آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي في حلقات -ج7 - نزار ب. الزين

  1. #1
    أديب الصورة الرمزية نزار ب. الزين
    تاريخ التسجيل
    30/09/2006
    العمر
    92
    المشاركات
    1,703
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي في حلقات -ج7 - نزار ب. الزين

    رحلة إلى الأعماق
    قصة من الخيال العلمي في حلقات
    الجزء السابع

    نزار ب. الزين*


    أبطال القصة :
    د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
    د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
    د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
    د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
    د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .


    بعد أن تشاور العلماء العرب الخمسة فيما بينهم ، رفضوا فكرة الإنقسام إلى فريقين و رؤوا ضرورة بقائهم معا ، على أن تتم زيارة المختبرات فيما بعد .
    و هكذا توجهوا جميعا إلى المركبة يرافقهم نمرود و كرزون معا ، و سرعانما حررهم نمرود من فقاعاتهم المصنوعة من المادة المعتمة ، ثم اتخذ كل موضعه استعدادا للإنطلاق .
    قال لهم نمرود مقترحا : " ما رايكم أن نبدأ بتجمعات المياه العذبة ؟ " فوافقوه في الحال .
    تقدم كرزون من الدكتور رياض و أخذ يرشده إلى الإحداثيات التي يجب اتباعها للوصول إلى أول جيب مائي يستحق الإطلاع و الدراسة و بأسرع وقت ممكن .
    و تنطلق المركبة بركابها مخترقة باطن الأرض صعودا في اتجاه الشمال الغربي ، و إن هي إلا دقائق لم تبلغ العشر ، حتى وجدوا أنفسهم يسبحون بمركبتهم في وسط مائي شديد الظلمة ، ما أن وصلوا إلى سطحه حتى شاهدوا بكشافاتهم أنهم ضمن كهف ، ما لبث الدكتور عبد الله ان أخبرهم أنه بواسطة المسح الصوتي ، تمكن من التأكد أنهم ضمن كهف عملاق يتوسطه هذا الماء الذي بدا له – أيضا - و كأنه بحر واسع أو محيط مترامي الأطراف ...
    قال لهم نمرود مؤكدا :
    - نعم إنه محيط ، إنه بحجم ما تطلقون عليه المحيط الهندي ، و كله من الماء العذب !
    أصابتهم الدهشة و عقدت ألسنتهم ..
    و بعد فترة صمت ، علق الدكتور مجدي بصوت متهدج عَكَسَ انفعاله الشديد :
    = لو أن البشر تمكنوا من اكتشاف هذا المحيط من المياه العذبة و تمكنوا من الوصول إليه و استثماره ، لكفوا عن الصراع و الحروب إلى الأبد ، فإن هذا الماء وحده كافٍ ليحوِّل الكرة الأرضية بجبالها و هضابها الجرداء و صحاريها القاحلة إلى جنة وارفة ....
    يجيبه نمرود :
    - ليس هذا فحسب ، بل هناك تجمعات مائية أخرى من المياه العذبة في عدة أماكن ، ساطلعكم عليها تباعا ، إن شئتم !
    و يتساءل الدكتور هشام :
    = و لكن كيف تكوَّن هذا المحيط و في هذا العمق ؟ و يلتفت إلى إلى الدكتور عبد الله متسائلا " كم هو عمقنا الآن في جوف الأرض ، أخي عبد الله ؟ " فيجيبه الدكتور عبد الله : " نحن على عمق أقل بقليل من ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ! تحت بحر الصين مباشرة ، و هو البحر الذي يفصل اليابان عن الصين . "
    و يقاطعهما نمرود مجيبا على استفسار الدكتور هشام :
