيلعن هو وحزبه اليوم الذي فكروا فيه بغزو العراق وتدنيس الأرض العربية الطاهرة، وسيلعنون كل عملائهم الذين زينوا هذا الغزو لهم وطمّعوهم بثماره
..................................
طه الفتياني:اديب وكاتب مسرحي فلسطيني.
تحية
المفضلات