    - على مدى ملايين السنين ، كانت المياه تتسرب من المحيطات و البحار أو من الجبال دائمة الغطاء الثلجي ، إلى أعماق سحيقة في جوف الأرض ؛ و بتأثير الحرارة الشديدة في الأعماق تتبخر متحررة من أملاحها و تتحول إلى أبخرة تبدأ بالصعود بين الشقوق ، إلى أن تصل إلى طبقات أبرد ، فتتحول من جديد إلى ماء و لكنه ماء عذب ، في ظاهرة قريبة من ظاهرة تكون المطر فوق سطح الأرض ، و تحت تأثير الضغط العالي و الجاذبية يحاول الماء التسرب من جديد إلى الأعماق ، إلا أن بعضه و أثناء حركته الراجعة قد يصادف صخورا لا تسمح له بالتسرب فيتجمع فوقها ، و تصادف في هذا المكان وجود صفيحة غرانيتية ضخمة سمحت بهذا التجمع المائي هائل الحجم .
    يعلق الدكتور هشام : " هناك مقولة علمية تفيد بأنه حيثما يوجد ماء توجد حياة ، فلِمَ لا نباشر بالبحث عن حياة ما ، هنا ؟ "
    يوافقه زملاؤه و يقررون الغوص من جديد ، فيشغل الدكتور عبد الله الكشافات الضوئية جميعا ، بينما استعد الدكتور مجدي لجمع العينات ، أما الآخرون فاتجهوا إلى المراقبة الخارجية عن طريق كاميرات الفيديو أو شاشات الرادار ..
    و تبدأ من ثم الأعاجيب بالظهور ، أسماك شبيهة بأسماك البحار المعروفة و لكن لا لون لها و لا عيون ، منها الكبير بحجم قرش و منها الصغير بحجم عقلة الإصبع ، يبدو أنها تعيش في عالم شمي كما يعيش النمل .
    و على حين غرة يبرز أمامهم مخلوق مائي عملاق ، بدا وكأنه يتجه نحوهم مباشرة و بسرعة كبيرة ؛ صاح الدكتور عبد الله بأعلى صوته : " أعلى سرعة يا أخي رياض ، إنه يهاجمنا " .
    و يتمكن الدكتور رياض بمناورة بارعة من تحاشي الإصطدام بهذا المخلوق الذي يعادل حجم حوتين كبيرين من نوع الحوت الأزرق ، على الأقل .
    و بعد التقاط الأنفاس ، يعلق الدكتور عبد الله : " إنه بطول ستين مترا أي أكثر من ضعف طول مركبتنا ، لو أننا ارتطمنا به لكنا واجهنا كارثة ! " فيرد عليه الدكتور هشام واثقا بما يقول : " لا أظن ذلك ، فمركبتنا قوية ، فقد اخترقت الصخور الصلبة و قاومت الضغط الهائل ، و لو أننا اصطدمنا به لقطعناه إربا !.." أما الدكتور حمود فكان سؤاله موجها للدكتور عبد الله : " هل سجلت الواقعة (أخوي) عبد الله ؟ " .
    يضحك الدكتور عبد الله و يضحك الآخرون ..و قد تذكروا مقلب الزمن الضائع ..
    يقاطعهم كرزون قائلا و قد تملكه الإعجاب الشديد :
    - مركبتكم هذه سوف تغير وجه العالم ، أتدرون ؟
    *****
    تعود المركبة إلى سطح الماء ، فقد قرر العلماء البحث عن شاطئ هذا البحر المذهل ، و لكن بعد بضع دقائق يرصد الدكتور عبد الله صوت هدير عالٍ ، يسلط كشافات المركبة في كل اتجاه للتعرف على مصدر الصوت ، و فجأة يكتشف اقتراب المركبة من شلال هائل ، فيصيح الدكتور عبد الله صيحة ( أرخميدس ) : " إنه شلال ، شلال حقيقي يربو ارتفاعه على المائة متر ، و كأني أمام شلال فيكتوريا الأفريقي الذي شاهدت فيلما عنه ذات يوم . "
    يتساءل الدكتور حمود مشدوها :
    = بحر و مخلوقات مائية و شلال عظيم في عمق يزيد على ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ؟ هذا يعني أننا قرب شاطئ هذا البحر ... و يعني أيضا ، أن الإنسان لا زال يجهل الكثير الكثير عن كوكبه الأزرق !..
    يصدق نمرود على كلامه و يضيف :
    - أخبرتكم قبلا ، أن البخار الصاعد من الأعماق ، بعد أن يتبرد و يتحول إلى ماء عذب ، و لكنه يحاول العودة من جديد إلى الأعماق بتأثير الجاذبية ، و ما ترونه هو إحدى تلك المحاولات ، لولا أن القاع الغرانيتي قد حبسه ؛ و إذا تجولتم في هذا البحر فسترون في أطرافه الكثير من المصبات المائية بعضها لا يتجاوز نصف متر و بعضها على شكل شلالات أخرى ، و لكن هذا الشلال الذي ترون هو أعظمها ..
    يقترح الدكتور تسمية هذا المحيط المائي العذب : " بحر السلام العالمي " فيؤيده الآخرون ؛ و يمتدح نمرود و كرزون هذا الإقتراح ، و يبدأ الدكتور رياض بتحريك المركبة من جديد فوق سطح الماء ، كما يبدأ كل من الدكتورين عبد الله و مجدي بإجراء القياسات اللازمة عن طريق المسح الراداري و المغناطيسي و الليزري ، ليصبح بالإمكان تسجيل هذا الإكتشاف العلمي في الجهة المعنية في الأمم المتحدة .
    و بينما هم يقومون بمهمتهم يلاحظون اقترابهم من شاطئ صخري ، فيتوجهون نحوه .
    يقترب الدكتور حمود من نمرود سائلا :
    - هل بوسعك إحاطتنا بفقاعات من المادة المعتمة لنتمكن من التجوال على الشاطئ ، كما فعل الأخ جِمنا من قبل ؟
    يجيبه نمرود:
    = بالطبع ، و لكن هل لديكم كشافات خاصة ؟ فكشافاتكم لن تعمل و أنتم ضمن فقاعات المادة المعتمة ؛ نحن مثلا لا نحتاج إلى الضوء ، أما أنتم فلا يمكنكم الحركة بدونه ، فالظلام دامس كما تلاحظون !
    يتدخل الدكتور عبد الله قائلا :
    - في الحقيقة نحن لم نكن نعلم عن وجود المادة المعتمة أصلا ، و بالتالي ليس لدينا مثل هذه الكشافات .
    يقاطعهم كرزون مطمئنا :
    = لا تشغلوا بالكم ، سأذهب في الحال إلى المملكة لإحضار ما يلزم
    وأمام الأعين المذهولة يتلاشى كرزون ثم يختفي .
    يتوجه الدكتور حمود إلى إحدى الخزائن ، فيستخرج منها مجموعة أعلام هي أعلام الإمارات و مصر و سورية و فلسطين و المغرب التي تمثلهم جميعا ، و هو يقول : سأغرس هذه الأعلام على الشاطئ ، لنؤكد أننا أصحاب هذا الإكتشاف الذي سوف يغير وجه العالم كما قال أخونا كرزون .
    *****
    أثناء فترة الإنتظار ، أخذ نمرود يحدثهم عن أماكن الماء العذب في أعماق الكرة الأرضية ، فقال من ضمن ما قال :
    = هذا البحر هو اكبرها ، و لكن هناك بحرا آخر في أعماق المحيط المتجمد الجنوبي ، يختلف عن هذا ، بأنه على شكل بحيرات متعددة تربط بينها شبكة من الأنهار ، و هو أقرب إلى سطح الأرض من ( بحر السلام العالمي ) هذا .
    و هناك بحيرة كبرى في أعماق الربع الخالي في السعودية ، و بحيرة كبيرة على شكل جيوب متعددة ، تحت مصر و السودان و أطراف ليبيا و تمتد إلى دارفور حيث تدور الحرب الأهلية هناك من أجل الإستحواذ على مصادر المياه ! أليست هذه مفارقة كبرى ، يتصارعون على الماء و الماء الغزير تحتهم ؟؟
    ثم يضيف قائلا :
    = و هناك بحر كبير يمتد في أعماق اوربا و تعيش فيه بعض حيوانات ما قبل التاريخ العملاقة و التي تسمونها بالدايناصورات .
    ثم أضاف :
    = فإذا كنتم ترغبون ، ساصحبكم إليها جميعا .

    *****
    عندما وصل زكرون ، رش مادة ما لم يتمكنوا من معرفة كنهها و طبيعتها ، و لكن بعد لحظات انتشر الضوء في المكان إلى مسافة عشرات الأمتار بعدا و ارتفاعا ، فتكشف النكان عن شاطئ فسيح .
    قال لهم نمرود :
    = أنتم الآن ضمن فقاعاتكم ، أنتم ترون كل شيء ، و لكن أحدا لا يراكم ، اعتقد أن الأمير جِمنا أخبركم بهذا من قبل .
    ما أود أن أقوله ، أنكم قد تُجابهون مخلوقات مخيفة ، فلا تأبهوا بها أو تخشونها ، فهي لن تراكم و لذا لن تهاجمكم .
    أما الأمر الآخر الهام أيضا ، هو أن فقاعاتكم من المادة المعتمة ، سوف تسمح لكم بالتجوال بالسرعة التي ترغبون ، ما عليكم إلا أن تفكروا بالمكان الذي ترغبون بزيارته حتى تجدون أنفسكم فيه .
    أما الأمر الثالث فكما تعلمون ، فلكي تتمكنوا من الخروج من مركبتكم ( دبي 1 ) أحطتها بفقاعة من المادة المعتمة ، أي أنكم لن تتمكنوا من رؤيتها ، لذا وضع لكم كرزون علامة ضوئية خضراء فوق تلك الصخرة المجاورة للمركبة ، حتى إذا ابتعد أحدكم عن المجموعة لسبب ما و شعر أنه ضل طريقه ، فتلك هي العلامة التي سترشده إلى المركبة ، حيث عليه الإنتظار فيها حتى عودة الجميع .
    عقب الدكتور حمود قائلا :
    - فوق تلك الصخرة ساضع أعلام بلادنا .
    و عندما أتم الدكتور حمود تثبيت الأعلام ، وسط تصفيق زملائه ، حمل كل منهم مصورته ، بينما حمل الدكتور عبد الله ( كمرة فيديو ) ، و ابتدؤوا التحرك فوق الشاطئ .
    كان سقف الكهف الصخري يبتعد حينا عاليا لمسافة تزيد عن المائة متر و ينخفض حينا حتى ليكاد يلامس الرؤوس ، و قد لفتت نباتات فطرية عملاقة انتبهاهم ، تنتشر أفقيا على شكل فروع تمتد إلى مسافات بعيدة ، و فطريات أخرى تنمو عموديا فكانت اشبه بشجيرات الصباريات .
    و إن هي إلا دقائق ، حتى برز أمامهم حيوان عملاق يشبه الضب و لكن بدون عينين ، فقد نبت مكانهما قرنا استشعار طويلان ، كان منهمكا بالتهام فروع شجيرة فطرية ، مروا امامه و حوله و التقطوا له الصور ، دون أن يلتفت إليهم أو يشعر بوجودهم ، ثم ما لبثوا بعد قليل أن وجدوا قطيعا كاملا من نوعه يرعى شجيرات الفطر .
    كانو يتحركون و كأنهم في مركبات فضائية بخفة و رشاقة و سرعة لم يجربوها من قبل إلا عندما غادروا مركبتهم في رحلتهم المدهشة إلى مملكة المادة المعتمة .
    كانوا يفترقون حينا و يتجمعون حينا ، أما الدكتور مجدي فقد انهمك بفحص كل ما تقع عليه عيناه ، فاكتشف الكثير من العروق الذهبية ، و الكثير الكثير من معدني الحديد و النحاس على شكل حجارة من مختلف الأحجام فملأ حقيبة مكتب يحملها ، بعينات منها .
    ثم ارتقوا جميعا إلى أعلى الشلال الذي كانوا قد شاهدوه ، و إذا بهم أمام نهر عظيم لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار إلا أن ماءه كان غزيرا ، يتسارع جريانه كلما اقترب من نقطة الإنحدار .
    و خلال نصف ساعة تمكنوا من اكتشاف معظم ( بحر السلام العالمي ) و شواطئه و من التقاط ثروة من الصور و لقطات الفيديو ، و العينات ، ثم عادوا إلى المركبة و قد غمرتهم السعادة .


    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
    البريد : nizar_zain@yahoo.com



  2. #2
    أديب الصورة الرمزية نزار ب. الزين
    تاريخ التسجيل
    30/09/2006
    العمر
    92
    المشاركات
    1,703
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رحلة إلى الأعماق - رواية من الخيال العلمي في حلقات -ج7 - نزار ب. الزين

    رحلة إلى الأعماق
    قصة من الخيال العلمي في حلقات
    الجزء السابع

    نزار ب. الزين*


    أبطال القصة :
    د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
    د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
    د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
    د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
    د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .


    بعد أن تشاور العلماء العرب الخمسة فيما بينهم ، رفضوا فكرة الإنقسام إلى فريقين و رؤوا ضرورة بقائهم معا ، على أن تتم زيارة المختبرات فيما بعد .
    و هكذا توجهوا جميعا إلى المركبة يرافقهم نمرود و كرزون معا ، و سرعانما حررهم نمرود من فقاعاتهم المصنوعة من المادة المعتمة ، ثم اتخذ كل موضعه استعدادا للإنطلاق .
    قال لهم نمرود مقترحا : " ما رايكم أن نبدأ بتجمعات المياه العذبة ؟ " فوافقوه في الحال .
    تقدم كرزون من الدكتور رياض و أخذ يرشده إلى الإحداثيات التي يجب اتباعها للوصول إلى أول جيب مائي يستحق الإطلاع و الدراسة و بأسرع وقت ممكن .
    و تنطلق المركبة بركابها مخترقة باطن الأرض صعودا في اتجاه الشمال الغربي ، و إن هي إلا دقائق لم تبلغ العشر ، حتى وجدوا أنفسهم يسبحون بمركبتهم في وسط مائي شديد الظلمة ، ما أن وصلوا إلى سطحه حتى شاهدوا بكشافاتهم أنهم ضمن كهف ، ما لبث الدكتور عبد الله ان أخبرهم أنه بواسطة المسح الصوتي ، تمكن من التأكد أنهم ضمن كهف عملاق يتوسطه هذا الماء الذي بدا له – أيضا - و كأنه بحر واسع أو محيط مترامي الأطراف ...
    قال لهم نمرود مؤكدا :
    - نعم إنه محيط ، إنه بحجم ما تطلقون عليه المحيط الهندي ، و كله من الماء العذب !
    أصابتهم الدهشة و عقدت ألسنتهم ..
    و بعد فترة صمت ، علق الدكتور مجدي بصوت متهدج عَكَسَ انفعاله الشديد :
    = لو أن البشر تمكنوا من اكتشاف هذا المحيط من المياه العذبة و تمكنوا من الوصول إليه و استثماره ، لكفوا عن الصراع و الحروب إلى الأبد ، فإن هذا الماء وحده كافٍ ليحوِّل الكرة الأرضية بجبالها و هضابها الجرداء و صحاريها القاحلة إلى جنة وارفة ....
    يجيبه نمرود :
    - ليس هذا فحسب ، بل هناك تجمعات مائية أخرى من المياه العذبة في عدة أماكن ، ساطلعكم عليها تباعا ، إن شئتم !
    و يتساءل الدكتور هشام :
    = و لكن كيف تكوَّن هذا المحيط و في هذا العمق ؟ و يلتفت إلى إلى الدكتور عبد الله متسائلا " كم هو عمقنا الآن في جوف الأرض ، أخي عبد الله ؟ " فيجيبه الدكتور عبد الله : " نحن على عمق أقل بقليل من ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ! تحت بحر الصين مباشرة ، و هو البحر الذي يفصل اليابان عن الصين . "
    و يقاطعهما نمرود مجيبا على استفسار الدكتور هشام :
    - على مدى ملايين السنين ، كانت المياه تتسرب من المحيطات و البحار أو من الجبال دائمة الغطاء الثلجي ، إلى أعماق سحيقة في جوف الأرض ؛ و بتأثير الحرارة الشديدة في الأعماق تتبخر متحررة من أملاحها و تتحول إلى أبخرة تبدأ بالصعود بين الشقوق ، إلى أن تصل إلى طبقات أبرد ، فتتحول من جديد إلى ماء و لكنه ماء عذب ، في ظاهرة قريبة من ظاهرة تكون المطر فوق سطح الأرض ، و تحت تأثير الضغط العالي و الجاذبية يحاول الماء التسرب من جديد إلى الأعماق ، إلا أن بعضه و أثناء حركته الراجعة قد يصادف صخورا لا تسمح له بالتسرب فيتجمع فوقها ، و تصادف في هذا المكان وجود صفيحة غرانيتية ضخمة سمحت بهذا التجمع المائي هائل الحجم .
    يعلق الدكتور هشام : " هناك مقولة علمية تفيد بأنه حيثما يوجد ماء توجد حياة ، فلِمَ لا نباشر بالبحث عن حياة ما ، هنا ؟ "
    يوافقه زملاؤه و يقررون الغوص من جديد ، فيشغل الدكتور عبد الله الكشافات الضوئية جميعا ، بينما استعد الدكتور مجدي لجمع العينات ، أما الآخرون فاتجهوا إلى المراقبة الخارجية عن طريق كاميرات الفيديو أو شاشات الرادار ..
    و تبدأ من ثم الأعاجيب بالظهور ، أسماك شبيهة بأسماك البحار المعروفة و لكن لا لون لها و لا عيون ، منها الكبير بحجم قرش و منها الصغير بحجم عقلة الإصبع ، يبدو أنها تعيش في عالم شمي كما يعيش النمل .
    و على حين غرة يبرز أمامهم مخلوق مائي عملاق ، بدا وكأنه يتجه نحوهم مباشرة و بسرعة كبيرة ؛ صاح الدكتور عبد الله بأعلى صوته : " أعلى سرعة يا أخي رياض ، إنه يهاجمنا " .
    و يتمكن الدكتور رياض بمناورة بارعة من تحاشي الإصطدام بهذا المخلوق الذي يعادل حجم حوتين كبيرين من نوع الحوت الأزرق ، على الأقل .
    و بعد التقاط الأنفاس ، يعلق الدكتور عبد الله : " إنه بطول ستين مترا أي أكثر من ضعف طول مركبتنا ، لو أننا ارتطمنا به لكنا واجهنا كارثة ! " فيرد عليه الدكتور هشام واثقا بما يقول : " لا أظن ذلك ، فمركبتنا قوية ، فقد اخترقت الصخور الصلبة و قاومت الضغط الهائل ، و لو أننا اصطدمنا به لقطعناه إربا !.." أما الدكتور حمود فكان سؤاله موجها للدكتور عبد الله : " هل سجلت الواقعة (أخوي) عبد الله ؟ " .
    يضحك الدكتور عبد الله و يضحك الآخرون ..و قد تذكروا مقلب الزمن الضائع ..
    يقاطعهم كرزون قائلا و قد تملكه الإعجاب الشديد :
    - مركبتكم هذه سوف تغير وجه العالم ، أتدرون ؟
    *****
    تعود المركبة إلى سطح الماء ، فقد قرر العلماء البحث عن شاطئ هذا البحر المذهل ، و لكن بعد بضع دقائق يرصد الدكتور عبد الله صوت هدير عالٍ ، يسلط كشافات المركبة في كل اتجاه للتعرف على مصدر الصوت ، و فجأة يكتشف اقتراب المركبة من شلال هائل ، فيصيح الدكتور عبد الله صيحة ( أرخميدس ) : " إنه شلال ، شلال حقيقي يربو ارتفاعه على المائة متر ، و كأني أمام شلال فيكتوريا الأفريقي الذي شاهدت فيلما عنه ذات يوم . "
    يتساءل الدكتور حمود مشدوها :
    = بحر و مخلوقات مائية و شلال عظيم في عمق يزيد على ثلاثة آلاف و خمسمائة متر ؟ هذا يعني أننا قرب شاطئ هذا البحر ... و يعني أيضا ، أن الإنسان لا زال يجهل الكثير الكثير عن كوكبه الأزرق !..
    يصدق نمرود على كلامه و يضيف :
    - أخبرتكم قبلا ، أن البخار الصاعد من الأعماق ، بعد أن يتبرد و يتحول إلى ماء عذب ، و لكنه يحاول العودة من جديد إلى الأعماق بتأثير الجاذبية ، و ما ترونه هو إحدى تلك المحاولات ، لولا أن القاع الغرانيتي قد حبسه ؛ و إذا تجولتم في هذا البحر فسترون في أطرافه الكثير من المصبات المائية بعضها لا يتجاوز نصف متر و بعضها على شكل شلالات أخرى ، و لكن هذا الشلال الذي ترون هو أعظمها ..
    يقترح الدكتور تسمية هذا المحيط المائي العذب : " بحر السلام العالمي " فيؤيده الآخرون ؛ و يمتدح نمرود و كرزون هذا الإقتراح ، و يبدأ الدكتور رياض بتحريك المركبة من جديد فوق سطح الماء ، كما يبدأ كل من الدكتورين عبد الله و مجدي بإجراء القياسات اللازمة عن طريق المسح الراداري و المغناطيسي و الليزري ، ليصبح بالإمكان تسجيل هذا الإكتشاف العلمي في الجهة المعنية في الأمم المتحدة .
    و بينما هم يقومون بمهمتهم يلاحظون اقترابهم من شاطئ صخري ، فيتوجهون نحوه .
    يقترب الدكتور حمود من نمرود سائلا :
    - هل بوسعك إحاطتنا بفقاعات من المادة المعتمة لنتمكن من التجوال على الشاطئ ، كما فعل الأخ جِمنا من قبل ؟
    يجيبه نمرود:
    = بالطبع ، و لكن هل لديكم كشافات خاصة ؟ فكشافاتكم لن تعمل و أنتم ضمن فقاعات المادة المعتمة ؛ نحن مثلا لا نحتاج إلى الضوء ، أما أنتم فلا يمكنكم الحركة بدونه ، فالظلام دامس كما تلاحظون !
    يتدخل الدكتور عبد الله قائلا :
    - في الحقيقة نحن لم نكن نعلم عن وجود المادة المعتمة أصلا ، و بالتالي ليس لدينا مثل هذه الكشافات .
    يقاطعهم كرزون مطمئنا :
    = لا تشغلوا بالكم ، سأذهب في الحال إلى المملكة لإحضار ما يلزم
    وأمام الأعين المذهولة يتلاشى كرزون ثم يختفي .
    يتوجه الدكتور حمود إلى إحدى الخزائن ، فيستخرج منها مجموعة أعلام هي أعلام الإمارات و مصر و سورية و فلسطين و المغرب التي تمثلهم جميعا ، و هو يقول : سأغرس هذه الأعلام على الشاطئ ، لنؤكد أننا أصحاب هذا الإكتشاف الذي سوف يغير وجه العالم كما قال أخونا كرزون .
    *****
    أثناء فترة الإنتظار ، أخذ نمرود يحدثهم عن أماكن الماء العذب في أعماق الكرة الأرضية ، فقال من ضمن ما قال :
    = هذا البحر هو اكبرها ، و لكن هناك بحرا آخر في أعماق المحيط المتجمد الجنوبي ، يختلف عن هذا ، بأنه على شكل بحيرات متعددة تربط بينها شبكة من الأنهار ، و هو أقرب إلى سطح الأرض من ( بحر السلام العالمي ) هذا .
    و هناك بحيرة كبرى في أعماق الربع الخالي في السعودية ، و بحيرة كبيرة على شكل جيوب متعددة ، تحت مصر و السودان و أطراف ليبيا و تمتد إلى دارفور حيث تدور الحرب الأهلية هناك من أجل الإستحواذ على مصادر المياه ! أليست هذه مفارقة كبرى ، يتصارعون على الماء و الماء الغزير تحتهم ؟؟
    ثم يضيف قائلا :
    = و هناك بحر كبير يمتد في أعماق اوربا و تعيش فيه بعض حيوانات ما قبل التاريخ العملاقة و التي تسمونها بالدايناصورات .
    ثم أضاف :
    = فإذا كنتم ترغبون ، ساصحبكم إليها جميعا .

    *****
    عندما وصل زكرون ، رش مادة ما لم يتمكنوا من معرفة كنهها و طبيعتها ، و لكن بعد لحظات انتشر الضوء في المكان إلى مسافة عشرات الأمتار بعدا و ارتفاعا ، فتكشف النكان عن شاطئ فسيح .
    قال لهم نمرود :
    = أنتم الآن ضمن فقاعاتكم ، أنتم ترون كل شيء ، و لكن أحدا لا يراكم ، اعتقد أن الأمير جِمنا أخبركم بهذا من قبل .
    ما أود أن أقوله ، أنكم قد تُجابهون مخلوقات مخيفة ، فلا تأبهوا بها أو تخشونها ، فهي لن تراكم و لذا لن تهاجمكم .
    أما الأمر الآخر الهام أيضا ، هو أن فقاعاتكم من المادة المعتمة ، سوف تسمح لكم بالتجوال بالسرعة التي ترغبون ، ما عليكم إلا أن تفكروا بالمكان الذي ترغبون بزيارته حتى تجدون أنفسكم فيه .
    أما الأمر الثالث فكما تعلمون ، فلكي تتمكنوا من الخروج من مركبتكم ( دبي 1 ) أحطتها بفقاعة من المادة المعتمة ، أي أنكم لن تتمكنوا من رؤيتها ، لذا وضع لكم كرزون علامة ضوئية خضراء فوق تلك الصخرة المجاورة للمركبة ، حتى إذا ابتعد أحدكم عن المجموعة لسبب ما و شعر أنه ضل طريقه ، فتلك هي العلامة التي سترشده إلى المركبة ، حيث عليه الإنتظار فيها حتى عودة الجميع .
    عقب الدكتور حمود قائلا :
    - فوق تلك الصخرة ساضع أعلام بلادنا .
    و عندما أتم الدكتور حمود تثبيت الأعلام ، وسط تصفيق زملائه ، حمل كل منهم مصورته ، بينما حمل الدكتور عبد الله ( كمرة فيديو ) ، و ابتدؤوا التحرك فوق الشاطئ .
    كان سقف الكهف الصخري يبتعد حينا عاليا لمسافة تزيد عن المائة متر و ينخفض حينا حتى ليكاد يلامس الرؤوس ، و قد لفتت نباتات فطرية عملاقة انتبهاهم ، تنتشر أفقيا على شكل فروع تمتد إلى مسافات بعيدة ، و فطريات أخرى تنمو عموديا فكانت اشبه بشجيرات الصباريات .
    و إن هي إلا دقائق ، حتى برز أمامهم حيوان عملاق يشبه الضب و لكن بدون عينين ، فقد نبت مكانهما قرنا استشعار طويلان ، كان منهمكا بالتهام فروع شجيرة فطرية ، مروا امامه و حوله و التقطوا له الصور ، دون أن يلتفت إليهم أو يشعر بوجودهم ، ثم ما لبثوا بعد قليل أن وجدوا قطيعا كاملا من نوعه يرعى شجيرات الفطر .
    كانو يتحركون و كأنهم في مركبات فضائية بخفة و رشاقة و سرعة لم يجربوها من قبل إلا عندما غادروا مركبتهم في رحلتهم المدهشة إلى مملكة المادة المعتمة .
    كانوا يفترقون حينا و يتجمعون حينا ، أما الدكتور مجدي فقد انهمك بفحص كل ما تقع عليه عيناه ، فاكتشف الكثير من العروق الذهبية ، و الكثير الكثير من معدني الحديد و النحاس على شكل حجارة من مختلف الأحجام فملأ حقيبة مكتب يحملها ، بعينات منها .
    ثم ارتقوا جميعا إلى أعلى الشلال الذي كانوا قد شاهدوه ، و إذا بهم أمام نهر عظيم لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار إلا أن ماءه كان غزيرا ، يتسارع جريانه كلما اقترب من نقطة الإنحدار .
    و خلال نصف ساعة تمكنوا من اكتشاف معظم ( بحر السلام العالمي ) و شواطئه و من التقاط ثروة من الصور و لقطات الفيديو ، و العينات ، ثم عادوا إلى المركبة و قد غمرتهم السعادة .


    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
    البريد : nizar_zain@yahoo.com



+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •